• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الاستعداد لليلة القدر المباركة

عمار كاظم

الاستعداد لليلة القدر المباركة

قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) (الدخان/ 3)، ليلة القدر، ليلة مباركة والعمل فيها له أجر وثواب العمل في ألف شهر: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر/ 3). ولا يخفى أنّ إنزال القرآن في هذه الليلة إنّما كان دفعةً واحدة على قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر/ 1).

في هذه الليلة يطّلع الله ملائكته على شؤون السنة كلّها من الأعمار والأرزاق والابتلاءات وسوى ذلك، ولا يخفى أنّ تقدير الله لا يحدث في تلك الليلة، فإنّه تعالى قدّر المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض في الأزل، بل المراد إظهار تلك الليلة المقادير للملائكة في تلك الليلة بأن يكتبها في اللوح المحفوظ: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (الدخان/ 4). جاءت التّعاليم النبويّة المستمدّة من الوحي الإلهيّ الذي أوحى به إلى نبيّه، أو ألهمه إيّاه، بضرورة استعداده فيها للصّلاة والابتهال والدُّعاء والانقطاع إلى الله، والتقرّب إليه بالكلمة الخاشعة، والدّمعة الخائفة، والخفقة الحائرة، والشّهقة المبتهلة، ليحصل على رضاه، فيكون ذلك أساساً للتّقدير الإلهيّ الذي يمثِّل عناية الله به ورعايته له، وانفتاحه عليه بربوبيّته الحانية الرّحيمة. وذلك هو السرّ الذي يرتبط به الإنسان بليلة القدر، في مواقع إنسانيّته، ليلتقي فيها بالسرّ الإلهيّ في رحاب ربوبيّته، لينطلق الإنسان إلى ربّه قائماً وقاعداً، وراكعاً وساجداً، في إخلاصه، وفي ابتهاله وفي خشوعه، لتكون هذه اللّيلة موعداً إلهيّاً يتميّز عن أيّ موعدٍ آخر. فبإمكان الإنسان أن يلتقي بالله في كلّ وقت، ولكنّ لقاءه به في ليلة القدر شيءٌ آخر، فهي (خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، فالرحمة فيها تتضاعف، والعمل فيها يكبر، والخير فيها يكثر، وعطايا الله تتزايد، وهي ـ بعد ذلك ـ ليلة السّلام التي يعيش فيها الإنسان روحيّة السّلام مع نفسه ومع النّاس، لأنّها تحوّلت إلى معنى السّلام المنفتح بكلّ معانيه على الله، ليكون برداً وسلاماً على قلب الإنسان وروحه، ليعود طفل الحياة الباحث عن الله.

ليلةُ القدر ليلة يُستحبُّ إحياؤها حتى مطلع الفجر بالأعمال الخاصّة والعامّة الواردة، وبالإكثار من الصلاة والاستغفار والدُّعاء لمطالب الدُّنيا والآخرة، والدُّعاء للوالدين والأقارب والإخوان المؤمنين والصلاة على النبيّ وآله، فقد ورد في الحديث عن الإمام الباقر (علیه السلام): «مَن أحيا ليلة القدر غُفرت له ذنوبه ولو كانت عدد نجوم السماء ومثاقيل الجبال ومكاييل البحار». وأمّا ما يُستحبُّ الدُّعاء به فقد رُوي أنّ النبيّ قيل له: «ماذا أسأل الله تعالى إذا أدركت ليلة القدر»؟ قال: «العافية».

ومن عطاءات هذه الليلة المباركة، إنّها تجعل الإنسان يشمر عن ساعد الجد ليجد في القُرب من الله، ويسعى لأن يجعل ليلة كاملة هي في خدمة مولاه يتعبّد ويتقرّب إليه ويتخلّص من مغريات الدُّنيا ومشاغلها حين يفرّغ نفسه ووقته لله تعالى وعبادته فقط، وهذا الأمر من الطبيعي أن يكون له تأثير كبير على روحية الإنسان وتكامله وسيره نحو الله تعالى، خصوصاً وأنّ ليلة القدر - كما هو معروف - غير محدّدة، بل مخفية بين عدّة ليالٍ وهذا ممّا يقرّب الإنسان من الله أكثر وأكثر ويجعله يعيش في رحاب العبودية لله تعالى.

ارسال التعليق

Top