• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإسلام وتداعيات الرؤية الغربية

الإسلام وتداعيات الرؤية الغربية
◄تتسم النظرة الغربية للصحوة الإسلامية بالتخبط وعدم الوضوح. فمن جهة تسود الصحافة الغربية وتصريحات المسؤولين هناك وجهة النظر القائلة، بأنّ الإسلام عاجز عن التعامل مع العصر الحديث، وانّ الصحوة الإسلامية أثبتت إخفاقها، وانها في طريقها إلى الانحسار. ومن جهة ثانية، يعتبر تيار آخر من ذوي العلاقة والاهتمام بالصحوة الإسلامية، عن مخاوفه من مخاطر "الأصولية الإسلامية"!، ويدعو بشدة إلى قمعها ودعم الأنظمة المحلية، لتكون في مواجهة حامية ضدها.   الرؤية الأولى: من نماذج الرؤية الأولى، تصريح الخبير الأميركي بالشؤون الإسلامية "اسبوستيو" القائل بأنّ العالم الإسلامي يبحث عن طريق خلاصه في الغرب. وانّ بإمكان الغرب توجيه المسلمين وقيادتهم في الطريق الذي يريده. فيما يرى عدد من المراقبين الغربيين المتخصصين في الشؤون الإسلامية، انّ الحركات الثورية الإسلامية تفتقر إلى الآليات والعوامل الكافية لإحداث تغيير أساسي على الصعيدين الاجتماعي والسياسي في مجتمعاتها، وانّ هذه الحركات لا تشكّل خطراً على العالم الرأسمالي ومستقبل المصالح الغربية. وفي هذا الاتجاه، طلع علينا الكاتب الفرنسي المتخصص بالشؤون الإسلامية "أوليوروي" بالقول: "انّ الحركات الإسلامية اليوم هي أصولية من نوع جديد، وإنّ أغلب القائمين عليها يفتقرون إلى الثقافة ويفسرون الإسلام على انّه دين خشن عديم الروح. وذلك عوضاً عن الحرية الاجتماعية التي يتمتع بها"، ويدّعي هذا الكاتب أنّ الإسلام يعجز عن طرح مشروع متكامل لمجتمع متحضر، وغدٍ أفضل له. وانّ كل ما ستأتي به هذه الحركة الإسلامية، لن يتعدى تغيير القوانين وظواهر الأمور، وعليه، فإنّ الجزائر في ثوبها الإسلامي – والكلام لـ "روي" – رغم كونها جارة جنوبية لدول أوروبا الغربية، فإنها لن تشكّل خطراً على الغرب، بل ستكون في أبعد الاحتمالات جاراً غير مرغوب فيه.   الرؤية الثانية: ومن نماذج الرؤية الثانية تصريح السيد "أمومس بولموتر" أستاذ العلوم السياسية وعلم الاجتماع بجامعة "أميركن" ورئيس تحرير مجلة الأبحاث الاستراتيجية الأميركية، حيث يقول: "إنّ الأصولية الإسلامية، ثقافة سياسية جاءت لتحيا، وهي قوة لها جذورها في المجتمعات الإسلامية. فإذا اعتبرنا الشيوعية على الدوام بأنها مرض. فإنّ الأصولية الإسلامية متأصلة في العالم الإسلامي الممتد من المغرب وحتى الهند" وأضاف: "انّ الخطر الشيوعي كان مرتبطاً على الدوام بالقوة النووية السوفيتية، ولم تكن هذه الأيديولوجية مزوّدة بصفة الإيقاظ والتحريض في المجتمعات التي كانت تحكمها. بل كانت اللهجة الماركسية – اللينينية غريبة على شعوب روسيا وأوروبا الشرقية، ناهيك عن بلدان العالم الثالث التي همّت الشيوعية بالسيطرة عليها". ويضيف صاحب المقال: "انّ الإسلام وعلى النقيض من الشيوعية، يمتلك آلية قوية وقعت اليوم بأيدي جيل جديد من قادة الأصولية، وتعدّ خطراً واقعياً ومستمراً، له إمكانية إسقاط الأنظمة الضعيفة في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج الفارسي". ويقول بولموتر: "إنّ الأنظمة العلمانية المنضوية تحت لواء القومية العربية، والتي حلّت محل الأنظمة القديمة في هذه المنطقة، أخفقت اخفاقاً ذريعاً في تنظيم كوادرها. وانّ منطقة الفراغ الموجودة بين هذه الأنظمة والمجتمعات التي تحكمها، أضحت منطقة نشاط وفاعلية للأصوليين بهدف الانقضاض على هذه الأنظمة". ويستشهد الدكتور بولموتر بقابلية الصحوة الإسلامية على القيام بالدور الذي قام به الإسلاميون في مصر في معالجة آثار الزلزال الأخير على الشعب، فيقول: "انّ الزلزال الذي ضرب مصر نموذج حي على الفاعلية الناجحة للأصوليين الإسلاميين وشبكاتهم الواسعة التي توغلت ونفذت في كل الطبقات الاجتماعية في مصر، وهي الحالة الآخذة بالنمو في باقي بلدان المنطقة، خاصة في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلّين". ويضيف: "من الخطأ بمكان أن نتصور انّ الأصولية شقت طريقها بين الجماعات الفقيرة في المجتمع فحسب، بل جذبت نحوها عشاقاً من جميع الطبقات بما فيها المثقفة والمرفهة، منهم الأطباء والعلماء والمهندسون والمحامون والكتّاب والصحفيون. وهناك نموذج بارز آخر على توغل ونفوذ الأصولية في مصر، ألا وهو قطاع الجيش (وليس أدل على ذلك من اغتيال السادات) وكذلك المؤسسات الخدمية ووزارتا التربية والتعليم – الأوقاف والارشاد". ويختم أستاذ العلوم السياسة بجامعة أميركن مقاله بالقول: "انّ جميع هؤلاء يشتركون في عدائهم للغرب، وأنّ لهيب الأصولية المتصاعد في مصر ليس من صنيع إيران، وانّ انتشار الأصولية في قطاع غزة بفلسطين ليس رهين السياسات المتطرفة لحزب الليكود. وانّ المساجد التي شيّدها السعوديون في أوروبا لملايين المسلمين هناك بغية اخماد الأصولية الإسلامية، تدار اليوم من قبل وعاظ أصوليين ينالون عبر هذه المساجد من الغرب والسعودية ذاتها". وبعد هذه الحقائق، هل يظل الكاتب الفرنسي وغيره – ممن لا يعترفون بأنّ الإسلام دين عصري يقود الحياة، وقد غزا الغرب في عقر داره – يصرّ على رأيه بأنّ الإسلام آخذ بالتراجع، وانّ اتساع الصحوة الإسلامية في محتواها الراهن، ليس بالأمر الذي يدعو إلى قلق الغرب وهلعه، وهو القائل: "رغم انّ الحركة الإسلامية في الجزائر ستسيطر على الموقف عاجلاً أم آجلاً، لكنها ستعجز عن تغيير الشارع الجزائري" على حد تعبيره. من جهتها كتبت صحيفة (لاريبوبليكا الإيطالية) الواسعة لانتشار تقول: انّ الغرب يواجه حرباً باردة جديدة مع الإسلاميين الثوريين وهي ستكون أعتى وأصعب على الغرب من الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق. وأشارت الصحيفة إلى اتساع الصوة الإسلامية وامتدادها إلى حوالي عشرة بلدان من افعانستان وحتى السودان، وأضافت: "انّ الأيديولوجية الإسلامية الأصولية، غير مساومة وتنوي تنفيذ الحقائق المطلقة والمقدسة على أرض الواقع في البلدان الإسلامية". وتقول الصحيفة: "إنّ استراتيجية الإسلاميين الثوريين تكمن في طرد الأوروبيين والأمريكان من الشرق الأوسط وقارتي آسيا وأفريقيا". وأضافت: "انّ الحرب الباردة المقبلة ستكون مع الأخذ بنظر الاعتبار الولاء المطلق لأنصار الإسلام الثوري – أصعب من الحرب الباردة السابقة. وتقول الصحيفة: "رغم انّ كابوس القنبلة النووية سوف لن يكون مطروحاً في الحرب المقبلة لكن الأصولية وقياساً مع الامبراطورية السوفيتية في أوروبا، فهي حركة لا تحدها حدود معينة". وأضافت الصحيفة: "يجب التمييز بين الإرهاب والإسلاميين الذين يعملون على استمالة الدعم الشعبي صوبهم". وختمت الصحيفة بتقديم اقتراح للمستقبل يقضي بالتفاوض مع الإسلاميين عبر المحادثات.   واقع السياسة الغربية: إنّ واقع السياسة الغربية يبتني على الرؤية الثانية. فالقمع والارهاب والتشويه، هو التصور الغربي السائد عن الصحوة. وبعد هذا من أقوى الأدلة على انّ الصحوة حقيقة قائمة، وذات أفق مستقبلي خطير على الغرب، فصحيفة التايمز الاقتصادي تقول: "انّ المحافل السياسية الأميركية تدعم بوضوح قمع الأحزاب الإسلامية وتمنعها من الوصول إلى سدة الحكم، وعلى سبيل المثال، يحاول مسؤول أميركي رفيع المستوى، يدعى "ادوارد دريان" تسويغ سياسة الغرب الازدواجية في هذا المجال، بحجة الوقوف بوجه انهاء المسيرة الديمقراطية" ويقصد بذلك ديمقراطية النظام الجزائري! فبعد أن انهار صرح الاتحاد السوفيتي وانفرط عقده. واعتبر الغرب الإسلام عدواً بديلاً عن الشيوعية وراح يعبئ الرأي العام الغربي بهذا الاتجاه، عبر سياسة إعلامية مركزة. لقد كان الغرب يصوّر اتساع الأنظمة الشيوعية حتى لو جاءت عبر الانتخابات الحرة، بمثابة الخطر على أمنه وأمن المسيرة الديمقراطية! ولهذا الغرض دعم الغرب – وخلال عهد الحرب الباردة على الدوام – الأنظمة المستبدة والرجعية في العالم، بحجة مواجهة الخطر الشيوعي، وتبنّى الممارسات الوحشية والقمعية لهذه الأنظمة، وفي يومنا هذا، أخذ ما يصطلح عليه بـ"الأصولية الإسلامية" مكانه في أذهان الكثير من مسؤولي الإدارة الأميركية وأوروبا، كبديل للشيوعية، وعلى هذا، عمد هؤلاء إلى مكافحتها لنفس الأسباب الأمنية والسياسية في نوع تعاملهم مع الخطر الشيوعي. وهنا تبنّى الغرب – وفي نشوة انتصاره بانهيار الشيوعية واستعادة الكويت – موقف القادة العسكريين في الجزائر بتعطيل المرحلة الثانية من الانتخابات، وشن حملة اعتقالات واسعة ضد الإسلاميين. وسمح للنظام في مصر بقمع أبناء الحركة الإسلامية، باستخدام جميع الوسائل، كالقوات المسلحة وفرض الحصار على المدن والأرياف وتجويع أهاليها، بحثاً عن الثوار الذين هددوا كيان النظام وأفشلوا الكثير من مخططاته. وما حدث في مصر بعد الزلزال الذي ضرب القاهرة، لهو خير دليل على فاعلية ونشاط الإسلاميين، الذين أقاموا مراكز الأسعاف الفوري، وقدّموا الخدمات الطبية، في حين منعت الحالة البيروقراطية والروتين والفساد الكبير الذي يسود دوائر الحكم، النظام من التحرك السريع وتقديم العون والمساعدة للمنكوبين. فيا ترى هل يدل كل ذلك على انّ الصحوة الإسلامية فاشلة وانها في انحسار؟!   المصدر: مجلة التوحيد/ العدد 66 لسنة 1993م

ارسال التعليق

Top