يعتبر الابداع موهبة فطرية توجد عند جميع الأفراد بدرجات متفاوتة ويتميز الأطفال عادة بقدرة غير عادية على الدهشة وحب الاستطلاع الذى يدفعهم لتوجية الكثير من الأسئلة حول العالم الذى يحيط بهم سواء كان بيئة طبيعية أو بشر يعيشون معهم وجولهم. وهذه القدرة تعتبر الأب الشرعى للابداع.
فماذا يفعل الآباء - من خلال عملية التنشئة الاجتماعية لأبنائهم - إزاء هذه القدرة الفطرية على الدهشة وحب الاستطلاع التى وهبها الله لأطفالهم؟ انهم ببساطة يقتلون هذه القدرة على حب الاستطلاع عند أبنائهم. فهم عادة يضجرون من كثرة أسئلة أطفالهم فإما يطلبون منهم الصمت وعدم الثرثرة - حسب رأيهم - أو يجيبون على أسئلتهم بإجابات خاطئة أو هروبية، وبذلك يأدون هذه القدرة التي هي السبيل الأساسي للابداع. فقد بين جيلفورد في دراساته المبكرة للابداع أن ما سماه "الحساسية للمشكلات" هو العامل المعرفي الممهد للابداع الذي يتمثل في قدرات الطلاقة والمرونة والأصالة. ولو تأملنا في مضمون هذا العامل لوجدنا أنه هو نفسه حب الاستطلاع الذي يقوم الآباء بوءده في أثناء عملية التنشئة الاجتماعية لأبنائهم ويكمل المعلمون هذه المهمة التعسة في مدارسهم بعد التحاق الطفل بها. ولذلك نجد أن الابداع - إذا قسناه - في سن الطفولة المبكرة يكون عادة مرتفعاً عنه بعد الانخراط في سلك التعليم أو مرور الأطفال بعملية التمدرس Schooling، وهناك عامل آخر يعتبر من العوامل الميسرة للابداع وهو عدم الانصياع أو المسايرة non conformity وهو يؤدي في حالة توفره إلى الأصالة والتفرد هي من أهم صفات المبدعين. ويميل المجتمع بوجه عام من آباء ومربين وغيرهم إلى صب الأفراد في صورة أو طبعة واحدة وعدم تشجيع التفرد، لأنه يعيق عملية التدريس لدى المعلمين مثلا. وهناك عامل ثالث ييسر الابداع أيضا هو المحافظة على الاتجاه أو الاحتفاظ بالفكرة المبدعة وعدم تبديدها في وسط مشاكل الحياة التي يمر بها الفرد المبدع.
ولو ذكرنا أمثلة على تأثير هذا العامل على الابداع لوجدنا أن أفضل مثال على ذلك هو أينشتين الذى ظل يحمل في ذهنة فكرته عن النسبية كفرض علمي لتفسير التناقض الذى ثار بين علماء الطبيعة بمناسبة تجربة مايكلسون - مورلى التي تناقضت نتائجها مع علم الطبيعة عند نيوتن وقوانين جمع السرعات الميكانيكية. وظل اينشتين محافظا على تلك الفكرة لمدة سبع سنوات كاملة وتوصل منها فى عام 1905 إلى النظرية النسبية الخاصة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق