◄قال الله تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) (الصافات/ 24). يشكل مبدأ المسؤولية الركن الأساس في الحياة الإنسانية، فالإنسان مخلوق عاقل مفكِّر، ذو إرادة واختيار؛ لذا فهو مسؤول مسؤوليّة شخصيّة عن نفسه، وهو عضو في المجتمع البشري، ويشكّل جزءاً منه، ويساهم في بنائه، ويتحمَّل نتائج الأوضاع السائدة فيه، خيراً كانت تلك الأوضاع أو شرّاً، لذا فهو مسؤول مسؤوليّة اجتماعية؛ مسؤول عن أسرته ومجتمعه. وقد أوضح الرسول الكريم هذه المسؤولية الاجتماعية، بقوله: "كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيّته". ووضّحها بقوله: "من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم".
لقد أوجب الإسلام على الفرد مسؤولية اجتماعية باعتباره عوضاً في المجتمع تتلخّص في:
- مسؤوليّة الاصلاح الاجتماعي (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
- مسؤوليّة التضامن والاهتمام الاجتماعي.
- مسؤوليّة أداء الخدمات الاجتماعية، وتوفير حاجات المجتمع وتطويره.
- مسؤوليّة الدفاع عن مصالح الأُمّة والوطن الإسلامي.
1- مسؤولية الإصلاح الاجتماعي (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر):
قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 104).
يصاب المجتمع البشري بآفات وأمراض اجتماعية، تسبّب ضعفه وانحلاله وسقوطه، وإنّ أبرز أمراض المجتمع البشري هو الفساد الأخلاقي والانحراف العقائدي والظلم السياسي والاقتصادي وانتشار الفقر والجهل والجريمة... إلخ، وعندما يبدأ ظهور هذه الأمراض في المجتمع يبدأ المجتمع بالانحلال والسقوط، ولكي يُحفظ المجتمع الإسلامي يُحصّن ضدّ هذه الأمراض، أوجب الإسلام فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واعتبرها مسؤوليّة اجتماعية تقع على عاتق كلِّ مسلم قادر عليها. إنّ الجريمة والفساد السياسي والاقتصادي والانحطاط الأخلاقي إذا تفشّت في المجتمع، لا يمكن لأيٍّ من أفراد ذلك المجتمع أن ينجو منها، ذلك لأنّ الحياة الاجتماعية تشكِّل وحدة مترابطة بين حياة الأفراد.
وقد مثّل الرسول الكريم محمّد (ص) الترابط بين الفرد والجماعة في الحديث الآتي:
"إنّ مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قومٍ اِزدَحَموا على سفينةٍ، فأصاب بعضهم أسفَلَها، وأصاب بعضهم أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا مرّوا على مَن فوقَهم قالوا: لو خرَقْنا في نصيبنا خَرْقاً، فنخرج منه الماء، ولا نؤذي مَن فوقَنا، فإن تركوهم هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيدِيهم نَجَوا".
إنّ الحديث النبوي الشريف يشبِّه المجتمع البشري بالسفينة التي تحمل ركابها، فلا يمكن لأحد منهم أن يتصرّف في مجاله الخاص تصرُّفاً ضارّاً دون أن يجلب الضرر على الآخرين. وهكذا فالوجود الاجتماعي مرتبط بعضه ببعض؛ لذا يجب الأخذ على أيدي المُخرِّبين والمعتدين، ومنعهم من تخريب المجتمع، وجلب الضرر على الآخرين، فإذا لم يمارس الآخرون مسؤوليّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر انساق الجميع إلى الهلاك والدمار.
ولذلك قال رسول الله (ص): "من رأى منكم منكراً فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". وقد وضّح الإمام الباقر (ع) أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقوله:
"إنّ الأمر بالمعروفِ والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء، ومنهاجُ الصُلحاء، فريضةً عظيمة، بها تُقام الفرائِض، وتأمن المذاهب، وتحل المكاسب، وترد المظالم، وتعمّر الأرض وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر".
إنّنا مسؤولون جميعاً عن القيام بمهمّة الإصلاح الاجتماعي، وأداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عن طريق إرشاد الأفراد المخالفين، أو عن طريق الكتابة والخطابة والصحافة وأجهزة الإعلام، وتأسيس الجمعيات والمنظّمات والأحزاب السياسية على أساس الإسلام، للقضاء على المنكرات الاجتماعية، والفساد السياسي والأخلاقي في مجتمعنا.
2- مسؤوليّة التضامن والاهتمام الاجتماعي:
إنّ دور الفرد في المجتمع هو دور العفو في الجسم، وعليه أن يتكافل مع الآخرين ويتعاطف معهم، ويشعر بآلامهم، ويشاركهم مشاعرهم في السرّاء والضرّاء، وفي الفقر والغنى، ويهتمّ بأمورهم، ويسعى لقضاء حوائجهم. وقد أمر القرآن الكريم المسلمين بأن يشعروا بهذا الشعور، ويتعاطفوا ويتكافلوا ويهتمَّ بعضهم بشؤون بعضهم الآخر، فقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة/ 2). وقد وضّح الرسول الكريم (ص) هذه المسؤوليّة بقوله: "من لم يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم". وبقوله: "من بات شبعاناً وجاره جائع فليس بمسلم".
وقد شبّه الرسول الكريم المجتمع البشري من حيث الترابط والتجاوب بالجسم الإنساني، إذ جاء ذلك في قوله (ص): "مثلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عُضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحُمّى".
فقد جعلت الرسالة الإسلامية التضامن الاجتماعي، والاهتمام بشؤون المجتمع، وحلّ مشاكله، مسؤوليّة يجب أن يفكّر بها ويتحملها كلّ مسلم، كما يفكّر في شؤون أهله وأسرته، فالغني مسؤول عن الفقير، والجار مسؤول عن جاره، وذو الرحم مسؤول عن مواصلة رحمه، والقوي مسؤول عن حماية الضعيف... إلخ.
3- مسؤولية أداء الخدمات الاجتماعية: قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة/ 2). للمجتمع الإنساني حاجات مادية ونفسية وثقافيّة وعلميّة، والأفراد في المجتمع البشري كالأعضاء في الجسم الإنساني، فلكلِّ عضو دور ووظيفة ومسؤولية، والمجتمع البشري، بعد أن تطوّرت الحياة الإنسانية ونمت وتقدّمت، ازدادت الحاجات فيه، وتعقّدت العلوم والمعارف، وصار من الضروري التخصّص في جانب من جوانب العلوم والأعمال. فالمجتمع الإنساني يحتاج إلى الفلّاح والتاجر والطبيب والسياسي والفقيه والمهندس والقاضي والصيدلي وعالم الفيزياء والشرطي... إلخ، وكلُّ واحد من هؤلاء المتخصّصين، وأصحاب الخبرات والكفاءات يؤدّي واجباً معيّناً، ويوفّر حاجة ضرورية للمجتمع الإنساني؛ لذا أمرنا الله – سبحانه – أن نتعاون لبناء المجتمع الإسلامي، وسدّ احتياجاته، لذلك جعلت الشريعة الإسلامية أداء الوظائف الاجتماعية وسدّ حاجة المجتمع من الخدمات والخبرات والاختصاصات المختلفة التي تتوقّف عليها الحياة الاجتماعية واجباً كفائياً، يجب على الأُمّة والدولة الإسلامية توفيره. فيجب توفير الكفاية من المهندسين والأطبّاء والعلماء والخبراء والفلّاحين والعسكريين... إلخ.
وقد فرضت الشريعة الإسلامية تكليفاً شخصياً على كلِّ مسلم قادر أن يؤدي واجبه وفق اختصاصه بشكل إلزامي عندما تكون في المجتمع حاجة إلى اختصاصه، وليس من حقّه من يمتنع عن أداء واجبه، فإذا امتنع الشخص من أداء الخدمات والخبرات التي يحتاجها المجتمع، كان من حقّ السلطة الإسلامية أن تلزمه بأداء هذه الواجبات.
4- مسؤولية الدفاع عن مصالح الأُمّة والوطن الإسلامي:
وهناك مسؤولية اجتماعية عامّة يُسأل عنها الجميع وهم مكلّفون بها تكليفاً كفائياً، وهي مسؤولية الدفاع عن مصالح الأُمّة الإسلاميّة الاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرها، ومسؤولية الدفاع عن العقيدة والوطن الإسلامي وسيادة الأُمّة، لذا فرض الله – سبحانه – فريضة الجهاد. وتتحمّل الدولة الإسلامية بشكل أساس هذه المسؤولية، وعلى أفراد الأُمّة أن يؤازروها على القيام بهذا الواجب المقدس، كما عليهم أن يشعروا بمسؤوليّاتهم الفردية شعوراً ذاتياً، ويكونوا حريصين على المصالح العامّة، كالمدارس والحدائق والمستشفيات والمنشآت العامة والجسور وأموال الدولة، كما هم مسؤولون عن حماية مصالح الأُمّة السياسية والحيلولة دون التدخُّل والسيطرة الأجنبية، فكلُّ مسلم مسؤول عن الاهتمام بمصالح الأُمّة وسيادتها ومصيرها. ►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق