- تعريف الإعلام:
هناك عدّة تعاريف للإعلام يمكن إجمالها بالآتي: تزويدُ النّاسِ بالأخبارِ الصحيحة، والمعلوماتِ السليمة، والحقائق الثابتة، التي تساعدُهم على تكوين الرأي.
وهذا يعني أنّ الإعلامَ نشاطٌ اتصالي يتّسم بالصدق والدقّة والموضوعية، وهو ليس نشاطاً ذاتياً يُعبِّرُ عن القائم بالإتصال فحسب، بل عن الجماهير التي يُخاطِبُها ليكونَ مؤثراً في عقولهم ومستويات تفكيرهم وإدراكهم وترقية عواطفهم، وتنوير الرأي العام، والإرتقاء به، وذلك بالشرح والتبسيط والتوضيح بما يتناسبُ مع المستويات المختلفة للجماهير.
- تعريف الإعلام الإسلامي:
لقد سبق أن وضع بعضُ الباحثين تعريفاتٍ لهذا الإعلام، ومن إنصاف الحقيقة أن نقدِّم بعض هذه التعريفات، ونُبيِّنَ مقاصدها، ثمّ نضعَ تعريفنا الخاص:
1- الإعلام الإسلامي: "هو تزويدُ الجماهيرِ بصفة عامّة بحقائق الدين الإسلامي المستمدة من كتاب الله وسنّة رسوله (ص)، بصورةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرة، ومن خلال وسيلة إعلامية دينية متخصِّصة أو عامّة، بوساطة قائم بالإتصال لديه خلفية واسعة ومتعمقة في موضوع الرسالة التي يتناولها وذلك بغية تكوين رأي عام صائب يعي الحقائق الدينية ويدركها ويتأثّر بها في معتقداته" (محيي الدين عبدالحليم: الإعلام الإسلامي وتطبيقاته العملية، مكتبة الخانجي، القاهرة).
2- الإعلام الإسلامي: "هو جهدٌ فنيٌّ علميٌّ مدروس ومخطط ومستمر وصادق من قبل قائم بالإتصال هيئةً كانت أم جماعيةً أم فردية لديه خلفيةٌ واسعةٌ ومتعمِّقةٌ في موضوع الرسالة التي يتناولها، ويستهدف الإتصال بالجمهور العام، وهيئاته النوعية وأفراده، بكافّة إمكانات وسائل الإعلام والإقناع، وذلك بغرض تكوين رأي عام صائب يعي الحقائقَ الدينية ويدركها، ويتأثّر بها في معتقداته وعباداته ومعاملاته" (منير حجاب: مبادئ الإعلام الإسلامي، المطبعة العصرية، الإسكندرية، ص 135).
3- الإعلام الإسلامي: "هو استخدامُ منهج إسلامي بأسلوب فنّي إعلامي يقوم به مسلمون عالمون عاملون بدينهم، متفهمون لطبيعة الإعلام ووسائله الحديثة وجماهيره المتباينة، مستخدمون تلك الوسائل المتطورة لنشر الأفكار المختصرة، والأخبار الحديثة، والقيم الأخلاقية، والمبادئ والمُثل للمسلمين وغير المسلمين في كلِّ زمان ومكان، وفي إطار الموضوعية التامة بهدف التوجيه والتوعية والإرشاد؛ لإحداث التأثير المطلوب، والتعرُّف على مدى التأثير أوّلاً بأوّل" (عبدالوهاب كحيل: الأسس العلمية والتطبيقية للإعلام الإسلامي، عالم الكتب، ص29).
وهكذا نجدُ أنّ التعريف الأوّل والثاني للإعلام الإسلامي يحصران الإعلامَ الإسلاميَّ ضمنَ الدعوة إلى الله والتعريف بالإسلام ومنهجه في الإرشاد والتوجيه.
