◄يعتبر العدوان استجابة طبيعية لدى صغار الأطفال، فهو بمعناه البسيط، يظهر عندما يحتاج الفرد إلى حماية أمنه أو سعادته أو فرديته.
ويمكن تعريف العدوان بأنّه: السلوك الذي يؤدي إلى إلحاق الأذى الشخصي بالغير. وقد يكون الأذى نفسياً (على شكل الاهانة أو خفض القيمة) أو جسمياً (الضرب أو اللكم أو الرفس أو رمي الأشياء أو الدفع).
والطفل العدواني على نحو شديد ومستمر يميل لأن يكون قهرياً، ومتهيجاً، وغير ناضج وضعيف التعبير عن مشاعره، ولديه توجه عملي.
والطفل العدواني متمركز حول الذات ويجد صعوبة في تقبل النقد أو الاحباط.
أسباب العدوان:
هنالك عوامل متعددة تلعب دوراً في تنمية عدوان الأطفال منها ما يلي:
· ملاحظة صغار الأطفال نماذج من سلوك الآباء والأخوة والرفاق وغيرهم، تأخذ طابع العدوان فيتعلمونها منهم.
· يزيد احتمال تعلم العدوان عندما يكافأ الأطفال لقيامهم بتصرفات عدوانية وذلك عندما يحصلون على ما يريدون أو يجذبون انتباه الراشدين الذي يهمهم.
· احباطات الحياة اليومية وعدم القدرة على تلبية الحاجات أو الوصول إلى الهدف (معظم مشاجرات أطفال ما قبل المدرسة تنشأ بسبب صراع على الممتلكات).
· اتجاهات المجتمع نحو العدوان (تزيين العنف في الروايات ووسائل الاتصال الجماهيري – الثقافة الاجتماعية القائمة على العنف).
· غياب الأب لفترات طويلة عن البيت يصاحبه عادة تمرداً للأبناء على التأثير الأنثوي للأُمّهات ونزوعاً إلى العدوانية اعتقاداً منهم بأنّ التصرفات العدوانية تجاه الآخرين هي دليل الرجولة.
الوقاية من العدوان:
1- تجنب الممارسات والاتجاهات الخاطئة في تنشئة الأطفال:
فالدراسات تظهر أن مزيجاً من التسيب في النظام والاتجاهات العدوانية لدى الآباء يمكن أن ينتج أطفالاً عدوانيين جدّاً وضعيفي الانضباط. والأب المتسيب أو المتسامح أكثر من اللازم هو ذاك الذي يستسلم للطفل ويستجيب لمتطلباته ويدللـه ويعطيه قدراً كبيراً من الحرية إما بسبب انصياعه للطفل أو اهماله. والأب ذو الاتجاهات العدوانية لا يتقبل غالباً الطفل ولا يستحسنه، وبالتالي لا يعطيه العطف أو الفهم أو التوضيح، كما أنّه يميل لاستخدام العقاب البدني الشديد، وعندما يمارس الأب العدواني سلطته فهو يقوم بذلك بطريقة غير مناسبة وغير متوقعة، واستمرار هذا المزيج من ضعف العطف الأبوي والعقاب البدني القاسي لفترة طويلة من الزمن يؤدي إلى العدوانية والتمرد وعدم تحمل المسؤولية لدى الطفل.
2- اعمل على الاقلال من التعرض للعنف المتلفز:
فقد أظهرت نتائج الدراسات قوة التلفاز كأداة لتعلم العدوان، وتظهر إحدى الدراسات الحديثة أن عادات مشاهدة التلفاز لدى الأولاد في عمر 8 أو 9 سنوات قد أثرت على سلوك العدوان لديهم خلال تلك الفترة وحتى مرحلة المراهقة المتأخرة على الأقل. فكلما كانت البرامج التي يفضلها الأولاد في الصف الثالث الابتدائي أكثر عنفاً كلما زاد السلوك العدواني لديهم في تلك المرحلة وفي مرحلة ما بعد 10 سنوات.
3- اعمل على تنمية الشعور بالسعادة:
حيث تشير الدراسات إلى أنّ الأشخاص الذين يعيشون خبرات العاطفة الإيجابية (السعادة) يميلون لأن يكونوا لطيفين نحو أنفسهم ونحو الآخرين بطرق متعددة.
4- اعمل على أن تكون النزاعات الزوجية في حدها الأدنى:
إنّ الطفل العادي يتعلم الكثير من سلوكه الاجتماعي عن طريق ملاحظة أبويه وتقليدهما. ولهذا يجب على الأبوين التأكد من أن الأطفال لا يتعرضون إلى درجات عالية من الجدال والصراع والعدوان بينهما.
5- أعط الطفل مجالاً للنشاط الجسمي وغيره من البدائل:
إذ أنّ من الضروري أن يعطى الأطفال فرصاً كثيرة للتدريب الجسمي والحركة مثل اللعب الخارجي النشط والتمرين بحيث يتم تصريف التوتر والطاقة.
6- غيِّر البيئة:
عن طريق إعادة ترتيب بيئة البيت لأن ذلك يقلل من احتمال حدوث السلوك العدواني. فكلما كان لدى الأطفال حيز مكاني أوسع للعب كلما قل احتمال العدوان بينهم، ولذا فإنّ اللعب الخارجي الذي يعطي فرصاً كثيرة للحركة من موقع لآخر هو أمر يوصى به بقوة. كما أنّ للقرآن والدعاء والقصة والشعر تأثيراً مهدئاً على النزعات العدوانية، وترتيب الظروف للطفل لكي يلعب مع أطفال أكبر سناً يمكن أن يساعد كذلك في تخفيض المشاجرات.
7- إعْمل على زيادة اشراف الراشدين:
إذ يبدو أن صغار الأطفال أو الأطفال غير الناضجين، يحتاجون إلى أن يشارك الراشدون على نحو أكبر في نشاطاتهم بحيث يحول الراشدون دون حدوث الاستجابات العدوانية أو يقللون منها، لأنّ اظهار الاهتمام بما يفعله الأطفال أو مشاركتهم فيه يمكن أن يقلل من المشكلات.
وكذلك فإن على الراشد أن ينتبه إلى ضرورة اقترابه المادي من الطفل لكي يحول دون ظهور العدوان، فصغار الأطفال يصبحون أكثر هدوءاً عندما يكون أحد الراشدين قريباً منهم ليقوم بمهمة الأنا الخارجية.
علاج العدوان:
هناك العديد من الأساليب الفعّالة لضبط عدوان الأطفال:
1- تعزيز السلوك المرغوب:
كثيراً ما نفترض نحن الراشدين أن سلوك الأطفال الطيب هو أمر مفروغ منه وبالتالي لا نقوم بتعزيزه مع أنّ الخطوة الأولى في معالجة السلوك العدواني هي (الإمساك بالطفل وهو يقوم بسلوك جيِّد) ومن ثم تقديم الكثير من المعززات الإيجابية للتصرفات غير العدوانية مثل اللعب التعاوني مع صديق. وفي كل مرة يقوم فيها الطفل باللعب مع أحد أقرانه دون شجار أو صراخ لفترة زمنية قصيرة، يجب أن يمتدح من قِبَل الأب. إنّ من الضروري، بالنسبة لكثير من الأطفال، المزج بين الامتداح والمكافأة المادية.
2- التجاهل المتعمد:
يجب أن يصاحب تعزيز السلوك المرغوب اجتماعياً تجاهل التصرفات العدوانية، فلا تعط أي اهتمام على الاطلاق لتصرفات الطفل العدوانية إلا إذا ترتب عليها تهديد جدّي لسلامة الآخرين الجسمية. ولا تجادل الطفل أو توبخه أو تعاقبه بسبب سلوك الإغاظة أو التشاجر، لأنّك بتجاهلك للتشاجر سوف تكون متأكداً من أنك لا تعزز هذا السلوك دون قصد منك عن طريق انتباهك له.
وفي هذا المجال، تشير نتائج البحوث إلى أنّ الراشدين يمكن أن يخفضوا استجابات العدوان اللفظية والجسمية لدى الأطفال تخفيضاً واضحاً عن طريق التجاهل المنظم للتصرفات العدوانية وإيلاء الاهتمام للتفاعلات التعاونية بين الأطفال وامتداحها.
3- تعليم المهارات الاجتماعية:
غالباً ما يدخل الأطفال في الشجار عندما تعوزهم المهارات الاجتماعية اللازمة لكي يدخلوا في محادثة. ومن المهارات الاجتماعية التي قد تحتاج إلى تقوية لدى بعض الأطفال مهارة تأكيد الذات، فقد أظهرت البحوث أن استجابات تأكيد الذات تستثير غضباً أقل وتؤدي إلى إطاعة أكثر من الاستجابات العدوانية.
