• ٢٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

العلاقة بين الإعلام والسلطة

العلاقة بين الإعلام والسلطة
هناك أوجه تعاون ما بين الإعلام والسلطة حيث أنّ السلطة هي القوة أو القوى التي تهيمن على جماعة بشرية وتدير شؤونها بصرف النظر عن تعدد أشكال هذه السلطة وتنوع تصنيفاتها ومستوياتها أو اختلاف أيديولوجياتها، بينما الإعلام هو تبادل المعلومات والأخبار والآراء داخل المجتمع الواحد، ومن هنا وفي صلب الحديث عن العلاقة ما بين الإعلام والسلطة لابدّ وأن نسلط الضوء على إشكالية العلاقة ما بينها حتى نصل إلى تشخيص هذه العلاقة. أبرز الإشكاليات ما بين الإعلام والسلطة إنّ السلطة نشأت قبل الإعلام بينما رأى آخرون أنهما نشآ مع بعضهما البعض، وانّ الإشكالية ما بينهما نشأت تاريخياً من خلال سريان عملها وخاصة عندما اتجهت السلطة إلى الهيمنة والسيطرة على شؤون الجماعة ومن بين ما هيمنت عليه هو الإعلام. إذن السلطة والإعلام نشئا مع بعضهما البعض لكن مرحلة الافتراق بدأت منذ أن جنحت السلطة إلى الهيمنة والسيطرة على المجتمع والإعلام هو جزء من المجتمع والسبب هو تبرير شرعية السلطة ولذلك بدأت العلاقة ما بينهما بداية غير متكافئة فالسلطة تريد إثبات ذاتها سواء أكانت مشروعة أو غير مشروعة والإعلام وظيفته منح الشرعية على تصرفات السلطة فقط وتبرير سلوكها أي على الإعلام أن ينحني أمام سجادة السلطة ويسجد أمامها معلناً الولاء والطاعة لكي ينعم بقداستها ويتحول أمام حضرتها إلى بصمجي لتثبيت شرعية السلطة ويمكن توضيح ذلك من خلال قراءة قوانين العلاقة ما بين الإعلام والسلطة.   قوانين العلاقة بين الإعلام والسلطة: يمكن إجمال أبرز القوانين التي لها دور مباشر في العلاقة ما بين الإعلام والسلطة وتتمثل فيما يلي: القانون الأوّل: وجود ارتباط وثيق ما بين وجود سلطة مطلقة في مجتمع ما وبين قيام الإعلام في هذا المجتمع بدور الأداة التي تبرز وجود هذه السلطة وتدعم شرعيتها وتذود عنها ضد خصومها ومنافسيها وبذلك يتحول الإعلام من إعلام بمفهومه الحقيقي إلى دعاية.   ترى ماذا نعني بالدعاية؟ الدعاية هي فن التأثير والإقناع والإغراء والإيحاء والترغيب الحسي الذي يمارسه الداعية والسياسي لغرض أن يتقبل غيره بالقناعة الفكرية ووجهات نظرة وآراءه وأفكاره وأعماله سياسياً وعسكرياً واقتصادياً والدعاية أنواع: منها البيضاء والسوداء والرمادية وأخطرها على الإطلاق الرمادية. القانون الثاني: وقد تمّ تطبيقه خلال القرون الوسطى حتى بزوغ حركة التنوير والثورة الصناعية وبروز الحركات الديمقراطية حيث جرى تحول في العلاقة ما بين السلطة والإعلام عندما تحولت السلطة من سلطة مطلقة إلى سلطة مقيدة تنبع من الإرادة الشعبية وقد ترافق ذلك مع بداية ظهور وسائل الاتصال الجماهيري والانتقال من مرحلة الاتصال المباشر وهذا الدور شكّل نقله نوعية في تاريخ العلاقة ما بينهما من خادم للسلطة إلى أداة لنقد السلطة ومراقبتها ومحاسبتها. القانون الثالث: حيث انتقل الإعلام في هذه المرحلة من أداة في يد سلطة واحدة وإنما أداة في أيدي سلطات أخرى متعددة في المجتمع بحيث لا يقتصر دور الإعلام بالدفاع عن السلطة الحاكمة وإنما ليكون أداة لسلطات الأخرى في نقد ومراقبة السلطة الحاكمة ومحاسبتها. وهذا بالطبع يقودنا إلى موضوع فرعي هو أنماط الإعلام حيث ظهر خلال المسيرة التاريخية للمجتمعات البشرية نمطان من الإعلام أوّلهما الرسمي وثانيهما المناوئ والمعارض للسلطة. وكان الإعلام السائد هو إعلام السلطة بينما الصوت الخافت والضعيف هو الإعلام المناوئ للسلطة فهو إعلام مغلوب على أمره، والأدهى انّ إعلام السلطة والمقاومة قد عملا مجرد أداة في أيدي السلطة وفي أيدي المناوئين للسلطة الكل يسعى إلى امتلاك الإعلام فمثلاً اكتشاف الطباعة منح السلطة وسيلة متطورة لمخاطبة الناس وكذلك وجد المعارضون في الطباعة وسيلة لمخاطبة الناس ولمحاربة السلطة. نخلص إلى أنّ السلطة سعت إلى امتلاك الإعلام وكذلك المعارضة تسعى إلى امتلاك الإعلام وعندما تمتلك المعارضة السلطة تحول الإعلام المقاوم إلى إعلام رسمي وهكذا دواليك أي تبدأ عملية تبرير شرعية السلطة والتنديد بالمعارضة ومن هنا فإنّ التطور الذي تحقق للإعلام جاء بسبب التطور التكنولوجي في مجال الإتصال وساهم في التعددية السياسية في المجتمعات الغربية وقد أدى تطور وسائل الإعلام إلى الطابع المؤسسي الضخم لوسائل الإعلام نفسها واستقلال الإعلام عن السلطة وفي مرحلة لاحقة لم يكتف الإعلام بأن يكون مستقلاً عن السلطة بل أصبح سلطة كباقي السلطات رقيباً عليها. القانون الرابع: أي وجود علاقة وثيقة بين التطور الحديث في تكنولوجيا الإعلام ونمو الطابع المؤسسي للإعلام والتعددية السياسية في المجتمع الديمقراطي وبين تزايد استقلال وسائل الإعلام عن السلطة وانّ الارتباط بين كلّ من الطابع المؤسسي المستقل لوسائل الإعلام سيؤدي إلى تحول الإعلام كسلطة مستقلة قائمة بذاتها من سلطات المجتمع الديمقراطي الحديث ويمكن تلخيص هذه القوانين على النحو التالي "انّ النظام الإعلامي في المجتمع ليس سوى تعبير عن النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي السائد في هذا المجتمع".   تطور العلاقة بين الإعلام والسلطة: مرّت العلاقة ما بين الإعلام والسلطة عبر الحقب التاريخية ما بين الشد والجذب فتارة تحدث علاقات ودية ما بينهما وتارة تحدث عمليات طلاق وتارة تفترس السلطة الإعلام وتارة تحاول اختطافه تمهيداً لإخضاعه والسيطرة عليه، لكن هذه المراحل لا يمكن تعميمها من منطلق أنّ نضال الإعلام وانفصاله عن السلطة في المجتمعات الغربية وضع حدّاً لهذه العلاقات أما في عالمنا العربي فما زالت العلاقة غير سوية ما بين الإعلام والسلطة وما زالت السلطة تهيمن على الإعلام بل والمجتمع بأسره سواء بفعل الإرث العائلي أو السطوة الدينية فخضوع الإعلام للسلطة هو جز من خضوع المجتمع برمته، فعندما يخضع الإعلام للسلطة تخضع الثقافة ويخضع الفكر وتغيب الإرادة الشعبية ويخضع البرلمان ويخضع القضاء يعني أنّ المجتمع انتهى وعلى ذلك لا يمكن أن تسمي هذا المجتمع في دولة ما مجتمعاً.   الأدوار التي يؤديها الإعلام في السلطة: يمكن إعطاء تصور كربلائي للإعلام التابع الخاضع للسلطة أو الإعلام الراكع أمام سيقان السلطة وذلك من خلال: 1-    تبرير وجود السلطة 2-    منحها المشروعية 3-    الإشادة بمنجزاتها 4-    التنديد بخصومها ولا يمكن أن نسمي هذا الإعلام بالإعلام بل هو دعاية إعلامية وانّ الأسلوب الدعائي هو الغالب على طبيعة هذه العلاقة ومن هنا فإنّه لابدّ من قراءة المشهد الإعلامي منذ نشأته حتى تتعرف على طبيعة العلاقة ما بين الإعلام والسلطة عبر الحقب التاريخية السالفة. المرحلة الشفهية: وهي تتضمن الإعلام المباشر بأشكاله المختلفة كالاتصال الشخصي أو الجمعي أو عن طريق النفخ في الأبواق أو المنادين بالأسواق أو الذي يجوبون الشوارع والأسواق، وكانت هذه الوسائل تستخدم في أوقات السلم والحرب أو الإعلامية عن حالة وفاة الحاكم أو سقوطه أو تنصيب الحاكم وفي إبلاغ الرعية بأوامر الحكومة وتعليماتها فضلاً عن الدعاية للحاكم والتغني بأمجاده ومأثره أو عن طريق الرواة أو الشعراء أو القصاصين والخطابة والندوات، سطوة القبلية وهو شكل من أشكال السلطة هذا وكانت وظيفة الشاعر بالدرجة الأولى الناطق الرسمي باسم سلطة القبيلة والقصيدة كانت هي بمثابة وسيلة الإعلام. أنّ الإتصال الشخصي عرفته المجتمعات الإنسانية في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وما زال يستخدم في عالمنا المعاصر وخاصة في إلقاء خطب الجمع والأعياد وفي فترة الحملات الانتخابية حيث يلجأ له المرشح في الاتصال مع الناخبين وخاصة أثناء زيادة المنازل وانّ استخدام التلفزيون في الدعاية الانتخابية ما زال ضئيلاً في العالم العربي بسبب الظروف الاقتصادية وسيطرة الدول أو السلطة على الإعلام.

ولذلك بسبب انحصار وسائل الإعلام في ذلك الوقت فقد هيمن الاتصال الشخصي على حياة المجتمعات آنذاك، ولذلك كان تأثير الاتصال الشخصي على الرأي العام محدود النطاق ووسائله عشوائية سواء بالنسبة للمصدر أو الجمهور المتلقي وكانت وظيفة هذا النط الإعلامي محصور في دعم الأعراف والتقاليد الراسخة ومن ثمّ تقوية النظام الحاكم المتمثل في السلطة المطلقة.

المصدر: كتاب الإعلام البرلماني والسياسي

ارسال التعليق

Top