التربية في حقيقتها عملية إنسانية ترتبط بوجود الإنسان على الأرض، وهي مستمرة باستمرار الحياة. وموضوعها الأساس هو الإنسان بكلِّ ما يحتويه من جسد وروح، وعقل ووجدان، وماض وحاضر، واستقامة وانحراف، وواقع وأحلام، وآمال وآلام، وهي أيضاً عملية اجتماعية تحمل ثقافة المجتمع وأهدافه.
والعلاقة بين الإنسان والمجتمع والتربية علاقة وثيقة، وبما أنّ المجتمعات الإنسانية تتباين في ثقافتها وفلسفاتها ونظرتها إلى الطبيعة الإنسانية وأهدافها، فقد تباينت أيضاً في مفهوم التربية وفلسفتها وأهدافها والدور الذي تؤديه في المجتمع.
والتربية مع أوسع الميادين التي لا يحيط بها البحث، فهي ليست قاصرة على مرحلة معيّنة من حياة الفرد، بل عملية مستمرة ما استمرت حياته، وهي عملية تعني كلّ المؤثرات التربوية والثقافية التي يتعرض لها الفرد بصورة منظمة موجهة من خلال مؤسسات تربوية متخصصة أو غير متخصصة، بصورة نظامية أو غير نظامية، مقصودة أو غير مقصودة، وتؤثر في التنشئة الاجتماعية. وبذلك تصبح التربية في معناها العام تنمية الشخصية الإنسانية في اتجاه يتحقق به خير الإنسان، وخير مجتمعه وخير الإنسانية.
وتقوم التربية بدور مهم في المجتمعات المعاصرة، فهي التي تحدد معالم شخصية الفرد في إطار ثقافة مجتمعه، وهي التي تكسبه من خلال التنشئة صفة الإنسانية بعد تشكيل سلوكه بواسطة بعض المؤسسات والوسائط التربوية كالمدرسة والأسرة والمسجد وجماعة الأقران، والأندية ووسائل الإعلام. ولكلِّ مؤسسة من هذه المؤسسات دور تؤديه كوسط تربوي، بحيث تتكامل جهودها من أجل تحقيق التكامل في عملية التربية بما يُعوِّد النشء سلوكيات يرتضيها المجتمع، وتزوده بالمعايير والاتجاهات والقيم التي تحقق له التفاعل بنجاح مع المواقف الحياتية المختلفة وتعميق فهمه بأدواره الاجتماعية، ومن أجل هذا كان التنسيق والتعاون بين هذه الوسائط التربوية هو الهدف الأسمى الذي ينشده المجتمع لتحقيق تكامل تربية النشء، ويصبح ذلك التعاون انطلاقة لتحقيق التنمية الشاملة للمجتمع العربي والإسلامي، وتحقيق التعايش الإيجابي مع المجتمع الدولي.
فرسالة التربية هي التنمية البشرية التي تزود كلّ فرد بقوتين:
- القوة المادية بزيادة حصيلته من العلم ومن المهارة التكنولوجية.
- والقوة الروحية بزيادة إيمانه وإكسابه الصلابة التي لا تأتي إلا من تماسك الروح وخلوص الإيمان وصدق التوكل على الله والثقة في رحمته في إطار الإخلاص والجهد والعزيمة.
"ومن رسالة التربية أن يتحقق هذا في جميع المواطنين لا في البعض فقط مهما كبر حجم هذا البعض، وبذلك يجد الفرد موضعاً له في المجتمع الحديث ويجد المجتمع من الفرد ما يكفي للقيام بوظائفه وتحقيق تماسكه والنهوض به قدماً في معارج التطور والرقي".
وممن تناول هذه الرسالة تحت عنوان "الإعلام والرسالة التربوية" الدكتور نور الدين محمّد عبدالجواد، ويمكن تلخيص هذه الرسالة، في رأيه، على النحو الآتي:
1- المحافظة على ثقافة المجتمع وتنقيتها وتجديدها.
2- الحفاظ على هوية المجتمع ونقلها إلى أجياله عن طريق مؤسساتها المعروفة.
3- المحافظة على كلِّ ما هو أصيل في تاريخه وماضيه والتشجيع على معايشة حاضره والاستعداد لمستقبله.
4- دفع المجتمع إلى تحقيق أهدافه أو خدمة المجتمع عن طريق تحقيق أهدافه.
وتتبلور رسالة التربية أصلاً من رسالة الأُمّة في ميدان التربية من أهدافها أي أهداف التربية وأهداف التربية تختلف في خصوصيتها عن أهداف غيرها وذلك بحسب طبيعة ثقافتها وبالتالي بحسب هويتها.
إنّ الاختلاف ليس وارداً في تحديد تلك الأهداف، من حيث الكمية والكيفية فقط بين المجتمعات، بل إنّه واقع أحياناً حتى في المجتمع الواحد لأسباب كثيرة أهمها اختلاف المربين والمؤسسات في ذلك.
والحقّ أنّ رسالة التربية تكون مستمدة من رسالة المجتمع أو الأُمّة، فالتربية توظف لتحقيقها من خلال تربية أجيالها عليها نمواً يعدون من أجلها أوّلاً، ثمّ يوظفون لتحقيقها بعد تكوين روح التضحية من أجلها، ويتعاون الإعلام مع التربية من أجل إنجازها، وكلما علت الأهداف والطموحات، عظمت رسالة الأُمّة، وأدت إلى عظمة الأمة بتحقيقها بين الأُمم. وتتسابق مع غيرها لإحراز التطور في ميادين المسابقة، والرسائل العظيمة للأُمم هي سر تقدمها وتفوقها على غيرها بقدر عظمة رسالتها، ونقلها إلى أجيالها، ومعايشتها بكلِّ كيانها، وتضحيتها من أجل تنفيذها.
وقد تكون رسالة عظيمة، ولكن لا تتحول إلى الواقع، لظروف وعوائق خاصة، أو لعدم نقلها إلى الأجيال وتربيتهم عليها كما ينبغي ويجب.
وقد تندهش لسرعة نهضة بعض الأُمم بالرغم من ظروفها القاسية وانهزامها في الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك تفوقت على كثير من الأُمم التي لم تدخل تلك الحرب. هذا الاندهاش لهذه الظواهر يدفع بالإنسان إلى البحث عن كشف الأسرار التي تبني من خلالها رسالة عظيمة، ومنها تنفيذ تربية عظيمة فعالة تستمد عظمتها من رسالة أمّتها.
ومن أهم أسرار هبوطها عدم وجود رسالة عظيمة أصلاً، أو التخلي عن رسالتها العظيمة، نظاماً وتربية، ومن أهم مضامين رسائل الأُمم المتقدمة هي العمل للتفوق على غيرها، وبناء أمة عظيمة، وجعل العالم تحت مظلتها، وجعل نفسها أفضل أمة أو خير أمة.
وأهم الأهداف العامة لتربيتنا؛ تكون مستمدة من رسالة أمتنا:
1- البناء العلمي للأفراد والجماعات على حد سواء.
2- بناء شخصية إسلامية متكاملة الجوانب.
3- بناء خير أمة مؤمنة أخرجت للناس.
4- بناء خير حضارة إنسانية إسلامية.
5- بناء أجيال ناجحين في الحياة الدنيا والآخرة.
إنّ الإعلام مؤسسة، حيثما وجه إليه، وباعتبارها مؤسة تعليمية وتربوية في نظر المربين يجب بيان وظائفها التربوية، كما تبين الوظائف التربوية لغيرها من المؤسسات التعليمية الأخرى مثل: الأسرة، والمدرسة، والمسجد، وأهم وظائفها التربوية هي:
1- إبراز قيم المجتمع من كلِّ أبعادها، وبيان مدى ضرورتها للحياة الإنسانية.
2- مواجهة التيارات الإعلامية الغازية، وتحصين الأجيال ضدها.
3- استخدام الإعلام بكلِّ وسائله وأنواعه لبناء الأجيال بناءً متكاملاً.
4- العمل على تعديل السلوكيات العقلية والوجدانية والحركية نحو الأحسن والأفضل.
5- العمل على مساعدة الأجيال على حل مشكلاتهم الأسرية والاجتماعية والفردية.
6- تعريف الأسرة والمدارس وظائفها، وبيان تقصيراتها وتسديد أخطائها.
7- تشجيع المعلمين والمتعلمين والإداريين على النهوض والتفوق العلمي.
8- إبراز دور كلّ من المتعلمين والمعلمين والإداريين في النهوض بالمجتمع والدولة.
9- إبراز المثاليات في الميادين المختلفة، لأنّ المثاليات تعد قوة جاذبية ومعيارية، وإهمالها يؤدي إلى الخمول والضلال أحياناً.
10- التعاون مع المؤسسات الأخرى للنهوض بها وتحقيق أهدافها.
11- إبراز حياة العلماء والمخترعين العظماء وتضحياتهم لوطنهم وأمّتهم في التاريخ والحاضر.
12- الكشف عن أسباب انتشار الفساد مثل الغش والغدر والخيانة وأساليب التغرير بالمواطنين لحساب الجماعات والدول الأخرى وأساليب الخداع وأساليب التنفير منها.
13- عرض أفلام طرق مذاكرة طلاب الأمم المتقدمة لاستفادة طلابنا منهم.
14- عرض صور تضحيات طلاب الدول المتقدمة لاتخاذهم قدوة.
15- عرض أفلام تضحيات العلماء المبتكرين والمخترعين وأعلام العلماء عموماً.
16- عرض كيفية الاختراعات والاكتشافات العلمية والصناعات التقنية المتطورة والمتقدمة.
17- عرض أسرار التفوق والتقدم العلمي والحضاري للأُمم المتقدمة.
18- عرض أفلام طريقة التعلم المثالي والمذاكرة المثالية والعلمية والحكيمة.
19- عرض أفلام طريقة عمل الإدارات التعليمية المثالية والنموذجية.
20- عرض أفلام الطلاب المثاليين والطلاب الفاشلين للمقارنة.
21- عرض أفلام المعلمين المثاليين والإداريين التربويين المثاليين.
22- توجيه المعلمين والمتعلمين إلى الأهداف العظيمة من التعليم والتعلم وهي: خدمة الدين والأُمّة، ورفع شأنها وخدمة الإنسانية عموماً، كما خدم أولئك الأعلام.
23- تعريف الأجيال بالطرق المثالية لاستثمار الأوقات وشغل أوقات الفراغ؛ من أجل إحراز التقدم والتفوق العلمي.
24- تبصير الطلاب بطريقة تحصيل أكبر قدر ممكن من المعلومات في أقل وقت وبأقل جهد.
25- تعريف الأساتذة بطرق تعليم أكبر قدر ممكن من المعلومات في أقل وقت.
26- إبراز أخلاقيات المتعلمين، وطرق التحلي بها، وبيان أهميتها.
27- إبراز أخلاقيات المعلمين والعلماء، والتحلي بها.
28- إبراز أخلاقيات الإداريين التربويين، وبيان أهمتيها.
29- إبراز أخطار البث المباشر، وأساليب الغزو الثقافي، وبيان طرق تجنبها.
30- تكوين حصانة ومناعة لدى الشباب ضد الغزو الثقافي والأخلاقي، وهناك وسائل وتدابير عديدة لتكوينها.
المصدر: كتاب الإعلام وبناء الأسرة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق