• ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

استشراف مستقبل الأسرة في عالم مضطرب

كامل الهاشمي

استشراف مستقبل الأسرة في عالم مضطرب

◄قال الإمام عليّ (ع): "إذا لم تجتمع القرابة على ثلاثة أشياء تعرّضوا لدخول الوهن عليهم وشماتة الأعداء بهم وهي: ترك الحسد فيما بينهم، لئلا يتحزّبوا فيتشتت أمرهم، والتواصل ليكون ذلك حادياً لهم على الألفة، والتعاون لتشملهم العزة".

لا شك أنّ الأسرة التي تتشكّل في ضوء علاقة النسب والمصاهرة والزواج كانت ومازالت هي المصنع الأساس لتكوين علاقات القرابة والنسب، وهي العلاقات الأساسية التي تقوم بمهمّة الربط بين أفراد المجتمع الواحد، في مقابل الأسباب الأخرى التي تقوم بمهمّة الربط في دائرة العلاقات الأخرى خارج دائرة القرابة، وقد تمّ التآمر على الدوام على العائلة أو الأسرة ومحاولة تدميرها بوصفها تحقق ترابطات تصطدم مع مصالح أصحاب السلطة والراغبين في الهيمنة، وهو ترابط لأهميّته وحضوره تعرّض له القرآن الكريم محذراً من المساس به فقال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) (محمّد/ 22).

واليوم تتعرض الأسرة (الوحدة الأولى للترابط البشري) إلى تهميش وتفتيت - ولا يهمنا أن يكون مقصوداً أو غير مقصود - ربّما سيذهب بكلّ ما تبقى لها من فاعلية وحضور طوال عشرات الآلاف من السنين في تاريخ البشرية، ويتم هذا العمل عبر ثلاث مسارات متوازية:

المسار الأوّل: تحريف معنى الأُمّومة: وهو المعنى الذي طاله الكثير من التشويه، وما يخبأه له المستقبل أكثر، إذ يقول جاك أتالي في "معجم القرن 21" ص 26: (من موضوع عمل، ستصبح الأُمّومة أداة استهلاك. سترغب كلّ امرأة بإمكانية الحصول على ولد على هواها، ومع مَن تشاء، لا بل وحدها، مثلما نشتري شيئاً: عند ذاك نودّ أن ننجب، ليس كما ننتج، بل كما نستهلك، وتغدو الأُمّومة عملاً فردياً، أنانياً، وحتى في حدّه الأقصى، استمنائياً)، وفي ظل ما ستفرزه التقنيات الحديثة من علاقة مصنّعة بين الأُم وأولادها عبر عمليات التخزين والاستنساخ ستتعرّض للتشويه أقدس علاقة إنسانية على الإطلاق، وهو ما يفصح عنه "جاك أتالي" بقوله: (وقد يسود الاعتقاد بأنّ الأولاد الذين يولدون بهذه الطريقة، ستكون أُمّومتهم أكثر حناناً ورعايةً. لكن لا شيء من ذلك سيتحقق، لأنّه إذا بات الحصول على الأولاد سهلاً وتجريدياً، فسيعاملون مثل أدوات استهلاكية أو حيوانات منزلية لا نلبث أن نملّ منهم ونتخلى عنهم للمآوي المختصة أو نرميهم على جوانب الطُّرقات قبل الذهاب إلى العطلة).

المسار الثاني: إلغاء الدور الأبوي: في خضم التحوّلات المعرفية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية الكبرى التي ما فتأت المجتمعات الأوروبية تشهدها منذ القرن الخامس عشر الميلادي تمّ طمس معالم الدور الأبوي، واعتبرت الهيمنة الأبوية (الذكورية) عائقاً أمام تطوير المجتمع، وبموازاة الإعلان عن "موت الله" تم الإعلان عن موت الأب في هذه المجتمعات (وإذا كانت الطبيعة تصنع الأُمّهات، فإنّ المجتمع هو الذي يصنع الآباء، وشيئاً فشيئاً يدمّرهم).

المسار الثالث: تغيير طبيعة ووظيفة العلاقات الجنسية: وهو الأمر الذي يلقي عليه ضوءاً "جاك أتالي" بقوله: (سينفصل الجنس تدريجياً عن عملية الإنجاب حالما تصبح الحبة الذكرية متوافرة) و(سيتيح الاستنساخ الحصول على أولاد من دون شريك جنسي؛ وسيكون المستنسخ عندئذٍ شقيق والده أو والدته)، والنتيجة.. تفكك الأسرة بل دمارها وضياعها، إذ كما يقول "جاك أتالي": (هي المؤسسة الأشد تقلّباً في العمق) كما أنّه (لم تعدّ العائلة تؤدي، بحالتها الراهنة، الدور الاجتماعي الذي كان يبرر وجودها، ويقوم على توريث الأولاد ثقافة واسماً).►

 

المصدر: كتاب هشاشات القرن 21

ارسال التعليق

Top