◄الصراعات والنزاعات الدائمة، لا تنشأ من وجود الاختلاف والتنوع، وإنما تنشأ من العجز عن إقامة نسق مشترك يجمع الناس ضمن دوائر ارتضوها.
والحوار بين الإنسان وأخيه الإنسان، من النوافذ الأساسية لصناعة المشتركات التي لا تنهض حياة اجتماعية سوية من دونها.
وعليه فإنّ الحوار لا يدعو المغاير أو المختلف إلى مغادرة موقعه الديني أو الثقافي أو السياسي، وإنما هو لاكتشاف المساحة المشتركة وبلورتها، والانطلاق منها مجدداً ومعاً في النظر إلى الأمور. والدين الإسلامي أوْلى العناية والاهتمام بقيمة الحوار والدعوة والمجادلة بالتي هي أحسن، وذلك لأنّه لا دين بالفرض والقهر والإكراه (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة/ 256). وقال تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصّلت/ 34).
يفتح الحوار بين الأديان والتعبيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية، آفاق التعاون، ويُبلور أُطر التضامن، ويُدخل الجميع في قافلة الدفاع عن المقدّسات ومواجهة التحديات.
"وبالحوار يكون الإسلام قاعدة للفكر والعاطفة والحياة، فلا يثير في داخل البشر شعوراً سلبياً لا داعي لإثارته، ولا يُواجههم بأفكار سريعة تحتاج في وصولها إلى أفكارهم لمقدّمات طويلة، تُهيّئ الجو النفسي، وتمهّد الأرضية الفكرية لذلك. ولا يحطم مشاعرهم بالقسوة في الكلمة والحركة والأسلوب. بل يعمل على أن يلامسها باللطف واللين والحكمة، لتكون المدخل الطبيعي للثقة والعاطفة المتبادلة التي تمنح الفكر حالة الهدوء، والشعور حالة الطمأنينة. وهما المدخل الطبيعي لتكوين القناعات والوصول إلى روحية الإيمان. ولعلنا لا نبالغ عند القول: إنّ التكليف الرباني الأوّل للإنسان على وجه هذه المعمورة وهو خلافة الإنسان، كان الباري عزّ وجلّ يحاور ملائكته ويوضح لهم دواعي اختياره. ويختم الباري عزّ وجلّ حوارهم عند حدود المعرفة التي يملكونها بقوله (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 30). وأضحى الحوار بعد ذلك هو أسلوب الأنبياء والأوصياء والصالحين عبر التاريخ".
إنّ عظمة أي ثقافة هي في انفتاحها، وقدرتها على تأصيل مفهوم الحوار والنقد في مسيرتها، فثمة أشياء ومعارف عديدة يتم الاستفادة منها من جراء الانفتاح والتواصل والحوار. والثقافة التي تصطنع الانفصال والانغلاق تبتر التاريخ وتقف موقفاً مضاداً من الوعي التاريخي. وإنّ الثقافة الحوارية، هي المهاد الضروري إلى التقدم الاجتماعي والسياسي والحضاري. فالحوار يعيدنا جميعاً إلى اكتشاف ذواتنا، ويقوّي خيارات التواصل والتعارف، ويدفعنا جميعاً إلى التخلي عن تلك الخيارات العُنفية، التي تمارس النبذ والإقصاء.►
المصدر: كتاب حوار الأديان وقضايا الحرّية والمشاركة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق