• ٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مواقع التواصل.. عالم افتراضي يهدد الاستقرار العائلي

تحقيق: محمد ناصر حسين

مواقع التواصل.. عالم افتراضي يهدد الاستقرار العائلي
بعدما كان شراء الهواتف المتحركة يقتصر على فئة اجتماعية معينة يفرض عليها وضعها المهني أن تكون على ارتباط دائم بشبكة الانترنت، أصبح من المألوف أن يقتني كل فرد من أفراد الأسرة هذا النوع من الأجهزة، بغض النظر عما إذا كان الأمر يشكل ضرورة أو مجرد تقليد لظاهرة باتت عُرفاً بمفهوم التطور التقني، كربة البيت التي لا تعمل أو الطلبة في مراحل مبكرة ممن يتباهون على مقاعد الدراسة بالحصول على الهاتف الأحدث والأسرع والأجمل، وهكذا تنقلب المعادلة يوماً بعد يوم ليصبح عدم اقتناء الأجهزة الذكية استثناءً، فيما اقتناؤها أمر بديهي.   -        ادمان غير متوقع: وتكمن المعضلة الأساسية في الإستسلام إلى هذه الظاهرة التي تكتسح البيوت، وتسلب منها أجواءها الأسرية القائمة على التحاور والتشاور والاستمتاع معا ولو بمشاهدة برنامج تلفزيوني، ومع اختلاف وجهات النظر حول أهميتها في حياتنا العصرية بين مؤيد ومعارض يسجل الاحصائيون ملاحظاتهم تجاه الواقع الخطير الذي تفرضه على الأفراد والتفكك الأسري الذي تهدد به. من موقع عملها كموظفة في أحد مكاتب العلاقات العامة، تذكر شيماء العامري إنها مع بداية انتشار الهواتف الذكية لم تكن متحمسة لها، سيما انها تفضل الفصل بين حياتها الشخصية والتواصل الدائم مع العملاء عبر البريد الإلكتروني، لكنها مع الوقت اكتشفت الحاجة الماسة لها، وكانت تظن أنّه بإمكانها السيطرة على الأمر إلى أن وجدت نفسها تدمن على مواقع التواصل الاجتماعي. تقول شيماء: إن تطورات العصر تفرض على الناس بغض النظر عن اختصاصاتهم أن يكونوا مواكبين لأحداث الساعة، وهذا برأيها ما لم يمكن تحقيقه إلا عبر شبكة الإنترنت ومواقع التويتر والفيسبوك وسواها. وتعد شيماء التواصل مع الآخرين عبر النت سواء لغرض العمل أو لمجرد الدردشة مع الأصدقاء، لا يلغي أن يكون الإنسان فاعلاً مع أسرته، وعن نفسها، تحاول قدر المستطاع أن تقنن جلوسها لفترات طويلة أمام أي شاشة إلكترونية بمجرد دخولها إلى البيت.  

       

-        تواصل مع العالم: يقول سلام كاظم، وهو متزوج وأب لابنتين، إنّه في شجار دائم مع زوجته بسبب المواقع الإلكترونية التي يتسلى بالدخول إليها خلال الفترة المسائية، ويذكر أنّه عند عودته إلى البيت بعد ساعات طويلة من العمل، يجد نفسه مرهقاً لمعاودة الخروج إلى المقهى مع أصحابه، ما يدفعه أحياناً كثيرة إلى المكوث في البيت بهدف الراحة والتواجد مع أفراد الأسرة. غير أنّ الأمر بنظره لا يمنع أن يبقى على تواصل مع العالم الخارجي من خلال الاطلاع على الشريط الإخباري للصفحات الإلكترونية أو مشاهدة الأفلام القصيرة المعبرة التي ترده إما من "الواتس اب" أو من بريده الإلكتروني. ويرى كاظم، أن مواقع التواصل الاجتماعي تقنية في غاية الأهمية ولا يمكن لأحد نكران كم ساعدت في تثقيف المتتبعين لها من خلال الأخبار العالمية التي يتبادلها المشتركون فيما بينهم. ويعتبر أنّه باندماجه مع الشبكة الإلكترونية لا يجعله ذلك مقصراً مع أفراد عائلته، لأنّه كما يقوم بواجباته تجاههم فمن حقه أن يجد وقتاً لنفسه ومتنفساً للتسلية والاستفادة معاً. وبحسب قوله فإنّه دائماً يبرر لزوجته أن تواجده في البيت مع أجهزته أفضل بكثير من غيابه وخروجه كل ليلة مع الأصحاب.   -        عوالم إلكترونية: الأمر نفسه بالنسبة لمحمد الشاطي الذي يقول: إنّه لم يعد قادراً على تخيل حياته من دون أجهزة المحمول الذكية التي قلبت كيانه الاجتماعي، وهو يعترف بأنّه غالباً ما ينشغل عن أبنائه الثلاثة بالاطلاع عليها، لاسيما المراسلات مع أصحابه والتواصل عبر التويتر، الا انّه في المقابل لا يتقصد ذلك وإنما بات الأمر بالنسبة له بمثابة عادة يفشل دائماً في السيطرة عليها. ويذكر الشاطي أنّه في المقابل يجد كُلاً من زوجته وأبنائه منشغلين كذلك بعوالمهم الالكترونية. فزوجته عاشقة لتنزيل الصور عبر الفيسبوك، وأولاده لا يوفرون فرصة إلا ويستغلونها باللعب عبر الإنترنت أو بتحميل الأغاني والأفلام الكرتونية القصيرة. مضيفا: إن كل من أولاده يمتلك هاتفاً ذكياً جهاز لأب توب أو آي باد يعتبر ونيسه في الفترة المسائية وخلال عطلة نهاية الأسبوع وحتى خلال النزهات الطويلة في السيارة.  

-        صمت منزلي: من جهتها تعلق فاطمة أحمد على المشهد المتكرر في معظم البيوت، حيث تسيطر الشاشات الذكية على أي شكل من أشكال التواصل الأسري، وتعرب عن استيائها من غياب محاور الجذب بين أفراد البيت الواحد، حيث لم يعد للأحاديث الشيقة أي مكان بينهم، فيما حل رنين رسائل المحادثات الصماء على الجلسات المنزلية حتى في أكثر الأوقات حميمية وألفة. تقول فاطمة: إنها شخصياً تعاني من هذه المسألة ليس فقط مع زوجها الذي قد تبرر له الأمر لكونه يعمل في مجال الفندقة ما يفرض عليه أن يلازم هاتفه الذكي، وإنما كذلك مع ابنتيها وابنها الذين لا تشعر بوجودهم في البيت بسبب مواقع التواصل الاجتماعي التي خطفتهم منها وخطفتهم من بعضهم.   -        تفاعل مجتمعي: في المقابل يتحدث الاستشاري التربوي الدكتور سمير غزالة، عن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على حياة الأسرة، قائلاً: إنّ الهواتف المتحركة الذكية وكذلك أجهزة الكمبيوتر التي تحمل في طياتها عالماً قائماً بذاته من العلاقات والمعلومات أصبحت أمراً واقعاً يطارد الجميع. ومن غير الطبيعي ولا المقبول تجاهلها أو الابتعاد عنها بقصد الإبقاء على الشكل التقليدي للتفاعل مع المجتمع، وإنما الحذر مطلوب من الاندماج الكلي معها لدرجة تنسينا المشاركة الحقيقية مع أقرب المقربين منا، لاسيما أفراد الأسرة. ويذكر الدكتور غزالة أنّه عند الحديث عن مخاطر التكنولوجيا على صعيد الترابط الاجتماعي، يكون النشء الجديد أكثر المعنيين في تصحيح المعادلة، لذلك فإنّه من الأولى تركيز توعيتهم على عدم الذهاب بها إلى حد يسلبهم الكيان الحقيقي للعلاقات. مؤكداً، أنّ الدور الأساس في ذلك يقع على الأهل الذين من واجبهم إيجاد بدائل للأطفال منذ الصغر تشغلهم عن تلك الأجهزة الجامدة، كتشجيعهم على ممارسة الرياضات أو القيام بانشطة جماعية مع أبناء من عمرهم من باب تحفيز روح المنافسة بينهم.   -        التفكك الأسري: ويتابع الدكتور غزالة، إنّه بقدر الإفادة التي يحصل عليها الجميع من مواقع التواصل الاجتماعي، عندما ترتبط بتواجدهم الدائم في دائرة آخر الأحداث والمستجدات التقنية وتطور العلوم، فهي تلهيهم عن القيام بدورهم الحقيقي تجاه من حولهم، ويأتي غزالة في حديثه على ذكر التقصير الأسري الحاصل حالياً عند كثيرين بسبب الأجهزة الذكية التي احتلت مساحة كبيرة من الاهتمامات الأفراد، إلى درجة أنها باتت الرفيق الأكبر حتى عند التواجد داخل البيت في أوقات الفراغ ومع الجلسات المسائية التي يفترض أنها مكان لللمة العائلية. في حين أنّ الواقع يقول إن قلة من الآباء والإخوان يتبادلون الكلام على مائدة الطعام أو في غرفة المعيشة حتى وان اجتمعوا. ويشدد على خطورة المشهد السائد في البيوت حيث يجلس الزوج والزوجة وفي يد كل منهما جهازه المحمول يتصفح عالمه الخاص.

ارسال التعليق

Top