فعندما تكون مؤكداً لذاتك فإنك تعبر عن مشاعرك وتدافع عن حقوقك بطريقة منطقية دون أن تكون عدوانياً تجاه شخص آخر، ودون أن تستخدم قوة الإكراه لحل الصراع.
إنّ الأسلوب الجيِّد في حل المشكلات ومهارات التفاوض هي من المكونات الهامة لتأكيد الذات الفعّال، فحاول أن تجعل الطفل يفكر بطرق أخرى بديلة لمعالجة مواقف الصراع غير الدخول في شجار.
4- تطوير مهارة الحكم الاجتماعي:
يتضمن الحكم الاجتماعي الجيِّد التفكير قبل العمل، وتوقع نتائج الأعمال بالنسبة للفرد والآخرين. ولكي تطور هذه المهارة، حاول أن تصف شجاراً شارك فيه الطفل حدث في الماضي وأن تشير إلى النتائج السلبية التي تربت عليه مثل: خسارة الصديق ونقص الشعبية، ومضايقة الأب أو المدرسة، وشعور الطفل بالانزعاج، والمشاعر السيئة أو الألم الجسمي لدى الآخرين، إلخ. علّم طفلك أنّه مسؤول عن التفكير أوّلاً بالأسباب والبدائل والنواتج ومشاعر الآخرين في كل مرة يجد فيها انّه ميال للعدوان، وبعد أن يفكر عليه أن يتخذ القرار المناسب.
ومن مظاهر الحكم الاجتماعي الجيِّد، احترام حقوق الآخرين في التصرف بممتلكاتهم، فما دامت مشاجرات الأطفال هي، غالباً، حول حقوق الملكية (أحد الأطفال ينتزع لعبة الآخر) فإنّ الصغار يحتاجون إلى تعلُّم التمييز بين ما هو (لي) وما هو (للغير). وعلّم الأطفال، في مرحلة مبكرة، أن يحترموا حقوق الآخرين في ملكياتهم. وهذا يعني أنّه لا يجوز (اقتراض) الأشياء دون إذن مسبق.
5- حديث الذات:
إذا كان طفلك قهرياً ويجد صعوبة في ضبط نزعاته، يمكنك أن تعلمه أنواعاً من العبارات التي تكف العدوان، وهي عبارة يمكن للطفل أن يرددها لنفسه بهدوء عندما يشعر بميل لمهاجمة الآخرين. مثلاً (عد للعشرة)، (تحدث، لا تضرب) أو (قف وفكر قبل أن تتصرف). أطلب من الطفل أن يعيد هذه العبارات عدة مرات إلى أن تصبح العبارة بمثابة إشارة آلية للعمل لديه.
6- التقليل من فرص التعرض لنماذج عدوانية:
تشير معظم الدراسات إلى أنّ الأطفال عندما يشاهدون تصرفات عدوانية فهم يميلون لأن يتصرفوا بعدوانية أكثر. فإذا كان من عادة الأبوين، مثلاً، أن يتعاملا مع بعضهما بطريقة عدوانية (بالشجار أو النقد أو تخفيض القيمة) يصبح من المحتمل أن يتعامل أطفالهما مع الآخرين بطريقة مشابهة.
وبما أن مشاهدة عروض التلفاز العنيفة يمكن أن تؤدي أيضاً إلى تقليد الأطفال للتصرفات العدوانية، فإن على الأبوين أن يقوما بحزم بتحديد الوقت الذي يستطيع فيه الطفل مشاهدة عروض كهذه. ويمكن للأبوين أيضاً أن يخفضا من تأثير أفلام العنف على الطفل بأن يقوما بمشاهدة العرض مع الطفل ومساعدته لكي يميز بين العنف الواقعي والخيالي، وكي يربط بين النواتج السيئة للسلوك العدواني والسلوك نفسه ويفهم الدوافع المعقدة وراء العدوان، ويتحدث عن بدائل غير قائمة على العدوان يمكن استخدامها في معالجة الموقف.
