• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف تجعل طفلك يطيعك وهو مبتسم؟

كيف تجعل طفلك يطيعك وهو مبتسم؟

الكلمة المكتوبة تحمل قوة صامتة للتواصل مع طفلك وتشجعه على الطاعة، فعلى سبيل المثال: كان لدى "هند" التي تبلغ من العمر سبع سنوات عادة سيئة، وهي إهمال ملابسها ورميها هنا وهناك، وكانت كثيراً ما تدخل مع أمها في جدال حول تلك المشكلة، وكم من الوقت أهدراه في الجدال والصراخ حول الملابس الملقاة هنا وهناك، وذات يوم جربت والدة "هند" فكرة جديدة، فكتبت ملاحظة تقول (من فضلك علقيني ولا ترميني، أفرحيني ولا تحزنيني، التوقيع: ملابسك الجميلة)، وقامت الأُم بلصق نسخة تلك الملاحظة على باب حجرة هند، ولصقت نسخة ثانية على الملابس الملقاة هنا وهناك، ولقد أحبت "هند" تلك الفكرة كثيراً، حيث إنّها كانت مفاجأة مبدعة ولم تكن عند قراءتها مضطربة مثلما يكون حالها عندما تستمع لنصيحة والدتها بل قرأتها بابتسامة صافية...

إنّ الملاحظات المكتوبة من الوالد لطفله تقوم بوظيفتين: فهي تحافظ على علاقتك بطفلك بحيث تضع مسافة مناسبة بينك وبين طفلك، وتنقل طلباتك إلى طفلك دون صياح، فأي ملاحظة ستكتبها لطفلك في لحظة غضب سيعاد صياغتها عدة مرات قبل أن تسلمها له، وإخراج انفعالاتك على الورقة عند الكتابة يبدد كثيراً من التوتر الذي يسببه الغضب، وصدق أو لا تصدق، فإنّه حتى الأطفال الذين لا يستطيعون القراءة بعد يحبون أسلوب الملاحظات، وتلك الملاحظات المكتوبة تحقق أقصى فاعلية لها مع الأطفال فيما بين الثالثة والخامسة، لأنّهم خلال تلك المرحلة السنية يبدءون في فهم معنى القراءة والكتابة، وأي ملاحظة مكتوبة لهم وعليها اسمهم سوف تجذب انتباههم، فقط كن على استعداد لقراءة تلك الملاحظة لطفلك أكثر من مرة... ولكي تضفي على رسالتك مزيداً من الأهمية وتجعلها أكثر متعة، حاول أن ترسلها عبر البريد (أو الإيميل) على هيئة بطاقة بريدية مصورة، فالأطفال يحبون استقبال الخطابات، ولتكن رسائلك رقيقة وجذابة... وبالنسبة للأطفال في سن الروضة، تعتبر الصور وسيلة تذكيرية جذابة، فعندما تقص صورة من مجلة بها طفلة تعلق ملابسها وتلصقها على دولاب طفلك، فهذه الصورة وسيلة تذكيرية جذابة، وقد ترسم أنت صورة لطفلك وهو يمارس النشاط الذي تطلبه منه وتعلقه في مكان مناسب...

 

لا تكن جادّاً طوال الوقت:

روى مسلم وأحمد بسند صحيح (واللفظ له) عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال: كنت غلاماً أسعى (ألعب) مع الصبيان، قال: فالتفت فإذا نبي الله (ص) خلفي مقبلاً، فقلت ما جاء نبيّ الله (ص) إلّا إليّ (يريد مني حاجة)، قال: فسعيت حتى أختبئ وراء باب دار، قال، فلم أشعر حتى تناولني (أمسكني)، قال، فأخذ (ص) بقفاي فحطأني حطأة، قال: اذهب فادع لي فلان، وكان كاتبه، قال: فسعيت فقلت (فلان): أجب نبيّ الله (ص) فإنّه على حاجة...

أيها المربي الكريم؛ اقتداء بالنبيّ الكريم يمكنك أن تستخدم الدعابة أحياناً بدلاً من الصياح وإلقاء الأوامر، الدعابة من تحفيز طفلك على طاعتك، وتجعلك في حالة تفاؤل وسعادة، كما أنّها تساعد أطفالك على رؤية الجانب الأكثر إشراقاً في الحياة، وتوضح لهم أنّ ارتكاب الخطأ ليس شيئاً قاتلاً ولا تنتهي معه الحياة، إنّ إضافة الدعابة لحياتك تزيد من قدر الطاقة الإيجابية في عائلتك، وتجعل أفراد أسرتك أكثر تقارباً، وتذكر أن تستخدم مع طفلك دعابة مهذبة، فالاستهزاء بطفل أو السخرية منه أو الاستهزاء به ليس بفكاهة، ومن الممكن أن يجرح مشاعر الطفل...

وهناك طرق كثيرة جدّاً لإضافة الدعابة على تعاملاتك مع أطفالك، فمثلاً الطفل الذي يرفض إخراج القمامة يمكنك أن تخبره – مداعباً – بأنّ هناك مقالاً عنه في صحف اليوم، تظاهر بأنّك تقرأ الحوار الذي أداره معه محرر الجريدة، واستشهد ببعض ما جاء على لسانه ومدى حبه للتخلص من القمامة، واقرأ كيف فاز بالميدالية الذهبية لأنّه كان الأسرع في لعبة التخلص من القمامة، ثمّ اعرض عليه أن تحسب له الوقت الذي سيستغرقه في إخراج القمامة... وهذه فكرة أخرى جميلة ابتكرها أحد الآباء، فقد اعتاد أبناؤه رمي كلّ حاجياتهم هنا وهناك، فاتفق معهم على وضع برميل بلاستيكي أو صندوق كبير في صالة البيت، ليلقي فيه – هو وأُمّهم – كلّ ما يجده في غير مكانه، وكلّ مَنْ ضاع منه شيء ليبحث عنه داخل البرميل، وعلى صاحب الشيء أن يقفز داخل البرميل لكي يستعيد ما يخصه، وفي المساء قبل النوم يلتف الجميع حول البرميل؛ ليروا ما به من حاجيات ويحددوا صاحبها، ثمّ يقوم الأب بالحكم على ذلك الشخص – الذي ترك حاجياته في البرميل حتى المساء – إما بغسل الأطباق أو كنس الصالة أو إلقاء القمامة... وهكذا تحوّل غضب الأب والأُم إلى فكاهة وتربية ومحبة... ومن الأفكار الجميلة أن توقظ أطفالك يوميّاً بأنشودة جميلة وتداعبهم بيدك برفق...

إنّ معظم الأطفال يفضلون أن تداعبهم بدلاً من أن تصرخ فيهم، وللدعابة فائدة أخرى، وهي أنّها ستجعلك أنت وطفلك سعداء...

وحتى تضاعف حسناتك عند مداعبتك لأولادك؛ تذكر حينها أنّك تطبق سنة نبوية طيبة، فقد روى الترمذي أنّ الصحابة قالوا للنبي (ص) يوماً: يا رسول الله، إنّك تداعبنا؟ قال (ص): "إني لا أقول إلّا حقّاً"، وروى الهيثمي في مجمع الزوائد أنّ النبيّ (ص) قال: "إني لأمزج ولا أقول إلّا حقّاً"، قالوا: إنّك تداعبنا يا رسول الله، قال (ص): "إنّي لا أقول إلّا حقّاً"، وقال (ص): "إنّي وإن داعبتكم، فلا أقول إلّا حقاً"، وروى البخاري في صحيحة: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب، وإن كان ليفرح به إذا دعي به، جاء رسول الله (ص) بيت فاطمة (عليها السلام)، فلم يجد عليّاً في البيت، فقال: (أين ابن عمك). فقالت: كان بيني وبينه شيء، فغاضبني فخرج فلم يقل عندي، فقال رسول الله (ص) لإنسان: "انظر أين هو". فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله (ص) وهو مضطجع. قد سقط رداؤه عن شقه فأصاب تراب، فجعل رسول الله (ص) يمسحه عنه وهو يقول: "قم أبا تراب، قم أبا تراب"...

 

الخبير التربوي عبد الله محمّد عبد المعطي

المصدر: كتاب أطفالنا كيف يسمعون كلامنا؟

ارسال التعليق

Top