• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

«الإحسان» جمال حقيقي

«الإحسان» جمال حقيقي

إنّ أفضل صورة للجمال في هذا العالم هي جمال الروح البشرية المرتبطة بالإحسان الذي يُعتبر الاصطلاح الشامل للجمال والإحسان والفضيلة، وإنّ التوفر على الإحسان بمنزلة التوفر على الرحمة والحب والحياة المقترنة باطمئنان القلب، قال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين/ 4).

ولفظة (أحسن) في هذه الآية، وكلمة (إحسان) ترجعان إلى أصل واحد، وهو أيضاً بمعنى الجمال، من هنا يمكن تفسير عبارة: (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)؛ أيْ في أجمل تقويم، ولذا، فإنّ تهذيبَ النفس بالجمال عن طريق الأعمال المعنوية يعني الوصولَ إلى الجمال الحقيقي والرجوع إلى المرتبة والمقام الأوّل (أحسن تقويم).

إنّ الوصولَ إلى مرتبة الإحسان والعمل بها بمثابة إجابة جمال روح الإنسان إلى الخالق الذي وُصف في القرآن بأنّه أحسن الخالقين: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون/ 14).

الخالق الذي يشتمل على أجمل الأسماء أيضاً: (وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى...) (الأعراف/ 180).

وحتى الآية القرآنية: (هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ) (الرحمن/ 60)، يمكن التعبير عنها (هل جزاء الجمال إلّا الجمال)؛ أي هل الجزاء الروحي الذي وُجد عن طريق الإحسان والجمال، إلّا جمال الواحد القهار؟.

إنّ هدف الحياة البشرية هو تسامي الروح بالخير والفضيلة، وبالتالي تزيُّنها بالجمال ثمّ تقديمها لله صاحبِ الجمال.

إنّ الذين يتميزون بالإحسان يظهر تميُّزهم في أفكارهم وتعاطيهم وأعمالهم، حيث تقوم أفكارهم على أساس الحقيقة التي يطوّقها الجمال ويملأها، وتقوم أعمالهم أيضاً على أساس الإحسان، وكلّ ما يبدعونه هو انعكاس للجمال – الذي كتبه الله على وجه الأشياء – وعلامة على جمال روح ذلك الصانع.

إنّ الوصول إلى مرتبة الإحسان يتمّ عن طريق رحمة الله، والرحمة بالآخرين، والإحسان هو حب الله، والولوج إلى حب المخلوقات عن هذا الطريق، وهو العيش بسلام واطمئنان بالتناغم مع العالم بهذا المعنى في الجمال، وهو استغراق جميع مقامات الجمال التي تُخرجنا من واقعنا الترابيّ، وتُوصلنا إلى الذات غير المتناهية.

وبناءً على ما ذكرناه قبلاً في الحديث القدسي من أنّه يجب مشاهدةُ الله في كلِّ شيء، فإننا إن لم نرَهُ فهو يرانا، بناءً على ذلك، فإنّ الإحسان هو العيش في مقام جوار الله، الذي تتجلى فيه الرحمة والوداد والسلام والجمال الإلهي.

إنّ الإنسان المحسن يدرك جيداً محورية صفة الرحمة والوداد والسلام والجمال في العالم المعنوي للإسلام، بحيث يمكنه أن يرى بالعين الباطنية عبارة: (إن رحمتي سبقَت غضبي) المنقوشة على العرش.

 

المصدر: كتاب قلب الإسلام.. قيم خالدة من أجل الإنسانية

ارسال التعليق

Top