ولا شكَّ أنّ الدعوة إلى الله وبيان منهج الدين الإسلامي من صفات المجتمع المسلم الأساسية، فالمسلمون مكلّفون بحمل هذه الرسالة وتبليغها للناس كافةً لقوله تعالى: (ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ والمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وجادِلهُم بِالّتِي هِيَ أحسَنُ إنّ رَبَّكَ هُوَ أعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وهُوَ أعلَمُ بِالمُهتَدِينَ) (النحل/ 125)، وقوله تعالى: (وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِنْ خَيرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ إنّ الله بِمَا تَعمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة/ 110).. ولكنّ هذا كلّه جزءٌ من مهمة الإعلام الشاملة لكل مقتضيات الحياة وشؤونها.
كما أنّ التعريفين الأوّلين للإعلام الإسلامي "متأثران بتعريفات الإعلام بالمعنى العام، وهي في غالبيتها مقتبسةٌ ممّا كتبه أساتذة الإتصال والإعلام الغربيون، وربّما يعودُ ذلك إلى حداثة الكتابة عن الإعلام الإسلامي، وقولنا هذا ينبغي أن لا يُفهَم منه أنّنا نُقلِّلُ من شأنها، فهي جهودٌ واهتماماتٌ بحثية رائدة ومشكورة في ميدان الإعلام الإسلامي، لكنها تُركِّزُ اهتمامَها على المضمون الإسلامي، والمرسل أو رجل الإعلام المدرك لحقائق الإسلام، وللأثر المطلوب من الإعلام الإسلامي لجهة تكوين رأي عام صائب يعي الحقائق الدينية ويدركها، ويتأثّر بها في معتقداته وعائداته ومعاملاته، بينما يغفل أصحاب التعريفين الآخرين أنّ الأثر ينبغي أن يتعدّى ذلك إلى الإقتناع بحقائق الإسلام وقيمه، ويحثّ عليها لتكونَ منهاجَ حياةٍ معاشةٍ تظهرُ من خلال سلوك وأفعال الأفراد.
ويطالُ الأمرُ جمهورَ الإعلام الإسلامي مسلمين وغير مسلمين، ويقوم كل ذلك بأسلوب فنّي إعلامي جذّاب مؤثر محبب لهذا الجمهور، ويهدف إلى إيجاد الوعي وإكسابه للأفراد والجماعات لحملهم على الإقتناع بفكرة معيّنة، واتخاذ منهج سلوكي معيّن" (د. محمد منير سعدالدين: الإعلام، دار بيروت للطباعة والنشر، 1418هـ - 1998م).
أمّا التعريف الثالث، فقد جاء أكثرَ شموليةً لأُمور، أهمّها: أن يكون المحتوى الإعلامي مقيّداً بالمنهج الإسلامي، كما أكّد على أهلية رجل الإعلام الذي يُقدِّم المضمون بأسلوب فنّي وجذّاب ليخاطبَ الجماهيرَ بصفة عامّة بغضِّ النظر عن توجههم الفكري والديني؛ حيث إنّ "الإعلامَ طاقةٌ كبرى وقوّة خطيرة، وعلينا أن نبذلَ كلَّ المحاولات الجادة الصادقة في سبيل الإستفادة من وسائل الإعلام، وتحويلها إلى أجهزة بناءِ المجتمع الإسلامي، كما كانت تستخدمُ وسائل الإتصال الشخصي والجمعي من شعرٍ وخطابةٍ وقصصٍ وغيرِها في تاريخنا الإسلامي المجيد، فليس علاجُ الموقفِ العصيب الذي نشأ عن الإتصال الجماهيري هو عدمُ المبالاةِ أو مجرّد الرفض السلبي، ولا ينبغي أن نقفَ متكوفي الأيدي إزاء هذا الغزو الثقافي الرهيب من وسائل الإعلام العصرية، وإنّما علينا أن نُبلِّغَ الدعوة الإسلامية إلى عقول الناس وقلوبهم في جميع أنحاء العالم" (إبراهيم إمام: الإعلام الإسلامي، الأنجلو المصرية، القاهرة، 1980م).
وقد ذهب بعضُ الباحثين في الإعلام الإسلامي إلى حصر وظائف الإعلام الإسلامي بما يلي:
"1- إظهار الحق.
2- الدعوة إلى الإسلام.
3- الدعوة إلى مقاصد الشريعة الإسلامية" (د. ممدوح العفاش: الإعلام الإسلامي، رسالة دكتوراه بإشراف الدكتورة وهبة الزحيلي).
ولعلّه بنى ذلك على خلفية وسائل الإعلام التي حدَّدها بالأذان، والخطبة، والشعر، والحوار، والمناظرة، والمحاضرة، والندوة، والكتاب، والقدوة الحسنة، والكلمة الطيِّبة، وحركة الهمس.. وحين تحدّثَ عن وسائل الإعلام الجماهيري الحديثة، قال: "من واجب التلفزيون بث برامج دينية منبثقة من الدين الإسلامي.. وهذا ما نُسمِّيه الإعلام الديني كنوع من الإعلام التخصصي كإعلام الإقتصاد أو إعلام الرياضة أو الأطفال".
وقبل طباعة كتابي هذا للمرّة الثانية، اطّلعتُ على كتاب (دراسات في الإعلام الديني)، جاء فيه تحت فقرة الإعلام الإسلامي: "نلاحظ أنّ كثيراً من أساتذة الإعلام قد عرَّف الإعلامَ الإسلاميَّ على نحوٍ تعرِفُ منه أنّه يقصد به الإعلام الديني وليس الإعلام الإسلامي" (أ.د. حسين علي محمد: دراسات في الإعلام الديني، 2008م، ص29).
ثمّ أوضح أنّ: الإعلام الديني: يُقدِّمُ مادةً دينيةً لعقيدة ما إسلامية أو غير إسلامية، والإعلام الإسلامي: يُقدِّمُ كلَّ وظائف الإعلام المعاصرة في إطار أخلاقيات الإسلام وأحكامه. وذكر أنّ معظم التعريفاتِ لا تُفرِّقُ بين الدعوة الإعلام الإسلامي أو الإعلام الديني والإعلام الإسلامي (المرجع السابق، ص28).
تعريفنا: "الإعلامُ الإسلاميُّ: هو الإعلامُ الذي يخاطِبُ الأفرادَ والجماهيرَ بالموضوعاتِ عامّةً من خلال العمليات الإعلامية عبرَ مختلفِ وسائلِ الإعلام ومستجدّاته المتطوِّرة ضِمنَ منهجِ قواعدِ التقويمِ للإعلام الإسلامي".
فالإعلام الإسلامي ليس إعلاماً مختلفاً في أساليبه أو مواضيعه أو فنونه عن الإعلام المعاصر، لكنه ذو صبغةٍ خاصّةٍ مستمدّةٍ من روحِ الشريعة الإسلامية تظهر في جوهره ومحتواه وشكله، وكلّ ما يصدر عنه، حتى يكونَ معبِّراً عن قيم المجتمع الإسلامي وأصالته وتراثه الفكري والعقائدي. وبذلك تنطلقُ العمليةُ الإعلامية الإسلامية لتحقيقِ هدفٍ محدَّدٍ واضحِ ومتكاملِ، ولتشملَ الإخبارَ الصادِقَ والتثقيفَ والتعليمَ والتسلية والإمتاع وِفقَ قواعد تُحدِّد وجهة هذه المسيرة، هي قواعد التقويم للإعلام الإسلامي.
فالإعلام الإسلامي يشملُ أوجه النشاط الإتصالي جميعاً، التي تستهدفُ تزويد الجمهور بالحقائق والأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة عن القضايا والموضوعات والمشكلات ومجريات الأُمور بطريقة صادقة دون تحريف، بما يؤدِّي للوصول إلى أكبر درجة ممكنة من المعرفة والوعي والإدراك والإحاطة الشاملة لدى فئات الجمهور المتلقِّي للمادة الإعلامية، بما يسهِمُ في تنوير الرأي العام، وإيجاد الفكرة الصائبة في الوقائع والموضوعات والمشكلات المثارة والمطروحة. إذاً أنْ تتعلّمَ وتعملَ وتُعلِّمَ، فقد قال السيِّد المسيح (ع): "مَنْ تَعلّمَ وعَمِلَ ثمّ عَلَّمَ دُعِيَ عظيماً في الملكوتِ الأعلى".
ولابدّ من التأكيد على أنّ الدعوة الإسلامية منذ نشوئها استخدمت الوسائل الإعلامية المتاحة لتبليغ دينِ الله الحنيف بلاغاً مبيناً، ومن البلاغ المبين أنّه دين شامل لشؤون الحياة الروحية والمادية انسجاماً مع ثنائية هذا المخلوق المكلّف المنتمي بماديته إلى الأرض، والمنتمي بروحانيته إلى العالم الأسمى، قال تعالى: (ومِنْ آياتِهِ أنْ خَلَقَكُم مِن تُرَابٍ ثُمَّ إذا أنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ) (الرُّوم/ 20)، وقال سبحانه: (الذي أحسَنَ كُلَّ شَيءٍ خَلَقَهُ وبَدَأَ خَلقَ الإنسانِ مِن طِينٍ * ثُمّ جَعَلَ نَسلَهُ مِن سُلالَةٍ مِن ماءٍ مَهِينٍ * ثُمّ سَوَّاهُ ونَفَخَ فِيهِ مِن رُوحِهِ وجَعَلَ لَكُمُ السَّمعَ والأبصَارَ والأفئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشكُرُون) (السجدة/ 7-9).
فلابدّ للإعلامِ أن يُلبِّي حاجةَ هذا المخلوق المادية بإنتمائه الأوّل، وحاجته الروحية في ثنائيته العليا.
ومن هنا نجدُ منهجَ رسول الله (ص) لم يقتصر على تبليغ تعاليم الدين التي جاءت مجملةً وكليةً في نصوصها، وإنّما استمدّ منها ذلك الجانب المتصل بالحياة في مجالاتها المختلفة، كقوله (ص): "إن قامتِ القيامةُ وفي يدِ أحدكم فسيلة، فإنِ استطاعَ أن لا يقومَ حتى يغرسَها فليفعل" (مسند أحمد/ 12512).
وقوله (ص): "التاجرُ الصدوقُ الأمينُ مع النبيين والصديقين والشهداء" (الترمذي/ 1130).
وقوله (ص): "إذا حكمَ الحاكِمُ فاجتهدَ فأصابَ فله أجران، وإذا حكمَ فاجتهدَ فأخطأَ فله أجرٌ واحِدٌ" (البخاري/ 6805، ومسلم/ 3240).
وقال (ص): "إنّ اللهَ يُحبُّ إذا عَمِلَ أحدُكُم عملاً أن يتقنَهُ" (البيهقي في الشعب بإسناد حسن).
- أهميّة الإعلام الإسلامي:
أشار القرآن الكريم إلى مختلف الموضوعات الإعلامية من إخبارية واجتماعية وتاريخية وفلكية وطبّية وغيرها.
فعلى سبيل المثال، أكّد القرآن الكريم اهتمامه بالشأن الإخباري بقوله تعالى في سورة الرُّوم: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * في أدنّى الأرضِ وهُم مِن بَعدِ غَلَبِهِم سَيَغلِبُونَ * في بِضعِ سِنِينَ للهِ الأمرُ مِن قَبلُ ومِن بَعدُ ويَومَئِذٍ يَفرَحُ المُؤمِنُونَ * بِنَصرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وهوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ)(1-5).
والمتأمِّلُ لهذا الخبر القرآني يجد فيه دعوةَ المسلمين للإهتمام بمجريات الحياة في هذا الكون ولو كانت هذه المجريات بعيدةً عنهم في المسافة، فإنّها قريبة إليهم في التأثير، ونتائجها تهمهم، وتتطلّب منهم تحديدَ ولائهم وبرائهم على أساسها. فإذا كان الحدثُ بين فريقين غير مسلمين، فالمسلمون معنيون بالأقرب وشيجةً، والأكثرِ فائدةً لشؤونهم، وعليهم تعبئة مشاعرهم على النحو الذي يخدمُ مصالحهم في علاقاتهم مع الآخرين.
فالإعلام الإسلامي سياسةٌ واقتصادٌ، وعلمٌ وعمل، ودراسةُ ما في هذا الكون من آلاء وخيرات، مسخّرة للإنسان، ليستخدمها في عمارة الأرض باعتباره خليفة، قال تعالى: (وإذْ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إنِّي جاعِلٌ في الأرضِ خَلِيفَةً قالوا أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفسِدُ فِيها ويَسفِكُ الدِّماءَ ونَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ قالَ إنِّي أعلَمُ ما لا تَعلَمُونَ) (البقرة/ 30).
ومقتضى الخلافة يتطلّب أن يأخذَ المسلمون بالأسباب الكونية واستثمار ما تحت أيديهم حتى يتحقق لهم التمكينن فيقيموا دين الله الذي ارتضاه للبشرية: (الذينَ إن مَكَّنَّاهُم في الأرضِ أقامُوا الصَّلاةَ وآتَو الزَّكاةَ وأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ ونَهَوا عَنِ المُنكَرِ وللهِ عاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج/ 41).
والمؤمنون هم أحق الناس بهذه الخلافة كما قال تعالى: (وَعَدَ اللهُ الذينَ آمَنُوا مِنكُم وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم في الأرضِ كَمَا استَخلَفَ الذينَ مِن قَبلِهِم ولَيُمَكِنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الذي ارتَضَى لَهُم ولَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أمناً يَعبُدُونَنِي لا يُشرِكُونَ بِي شَيئاً ومَن كَفَرَ بَعدَ ذلكَ فأولئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ) (النور/ 55).
ومسيرةُ الإعلام بفنونه ووسائل المختلفة من أهم الأسباب التي تحقق هذا التمكين، وهذا يعني أن يكونَ الإعلامُ شاملاً، وأن يكونَ المؤمنون مؤهّلين لاستخدامه تأهيلاً كاملاً، ويملكون الطاقة المعرفية والتقنية اللازمة لاستخدام وسائل العصر المتطوِّرة والمستجدّة، ومواكبةِ ما يجري في العالم من تطور سياسي واقتصادي وعلمي وثقافي، وأن تكونَ الدعوةُ إلى الله من خلال وسائل الإعلام فرعاً أساسياً ومرجعاً أصيلاً.
- أثر التطور التقني في الإعلام:
لقد برزت أهميةُ الإعلام في عصرنا الحاضر بشكل كبير نظراً للتطور التقني والإلكتروني، وظهور اختراعات جديدة شكّلت قفزةً نوعيةً في عالم الإتصال، سواء في الوسائل المكتوبة أو المسموعة أو المرئية، حيث استطاعت هذه الوسائلُ تبادلَ مجريات الأحداث في العالم كلّه في لمح البصر، وسهّلت التواصل والحوار عن بُعد، ممّا مَكَّنَ نقل الأخبار والوقائع، ويَسَّرَ سبلَ نشر المعلومات الثقافية من توعية وتعليم وتوجيه وإرشاد في الميادين كافّة.
وقد نتج عن هذا كلّه قوّة تأثير مالكي وسائل الإعلام الحديثة في تقديم أفكارهم وآرائهم، وبالتالي توجيه الرأي والفكر والعادات والتقاليد الوجهة التي يريدونها، وصار العُزوفُ عن التعاملِ مع هذه الوسائل يعني الخروجَ من دائرة الوعي وترك الساحة البشرية عرضةً للإنحراف مع التيار الجازف في تأثيره على متغيِّرات الحياة.
لقد استأثر المتلاعبون بالعقول بالتسابق لاستخدام الفضائيات والإنترنيت، وهاهم يقومون بشحن رؤوس البشر بأفكارهم وتوجيهها الوجهة التي يريدون سواء في الميدان السياسي أو الإجتماعي. ولقد ساعدَ تطوّر الوسائل على إعطائها قوّة التأثير والهيمنة بما تنقله بالكلمة المقروءة والمرئية والمسموعة، وترسيخ فكرة المصداقية لما تبثّه من برامج خاصّة مع القدرة على تقديمها بمضامين جيِّدة وقوالب فنّية جذّابة تتلاءم مع حاجات ورغبات الناس بغضّ النظر عن نوعية التأثير سواء كان سلبياً أم إيجابياً، ويرفع من مستوى البشر أم يهوي بهم في أودية الرذيلة، ويحمل لهم الحقيقة أم الكذب المغلف بالمشوّقات والمرغبات التأثيرية، لأنّه إعلامٌ مرتبطٌ بمصالح مختلفة الأهداف ومتعددة الأغراض.
- مهمة الإعلام الإسلامي:
لقد عانى المجتمعُ الإسلامي من مشكلة التأخُّر في الولوج إلى عالم التقنيات الإعلامية الحديثة بسبب الجهل تارةً، والخوف منها تارةً أخرى، والتزمُّتِ حيالها في بعض الأحيان، وهذا ما فرضَ على المستنيرين منهم ضرورة اللهاثِ المحمومِ في طلبها ومواجهة القوى المعادية في الغرب في احتكار هذه التقنيات وعدم السماح إلا لمن شاؤوا بامتلاكها، وفي شروطٍ محدَّدة لاستخدامها، إضافة إلى تحديد سقوف تقنية غير مسموح بتجاوزها.
ينبغي أن يسعى الإعلامُ الإسلاميُّ لتقديم ما يحقق إشباع حاجة الجماهير المعرفية في مجالاتِ الحياة كافّة، لهذا لابدّ للإعلام الإسلامي من تطوير اساليبه الشكلية والموضوعية، والإستعداد بشكل دائم لإستيعاب وسائل العصر والتفاعل معها بشكلٍ إيجابي من حيث الإستخدام، وأخذ ما هو مفيدٌ ونافعٌ ورفض ما هو مَفسَدةٌ وخداع، وتسخيرُها بالتالي لإنتاج وتقديم ما ينسجم مع منهجه النابع من عقيدة سماوية تهدفُ إلى خير البشرية جمعاء بالتزامه بقواعد التقويم للإعلام الإسلامي.
إنّ الإعلام الإسلامي بحاجة إلى الطاقات المبدعة لتقومَ باختراق الجدران العازلة سواء مع أعدائهم الخارجيين من محتكري التكنولوجيا الإلكترونية والرقمية، أم أعدائهم الداخليين من متزمتين يَخشَونَ من كل جديد دون أن يُكلِّفوا أنفسهم الإطلاع عليه وفهمه، أو ليس لديهم الأهلية للقيام بهذا التكليف فيجدون الرفض مخرجاً سهلاً من مسوؤلياتهم.
إنّ الزمنَ المزدحم بالمعلومات والمواكب للتطورات لحظة بلحظة يجعل الذين لا يستفيدون من هذه الوسائل خارج نطاق التغطية الفكرية. وتستمرّ عجلةُ الكون مسرعة، وتزداد الهوة والمسافة بينهم وبين ركب الثقافة والمدنية، فلا يعود بمقدورهم المساهمة في صنع الحضارة ولا التأثير في حركة التاريخ.
المصدر: كتاب الإعلام الإسلامي.. وقواعد تقويمه
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق