◄إنّ المحور الأساس لصفات الإنسان النفسية يكمن في قوى أربع تعود إليها جميع الملكات والتوجّهات النفسيّة، وهذه القوى الأربع هي:
1- القوّة العقليّة: هذه القوّة من شأنها أن تُدرك الحسن من القبيح وتميّز الخير من الشر، ثمّ تأمر بفعل الحسن منها وترك القبيح.
2- القوّة الغضبيّة: وهي التي يدفع بها الإنسان الشرور والمخاطر والأذى عن نفسه، وبأيّ صورة مشروعة أو غير مشروعة؛ لأنّ هذه القوّة نفسَها لا تميّز بين الحسن والقبيح.
3- القوّة الشهويّة: وهي القوّة التي يطلب بها الإنسان المنفعة لنفسه، من قبيل المأكل والمشرب والشهوة، من دون أن تلاحظ هذه القوّة فيما تطلبه الحلال من الحرام أم الطاهر من النجس أو الحسن من القبيح؛ لأنّ ذلك ليس من شأنها، بل كلّ ما تراه هو الرغبة الجامحة لهذه الأمور.
4- القوّة الوهميّة: ووظيفة هذه القوّة أن تتابع التفاصيل الصغيرة من الأمور لتحلّلها وتستخرج منها الحيل لكي تتوصّل بها إلى تحقيق رغبات القوى الثلاث المتقدّمة، وعلى هذا فلو سُخّرت في خدمة القوّة العقليّة لبرع الإنسان في مجالات العلوم والاختراعات المفيدة، ولو سخّرها في خدمة القوّة البهيميّة لبرع في نصف المكائد لتلبية شهواته، ولو سخّرها في خدمة القوّة الغضبيّة، لبرع في العدوان والطمع والجشع.
وبناء على هذا التفصيل فإنّ النفس إذا تبعت القوّة الشهويّة سُمّيت نفساً "بهيميّة" لأنّ البهيمة لا يهمّها سوى علفها وملذّاتها، وإذا تبعت القوّة الغضبيّة سمّيت "سبعيّة" لأنّ فيها طبع السباع الضارية، وإذا تبعت القوّة العقليّة سمّيت "ملكيّة إلهيّة".
التوازن في قوى النفس:
إنّ قوى النفس التي سبق الحديث عنها لها حدان متراميان؛ الأوّل حدّ الإفراط والثاني حدّ التفريط. ولابدّ لسالك درب الأخلاق من أن يلتزم الوسط والاعتدال في القوّة الشهويّة بأن يكون الإنسان عفيفاً عقلاً وشرعاً، لا حدّ الإفراط بأن تكون الشهوة شديدة لا ترى أمامها رادعاً في الوصول إلى مآربها، ولا حدّ التفريط في خمودها بحيث تبطل الفائدة منها، فإنّ فائدة شهوة البطن أن يقيم بها الإنسان أودَه ويستمرّ في الحياة، والشهوة الجنسيّة لبقاء النسل، فلو كانتا خامدتين لما عُمِّر العالم وانتفت مظاهر الحياة فيه، ولو كانتا متفجّرتين كبركان يجتاح أمامه كلّ ما يمرّ به لذابت الأرض بجرائم أهلها وفسادهم.
وحدّ الاعتدال في الغضبيّة أن يكون المرء شجاعاً لا يخاف، وحدّ الإفراط في التهوّر والإقدام على المكاره بدون دراسة ونظر، وحدّ التفريط في الجبن والاستسلام والخنوع.
ومن هنا فعلى الإنسان السالك إلى الله تعالى بتهذيب نفسه أو لا يدع أيّاً من قواه يميل به عن الحادّة الوسط إلى حدّي الإفراط والتفريط: لأنّ كلّاً من هذه القوى تسعى لتحقيق رغباتها بغضّ النظر عن مصالح الأخرى، ومن هنا كانت النفس الإنسانية ساحةً لأكبر المعارك، وأكبرُ الجهاد أن يجاهد الإنسان هذه القوى التي تتصارع يميناً وشمالاً لتخرج من حد الوسطيّة والفضيلة، إلى الانحراف والرذيلة، ولذلك ورد في الحديث عن الرسول الأكرم (ص) أنّه قال لقوم لجعوا من ساحة المعركة: "مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر، وبقي عليهم الجهاد الأكبر".►
المصدر: كتاب في رحاب الأخلاق
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق