قال الإمام عليّ (عليه السلام): «المؤمن يرغب فيما يتبقى ويزهد فيما يفنى بعيد كسله دائم نشاطه». فالحيوية في حياة المؤمن هي حالة النشاط والمثابرة الدائمة والمنظّمة في حياة الإنسان بصورة عامّة. لقد حثّ الإسلام أبناءه على الحيوية وركَّز كثيراً في ذلك بهدف ضمان سعادتهم ونجاحهم في الدِّين والدُّنيا. قال الإمام عليّ (عليه السلام): «إنّ الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما، ويأخذان منك فخذ منهما». وقال الصادق (عليه السلام) مخاطباً ابن جندب: «أقل النوم بالليل والكلام بالنهار». وقد جاء في الحديث: «علو الهمة من الإيمان».
هناك عدد من الأسباب الجوهرية في حياة الإنسان جعلت الإسلام يحث ويركِّز على الحيوية ويدعو أبناءه لارتداء حلتها البهية.. فالحيوية معناها أن تُؤدَّى الواجبات وتُقام الفرائض.. فالمؤمن لا يستطيع أن يقوم بما عليه من واجبات عائلية واجتماعية وجهادية ولا يستطيع أن يؤدِّي فرائض صيامه وحجّه وسائر عباداته ما لم يكن حيوياً متقداً بالنشاط والفاعلية. قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «الدُّنيا ساعة فاجعلوها طاعة». وقد قال عزّوجلّ: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (هود/ 114). وقال سبحانه وتعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (الأنعام/ 132).
بالحيوية يعمّ الخير على الناس، فالإنسان المؤمن كلّ ما كثرت حيويته وكثر جهده كثر خيره وعمّت بركته على الناس، فبحيويته يعين الضعيف وينصر المظلوم ويهدي الضال ويدفع البلاء أينما وجده. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أيّما مُسلِماً خدم قوماً من المسلمين إلّا أعطاه الله مثل عددهم خدماً في الجنّة». وقال سيِّدنا عليّ (عليه السلام): «السيِّد مَن تحمَّل أثقال أُخوته وأحسن مجاورة جيرانه». وقال عزّوجلّ: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة/ 105). وبالحيوية يتقدَّم المرء ويصل إلى عالي الدرجات والتناسب يبقى طردياً دائماً بين حيويته وبين تقدّمه. جاء في الحديث الشريف: «المرء يطير بهمته كما يطير الطير بجناحيه». وقال الإمام عليّ (عليه السلام): «الظفر بالحزم والحزم بإجادة الرأي». وقال (عليه السلام): «الصبر مفتاح الدرك والنجح عقبى مَن صبر». وقال (عليه السلام) أيضاً: «لا يعدم الصبور الظفر وإن طال به الزمان». وقد قال المثل: «مَن طلب العلى سهر الليالي». وقال الشاعر: مَن جد وجد ومَن زرع حصد ومَن سار على الدرب وصل.
كما للخمول والكسل عوامله التي تخلفه في النفس البشرية، كذلك للحيوية عواملها التي تخلقها وتكرسها في نفس الإنسان، وكما ينبغي للإنسان اجتناب العوامل التي تبعث الكسل في نفسه، كذلك يجب عليه الالتزام بالأسباب والعوامل التي تخلق في نفسه الحيوية والنشاط، وعوامل خلق الحيوية في النفس البشرية هي الشعور بالمسؤولية، حيث إنّ المسؤولية طاقة وهّاجة تحرّك مَن يشعر بها وتدفعه أماماً إلى ساحات العمل وخوض الغمرات في سبيل الرفعة والمثل. قال تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) (الصافات/ 24). والتفكّر الدائم إنّ الحيوية نشاط وعمل والفكر نور يهدي للنشاط والعمل، فمن ازداد من نور عقله ازداد عملاً ونشاطاً. قال سيِّدنا أمير المؤمنين (عليه السلام): «العقول أئمّة الأفكار والأفكار أئمّة القلوب والقلوب أئمّة الحواس، والحواس أئمّة الأعضاء». كما وإنّ إطاعة الناصح توفر على الإنسان مشقة التيه في الأُمور والبدء من أولياتها والتوقف عند مجالها. إنّ إطاعة الناصح قوّة فاعلة في دفع الإنسان إلى أتون النشاط والحيوية والإنتاج. جاء في الحديث: «المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله، وواعظ من نفسه، وقبول ممّن ينصحه». ولابدّ للإنسان أن يحافظ على تنظيم وتدبير شؤونه متى أراد لنفسه الحيوية الدائمة والنشاط المستمر. قال الإمام عليّ (عليه السلام): «مَن ساء تدبيره تعجل تدميره». وقال (عليه السلام) مخاطباً بنيه الحسن والحسين (عليهما السلام): «أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومَن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق