في عصرنا الحالي، عند الدخول إلى غرف الأطفال من مختلف الطبقات الاجتماعية تقريباً، نجد غرفاً تشبه الأماكن النابضة بالحياة والصخب، هياكل ملونة مصنوعة من المكعبات، وسيارات ألعاب تتسابق على طرق سريعة مصغرة، ودمى تسترخي في بيوت مصغّرة مصممة بإتقان.
للوهلة الأولى، قد يثير هذا المشهد شعوراً بالبهجة وإمكانات لا حصر لها، ولكن وراء هذا المنظر المبهج الزاخر بالألوان، تكمن مشكلة معقدة: الوفرة الهائلة من الألعاب التي يمكن أن تعيق - وللمفارقة - الإبداع والخيال اللذين وُجدت لإلهامهما، يؤدي هذا الكم الكبير من الألعاب الذي يمتلكه العديد من أطفالنا اليوم إلى ظاهرة باتت تُعرف باسم «الحمل الزائد للألعاب»، والتي لا تعتبر مجرد مشكلة في التخزين أو التنظيم، فحسب، بل تمثل تحدياً يؤثر على نمو الطفل وتطوره.
كثرة الألعاب ليست غير ضرورية فحسب، بل قد تكون ضارة أيضاً. غالباً ما يكون الأطفال بعيدين عن المنزل، إما في المدرسة أو في الحضانة، مما يقلل من الوقت الذي يقضونه في المنزل، وحتى أولئك الذين يقضون وقتًا أطول في المنزل، غالبًا ما يكونون منشغلين بأنشطة أخرى، وذلك لأن الأطفال بحاجة إلى التقليد والتواصل مع الكبار حولهم. كما أنهم قد يكونون منغمسين في استكشاف الأشياء الصغيرة المنتشرة في المنزل مثل الصناديق الكرتونية أو أغلفة الفقاعات، أو النظر من النوافذ، أو المساعدة في المطبخ، أو أنهم قد يقرأون الكتب، مما يعني أن معظم الأطفال لا يقضون أيامهم كاملةً في اللعب بألعابهم.
كما أن لإحاطة الأطفال بعدد كبير من الألعاب عواقب تنموية جدية، وكما يعتقد العديد من المختصين بالتنشئة التربوية أنه عندما تمتلئ غرف أطفالنا بالألعاب يطير الإبداع من النافذة. تخيل طفلًا محاطًا بكمية كبيرة من الألعاب - سيارات، دمى، ألغاز، وأجهزة إلكترونية - تتنافس جميعها على جذب انتباهه. للوهلة الأولى، قد يبدو أن هذا الطفل متواجد في مكان مثالي للنمو والتطور، إلا أن الأبحاث تُظهر أن هذه الوفرة غالبًا ما تؤدي إلى تأثير معاكس: ضعف الإبداع، فبدلًا من تعزيز اللعب التخيلي، يُمكن لهذه الألعاب الكثيرة أن تُرهق الطفل، وتُعيق قدرته على التفكير الإبداعي والتفاعل الكامل مع بيئته المحيطة.
أظهرت دراسة أجرتها جامعة توليدو في ولاية أوهايو الأمريكية هذه المسألة بوضوح. فقد قام الباحثون بمراقبة مجموعة من الأطفال، وتحديدا 36 طفلًا صغيرًا، تتراوح أعمارهم بين 18 و30 شهرًا، وهم يلعبون في بيئتين مختلفتين: الأولى تحتوي على أربع ألعاب، فقط، والثانية على ست عشرة لعبة. كانت النتائج مُثيرة للاهتمام، حيث وجدوا أن الأطفال في بيئة الأربع ألعاب لعبوا لفترة أطول مع كل لعبة، مستكشفين ميزاتها ومبتكرين طرقًا جديدة لاستخدامها - على سبيل المثال، لقد حولوا مكعباً بسيطاً إلى سيارة ومن ثم إلى منزل ومن ثم إلى هاتف، بينما أصبحت الدمية بطلة خارقة في لحظة، ومعلمة في اللحظة التالية. في المقابل، كان الأطفال الصغار المُحاطون بست عشرة لعبة يتنقلون بينها بسرعة، ويتفاعلون بشكل سطحي دون الخوض في استكشافها بشكل حقيقي.
تبرز هذه الدراسة كيف أن قلة الألعاب تُشجع على مشاركة أعمق، فعندما تكون خيارات الأطفال محدودة، يُدفعون نحو الإبداع والابتكار. ولكن كثرة الألعاب يمكنها أن تُرهق الأطفال، مما يؤدي إلى الإفراط في التحفيز وصعوبة التركيز. إذ كما هي الحال مع البالغين الذين يُعانون من صعوبة اتخاذ القرارات في بيئات مليئة بالخيارات، فإن الأطفال المحاطين بعدد كبير من الألعاب غالباً ما يُعانون من إرهاق اتخاذ القرارات من جراء تعدد الخيارات المتاحة أمامهم، مما يُعيق قدرتهم على التفاعل بعمق مع أي لعبة. وهذا الإفراط في التحفيز يُمكنه أن يُقلل من فترات الانتباه ويُخفض من جودة اللعب، حيث يتنقل الأطفال بين الألعاب دون استكشاف كامل لإمكاناتهم الإبداعية أو المعرفية.
وهناك تأثير آخر لكثرة الألعاب، حيث يمكنها أن تُعطّل عمليات النمو العصبي الأساسية للتطور الإدراكي. إذ قد تؤثر البيئات المليئة بالألعاب على مهارات الانتباه، وقدرات التسلسل، وحل المشكلات. وهذه الاضطرابات تؤثر بشكل خاص على الأطفال الذين يعانون بالفعل من مشاكل في الانتباه أو المعالجة الحسية. ولكن، من خلال تقليل عوامل التشتيت، يمكن للأطفال التركيز على استكشاف عدد أقل من العناصر بشكل أكثر شمولاً، مما يُعزز إدراكهم وتنسيقهم الحركي وقدرتهم على معالجة المعلومات بفعالية والتفكير المكاني بالإضافة إلى التفكير النقدي.
ما الذي يمكن للأهل القيام به؟
إلى جانب تأثيراته السلبية على الأطفال، يُعتبر الحمل الزائد للألعاب تحدياً شائعاً يواجهه الآباء أيضاً، خاصة بعد المناسبات مثل العطلات أو أعياد الميلاد حيث تتراكم الهدايا بشكل كبير، مما يتطلب استراتيجيات مدروسة تُوازن بين تقليل الفوضى وتنظيم الألعاب، مع تقديم الهدايا بوعي لتعزيز قيم المشاركة والاعتدال.
من أولى الخطوات التي يمكن القيام بها إزالة الفوضى، لا سيما مع إشراك الأطفال في هذه العملية من خلال تشجيعهم على فرز ألعابهم وتحديد الألعاب التي لم يعودوا يستخدمونها أو يُحبونها، على سبيل المثال، يُساعد تخصيص صندوق للألعاب التي يشعرون بالتردد بشأن الاحتفاظ بها، على تسهيل عملية اتخاذ القرار. إذا لم يفتقد الطفل هذه الألعاب بعد فترة، يُمكن إقناعه بالتبرع بها. وفي هذا الإطار يمكن للتبرعات للجمعيات الخيرية المحلية أو مُبادلات الألعاب مع الأصدقاء أن تُقلل الفوضى وتُعلّم الأطفال قيمة المُشاركة والعطاء.
من جهة أخرى، يُعد تنظيم الألعاب بفعالية، استراتيجية رئيسية أخرى تُسهّل حلول التخزين، مثل الصناديق والسلال والأرفف المنظمة، عملية التنظيف وتُساعد الأطفال على فهم مكان كل لعبة، كما يمكن لاستخدام الملصقات البصرية، كالصور، أن تجعل ترتيب المنزل ممتعاً للأطفال الصغار.
وبدلاً من إضافة المزيد من الألعاب إلى كومة الهدايا، يمكن للوالدين التركيز على هدايا التجارب التي تُخلّف ذكريات لا تُنسى وتُقلل من الفوضى، تُتيح عضوية الأماكن الرياضية، أو تذاكر العروض المسرحية، أو دروس الفنون فرصًا لتوطيد الروابط العائلية الهادفة، مع تحفيز اهتمامات الأطفال، ولجعل هذه الهدايا ملموسة للأطفال الصغار، يمكن تقديم أشياء صغيرة مرتبطة بالتجربة نفسها، مثل دمية محشوة كذكرى من العروض المسرحية، أو لوازم فنية لدروس الفنون.
وأخيراً، يُمكن أن يكون سرد القصص بحد ذاته أداة فعّالة، على الرغم من أنها غير مباشرة، لمكافحة مشكلة الحمل الزائد للألعاب، فقراءة كتب مثل «ويني الدبدوب» من تأليف الكاتب البريطاني أ. أ. ميلن، الذي يعمد فيها «ويني الدبدوب» هو وأصدقاؤه، بقوة الخيال، إلى تحويل الأشياء اليومية إلى مصادر للمغامرة، وكلها أمور من شأنها أن تُعزز قيم البساطة والخيال والامتنان في عقول الأطفال. تمامًا كما تفعل الرواية من أدب الأطفال الكلاسيكي، «اليرقة الجائعة جداً» للكاتب الأمريكي إريك كارل التي تسلط الضوء على الاستكشاف من خلال موارد محدودة، عندما تستكشف يرقة واحدة البيئة من حولها بإبداع، بالإضافة إلى قراءة روايات تحاكي مشكلة الألعاب الزائدة بشكل مباشر مثل رواية «ألعاب كثيرة جداً» من تأليف الكاتب الأمريكي ديفيد شانون التي تحكي قصة «سبنسر»، الطفل الذي يملك عدداً كبيراً من الألعاب لدرجة أن منزله بات يغرق في الفوضى بعد إقناع والدته له، يقرر «سبنسر» التخلي عن بعضها، لكنه يجد صعوبة كبيرة في ذلك، تقدم هذه القصص للأطفال دروسًا قيّمة حول التوازن والاعتدال في امتلاك الأشياء.
في نهاية المطاف، يمكننا القول إن مشكلة «الحمل الزائد للألعاب» ليست مجرد تحدٍ لوجيستي، بل هي دعوة لإعادة تقييم فلسفتنا التربوية، وبدلاً من أن نغرق أطفالنا بالألعاب، دعونا نتذكر أن السعادة الحقيقية لا تكمن في الوفرة المادية، بل في القدرة على الإبداع، والتواصل، وتقدير اللحظات البسيطة، لذا، لننظر إلى تقليل الألعاب ليس كحرمان، بل كفرصة لإطلاق العنان لإمكانات أطفالنا الحقيقية، وتحويل منازلنا إلى مساحات للإلهام والنمو، حيث تتفتح العقول وتزدهر القلوب.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق