..كيفما التفتَّ، فإنّك تجدُ نوعاً متناسقاً بالكامل بين قوانين الكون والوجود [الإلفة الكونية والخدمة الوجوديّة]..
بدءاً من النملة، وصولاً إلى الإنسان، انتهاءاً بالمجرات. كلٌّ منها يقوم على تركيبة قانونيّة أعجزت العقول..!
ومع تطوُّر التقنيّة فإنّ الإنسان يشهد مظاهر هائلة من الأسرار التي تسبحُ في بطن هذا الكون..
هل تعلم أنّ الكون معقَّد ومذهل جدّاً، وواسع، وهو ما زال يتَّسع.!
هل تعمل أنّنا ما زلنا نسبحُ بشكلٍ انفلاشي مع باقي الكواكب والنجوم والمجرات، وعلى نحوٍ اتساعي مع الدفع النوعي الذي يرمي بنا في بطن هذا الكون، ولا ندري إلى أين، سوى نعلم أنّ هذا الفعل يتمُّ على نحوٍ دقيقٍ وموزونٍ وإيقاعٍ مدهش..!
مَن يقود هذه القدرة الهائلة ويُقيم الكون على هذا الضبط الذي أذهل العقول..؟ دارون، أم شكسبير، أم سارتر..!
لقد أساء الإنسانُ إلى نفسه كثيراً حين جحد..
هذا الإنسان الذي يُصرُّ على إنه عملاق العقل والذكاء، يصرُّ على أنّ باب خشب لا يمكِن أن يتركب من ذاته، في حين يرى أن هذا الكون المذهل يمكن أن يتولّد عبر صدفة جنون أو عاصفة عبثية..! أو بالأحرى، كما قال بعض المفكِّرين الجاحدين: ليس من الضروري أن نعرف كيف تركَّب ومن ركبهُ ولماذا..!
في حين نفس هذا المُفكِّر حين تم الإعلان عن بعض الأعاصير كان أوّل من هرب، كان من أكثر الناس إلحاحاً عن الإعصار وعن وجهته، وعن قوَّته، وعن نسبة المخاطر، وأين، وكيف، وما هي الإمكانات التي تحول دون ضرره..!
لاحِظ.. يهمُّهُ أن يحمي نفسه من المخاطر، أن يضمن النجاة، أن يعرف العدو الإعصاري القادم.. لكن مسار الحياة، خريطة الوجود، وهي الأعمق والأعظم باعترافه، وهي الأهم لحياته، يُصرُّ على الإبتعاد عنها، لأنّه كما قال: الموتُ يخيفه..! أليس الإعصار يخفيه..!
ألا يجب أن نعرف طبيعة الأشياء، أن نعرف مسار الحياة والموت، والقوانين الحاكمة على مسيرنا ووجودنا..
ألا يجب علينا أن نتعمَّق في فهم مفردات خطواتنا، ولغة القوانين الكونية، خاصة إنّ الكون بما فيه يؤكد لنا إنّ ربّ الكون، ربٌّ حكيمٌ، رؤوف قادر، أبداً ليس عبثياً، رب سخر كل شيءٍ لخلقه البشر، ربٌّ، عطوف فعلاً، ربٌّ لا يمكنك وصفهُ إلا بالرحمن الرحيم.
ألا يستحقُّ هذا الربُّ العظيمُ أن نشكره، أن نتوقَ إلى رضاه، أن نستمطر رحمته..!
لقد جحد كثيرٌ من الناس..! في حين الكون، بكلِّ ما فيه، الوجود بكلِّ ما ينطوي عليهِ: يخشعُ في محراب عظمة الله تعالى..!
ولقد لفت نظري قول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (الحج/ 18).
.. لقد خانَ كثيرٌ من البشر أمانة الله فيهم، خانوا جاحدين، انحرفوا لاهثين، كفروا معاندين، رغم ضعفهم، عاندوا شريعة الله بحقدٍ هائلٍ..! في حين لا يملكون لأنفسهم نفعاً أو ضرّاً.
يقول الله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) (الأحزاب/ 72).
لقد خانَ كثيرٌ من بني آدم خيانةً عظيمة، فشلوا في تحقيق الأماني الضرورية في لوح الخلق وغاياته.
ومع أنّهم يفكِّكون إلغازاً مذهلة في كُنه الكون، ومع هذا، يعرضون عنها كآيةٍ..!
ومن طريف ما قرأت، أن جماعاتٍ قيل أنهم من المفكِّرين كانوا يصرُّون على ان قطع المسافات من أي طاقة كان لا يمكن أن يتم إلا وفق قاعدة الحسِّ البشري ومقاييسه..! [هؤلاء أصحاب المذهب الحسِّي].
وحين تم اكتشاف سرعة الضوء انبهروا، فأعلنوا انّ هذا سحرٌ أسطوري..! ومع جحودهم هذا، اضطروا أن يتعاملوا مع هذه الحقائق كواقع فعلي، لكنّهم أصرّوا على إعطاءها تفسيراً سحريّاً..!
أمام لوح هذه الحقائق، ألا يجب علينا أن نلتفت إلى بيئتنا الكونية، إلى الغايات الوجودية، إلى الإعجازات المدهشة، إلى ما تعنيه هذه اللغات المترجمة على صفحات السماء..!
خاصة أننا أمام كونٍ هائلٍ بالإتِّساع، بل مجرّتنا التي نتبع إليها تشكِّل مساحةً مدهشة من الإتساع. فالضوء الذي يقطع المجموعة الشمسيّة في وحدات تقريبيّة من الساعات يتطلب زمناً قد يصل إلى "90.000 سنة" حتى يصل إلى ما بين أقصى طرفيّ مجموعة النجوم الأكثر تكاثفاً التي تكوّن مجرتنا..
كما يجب أن نعلم أنّ هذه المجرّة رغم اتساعها الكبير والمذهل، ما هي إلا عنصر صغير جدّاً من السماء، حيث توجد خارج مجرّتنا تكتلات ضخمة من النجوم هي مماثلة لها وأكبر منها..
حين تمّ تطوير تلسكوب جبل ويلسون بالولايات المتحدة، ورأى العلماء الكون ضمن حقائق الرؤية، اندهشوا، ذهلوا، انصعقوا أمام عظمة الكون. وقد سجَّل العديد منهم ملاحظاتِهم أمام تلك اللحظة، ما مِن واحدٍ إلا أقرَّ بنوعٍ عجيب من الرهبة التي تؤكِّد طابع العظمة في جانب الله تعالى.
في تلك اللحظات شاهد الإنسانُ بشكلٍ حسّي جانباً من السماوات التي أدهشت عقله، فالتفتَ إلى نفسه التفاتة العاجز الذليل.!
المصدر: كتاب فلسفة الحياة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق