• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

نظرية الارتقاء الإعلامي/2

نظرية الارتقاء الإعلامي/2

- النظرية وحرّية التفكير:

لقد اعتمدَ الإسلامُ في نظرية الارتقاء حرّية التفكير، لقوله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/ 256).

فالدِّينُ الذي يتطلَّب معرفة الخالق، واتّباع شرعه، وطاعة أمره، واجتناب نهيه، لا يكون بالإكراه، إنّما يكون بالبيان والحوار والعرض والتحليل ليصلَ الإنسانُ إليه عن قناعة مبنيّة على الفهم وسلامة التصوُّر، فعدمُ الإكراهِ أساسٌ في الرسالة الإعلامية التي ينبغي أن تتوجّه إلى عقل الإنسان، وأن تتفاعلَ مع عاطفته.

والإنسان بما حباه الله من إرادة حرّة لا تنفع معه ضغوط السيطرة والهيمنة، بقدر ما ينفع معه الأخذ بالمنطق واللين، ولهذا نجد القرآن الكريم يذكر قصّة تكليف المولى عزّوجلّ لرسوله موسى (ع) بتبليغ الدِّين الحقّ لفرعون الذي طغى واستكبر، وقاده تفكيرُه المنحرف إلى الاستعلاء على الناس، قال تعالى: (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) (طه/ 24).

وفي آية أخرى، حيث يأتي التكليفُ لموسى وأخيه (ع) لحمل الرسالة بصيغة الرُّفق واللين، فيقول الله تعالى: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى) (طه/ 43-44).

أي إنّ صيغة اللين هي السبيلُ الأمثل الذي يؤدِّي إلى اتباع الحقّ، وهو الأثر الذي يريده المولى عزّوجلّ من رسالته، فالمتلقي إمّا أن يتذكّر الحقّ فيعودَ إليه، أو يخشى العاقبةَ السيِّئةَ فيرجع عن طغيانه، ولأنّ الاتباع بالإكراه لا يؤتي ثمارَه المرجوّة، وهي الامتثالُ طواعيةً والاتباع قناعة ليتحقّق بالنتيجة هذا السلوك في ميزان الثواب والعقاب، ولهذا أيضاً خاطبَ المولى عزّوجلّ رسولَه محمّداً (ص) بقوله تعالى: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية/ 21-22).

فالسيطرةُ قد تؤدِّي إلى الامتثال الظاهر في القول والعمل دون أن يكون نابعاً عن عقيدة راسخة وإيمان صادق، أي إنّ تأثير الرسالةِ لا يكون حقيقياً، وهو ما لا ينفع في مجال الفكر والسلوك.. ويريدُ الله سبحانه أن يتّجه إليه العبادُ بإرادةٍ حرّةٍ، وإيمانٍ مطلقٍ، وقناعةٍ بأنّ اتّباع شرع الله عزّوجلّ هو في مصلحتهم أوّلاً وأخيراً.

وهكذا بيَّنَ القرآن الكريم أنّ مهمّة الإعلام هي إقامة الحجّة بالدليل كي تتفاعل النفسُ البشريةُ مع الرسالة بإيجابيةٍ صادقةٍ نابعةً من سلطة الضمير، قال تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (النور/ 54)، وهذا يتطلّبُ إيضاح الفكر بالوسائل المختلفة والطُّرق جميعاً لتكون بيِّنةً واضحةً، يتعامل الإنسان معها بعقله الحرّ الملتزم بمنهج الخالق.

فحرّيةُ التفكير لا تعني أن يُفكِّر المرءُ على هواه وميوله ورغباته بعيداً عن إدراك أنّه عنصرٌ في بناء الحياة، وعليه أن يتجاوبَ مع ندائها الربّاني للاندماج في مهمّة عمارة الكون لا هدمه، والارتفاع بمستواه المادّي والتنموي، لأنّ التفكيرَ الصادر عن الفرد خارجاً عن الإطار السليم، هو الذي يؤدِّي إلى معاناة البشر، وقد ضرب القرآن الكريم مثلاً للخطأ في التفكير عن خروج أصل الإنسان من نعيم الجنّة إلى ابتلاء الدنيا بسبب الخطأ - صغيراً كان أم كبيراً - قال تعالى: (وقُلنا يا آدَمُ اسكُن أنتَ وزَوجُكَ الجَنّةَ وكُلا مِنها رَغَداً حَيثُ شِئتُما وَلا تَقرَبَا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكونا مِنَ الظالِمِينَ * فأزَلَّهُما الشّيطانُ عَنها فَأخرَجَهُما ممّا كانا فِيهِ وقُلنا اهبِطُوا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ ولَكُم في الأرضِ مُستَقَرٌ ومَتاعٌ إلى حِينٍ) (البقرة/ 35-36).

