• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

وصايا في زمن العولمة

وصايا في زمن العولمة

يحكى أن رجلاً تقدم به العمر، وأراد أن يوصي ابنه الوحيد، ويعلمه مبادئ التعامل مع الحياة بكلمات قليلة موجزة تكون له نبراساً في المستقبل. نادى الرجل ابنه، ثم أخذه معه في جولة حول البستان، وبعد قليل جلسا تحت شجرة وارفة الظلال.

قال الرجل لابنه: أي بني، إني موصيك بكلمات فاحفظها عني لكي تسعد في حياتك.

قال الفتى: كلي آذان صاغية يا أبي.

قال الرجل: لا تأكل ألا ألذ طعام، ولا تنم إلّا في أحسن فراش، وإجعل لك في كلّ بلد بيتاً ترتاح فيه.

لم يفهم الفتى معنى هذه الكلمات، لكنّه هزّ رأسه موافقاً، لأنّه كان واثقاً أن الأيام ستشرح له كل شيء فيما بعد.

دارت السنوات، ومرت الأعوام، واضطر الفتى للعمل بعد وفاة والده ليعيل أمه وإخوانه.

في اليوم الأول خرج الفتى إلى العمل، مصطحباً معه صرة الزاد المكونة من الخبز والتين.

ظل يعمل حتى انتصف النهار، فشعر بالجوع الشديد، وعندما جلس ليتناول طعامه مر به رجل طاعن في السن فدعاه الفتى لمشاركته في الغذاء.

جلس الاثنان يتناولان الخبز والتين؛ فقال الفتى: يا الله، إنّه ألذ طعام ذقته في حياتي.

قال له الرجل المسن: هذا لأنّك جعت كثيراً يا بني، وسوف تتذكر كلامي حين ترقد في فراشك الليلة.

وفي المساء، ذهب الفتى إلى منزله، فاستحم وتناول قليلاً من الزاد ثم آوى إلى فراشه المكون من القش والقطن ولحاف قديم، لكنّه ما إن وضع رأسه على المخدة حتى شعر أنّه في النعيم، وعندئذ تذكر كلمات الرجل العجوز، وأيقن أن التعب هو الذي يمنح الإنسان فرصة النوم اللذيذ.

بعد أيام ذهب الفتى إلى بلد مجاور لشراء بعض الحاجيات، وهناك التقى بصديق قديم، فرحب به الصديق خير ترحيب واخذه معه إلى بيته ليحل هناك معززاً مكرماً.

وتذكر الشاب نصيحة والده، فأدرك السر في قوله: إجعل لك في كلّ بلد بيتاً ترتاح فيه.

إنّها مجرد حكايات... لكنها صادقة مثل نبضات الروح.

ارسال التعليق

Top