7- تقديم طرق بديلة للتخلص من الغضب:
يمكن أن يتم تصريف نزعات الغضب من خلال نشاطات اللعب. فاللعب يعطي فرصة لإشباع الرغبات التي قد لا تشبع في الواقع، ويعطي اللعب مجالاً للإشباع الرمزي وللتخلص من النزعات العدوانية، فالطفل لا يستطيع أن يضرب أخاه لكنه يستطيع أن يضرب دمية تمثل الأخ، ولذا فإنّ اللعب يؤدي وظيفة تفريغ الانفعالات.
8- التأكيد على النظام الحازم:
قد تكون العدوانية الزائدة بمثابة استجابة لتساهل الأبوين. ومعنى أن تكون حازماً هو أن توضح للطفل بجلاء أن بعض التصرفات العدوانية غير مقبولة ولن يتم التسامح بصددها، وهذه التصرفات هي الضرب أو الاغاظة دون سبب، فاجعل من الواضح تماماً للطفل بأنك تعارض مثل هذه التصرفات بشدة ووضح أسباب معارضتك لها، ولا تتجاوز عن هذه التصرفات أو تبررها قائلاً (أنّه مجرد ولد وهو يدافع عن نفسه)، وتذكر بأنّ الاتجاه المتسامح نحو سلوك كهذا لا يؤدي إلا إلى زيادته.
عندما يتصرف الطفل بعدوانية، اعمل على تسمية هذا التصرف بوضوح واستخدام القوة في منعه وخصوصاً إذا كان مؤذياً (انظر ماذا فعلت) أو (يجب عليك ألا تقوم أبداً بضرب طفل على عينه).
بالإضافة إلى وضع القواعد فإنّ النظام الحازم يعني تنفيذ هذه القواعد باطّراد، ومن الطرق الفعّالة في معاقبة السلوك العدواني لدى الطفل استخدام عقوبة العزل أو الحرمان من بعض الإمتيازات أو الطلب من الطفل التعويض للشخص الذي آذاه بالاعتذار أو اللطف الاضافي.
9- العمل على تنمية الغيرية:
يقصد بالغيرية السلوك الموجّه لمساعدة شخص يواجه مشكلة، فكلما أظهر الطفل اهتماماً أكبر بالآخرين كلما قلّ احتمال أن يلحق بهم الأذى. وتُظهر الدراسات الحديثة أنّ الأطفال ابتداء من عمر سنة واحدة يظهرون تعاطفاً طبيعياً مع مشاعر الآخرين، فهم يحاولون مثلاً أن يريحوا الأشخاص المتألمين أو الذين يبكون. ويمكن للآباء تنمية التعاطف مع الآخرين والاهتمام بهم بسؤال الطفل عن كيف يشعر الضحية بعد أن يتعرض للاعتداء، وبامتداح الطفل في كل مرة يظهر فيها اهتماماً يتعلق بمعاناة الآخرين.
10- تقويض الدفاعات:
لا تترك طفلك يبرر أعمال العدوان ويتجنب تحمل المسؤولية باستخدام أعذار مثل:
(إن كل شخص يفعل ذلك) قل له: (هذا غير صحيح، وحتى لو كان ذلك صحيحاً فهذا لا يجعل ذلك مقبولاً أخلاقياً).
(هو بدأ بذلك) قل له: (كيف كان بوسعك أن تعالج ذلك دون شجار).
(لم أفعل ذلك) قل له: (تشير الحقائق إلى أنك فعلت ذلك، وسوف يكون أسهل بالنسبة لك ألا تتنصّل من عملك).
(هو شخص حقير) قل له: (اذكر الخصائص الإيجابية التي تشير إلى جدارة ذلك الشخص وقيمته).
11- البحث عن أسباب المشكلة:
حاول أن تكتشف الحاجات غير المشبعة التي يمكن أن تكون قد أثارت العدوانية. هل يعيش الطفل في جو من النقد المستمر دون امتداح أو تقدير كاف؟ هل يعاني من صعوبات في التعليم أو اعاقات جسمية تجعل من الصعب عليه أن يجاري الأطفال الآخرين؟
قد يستجيب بعض الصغار بطريقة عدوانية بسبب وجود حاجة لديهم غير ملباة للمحبة والإحسان، وتقوية أو إعادة تنمية مشاعر الحب بين الوالدين والطفل قد تكون ضرورية لخفض تصرفات الأحداث العدوانية، ومشاعر العطف الأبوي هي مضادات قوية للتصرف العدواني، وخاصة عندما يعرف الطفل أن أبويه يعارضان السلوك العدواني بقوة.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق