يعرض الفيلسوف إلى آراء أنصار التقنية والذين يرون فيها أفقاً لتحرُّر الإنسان، تحرره من الحاجة ومن كل أشكال الإكراه القديمة، مثل حبوب مَنع الحمل التي تمكِّنه من المتعة بدون أن يُضطرَّ إلى الإنجاب مثلاً. ولكن الاعتراض التالي لا يقل وجاهة عن أطروحة أدعياء وأنصار التقنية: هل الحرية هي الاختيار فحسب؟
يرى إيلول أن لا وجود للحرية في العالم التقني لأنّ الاختيار بين إمكانات متعددة لا يُعتبر حرية، لا أكون حراً بمجرّد الاختيار بين آلاف الأطباق، بينما يمكن أن أكون حراً حتى ولَو أخيَّر سوى في طبقٍ واحدٍ من الرُّز. إن منطقة اختياراتي محدَّدة بالعالم التقني: أما أنصار الحب المتحرر من قيود الزواج مثلاً أو الذين يعتبرون أنهم أحرار في العالم المعاصر من قيود الزواج والإنجاب والعائلة فهم واهمون، لأنّهم لا يدركون أنهم في تَحرُّرهم ذاك ينزلون بالشريك إلى مستوى الموضوع أو الشيء، ومن ثمّ فهم لا يختارون إلا ما يُراد لهم اختياره من طرف النظام التقني الذي وضع بين أيديهم، بواسطة تقنيات الطب الحديث، العقاقير المانعة للحمل، وروَّج لهم بواسطة صناعة الإشهار العلاقات المتحرِّرة من أيّ التزام. إذن لا وجود لتطابق في الاختيارات التي يضعها النظام التقني بين يَدَيّ والحرية التي يمكن أن أخبرها حتى في غياب أيّ اختيار. ما يضعه أمامي العالم التقني من اختيار بين شيئين لا يعني البتة أن باستطاعتي ألا أختار أيّاً منهما. أن أستهلك إما هذا المُنتَج أو ذاك لا يترك لي حرية أن أرفضهما معاً، فلابدّ لي أن أستهلك في كلّ الأحوال. إذن لا أختار في النظام الاستهلاكي ألا أستهلك شيئاً وإلا كنتُ خارج النظام برمّته. وبناءً عليه، لا يمكن الحديث في المجتمعات التقنية المعاصرة عن الحرية بقدر ما يمكن الحديث عن الاستلاب. فالإنسان لا يملك أفعالاً بل فقط ردودَ أفعال، وللنظام التقني اليد الطولى فيما يختاره: "ليست اختياراتنا واقعية قط بل هي تحتوي على ما يضعه المجتمع التقني بين أيدينا". المصدر: كتاب (الإنترنت والاستلاب الثقافي)مقالات ذات صلة
ارسال التعليق