قبل محاولة التخلص من مشكلة التسويف التي يعاني أغلبنا منها، ينصحنا غارلاند كولسون، المعروف بـ«كابتن تايم»، أن نعرف أولاً أي نوع من المسوفين نحن؛ فحسبما يرى أن المسوفين أنواع: مسوف قلق، ومسوف كامل، ومسوف يرجو رضا الناس، ومسوف طائر، ومسوف خزانة.
ويدعونا لنتبين أي المهام نتجنب، وأي المشاعر تساورنا عند مواجهة بعض المهمات، وذلك لوضع استراتيجيات تعامل مناسبة.
ويقترح، في كتابه «توقف عن إضاعة الوقت، برنامجاً من خمسة أسابيع للتغلب على التسويف أو المماطلة: يخصص الأسبوع الأول فيه لرفع مستوى الوعي بسلوك التسويف وأصوله - متى نسوف ولماذا؟ - والثاني لبناء مخطط عمل يتضمن وضع نظام لقائمة المهمات اليومية المطلوب إنجازها، مرتبة وفقًا للأولوية؛ والأسبوع الثالث لرصد المقاطعات، وجدولة أوقات لراحة العقل؛ والأسبوع الرابع للتأكيد على التركيز باتباع تدابير، مثل العمل على مهمة واحدة أو جزء من المهمة، بدلًا من تشتيت تعدد المهام؛ والأسبوع الأخير لاستثارة الدافعية ومواصلة طرح سؤال: لماذا أقوم بهذه المهمة على وجه التحديد؟ والبحث عن دوافع مشجعة في المهمات اليومية.
يعتقد كولسون - الذي أنفق أكثر من ربع قرن في تعلم وتعليم إدارة الوقت لمساعدة نفسه والآخرين - أن إدارة الوقت من المهارات المفقودة التي لا تدرس كما ينبغي في المدارس والجامعات. ويعرف التسويف بالسلوك الذي يعمل على تفادي خبرات باطنية غير السارة، كالأفكار، والمشاعر التي تثيرها المهمات المؤجلة. فبعض المهمات ممل ومزعج، وبعضها مثير للشعور باللامبالاة؛ ومنها ما هو طويل الأجل غير محدد النهاية، مما يجلب الإحباط والشك؛ ومهمات أخرى لا تحتاج إلى مهارة وفارغة من أي تعلم جديد؛ ومهمات تبعث على الاستياء؛ ومهمات مثيرة للصراع ومهدرة للطاقة العاطفية؛ ومهمات مثيرة للغضب و«ثقيلة الظل» مفوضة من أشخاص لا نحبهم؛ ومهمات قد نغرق فيها كقائمة الأعمال المنزلية التي لا تنتهي.
المسوفون أنواع
وفقاً لكولسون، يركز المسوف القلق على ما يمكن أن يحدث على نحو خاطئ، ويخاف من إنهاء المهمة التي يعمل عليها في الوقت المناسب. ونظراً لكونه ينفق قدراً كبيراً من طاقته الذهنية على مشكلات متخيلة، لا تبقى لديه طاقة للعمل الفعلي. وفي الوقت الذي يعتقد فيه أنّه يعمل جاهداً على المهمة، لأنّه يفكر فيها بشكل دائم، لا يتبين مقدار الوقت المهدر على القلق الذي يمنعه من العمل، ويجلب له تبعات سلبية كالأرق، والإنهاك حتى قبل أن يبدأ العمل.
ويسعى المسوف الكامل إلى كمال مشروعاته، فينفق وقتاً طويلاً على المراجعة مرة تلو الأخرى. ويستمر في محاولات التحسين حتى لا يفلت منه خطأ. فيمضي وقته على مهمة واحدة على حساب مشروعات ومهام أخرى. ويمكن أن يتوقف عن العمل تماماً بسبب خوفه من عجزه عن تقديم مشروعه كاملاً كما يتمنى.
ويعرف المسوف الساعي لنيل رضا الناس، بالرغبة في المساعدة، وتلبية طلبات العون دون تأخير، ودون تقييم لأثر ذلك على عمله. وعادة ما يؤجل مهامه حتى تتراكم ويغرق فيها غرقاً. ويفشل في قول «لا أستطيع»، بل يأخذ المزيد من العمل الإضافي، ثم يجد نفسه مستهلك الطاقة دون أن ينهي ما يتعين عليه عمله.
ومن صفات المسوف «الطائر»، أنّه يقفز من مهمة إلى أخرى ويشعر أنّه مشغول على الدوام، لكنّه لا ينجز من مشروعاته إلّا القليل، وسرعان ما يمل ويحبط. ومن الأخطاء التي يرتكبها، العمل على الكثير من المهمات الصغيرة، والعجز عن إنجاز مهمات أكبر مما يتطلب تركيزاً أعمق.
أما مسوف الخزانة، فلا يلاحظ وهو يعمل، ولا يفوت المواعيد؛ والسبب أنّه يعمل في اللحظة الأخيرة، وعادة ما يقع تحت ضغط نفسي مستمر، ويتعرض للإرهاق والاحتراق ويكون عمله منخفض الجودة، لأن يضيع فرص استشارة الآخرين، أو البحث عن بدائل أفضل لضيق الوقت.
رحلة الوعي بالتسويف
يؤكد كولسون إمكانية تعزيز الوعي بالتسويف وأسبابه وأوقاته بتبين المخرجات المفضلة، كأن يبدأ كلّ يوم وكلّ مشروع بتحديد أهداف مرجوّة. وبعد تفكير واتخاذ قرارات، يتم وضع خطة مفصلة للعمل، لتصبح كل مهمة خطوة نحو المطلوب، على أن تربط الأنشطة بالأهداف لتبقى الدافعية متأججة حتى النهاية. ومع معرفة أهمية ما نفعل، ينمو وعينا بتوقيت تجنب أداء المهمة. ويساعد الوعي بالمخرجات وتخيلها على استباق مكافأة الإنجاز.
وربما يتعين علينا تحمل مسؤولية إنفاق الوقت بمراقبة كيفية إنفاقه، والإيمان بقدرتنا على التحكم في إنفاقه على نحو جيد من خلال اختياراتنا المتعلقة بالتعامل مع خطة ما يجب القيام به على نحو واع؛ كأن نقرر أهمية كل مهمة، وإمكانية تفويضها، والأدوات المتاحة لإنجازها بأسهل الطرق وأقل وقت، والمعلومات والموارد المطلوبة لإتمامها.
ويعتبر الشعور بالراحة مع عدم الراحة، جزءاً مهماً لفهم أسباب تسويفنا، وتبين ما نستفيد من مماطلتنا، وفهم الديناميكيات العاطفية التي تحبسنا في حلقة التسويف المفرغة باعتباره وسيلة تجنب عاطفي، لأنّه يسمح لنا، ولو مؤقتاً، بتجنب مشاعر غير مريحة مثل القلق والخوف والملل. وتعلم العيش معها والتقدم على الرغم منها. ونتذكر أن في منطقة عدم الراحة إمكانات لعيش أعظم الخبرات التي تساهم في نمونا الشخصي.
كما يعد كلاً من الخوف من الفشل، والخوف من النجاح، حاجزاً عاطفياً قوياً قد يمنع بدء العمل نحو تحقيق الأهداف، بفعل أسئلة مثل: ماذا لو حاولت وفشلت؟ وهل يمكن أن أفقد احترام الزملاء؟ وهل أفقد عملي؟ وافتراضات تتبع النجاح كرفع سقف التوقعات، أو حسد الناس، أو الحصول على ترقية تفوق القدرات الحقيقية. وفي أغلب الحالات يضخم خيالنا الأسوأ، ويخلق مشكلات أكثر من الحلول، ويضيع الوقت الثمين في القلق، ومعه فرص تعلم أشياء مختلفة، ومهارات جديدة.
بناء مخطط عمل استثنائي
يفيد وجود مخطط عمل - كما يرى كولسون- في خلق نقطة مركزية لحفظ وتنظيم المهام والملاحظات؛ ويوفر نظامًا للتعامل مع الآخرين، والتركيز على المهمة الواحدة، والتقليل من المقاطعات، وتخطي العقبات. كما يلعب دورًا في التخلص مما يقود إلى التسويف. والخطوة الأولى لبناء هذا المخطط الاستثنائي تعلم ترتيب الأولويات، وتصنيف المهمات، وتقبل التدفقات الجديدة من المهام ودمجها في القائمة. أي العمل على المهمات وفقًا لعاجل يجب أن يتم فوراً، وأولوية قصوى، وأولوية متوسطة، وهكذا. أما تعدد المهام فلا ينصح بها وفقاً لدراسات علمية.
ومن الإجراءات الجيدة لمواجهة التسويف إعداد قائمة مهمات اليوم التالي بعد جدولة أوقات الاجتماعات وأوقات الراحة والغداء والالتزامات الشخصية وجدولة المهمات وفقاً لأهميتها؛ على أن يتضمن ذلك أوقاتاً للأصدقاء والترفيه في إجازة نهاية الأسبوع. ويحذر المؤلف من ضياع الوقت في خضم الفوضى الإلكترونية. ويقترح مواجهة سيل الرسائل بتصنيفها والتخلص من غير المهم منها أو تفويض التعامل مع بعضها والرد عليها أو كتابتها وفقًا للأولوية، ويمكن أن يتم ذلك باستخدام تطبيقات مساعدة. وتضمن القائمة اليومية لما يتعين عمله، عدم نسيان المهم، وتفيد متابعة ما تم وما لم يتم. وتمنح شعوراً بالإنجاز مع تقدم اليوم، بشرط المراقبة المستمرة لها والالتزام بها.
ما الذي يسرق الوقت؟
يرى كولسون اليوم كـ 24 قطعة ذهبية، ينبغي إنفاقها بحذر. فلا ندع الآخرين أو المهمات العشوائية أو الأجهزة الإلكترونية تسرقها منا، بل ننفقها وفقًا لخياراتنا نحن. ولعل من السهل ملاحظة كيف تسرقنا طلبات المساعدة، والاجتماعات غير الضرورية، والأحاديث التي لا تلوي على شيء، والمكالمات غير المتوقعة. ومن خلال تعميق خبرتنا بمن حولنا في العمل وفي الحياة الشخصية، يمكن أن نتعلم كيفية التعامل مع الناس بكفاءة بحيث لا تتأثر إنتاجيتنا. أما فيما يتعلق بوسائل الإعلام والأجهزة الإلكترونية، فلابدّ من وقفات وتنظيم لعلاقاتنا معها. وقد يساعدنا وقف منبه وصول الرسائل، وتقليل مرات فتح الحسابات خلال اليوم، وتحويل بعض المكالمات التليفونية المطولة إلى رسائل صوتية مختصرة؛ حتى لا نضطر نحن أنفسنا لسرقة أوقات الآخرين عندما نفوض أشخاصاً بمساعدتنا، أو نطلب منهم أن ينتظرونا حتى ننجز واجباتنا، وربما نلغي بعض الأنشطة المشتركة.
وعلينا أن ننتبه أنه مثلما تكون بعض الحياة الاجتماعية مفيدة لبناء العلاقات وتقوية فريق العمل، قد تسرق منا الوقت، ولهذا من الأفضل تحريك أنشطتنا الاجتماعية لغير الأوقات المهمة. وتذكير الثرثارين من حولنا بمسؤولياتنا العاجلة، وتركيز المحادثات على النقاط المهمة. وبالنسبة للاجتماعات، من المهم وضع أهداف وجدول أعمال مسبق، وفرض قواعد لتوزيع الأدوار والمسؤوليات، وتسريع الإنجاز. ولابدّ من التدرب على تركيز الوعي بالحدود، والانضباط، وتقوية الإرادة. والاستفادة من وقت التركيز، والحذر من الوساوس والقلق المضيع للوقت، ومحاولة التركيز على الحاضر، بدلًا من العيش في الماضي أو المستقبل.
التأمل والمحافظة على الدافعية
يشير كولسون إلى إمكانية تعزيز التركيز بممارسة التأمل القائم على الوعي بالتنفس ومراقبته؛ أو تأمل الاسترخاء لتوسيع مجال الوعي، كالتمتع باللحظة الراهنة تحت السماء أو أمام البحر وملاحظة ما يجري دون حكم أو تحليل؛ أو الوعي بالعقل والجسد بوصف الشعور عند الإصابة بصداع، أو ألم، أو أرق، أو جوع. كما يساعد النوم الجيد، في فراش مريح بغرفة مظلمة ذات درجة حرارة مناسبة، مع التقليل من التعرض للشاشات قبل النوم، على تقوية التركيز. وينصح بتناول الأطعمة المفيدة للدماغ مثل الأفوكادو، والتوت الأزرق، والبروكلي، والبيض، والمكسرات، والبرتقال، والسالمون؛ وتجنب الإفراط في المشروبات السكرية والمشروبات المصنعة، والاعتدال في تناول الكافيين. وتعتبر الحركة - التمارين أو المشي - مفيدة للدماغ لأنها تحسن عمله وتحسن المزاج. وقد تمنح بضع دقائق في الصباح شعوراً بالراحة من خلال تنفس عميق أو تخيل صورة ذهنية لمنظر طبيعي جميل، أو ممارسة نشاط فني كالتلوين، أو الرسم، أو الحياكة، أو العمل في الحديقة أو المشي.
ولمواجهة خطر العودة لعادات التسويف القديمة، يؤكد المؤلف أهمية تحديد سبب الرغبة في التغيير، ومعرفة المخرجات التي نريد. وبتخيل المخرج يتولد لدينا الحافز لتخصيص وقت أطول للمهمة. وبتخصيص وقت للوصول لمصادر التعلم، بصورة مستمرة يمكن الفوز بالمراد. ويفيد استمرار الدافعية التعامل مع الإحباط الذي قد يتولد من قصور التقدم في تحقيق الأحلام. فإذا كان تعلم لغة جديدة من أجل السفر مثلًا، يكون هذا الخيال حافزاً للتغلب على التسويف وتخطي مراحل التعلم المملة بوصفها جسراً للوصول إلى الهدف. ومن المشجع مكافأة الذات بعد كل إنجاز بشيء ما أو نشاط محبب. والبحث عن طموح يومي كالعمل من أجل الكسب أو رعاية الأسرة من أجل العيش في أسرة سعيدة، أو التنظيف من أجل الصحة، وهكذا يبقينا وعينا مهتمين ومتحمسين. ولمزيد من الانضباط قد نحتاج إلى شخص يتولى أمر المحاسبية أو الدعم عندما لا تسير الأمور على ما يرام، ونضطر إلى الاكتفاء بعمل الضروري.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق