• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف تكتشف مواهبك؟

يوسف مخيائيل أسعد

كيف تكتشف مواهبك؟

◄هل أنت موهوب؟ قد تجيب عن هذا السؤال: وكيف أكون موهوباً والناس من حولي لم يعترفوا لي بالنبوغ بعد، ولم يسبق لي أن نبغت في مجال ما من مجالات الحياة؟ مهلاً يا صديقي. إننا نريد أن نميز بين الموهبة كعطية مطمورة بداخلك وبين الموهبة كواقع خارج ذاتك وقد خرجت من حيز نفسك إلى المجتمع من حولك. قد تكون موهوباً بمواهب فذة ونادرة ولكن لم تتح لك الفرصة حتى هذه اللحظة لكي تُخرج الكنز المخبوء بداخلك وتترجمه في واقع حياتك إلى كنز حي معترف به من الجميع.

فتش فى داخلك. إنك تقول لنفسك أحياناً "إنني أستطيع أن أتي بنغمات جديدة مع أني لا أعرف شيئاً عن الموسيقى، ولم يسبق أن قمت بالتلحين". وقد تقول في نفسك "إني أحب الرسم ولكني لا أرسم بمداومة ولم يسبق لأحد من مدرسي الرسم أن أثنى على ما قمت برسمه".

إننا نقول يا صديقي إن أحداً لن يمد يده إليك ليظهرك على ما وهبته من مواهب. العكس هو الصحيح. إنك ستجد مقاومة لما قد تبديه من مواهب. وتتبدى تلك المقاومة فى الاستخفاف بك، أو في السخرية مما تقوم بعمله أو انتاجه أو قوله أو كتابته أو عزفه.

إننا نقول لك يا صديقي أيضاً إنه كم من أصحاب مواهب انصرفوا عما بدأوا فيه خوفاً من نقد النقاد أودرءاً لا ستهزاء المستهزئيين. ولكن القليل من أصحاب المواهب له يعبأوا بما يقوله الناس عنهم ولا بما يصادفونه من تثبيط للهمة ولا بما تجلبه عليهم مواهبهم التي يعبرون عنها من مقاومة واعتراض، فشقوا بذلك طريقهم الى المجد والشهرة.

ولكن هل الطريق الى المجد والشهرة قصير؟ إننا نسارع الى القول بأن هناك نوعين من الشهرة: نوع رخيص وآخر ثمين. والنوع الرخيص من الشهرة يتأتى لبعض الناس بسرعة بغير اعداد طويل ودون بذل للجهد المضنى، وهى شهرة هشة تتبخر بسرعة. أما النوع الثمين من الشهرة فإن الطريق المؤدية اإليه ليست مفروشة بالورود والرياحين، بل هي مفروشة بالأشواك وهي طريق طويلة.

ونصيحتنا لك يا صديق ألا تجعل الشهرة في الحياة هي هدفك الأسمى. ذلك أن االشهرة من النوع الثاني الثمين تكون ثمرة لجهود طويلة وشاقة. فعليك بالسعي وراء مواهبك بغير أن تلقي بالاً إلى إحراز الشهرة. إنّ الشهرة سوف تكون من نصيبك بغير أن تسعى في أثرها. اترك الناس يحسون بك بغير أن تلاحقهم وبغير أن تلح عليهم بأن يعترفوا بك وبمواهبك. جرب وجرب بغير يأس أو نكوص. وإذا وجدت أنك تتقدم فيما بدأت فيه فسر دائماً إلى الأمام بغير توقف.

اقض الوقت الطويل في استثمار مواهبك. لا تظن أن العبقربة موهبة فطرية تفرض نفسها على صاحبها بغير أن يبذل جهداً لا ستنباطها وابرازها إلى حيز الوجود. صحيح إن الموهبة أو العبقرية قد تلح على ذهنك، ولكن إلحاحها لا يعني أنها تخرج إلى حيز الوجود بغير جهد أو عرق. إقرأ تاريخ أي عبقرى تجده يتلخص في عناصر ثلاثة: الموهبة والوقت والجهد.

لا تجعل مشاغل الحياة تطفئ مواهبك. كم من طيب كان يمكن أن يخلد إسمه في عداد عباقرة الطب، ولكن  انشغاله فى عيادته وسعيه للكسب دون ملاحقة مواكب علوم الطب وفنونه قد حكم عليه بأن يقضي حياته في الظل. ولو أن ذلك الطبيب قد استطاع أن يحل المعادلة الصعبة بين الكسب المادي والاستمرار في الدرس والتجريب، اذن لكان قد استطاع اخراج عبقريته من حيز الكمون إلى فسحة الواقع، واذن لكان قد سجل الخالدين.

اذا كنت صاحب مواهب فذة، فلا بد أن تتفوق اذن. والتفوق ليس معناه أن تستوعب الموجود من العلم أو التخصص أو المضمار  الذي تعمل فيه فحسب، بل معناه أن تتفوق على ذلك الموجود، أن تمتد بالحضارة ولو خطوة واحدة الى الأمام. فالعبقري ليس من يعيش على غذاء عقلي أعده له غيره، بل هو ذلك الذي يشارك فيى إعداد وجبات عقلية جديدة يقبل الآخرون على الاغتذاء عليها.

ولكن العبقري لا يبدأ بالابداع بل ينتهي إليه. إنه شخص سريع الامتصاص لما هو موجود بحيث يمتد بعد ذلك إلى آفاق جديدة لم يسبقه أحد إليها. على أن العبقري شخص مشارك أيضاً فيما يقرأ وفيما يطلع عليه. إنه كالممثل البارع الذي لا يكتفي بقراءة الأدوار التي يقوم بتمثيلها، بل هو يتقمص الشخصيات المعروضة أمامه في تلك الأدوار. فهو لا يردد ما كتب في المسرحية، بل يعيشها بعقله ووجدانه معاً. والعبقري يحيا واقعه وفكره ولكنه يؤلف مع المؤلف الذي يقرأ له، ويخترع مع المخترع الذي يشاهد اختراعه، ويجرب مع صاحب الكشف العلمي، ويعاني مع الفنان في مرسمه ومع الشاعر في قرض شعره.

ولعلك تسأل أيها الصديق: هل العبقرية على فئة من الناس؟ الواقع أن هذا صحيح. ذلك أن العبقرية هي المرتبة العليا من الذكاء. فالناس قد وهبوا مستويات متباينة من الذكاء. ولكن قلة نادرة من الناس وهبوا الذكاء الخارق الذي يسمى بالعبقرية. ولكن للأسف فإن القليل من العباقرة يجدون المناخ المناسب لإظهار عبقريتهم. وبينها نقول إن العبقرية نادرة، فإننا لا نستطيع أن نقول نفس الشيء بإزاء النبوغ. فكل الناس العاديين يتسنى لهم النبوغ في مجال ما من مجالات الحياة الكثيرة جداً. المهم هو أن يعرفوا المجال الذي يمكن أن يحققوا لأنفسهم النبوغ فيه، ثم يأخذوا في استثمار مواهبهم الاستثمار الصحيح وبالطريقة الصحيحة.

اذن فلتبدأ فوراً يا صديقي بالنهوض والخروج من نطاق التبعية الفكرية إلى رحابة الابتكار. ابتكر أي شيء. هل حاولت مثلاً أن تسجل أفكارك؟ هل حاولت قرض الشعر أو كتابة قصة أو رسم لوحة أو تلحين أغنية تكون لك حظ كبير فيه وأنت غافل عن الممكن المطمور فى حنايا شخصيتك.

وحتى بالنسبة للعبقرية التي قلنا إنها موقوفة على فئة نادرة من الناس، فإن علم النفس الحديث لا يغلق باب العبقرىة أمام الأشخاص العاديين. فيقول لنا إن هناك تفسيرين للعبقري. أحدهما يقول إن العبقري شخص مدين بعبقريته للوراثة يعتقدون إن العبقري ورث ذكاءً مرتفعاً للغاية. أما القائمون بالبيئة فإنهم يعتقدون أن العبقرية هي مجموعة من التفاعلات الخبرية الشبيهة بالتفاعلات الكيميائية تحدث بين العبقري وبيئته. فإذا ما أخذنا بالتفسير التفاعلي، فإن معنى هذا ان الشخص العادي يستطيع أن يصير شخصية عبقرية إذا ما وفّر لنفسه فرص التفاعل مع العناصر أو الخبرات المطلوبة للعبقرية.

يقول لنا علم النفس الحديث إن العبقرية لا تظهر في فراغ، بل تظهر في سلوك العبقري. والسلوك نوعان: سلوك المواقف والعلاقات الاجتماعية، وسلوك الفكر والوجدان.

فالعبقرية اذن تتميز أولاً وقبل كلّ شيء بالابتكار. فاذا كنت شخصية مبتكرة، فأنت اذن عبقري. أما إذا كنت تسير وراء غيرك، أو إذا كنت مقلداً للآخرين في فكرك أو عملك فإنك لا تكون من العبقرية في شيء.

ولكن العبقرية لا تهبط عليك فجأة. إنك لكي تبتكر لا بد أن تسير أولاً فى ظل غيرك. وبتعبير آخر نقول إن امتصاص خبرات الآخرين أو التفاعل معها ضروري للعبقري. فالتقليد والاستيعاب يسبقان الجيد والمبتكر.►

 

المصدر: كتاب شخصيتك بين يديك

ارسال التعليق

Top