كما أوضحَ القرآن الكريم الوبال الذي يقع على مَن يرتكب سوء التقدير، فقال تعالى: (إنّهُ فَكَّرَ وقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيفَ قَدَّرَ * ثّمُ قُتِلَ كَيفَ قَدَّرَ) (المدّثِّر/ 18-20) ليُبيِّن أنّ عاقبة الخطأ في التفكير وخيمة سواء على الخاطئ أو على مَن حوله.

ومادام الأمرُ كذلك، فحرّية التفكير مقيَّدةٌ بما هو إيجابي للأفراد والأُمم والشعوب، فليس الإنسانُ حرّاً في التفكير بأذى الآخرين وهدم مصالحهم وإفساد حياتهم، لأنّ ذلك ظلمٌ واعتداء بغير وجه حقّ، والظلم مرفوض عقلاً وشرعاً، قال تعالى: (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ) (غافر/ 31).

وجاء في الحديث القدسي فيما يرويه النبيّ (ص) عن ربّه:

"يا عبادي، إنِّي حَرَّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم مُحرَّماً فلا تظالموا.

يا عبادي، كلُّكم ضالٌّ إلّا مَن هديته، فاستهدوني أهدِكم.

يا عبادي، كلُّكم جائع إلّا مَن أطعمته، فاستطعموني أُطعمكم.

يا عبادي، كلُّكم عارٍ إلّا مَن كسوته، فاستكسوني أَكسُكُم.

يا عبادي، إنّكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم.

يا عبادي، إنّكم لن تبلغوا ضَرِّي فتضرُّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني.

يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجِنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في مُلكي شيئاً.

يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجِنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من مُلكي شيئاً.

يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجِنّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كلّ إنسانٍ مسألته ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المِخيَط إذا أدخل البحر.

يا عبادي، إنّما هي أعمالكم أُحصيها لكم، ثمّ أوفِّيكم إيّاها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومَن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه".

وقال النبيّ (ص): "الظلم ظُلمات يوم القيامة". وفي رواية: "يا أيُّها الناس، إيّاكم والظلم، فإنّ الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامة".

فالتفكير السلبي بحقّ الفرد أو المجتمع أو الإنسانية عموماً لا يندرجُ في إطار حرّية التفكير، ويجب أن يُمنعَ لما يصدر عنه من نواتج تخريبية في الكون، سواء كانت مادّية أو معنوية لرفع الضرر عن كاهل البشرية، وقد وضع النبيُّ (ص) القاعدةَ العامّة في هذا الشأن، حيث قال (ص): "لا ضرر ولا ضِرار"، فالتكفيرُ الذي ينتجُ عنه ضررٌ، سواء تجاه الفرد أو الأُمّة، أو البيئة التي يعيش فيها هذا المخلوق هو تفكير مرفوض في أي قناة من قنوات الاتصال الإنساني.

 

- منهج الحوار:

كما تقوم نظريةُ الارتقاء في حال إجراء مقارنة بين الحقّ والباطل على أساس المجادلة بالتي هي أحسن ودون تسفيه أو تجريح، اتباعاً للمنهج الإلهي، حيث قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل/ 125).

وأوضح القرآنُ الكريم أنّ حوارَ الأنبياء (ع) في تبليغ رسالتهم لا يكونُ إلّا بالرفق، قال تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (سبأ/ 24)، بعد إيضاح وتحديد المسؤولية بقوله سبحانه: (قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (سبأ/ 25).

كما يُبيِّن العواقبَ التي تنتجُ عن الاستمرار في الخطأ وعدم اتّباع الصواب، قال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) (الكهف/ 29)، وهذه الحقيقة الأخرويّة هي صورةٌ لمآلٍ كلِّ تصرُّف خطأ تنعكس نتائجه السيِّئة على صاحبه في الدنيا والآخرة.

إنّ منهج القرآن في التحذير من العواقب هو ميزة النظرية الإعلامية الإسلامية التي لا تدعُ الناسَ يهلكون دون أن تبصِّرهم بمآل أفكارهم وأعمالهم لعلّهم يستجيبون لفكرة الارتقاء التي تقومُ عليها النظرية الإعلامية الإسلامية.

ولقد حددتِ النظريةُ أسلوبَ الخطاب بقوله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف/ 108).

وأمر الله عزّوجلّ رُسلَه والدُّعاةَ من بعدهم بأن يلتزموا هذا الأسلوب. وقد وضعتُ للنظرية قواعدَ وضوابط أسميتُها قواعدَ التقويم للإعلام الإسلامي، فلابدّ أن يلتزمَ الإعلام بتلك القواعد حتى يكونَ إعلاماً إسلامياً مُحقِّقاً لنظرية الارتقاء التي يقوم على أساسها.

 

- السيطرة الإعلامية:

لقد صار الإعلام السمةَ المميّزة للعصر، وأضحى تأثيره في الحياة طاغياً لا يستطيع معه أيّ فردٍ في أيّ ركن من أركان الدنيا أن يتجنّبه، إنّه يؤثِّر في العقول، ويحرِّكها، ويغيِّر اتجاهات الأفراد، ويوجِّههم إلى حيث يشاء، بل هو يصنعُ الأحداث والأخبار، وبدأ يَبرُزُ دورُه كسلطة رابعة في العالم.. إنّه يخطو بالشعوب والدول ويتقدَّم بها إلى الأمام، وتلك هي مهمّة الإعلام الرشيد. أمّا الذي يخطو بها إلى التخلُّف والتفكُّك والصراع المادّي، فهو ما يصنعه إعلام ظلامي غير مستنير.

"إنّ الإعلامَ هو الذي يرسم اليوم ما يمكن أن نطلقَ عليه الخريطةَ الإدراكية الوجدانيةَ للشعوب، فتبرز بالتفاعل معه شعوبٌ مستنيرةٌ متكاملةُ الشخصيةِ، لها فعّالياتها، وتحقّق ذاتيتها ووجودها، وأخرى تعاني من الخواء الوجداني والإدراكي أمام ضغوط توجّهات إعلامية، تسعى إلى تجريد الأفراد من هُويّتهم وانتماءاتهم وقيمهم ومعتقداتهم وثقافتهم الذاتية" (عبدالمجيد شكري، الاتصال الإعلامي والتنمية، ص7).

فالإعلام الظلامي ينتهي بخطابه إلى إقناع الجماهير بالخضوع لقوى خارجية أو داخلية، تسعى وراء استغلال ثروات الشعوب، وضمان أسواقٍ واسعةٍ لبيع وفرض إنتاجها، وهو الضياعُ الذي يفرضه لتحقيق (مصطلح المصالح)، كالمصالح الأمريكية والمصالح الإنكليزية والمصالح الفرنسية، ومن أجلها تشتعل الحروب، وتحاك المؤامرات والفتن.

"ونحنُ لا نُخالف الحقيقةَ إذا قلنا: إنّ الإعلامَ بحدِّ ذاته قد أصبحَ اليوم أداةَ بطشٍ جديدةٍ - إذا جاز لنا التعبير - وهو البطشُ بحرّية الشعوب ومقدّراتها، فأيّ وسيلةٍ للبطش أكبر وأشدّ من وسائل البطش بالعقول وتجريدها من كلّ ما يحفظ لها مقوّمات وجودها باعتبار أنّ أساسَ هذا الوجود هو التفكير الحر المستنير" (المرجع السابق، ص10).

لقد بدأت منذ أواخر القرن العشرين حربُ المعلومات والمعلوماتية من خلال وسائل الإعلام، حيث إنّها أساسُ وجود الإنسان المعاصر، وأصبحت الدولةُ الأقوى هي الأكثر معلوماتية، وبصفة خاصّة المعلومات التكنولوجية المتقدِّمة المعتمدة اعتماداً كاملاً على الإلكترونيات التي تكادُ تكونُ محتكرة من دول تعمل بجهد على عدم تسرّبها إلى دول أخرى، خاصّة ما يتصل بالصناعات العسكرية الدقيقة والسيطرة على بنوك وقواعد ومراكز المعلومات.

وهكذا يتأكّد أنّ الإعلام الظلامي يمكن أن يصيرَ طاغية العصر المؤثِّر في حياة الشعوب سلباً أو إيجاباً، وهو الحاضر دوماً في كلّ مشروع حضاري أو تنموي وفي كلِّ خطّةٍ تنمويةٍ أو توجّهٍ تنموي باعتبار التنمية هي أساس كلّ مشروع حضاري.

 

- التخطيط الإعلامي:

التخطيطُ هو السمةُ المميَّزة للحياة، بل إنّه هو الحياة نفسها، وهو النظام، وعكسه هو الفوضى والارتجال.

والتخطيط الإعلامي هو حشد الطاقات كافّة، وتوجيهها من أجل تحقيق أهداف المجتمع، والعمل على تطويره، وذلك يشمل الطاقات الإعلامية البشرية والمادّية، والمؤسسات الإعلامية الجماهيرية بدءاً من النشرات الصغيرة أو الملصقات والشعارات، إلى المؤسسات الصحفية الكبرى، ومن الإذاعات المحلية الصغيرة إلى الشبكات الإذاعية والتلفزيونية العملاقة، ومن الفنان الشعبي البسيط إلى ذروة المسرح والسينما والأوبرا، حتى مسرح الطفل ومسرح العرائس وخيال الطفل وفرق الفنون الشعبية ومعارض الفنون التشكيلية والمراكز الثقافية.

كما يشملُ قادةَ الرأي المحليين والقيادات الشعبية ورجال الدِّين والمرشدين الزراعيين والصحّيين، حيث يضعُ التخطيط الإعلامي في اعتباره وحدّة العمل الإعلامي بصوره وأشكاله كافةً مع استغلال القنوات الإعلامية والاتصالية وعناصرها البشرية والمادّية وجعلها في خدمة التخطيط الوطني الأعلى. فلابدّ أن نضعَ النقاط فوق الحروفِ في تحديد المهمّة التي يمكن أن يلعبها الإعلام الارتقائي في دفع عجلة التنمية إلى الأمام والصعود بها إلى القمّة.

 

- علاقة الإعلام بالتنمية:

"الإعلامُ بطبيعته له الدور المؤثِّر في حركة المجتمع، وحركة الإنسان داخل المجتمع، بل إنّه يُشكِّل ظاهرة اجتماعية، وخصوصية يتمتّع بها الإنسان الذي نصفه بأنّه مخلوق اتصالي.. والتنميةُ بحدّ ذاتها هي جزءٌ من حركة المجتمع، فهي حركة ديناميكية، مستمرة، وأساسُ تطوّر المجتمع هو المعلومات والأفكار الجديدة والمستحدثة والرؤيةُ الشاملة، ويلعبُ الإعلامُ دوراً هامّاً في عمليات التنمية من خلال توسيع الآفاق الفكرية، بما يعرضه على العقول من مشاهد الماضي والحاضر ومعرفة حياة الآخرين" (د. جيهان رشتي، الأُسس العلمية لنظريات الاتصال، دار الفكر العربي، 1978م، القاهرة).

إنّ من شأن ذلك أن يُهيِّئ العقولَ لقبول عملية التغيير عن طريق تقديم المعلومات وعرض الأفكار الجديدة، وتقديم رؤية شاملة للأشياء، وتحفيز الأفراد للتطلُّع إلى واقع أفضل.

أمّا الهدف التالي، فهو الاقتناع بأنّ وسيلة معيّنة هي التي يجب أن تتبع لكي يتحقّق التغيير، ثمّ تأتي مرحلة تحوّل الإنسان من مجرّد الاقتناع إلى مرحلة السلوك أو ما يعرف (بالتبنّي)، وهي مرحلةُ المشاركةِ الفعلية في عملية التغيير إلى الأفضل أو عملية التنمية.

 

- الارتقاء الإعلامي والتنمية:

إنّ هدف الإعلام هو التأثير الاجتماعي، وبما أنّ الأثر الإعلامي يمكن أن يكون إيجابياً أو سلبياً، فإنّه في كلا الحالتين يؤدِّي إلى تغيير في الجانب المعنوي، إذ يستهدفُ اتجاهات الناس وتقاليدهم وميولهم، كالمعتقدات الدينية والسياسية والمستوى الثقافي والفكري، وكذلك في الجانب المادّي على المستوى الاقتصادي، لكنّ النمو الاقتصادي لا ينفك عن الجانب المعنوي، وإنّ مقياس النمو الاقتصادي يستندُ إلى الأثر المعنوي، فإن كان في المحصلةِ إيجابياً فهو نمو لصالح الأُمّة، وإلّا فإنّه هادم لهذه المصالح.

وهنا يبرز دور النظرية على اعتبار أنّ الإعلام خادمٌ وحليفٌ للتنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ فهما مرتبطان ومتفاعلان، ولا يمكنُ فصل أحدهما عن الآخر، والنمو الإنساني هو غاية الإعلام سواء كان يتعلَّق بتغيير الإنسان نفسه، أو في مستوى معيشته.

فالتنمية هي التغيُّرات الاقتصادية والاجتماعية في الشعب؛ سواء ما ارتبط منها بزيادة الدخل الفردي وإدخال الأساليب الحديثة في مجال الحياة كافة، أو ما تعلَّق منها بإعداد المواطن الصالح المدرب والمؤهل الذي يمكنه المساهمة في تطوير بلده.

 

- العلاقة التنموية:

التنميةُ الاقتصاديةُ لا تتحقّق بغير تنمية إجتماعية، فالتنمية الإقتصادية تتطلّب تغييراً إجتماعياً هو في جوهره عبارة عن سلسلة من التغيُّرات؛ كتعليم الشعب، وتوجيه إعلامه، وتغيير اتجاهاته وقيمه، وتعديل عاداته وأنماطه السلوكية، وإنّ في كل معضلة اقتصادية تكمن مشكلاتٌ اجتماعيةٌ وإنسانيةٌ. ولئن أريدَ تحقيقُ التنمية الإقتصادية تحتم إحداث تغيير اجتماعي، ولكي يتحقّق هذا التغيير لابدّ من تعبئة المصادر البشرية وحلّ العويص من المشاكل الإنسانية.

 

- البيئة التنموية:

لابدّ أن تقوم التنميةُ على دعائم تكون ركيزة للانطلاق والتقدُّم، ولن يتسنّى لدولةٍ من الدول أن تنموَ اجتماعياً واقتصادياً إلّا إذا توفّرت لها أُسسُ التنميةِ ومقوماتها، وأهمّها: إحساس الشعب بالحاجة إلى التنمية واستغلال الموارد الطبيعية، وأن تكون المصادر البشرية مدرَّبة، وخاصّة على استخدام التكنولوجيا الحديثة، لأنّ التقدُّم العلمي دعامةٌ أساسيةٌ من دعامات التنمية، والتكنولوجيا سببٌ في التغيير الاجتماعي، لذلك تعتبر الاختراعات العلمية والتقدُّم الفنّي عوامل هامّة في التغيير الاجتماعي، ويترتّب عليها آثار بعيدة المدى في ميادين الزراعة والصناعة والتجارة وفي مظاهر الحياة الاجتماعية، وفي المجالات والاتجاهات كافّة.

والتجارب الفعلية لبعض الدول حاولت أن تخطو قُدُماً في تغيير بعض الأوجه الاقتصادية فيها، كزيادة الاستثمار مثلاً، ولكنّ عدم تطوّر بيئتها المعنوية تطوّراً يعمل على استيعاب التغيرات الاقتصادية، ويساعدُ على تدعيم فاعليتها جعل حصيلة هذه الجهود أقل بكثير ممّا كان متوقعاً وممكناً في ظل بيئة أكثر مناسبة.

 

- دور وسائل الإعلام في التنمية:

تقوم وسائلُ الإعلام بعملية تعبئة الإمكانات البشرية، وتولِّد لدى الناس الإحساسَ بالحاجة للتنمية، والرغبة في حياة أفضل، ومتى توفّر هذا الإحساسُ ازدادت فرصةُ التنمية، حيث يمثِّل الناسُ رأسَ المال البشري في أيّ مجتمع من المجتمعات، وهم دعامة من أهم دعامات الإنتاج فيه، ويتوقَّف على عددهم ونوعهم وحركتهم ومميزاتهم والأعمال التي يمارسونها والقدرات التي يتمتعون بها: تحديدُ نوع التغيير الاجتماعي والاقتصادي الذي يحدث في المجتمع.

إذن لابدّ من تطوير برامج وسائل الإعلام لتسهمَ بدورها في تنوير الرأي العام وتسليحه بالوعي للعمل الجاد في معركة البناء والتنمية؛ فعالَمُ اليوم يشهد اهتماماً متزايداً بالإعلام ووسائله، وإيماناً صادقاً برسالته، وعملاً دؤوباً في تطوير أساليبه، وتتمثَّل هذه الحقائقُ في الاختراعات الحديثة، ومن أبرزها: الأقمار الصناعية التي جعلتِ العالَم يبدو وكأنّه وحدة لا تتجزّأ، وفي الزيادة المذهلة في أجهزة الاستقبال والإرسال في العالم.

"فيجب أن تكونَ هناك خطّةٌ إعلامية تَسِيرُ جنباً إلى جنب مع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية توضِّحُ أهدافها، وتهيِّئ الأذهان لقبولها، وتطرح المصاعب التي تعترضها على بساط البحث، وتنشر الحلولَ التي أمكن الوصول إليها دون تزييف للحقائق، أو تضليل للرأي العام، وبذلك يمكن لأجهزة الإعلام أن تُعبئ الشعب وتجعله مستعداً للتضحيات عن إيمان بأهميّة ما يُضحي في سبيله" (إبراهيم شاكر، الإعلام ودوره في التنمية، 1980م، ص209-210).

 

- الإعلام والدعاية:

"لعلّ من المهم هنا أن نُفرِّق بين الإعلام والدعاية، لأنّ التنمية تعتمدُ على الإعلام بمفهوم الصحيح، لا على الدعاية، وهكذا نعودُ لنؤكِّد أنّ الإعلامَ: هو تلك العملية التي يترتّب عليها نشر الأخبار والمعلومات الدقيقة التي ترتكز على الصدق والصراحة ومخاطبة عقول الجماهير وعواطفهم السامية، والارتقاء بمستوى الرأي العام، وذلك بتنويره وتثقيفه، لا تخديره وخداعه، على حين أنّ الدعاية يُقصد بها محاولة التأثير في شخصيات الأفراد، والسيطرة على سلوكهم بإثارة غرائزهم وتحريك شهواتهم ونشر الأكاذيب والفضائع، والتهويل في الأخبار، وبذل العهود الكاذبة والأحلام المعسولة" (د. زيدان عبدالباقي، وسائل وأساليب الاتصال، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الثانية، 1979م، القاهرة).

وبذلك يكون ما نحتاجه من أجل نجاح التنمية بأشكالها وأبعادها كافةً هو الاتصال الإعلامي الارتقائي لا الدعاية المحمّلة بالكثير من السلبيات، التي تعتبر في حدّ ذاتها من معيقات التنمية! فالإعلام ارتقائي يعمَلُ على إقناع الجماهير بضرورة التغيير والتحوّل نحو الأساليب المُثلى في السلوك لتحقيق التنمية، ومن ثَمّ يدفعهم لاكتساب المهارات، ولمواكبة التطوّر والتقدّم العلمي والتقني، فيتحوَّلون من السلبية إلى الإيجابية، وينتقلون من مقاعد المتفرِّجين إلى ميادين العمل.

 

- الارتقاء والترفيه الإعلامي:

إنّ ما عرضناه في نظرية الارتقاء الإعلامي من التوجّه الجادّ في الوسائل الإعلامية لا يعني أبداً التحجُّر والجمودَ لِصَلبِ الإنسان في هياكل الإنتاج، وإغفال الجانب الترفيهي في حياة الصغار والكبار، بل إنّنا ندرك من دون أدنى شك أنّ إغناء الجوانب الترفيهية والعاطفية من العوامل النفسية التي تساعدُ على التقدّم والنجاح.

إنّ نمو الأطفال لا يحتاج فقط إلى الطعام والشراب واللباس، بل يحتاجُ أيضاً إلى اللعب والتسلية والترفيه، فهم بحاجةٍ إلى إرواء عواطفهم بالحنان والمحبّة كي يشعروا أنّهم يعيشون بين قلوب حانية، لا بين أنيابٍ ضاربة.. والكبارُ أيضاً لا ينفكّون عن كونهم صغاراً كبروا، وسرعان ما يعودون إلى طفولتهم، ويحنّون للتمتع بمشاعرها المختلفة.

ولكنّ إعلام التسلية والترفيه بحدّ ذاته يمكِنُ أن يكون ارتقائياً يحقّق نوعاً من التنمية الفكرية أو الجسدية بدلاً من أن يكون مجرد هدرٍ للوقت بلا طائلٍ مفيد، أو انحداراً عن مستوى اللياقة الجديرة بالإنسان فرداً أو جماعةً.

وعلى الإعلام الجماهيري أن يعطي جانب التسلية والترفيه حقّه في الوسائل المختلفة ليساهمَ في النهوض بالبشر إلى ما يصلح حالهم في الدنيا، ويؤهِّلهم إلى مقام الجنّة في الآخرة، على اعتبار أنّ عمرَ الإنسان القصير ما هو إلّا مرحلة اختبار وابتلاء، ليستبين مَن يستحقّ الخلود، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا) (الكهف/ 107-108).

 

- الترفيه في الفكر الإسلامي:

لقد جاءت توجيهات النبيّ الكريم محمّد (ص) تحثّ المسلمين على أخذ مسيرة الحياة الجدّية في حدود الاستطاعة، لكي يتركوا للترفيه جانباً يمنحُ الجسد والنفس راحةً في شؤون الدنيا والآخرة، فقد روى أنس (رض) أنّ رسول الله (ص) قال: "رَوِّحوا القلوبَ ساعةً فساعةً" (كنز العمال، رقم5352).

وعن السيِّدة عائشة، عن النبيّ (ص)، قال: "اكلفوا من العملِ ما تطيقونَ، فإنّ الله لا يَمَلَّ حتى تَمَلُّوا، وإنّ أحبَّ العمل إلى الله أدومُهُ وإن قَلَّ" (مسند أحمد بن حنبل: 6/ 241).

وكان الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) يقول: "اجمّوا هذه القلوب، فإنّها تملُّ كما تملُّ الأبدان".

هذا في شؤونِ الدنيا عموماً. أمّا في العبادة خصوصاً، فقد وردت أحاديثُ كثيرةٌ، منها: أنّ النبيّ (ص) دخلَ المسجدَ وحبلٌ ممدودٌ بين ساريتين، فقال: "ما هذا؟" قالوا: لزينب، تصلِّي، فإذا كسلت أو فترت أمسكت به. فقال: "حلّوه، ليصلِّ أحدُكم نشاطَه، فإذا كَسلَ أو فترَ فليقعدْ" (كشف الخفاء، رقم1400).

وأيضاً: قوله (ص) لعثمان بن مظعون (رض): "يا عثمان، أرغبتَ عن سنّتي؟ فإنّي أنام وأصلِّي، وأصوم وأفطر، وأنكح النِّساء، فاتّقِ الله يا عثمان، فإنّ لأهلك عليك حقّاً، وإنّ لضيفك عليك حقّاً، وإنّ لنفسك عليك حقّاً، فصم وأفطر، وصلِّ ونم".

وكان رسول الله (ص) يقول: "إنّ هذا الدِّين متين، فأوغِل فيه برفقٍ، ولا تُبغِّض إلى نفسك عبادة ربِّك، فإنّ المُنبَتَّ لا سفراً قطع، ولا ظهراً أبقى، فاعمل عملَ امرئٍ يظنُّ أنّه لن يموت أبداً، واحذَر حَذَرَ مَن يخشى أن يموتَ غداً" (رواه أبو داود، عن عائشة، كنز العمال، رقم5325).

وقد كان رسول الله (ص) يشاهدُ ألعاب الفروسية، ويُراهنُ على السبق الرهانَ الحلال، ويأمرُ بتعلُّم السباحة والرماية وركوب الخيل، وكان (ص) يداعِبُ الأطفال، ويتلطَّف إليهم، فكان يرفع سبطيه الحسن والحسين فوقَ ظهره الشريف، ويقول لهما: "نعم الجَمَلُ جَملُكُما، ونعم الحِملَينِ أنتما".

وقد سابق (ص) السيِّدة عائشة مرّةً فسبقته، ولمّا حملتِ اللحمَ سابقها فسبقها، فقال لها: "هذه بتلك".

وكان (ص) يطلبُ من أزواجه أن يغنّين في أفراحِ أهلِ المدينة، لأنّ أهلَ المدينة يعجبهم الغناءُ.

وقد استقبلوا رسولَ اللهِ (ص) حين قدمَ إليهم مهاجراً بأرجوزةٍ مشهورةٍ مطلعُها:

طَلَعَ البَدرُ علينا من ثنيِّاتِ الوَدَاع

وَجَبَ الشُّكرُ علينا ما دعا للهِ دَاع

أيُّها المبعوثُ فينا جِئتَ بالأمرِ المُطاع

جِئتَ شَرَّفتَ المدينة مَرحَباً يا خَيرَ دَاع

فاستمع رسول الله (ص) إلى ذلك، وأقرّه طالما أنّه كلام طيِّب، يُقصَدُ منه الترفيه وإنعاش النفوس بالنغم العذب، والكلمات الجميلة، والموسيقى التي لا تتضمَّن أيّ مخالفةٍ للشّرع.

 

- الترفيه والاستطاعة:

إنّ من كمال التشريع وتمام فضل الله على عباده تكليفَ الإنسان بما يستطيع، قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة/ 286).

وفي هذا بيانٌ لمحدودية قدرة الإنسان وحاجته إلى أخذ مسيرة الحياة بما يتفق مع إمكانياته الجسدية والفكرية، وما يطيقه من التحمُّل، ثمّ يعطي الحياةَ قسطاً من الترفيه، ليروي حاجةَ الجانب الترابي في كينونته.

وقد جاءت الفرائضُ الدينية جميعُها ضمن حدود قدرة الإنسان على تنفيذها، فقال تعالى: (وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران/ 97)؛ لأنّ في الحجِّ كلفةَ السفر التي تحتاجُ إلى القوّة البدنية، وإنفاق المال، وسعة الوقت، فجاءت الفريضةُ مرتبطةً بالاستطاعة في وجوهها كافة.

كما جاء الاستثناءُ في الصيام في حال خروج الأمر عن حدود القدرة على القيام به للذي لديه الطاقة، ولكنّها غيرُ متوفّرة لظروف طارئة، فبقي التكليف بحقّهم قائماً، ولكن على التراخي، قال تعالى: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 184).

وهناك الصنف الآخر الذين قال الله فيهم: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، فالبلاغةُ في لفظ (يُطِيقونَهُ) أي الذين يستطيعون أداءَ الصيامِ بشقّ الأنفُس، والحرج البالغ في الحياة، كأصحاب الأمراض المزمنة التي لا يُرجى شفاؤها، والطاعنين في السن، وقد جاء اللفظ هكذا تلطفاً من المولى عزّوجلّ بهذا الصنف من الناس، كي لا يخدش شعورَهم بوصفهم بالعجز وعدم القدرة، رحمةً منه تعالى بخلقه، وفي هذا ترفيهٌ للإنسان في أداء العبادة.

وجاءت استثناءاتٌ كثيرةٌ في أداء فريضة الصلاة؛ من الجمع تأخيراً وتقديماً، وأدائها جالساً أو مضجعاً ضمن حدود الاستطاعة في جميع الأحوال.

وأمّا فريضة الزكاة، فقد ارتبطت أصلاً بالغنى ووجود فائض من المال عن حاجة الإنسان، بهدف التكافل الاجتماعي الذي أراده الإسلام.

وأمّا الشهادةُ، فهي الفيصلُ بين الكفر والإيمان، ومناطها العقل والبلوغ، فلا تسقط بعد البلوغ إلّا إذا غابَ العقل.

هذه هي الفرائضُ في حدود الاستطاعة، وهذا نوعٌ من الترفيه الجسدي إضافةً إلى الترفيه النفسي الذي يرفع حرج الشعور بالعجز عن أداء الفرائض التي لابدّ للمسلم أن يلتزمَ بأدائها، قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة/ 185).

 

المصدر: كتاب الإعلام الإسلامي وقواعد تقويمه

ارسال التعليق

Top