• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) .. فرح الرسالة

عمار كاظم

ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) .. فرح الرسالة

هذا هو شهر شعبان الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدأب في صيامه وقيامه، في لياليه وأيّامه، وهذا هو الشهر الذي يصادف فيه باليوم الثالث منه، ولادة سيدنا الإمام الحسين (عليه السلام)، التي كانت فرحاً كبيراً لعليّ وفاطمة (عليهما السلام) بعد فرحهما بالإمام الحسن (عليه السلام)، وكانت فرحاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أحبّ الحسن والحسين (عليهما السلام)، حتى رُوي عنه في أكثر من مصدر بروايات المسلمين جميعاً أنّه قال: «اللّهمّ إنّي أحبّهما، فأحبّهما وأحبّ مَن يحبّهما»، كما ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنّة»، وقال عن الحسين (عليه السلام): «حسين مني وأنا من حسين»، وكان يضمّهما ويحضنهما ويلاعبهما، كانا أنسه الذي يأنس به ويخفّف عنه كلّ آلامه عندما كان (صلى الله عليه وآله وسلم) ينظر إليهما.

عندما نعيش ذكرى مولد الإمام الحسين (عليه السلام)، فإنّنا نفرح به، في الوقت الذي نعيش الحزن الكبير عليه، وفرحنا بالحسين (عليه السلام) هو الفرح بالرسالة التي حملها وعاش كلّ حياته من أجلها، وقد تحرّك بطلب الإصلاح في أُمّة جده (صلى الله عليه وآله وسلم) ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بالكلمة الطيِّبة، وبالموقف الصلب، وبالجهاد الصعب. عندما نتمثل الحسين (عليه السلام)، فإنّنا نتمثل فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلّ أخلاقه وصفاته التي تمثّلت في شخصيته، كان الحسين (عليه السلام) تجسيداً لجده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في روحانيته وعلمه وخلقه، وفي كلّ الصفات المميزة، وكان تجسيداً لعليّ (عليه السلام) في شجاعته وبطولته وإقدامه وجرأته وصلابته في الحقّ، كما كان تجسيداً لطُهر الزهراء (عليها السلام) وصفائها ونقائها وروحانيتها.

هكذا كان الإمام الحسين (عليه السلام) الذي كان الناس يحبّونه، ولكنّهم كانوا لا يعرفونه جيِّداً، فلم يواجهوا مسؤوليتهم في اختيار الإمام الذي تتمثل فيه كلّ عناصر الإمامة الحقّة، سواء في شرعيته في الإمامة، أو في صفاته التي يتميّز بها عن الناس كلّهم آنذاك. كانت مشكلة الإمام الحسين (عليه السلام) كمشكلة أبيه (عليه السلام)، وكمشكلة كثير من الأنبياء والمصلحين، الذين جاءوا ليخرجوا الناس من الظُّلمات إلى النور، فاستبدلوهم بالذين جاءوا ليخرجوهم من النور إلى الظُّلمات، ولينحرفوا بهم عن الحقّ.

يقول الإمام الحسين (عليه السلام): «إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي». وكلمة الإصلاح تتّسع لكلّ الآفاق التي دلف إليها الفساد. كانت حركة الإمام الحسين (عليه السلام) من أجل تغيير الواقع الفاسد إلى واقع صالح، سواء في الجانب الثقافي في الإسلام في مسألة التصور لمفاهيم الإسلام، أو في الجانب العملي الذي يتحرّك في الخطوط السياسية المنحرفة، أو في الخطوط الاجتماعية المنحرفة بعلاقات الناس مع بعضهم البعض.. ولذا عقَّب الإمام (عليه السلام) فقال: «أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر». والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن اختصّا بالجانب العملي للناس في خطّ الانحراف، ولكن لمّا كان الجانب العمليّ منطلقاً من الخطأ في الجانب الثقافي، فإنّ الانطلاق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتحرّك في تحديد ماهية المعروف وماهية المنكر، لمواجهة هذا المنكر على مستوى الواقع.

إنّ هؤلاء العظام (عليهم السلام) عاشوا في زمان لم يرتفع فيه الناس إلى مستوى معرفتهم وفهمهم وتأكيد قوّة الإرادة في الوقوف معهم. ومن خلال هذا، لابدّ أن نستوحي من تلك المشكلة التي عاشها الأئمة (عليهم السلام)، ومن قبلهم الأنبياء (عليهم السلام)، كيف يجب علينا أن نميّز بين السائرين في الخطّ المستقيم وبين السائرين في الخطّ المنحرف، بين مَن يفتح عقول الناس على الحقّ وبين مَن يسير بالناس نحو الباطل.

 

ارسال التعليق

Top