د. زيد بن محمد الرماني
في استطلاعات الرأي المنعقدة حول الشعور الشخصي بالسعادة، يسأل الباحثون الناس: عما إذا كانوا سعداء أم لا؟! وكذلك عن مدى الشعور بالرضا عن حياتهم.. لكن تظل هناك روابط كثيرة بينهما.. ما مدى شعور الناس بالسعادة؟ ومن هو الأسعد؟!
هناك تقليد قديم ينظر للحياة باعتبارها مأساة، لكن مؤخراً أظهرت بعض الكتب الدافئة في كيف تكون سعيداً؟ كتبها أناس قضوا أيامهم في معالجة غير السعداء.
لقد أشاع علماء الاجتماع بعض الأساطير حول من هو سعيد ومن هو غير سعيد، وذلك بتحديد مؤشرات للسعادة والشعور بالرضا.. فكثيرون يعتقدون أن هناك مراحل غير سعيدة في حياة الإنسان.
فالرضا داخل العلاقات الاجتماعية والشعور بالعافية يصبحان أكثر أهمية عند كبار السن، والمراهقون على العكس من الناضجين، تتبدل مشاعرهم.
هل السعادة تفضّل نوعاً على آخر؟! هل الرجال أكثر سعادة بسبب دخولهم الاقتصادية العالية وإنفاقهم على الأهل والقرابة؟ فمن الملاحظ أن كثيراً من الذين ينفقون أموالهم في مساعدة الناس وتفريج الكرب والأزمات تظهر عليهم علامات السرور والسعادة، ولا شك أن هذا سوف يحفزه لمزيد من الإنفاق والتوسعة على الآخرين ليحقق (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ) (البقرة/ 261). و"أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً"، من هنا تتبين العلاقة المباشرة والقوية بين إنفاق المال في وجوه الخير، وبين السعادة الشخصية بل السعادة البشرية.
وما زلنا في بحثنا عن السعادة نعجب: هل الثروة تجلب السعادة؟ فإذا كانت القلة تعتقد بقدرة المال على شراء السعادة، فإنّ الكثيرين يعتقدون أن مالاً أكثر قليلاً سيجعلهم أسعد قليلاً مما هم عليه.
هل الثروة والسعادة حقاً متلازمتان؟!
هنا ينبغي الحذر من ثلاثة أسئلة مختلفة ومحددة حول السعادة والثروة، بين البلدان المختلفة، داخل نفس البلد، وعلى اختلاف الوقت.
أوّلاً: هل الناس في الدول الغنية أكثر سعادة من غيرهم في الدول الأقل غنى؟
ثانياً: داخل نفس البلد، هل الأغنياء أسعد؟
ثالثاً: هل أصبح الناس أكثر سعادة بمرور الوقت، حين أصبحت مجتمعاتهم أكثر وفرة؟
إذاً، إذا كانت السعادة متاحة هكذا للجميع من كل الأعمار والأنواع والأجناس وكذلك في مختلف المستويات الاقتصادية، فمن هو إذن الأسعد؟!
رغم تقلبات الحياة إلى أعلى وإلى أسفل، فإن بعض الناس تظل قدرتهم على الفرح كما هي.
وفي دراسة تلو أخرى تبين وجود أربع سمات أساسية لهؤلاء السعداء:
الأولى: حب النفس، وبخاصة في المجتمعات الغربية الفردية.
الثانية: ضبط النفس، بمعنى الشعور بالقدرة على مواجهة ظروف الحياة وليس بالعجز أمامها، فهم يؤدون بشكل حسن في سنوات الدراسة يكتسبون الخبرات بسرعة، ولديهم قدرة خاصة على مواجهة الضغوط.
الثالثة: التفاؤل، فالسعداء غالباً متفائلون ومن الممكن ملاحظة أنّ المتشائمين ممن تصدق توقعاتهم السيِّئة، دائماً يصابون بالدهشة أمام الفرح.
الرابعة: الانبساط، بمعنى الانفتاح على الآخرين، ربّما تعتقد أنّ الانطوائيين أكثر سعادة في ظل صفاء تأملاتهم، بيد أنّ الانبساطيين أكثر سعادة منهم سواء في وحدتهم أو بصحبة الآخرين، وسواء عاشوا بالريف أو بالمدينة، وكذلك سواء كانوا يعملون بشكل فردي أو في أعمال جماعية.
ختاماً، يمكن القول بالسؤال عمّن هو السعيد؟ ولماذا؟! تفتح النظرة العلمية الطريق أمام الناس لوضع أولوياتهم موضع التساؤل، وتفتح الطريق أمامنا جميعاً للعمل من أجل عالم يدفع السعادة الإنسانية إلى الأمام.
ارسال التعليق