• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

عبق الشهر الفضيل

عبق الشهر الفضيل

◄تهبّ علينا هذه الأيام نفحات عطرة من عبق الشهر الفضيل، الذي يكتنف مُستقبليه بالرحمة والرضوان، والذي دعا الله سبحانه عباده فيه ليكونوا من أهل طاعته وغفرانه. ونحن إذ نستقبل هذا الشهر العظيم بالنفحات الربّانية، والآيات الروحانية، التي تفيض على مستنشقيها عبق الطاعة والعبودية لله سبحانه نحبُّ أن نُذكِّر أنفسنا وإخواننا بأمر طالما أكد عليه النبيّ (ص) وأهل بيته الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) في حقّ الشهر المبارك.

إنّ لله سبحانه وتعالى أماكن يحبُّ أن يُدعى فيها ليجيب، كما أنّ له أياماً يحبُّ أن يُتقرّب إليه فيها بالطاعات ليعود على المتقرِّبين بالعطف والرحمة، فكانت منها أيام الشهر المبارك، لذا ورد عن النبيّ (ص) في الخطبة التي خطبها في آخر جمعة من شعبان أنّه قال: "أيُّها الناس، إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله...". ومن هنا لابدّ لنا من وقفة قصيرة نتأمّل فيها هذه العبارة ذات البُعد الدلالي الواسع.

من المعلوم لكل أحد أنّ حقوق الضيف على مُضيِّفه كثيرة، كحُسن استضافته بالإحسان إليه، وتوفير أسباب الترفل بالنِّعَم، وفسح المجال له لأن يختار ما يشاء من أنواع الملذّات المباحة. كما أنّ حقوق المُضيِّف على الضيف كثيرة أيضاً كالتأدُّب بحضرته، وحفظ حرمته بحفظ الجوارح من أن تزيغ معتدية على حقوقه، لذا لابدّ من حفظ عينه من أن تسرق ما لا يحب النظر إليه، وحفظ يده من أن تنال ما لا يريد نيله، وحفظ لسانه من أن يخرج عن الأدب... وهكذا.

ولو قام المُضيِّف بآداب الضيافة لابدّ من أن يقوم الضيف بالآداب أيضاً، وإلّا لعدّ ناكراً للجميل، ولخرج عن العُقلاء وعَدَّ في عِداد المُعتدين الذين يذمّهم العقلاء.

ومن المعلوم أنّ الله سبحانه وتعالى قد قام بآداب الضيافة على أحسن وجهها.. فأي نعمة منعها الله تعالى عباده؟! وأي خير لم يرسله إليهم؟! ونِعمُ الله تعالى لا تعدّ ولا تحصى، كما قال هو جلّ اسمه: (وإنْ تَعُدُّوا نِعمَةَ اللهِ لا تُحصُوها) (إبراهيم/ 34). كما أنّه أتاح الفرصة للنيل من الملذّات المباحة والتمتُّع بهذه الدنيا مع حفظ حقوقه وحقوق الآخرين، لذا على المؤمنين التأدُّب بحضرته سبحانه، وحفظ حقوقه المتمثلة بحفظ اللسان والعين واليد وسائر الجوارح من التعدّي والزيغ حتى ورد عنهم (عليهم السلام) أنّ الصيام ليس إمساكاً عن الطعام والشراب فحسب، بل هو – بالإضافة إلى ذلك – إمساك الجوارح عن المعاصي.. وكما أنّ الطاعة في شهر رمضان تعادل أضعافها في غيره من الشهور، كذلك المعصية في شهر رمضان تعادل أضعافها في غيره من الشهور، لما فيها من الهتك المضاعف.

وقد ورد عن بعض الأئمة (عليهم السلام) مخاطباً أحد صحابته: "إنّ الحسن من كلّ أحد حسن ومنك أحسن لقربك منّا، وإنّ القبيح من كلّ أحد قبيح ومنك أقبح لقربك منّا".

فلابدّ من رعاية هذا الحقّ العظيم وأدائه على أحسن وجه مع التوجه إلى الله سبحانه في أن يوفق لأداء حقوقه فهو المشكور على النعمة والمشكور على شكرها، وحُسن النيّة معه، والإنابة إليه، وسؤاله المغفرة، والعفو عمّا سلف، والابتداء بصفحة جديدة محلها تكون بداية حقيقية، يعود فيها المؤمنون إلى رضوان الله، ويحضون غفرانه فإنّ الله تعالى (مَعَ الّذِينَ اتَّقَوا والّذِينَ هُم مُحسِنُونَ) (النحل/ 128)، كما أنّه يعين مَن جاهد فيه ويهديه سواء السبيل (وَالّذينَ جاهَدُوا فينا لَنَهدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وإنّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ) (العنكبوت/ 69).►

ارسال التعليق

Top