• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإعلام العربي والإعلام الدولي والمصداقية الإعلامية

د. فاروق خالد

الإعلام العربي والإعلام الدولي والمصداقية الإعلامية
إنّ مدى الفائدة التي يمكن أن تجنيها الشعوب هي بمقدار مصداقية هذا الإعلام من ناحية الدقة في نقل الخبر والدقة في تحريره وعدم تشويهه أو تحريفه والحذف أو الزيادة أو النقصان أو عدم الإيضاح أو التحيز وعدم الحيادية سواء في الصحف والمجلات أو الإذاعة والتلفزيون. وينطبق هذا الحديث على الإعلام العربي والإعلام الدولي. وقد أجريت أبحاث ودراسات أمريكية وأوروبية وعالمية أخرى للتحري في مدى صدق وسائل الإعلام وعرضها للأخبار والأحداث بأمانة، وعن مدى استقلالية هذه الوسائل عن الأنظمة والحكومات. ووجدت الدراسات أنّ هناك عدم مصداقية في بعض وسائل الإعلام العربي من صحف ومجلات وتلفزيون، وكذلك في وسائل الإعلام الدولي. والمصداقية مقياس هام للحكم على أداء العمل الإعلامي ونجاحه في أداء رسالته الإعلامية. ولعل ظروفاً هامة أثرت في مصداقية الإعلام العربي، وقللت من هذه المصداقية. وقللت الثقة فيه بسبب أنّ الصحافة نشأت في ظل الحركات الاستعمارية التركية والأوروبية. وأنّ الإذاعات والتلفزيونات العربية نشأت نشأة حكومية وتحت سيطرة الحكومات والأنظمة العربية. وربما ما زالت تعمل وفقاً لسياسة النظام الحاكم، كما أنها تعتمد على مصادر أجنبية ووكالات عالمية تزودها بالأخبار التي قد تكون أحياناً مضللة. وحتى هذه الأنباء تخضع للتحريف والتغيير أثناء العرض، ومرورها على المحررين الذين قد لا يكونون مستقلين في أدائهم لعملهم وخاضعين لتأثير ايديولوجية أنظمة الحكم. ورأينا ذلك في تصنيف الصحافة عندما ذكرنا الصحافة التعبوية التي تروج لساسة الحكم والصحافة الموالية التي تمجد السياسات الداخلية والخارجية للدولة دون أن تتدخل الدولة في ملكيتها. وقد أثبتت كثير من الصحف العربية والإذاعات العربية عدم مصداقيتها في نقل الأخبار والأحداث والمعلومات، كذلك صحف ومجلات ووكالات أنباء عالمية وقعت في نفس المشكلة. إلا أنّ الكثير مارس المصداقية وحاز على الثقة. وحتى نتعرف على مصداقية الإعلام العربي مقارنة بمصداقية الإعلام الدولي، فلنبدأ أوّلاً بالتعرف على معنى المصداقية في الإعلام حتى نحدد مصداقية الإعلام العربي، ومدى الفرص المتاحة أمام هذه الإعلام ليلحق بالإعلام الدولي. فالصدق يعني نقل الكلام أو المعلومات دون زيادة أو نقصان ودون تحريف أو تشويه والمصداقية تعني المؤشرات والمعايير التي تحدد مدى صدق المضمون الصحفي مثل التوازن في مقابل التحيز، والتعددية في مقابل الأحادية والتنوير في مقابل التزييف وتأكيد الثقة في مقابل التشكيك والشمولية في مقابل التجزئة[1]. وقد جرت دراسات ومحاولات لتعريف معنى المصداقية في الإعلام (Credibility) في العالم الثالث وفي أوروبا وأمريكا. وطرحت الدراسات الأمريكية في حقبة الستينات والسبعينات من القرن العشرين مفاهيم غير دقيقة في هذا المجال نظراً لارتباطها بمعيار الثقة عند الجمهور والخبرة لدى القائم بالاتصال. ثمّ قدموا معايير أخرى مثل الأمان والجودة المعرفية والدقة والعدل أو الانصاف والاكتمال. وفي الثمانينات قام كل من سيسيل جازيانو وكرستين ماكجراث بإعداد دراسة ميدانية على مصداقية الصحافة والتلفزيون، وتوصلت الدراسة إلى مفاهيم متعددة أهمها العدل والحياد والدقة واحترام عقول الناس ومراعاة اهتمامات الجماهير ومراعاة الأخلاقية العامة والواقعية، ومدى كفاءة المحرر والاهتمام بأفكار الجمهور والشمولية. كما قامت أربع مؤسسات أمريكية بتمويل أربعة بحوث ميدانية لدراسة مفهوم المصداقية. هذه المؤسسات هي الجمعية الأمريكية لمحرري الصحف Society of News Paper Ejtors American Time Mirror. ومركز جانيت للدراسات الإعلامية The Garnet Center of Media Studies وصحيفة لوس أنجلوس تايمز Los Angeles Times وتوصلت إلى المفاهيم التالية للمصداقية: 1-    الدقة والاكتمال وتغطية الحقائق. 2-    عدم التحيز والتوازن في التغطية والعدالة الموضوعية. 3-    الثقة في المؤسسات الإعلامية. 4-    علاقة المصادر الإخبارية بالحكومة. 5-    الاعتقاد بصحة ما تنشره الصحف. 6-    الأمانة والمستويات الأخلاقية. 7-    التخصص والتدريب المهني في الإعلام. 8-    السمات المميزة لأداء الصحف مثل تحقيق السبق أو الإنفراد الصحفي والتغطية الشاملة للقصص الإخبارية. 9-    استقلالية الإعلام عن الاهتمامات والمصالح الخاصة واستقلاليته أيضاً عن المؤسسات والمنظمات الأخرى. 10-                        قوة وتأثير الإعلام على المجتمع والجماعة. 11-                        الحقيقة والصواب. ولو حاولنا أن نطبق هذه المعايير على الإعلام العربي والإعلام الدولي لوجدنا أنّ الإعلام العربي يفتقد الكثير من هذه النقاط مقارناً مع الإعلام الدولي، مما يقل من مدى مصداقية الإعلام العربي أمام الإعلام الدولي. ولذلك يلجأ الكثير إلى الإعلام الدولي كبديل إعلامي. أما الدراسات الأوروبية فهي متعددة في هذا المضمار، وقد تركزت الدراسات الأوروبية على الخصائص الأيديولوجية للتقارير الاخبارية، وعلى أخلاقيات الصحفيين، وعلى دراسة مصداقية الأخبار الآسيوية بإذاعات عالمية وعلى دراسة التحيز في التقارير الإخبارية وعلى دراسة التحيز والمحاباة في التغطية الاخبارية للحرب التحريرية الجزائرية، ضد الاستعمار الفرنسي في الفترة من عام 1954 إلى عام 1962. وضمت هذه الدراسات التركيز على مفاهيم عددية وشائكة لمصداقية الإعلام. ولعل أهم دراسة ركزت على اهتمامات الجمهور والقيم الاخبارية للصحافة، وقد تحددت اهتمامات الجمهور الأوروبي على النحو التالي: صراعات أمريكا مع الدول التي تثير اهتمام الجمهور الأوروبي، الجرائم، حوادث الاغتصاب، حوادث الطرق، صراعات الدول، الاختراعات والأبحاث الجديدة، الفضائح الشخصية، أحدث اكتشافات العلماء في الإيدز، الموضوعات السياسية حول الصراعات بين الدول. وبالتالي فهذا المفهوم ركز على رؤية الجمهور. بينما الدراسات الأخرى ركزت على الحياد والشمولية والأخلاقيات الصحفية والدقة والمسؤولية ودقة التغطية والتحليل والكفاءة وعدم التبعية، وتحديد المصادر ومدى دقتها. وبتطبيق هذه المعايير على الإعلام العربي، نجد أنّ الإعلام العربي بالنسبة إلى الإعلام الأوروبي يعتبر ما يزال بعيداً عن المصداقية الكاملة. وإن ظهرت محاولات في بعض الصحف العربية في الخارج في الاقتراب من المصداقية. أمّا مفهوم المصداقية في الدراسات التي قامت بها دول العالم الثالث في آسيا وأفريقيا، فكان تركيزها على مصداقية القائم بالاتصال من حيث العدل والحقيقة والمحافظة على الأسرار الشخصية وعلى مصداقية المضمون، والتي تركز على الوضع الذي تنهجه الرسالة الإعلامية من ناحية الوضوح والسهولة والدقة ونشر الحقائق سلبية أم إيجابية. وركزت على مصداقية الوسيلة بحيث يعتمد على كتاب ذوي ثقة وصحافة تهتم بالناس وهمومهم، وعلى صدق الأفعال وصدق الأقوال والصدق الذاتي. وبالتمعن في الدراسات الآسيوية والأفريقية حول مصداقية الصحافة، نجد أنها تركز على أمور هامة. ولكن هل هناك مصداقية في إعلام هذه الدول، وخاصة الإعلام العربي؟. اعتقد أنّ الإعلام العربي مقارناً بالإعلام الدولي ووفقاً للدراسات الآسيوية والافريقية ما زال يحبو ويحتاج إلى وقت طويل من الجدية في العمل وتحري عناصر المصداقية وحسن الأداء. وأهم العوامل الاستقلالية عن الحكومات وتأثير المنظمات والمؤسسات الممولة أو المؤثرة في الإعلام العربي. وبالنسبة للمارسين للعمل الصحفي فإنهم ينظرون إلى المصداقية في الصحافة من زاوية مصداقيتها بالنسبة للقارئ من ناحية دقة وصحة المعلومات وشمولية الصحافة لتغطية الأخبار المحلية والعالمية. ومن زاوية أخرى مصداقيتها بالنسبة لصانع القرار ومصدر الخبر أي الاهتمام بالرأي الآخر، وإسناد الأخبار لمصدرها مع الثقة في هذه المصادر. وقد حققت الصحافة العربية مصداقية نسبية من وجهة النظر هذه، ولا يزال بعضها قاصراً. وهناك معايير متفق عليها في تحديد مصداقية الإعلام. من هذه المعايير التنوير أي مراعاة اهتمامات الجمهور، وتقديم ما يلزمه من حقائق ومعلومات لهذه الاهتمامات. وعند تقديم المعلومات والوقائع يجب الفصل بينها وبين الآراء حولها والتعليق عليها، والوضوح سواء باللغة أو الأسلوب أو الأفكار. وكذلك الدقة في نقل الخبر والمعلومة للجمهور سواء في دقة الأسماء والمصادر والتواريخ والأرقام أو دقة الألفاظ والتعابير والصفات والأحكام والتقارير والآراء. وبالإضافة إلى معيار التنوير أيضاً معيار التزييف. فعندما تعمل الصحافة بالتنوير تقترب بالمصداقية. أما إذا تحولت إلى التزييف إلى قلب الحقائق، وتحريف المعلومات والتشويش عليها والتعليق الخاطئ عن قصد، والتحليل غير المنطقي تكون الصحافة قد انتقلت إلى العمل الذي يوصف بعد المصداقية في الإعلام. ومن التزييف أيضاً الغموض والتهويل والتهاون في نقل الحقائق والمبالغة المقصودة. فإذا أخذنا معايير التنوير والتزييف والتعددية بدلاً من الاحادية. والتوازن بدلا من التحيز، والشمولية بدلاً من التجزئ. والتأكيد على الثقة بدلاً من التشكيك. فإنّ الإعلام الذي يقوم على هذا الأداء يتمتع بالمصداقية. وقد وصلت بعض الصحف العربية والإذاعات العربية والمحطات التلفزيونية والفضائية سواء جزئياً أو كلياً إلى نوع من المصداقية. إلا أنّ المعظم منها ما زال بحاجة إلى بحث ودراسة وتدريب للوصول نحو المصداقية. ولذلك لابدّ من الاستقلالية والحرية في العمل الإعلامي العربي، والتحري والدقة عن المعلومات، وعدم الاعتماد الكلي على المصادر الأجنبية، ووكالات الأنباء العالمية. فلابدّ من تأسيس وكالات خاصة بالعالم الثالث تكون قادرة على المنافسة، ويتم تمويلها دون شروط لتحيز أو أداء تعبوي لصالح دولة أو نظام، وانما تعمل على توصيل الحقائق للجمهور. ومحاولة الرد على الإعلام المضلل والمشوش وضرورة احترام الرأي والرأي الآخر، والاعتراف بالآخر، والاهتمام بقضايا الشعوب العربية، وتطلعات الجماهير وهمومها، دون تأثير حكومات أو أنظمة أو منظمات أو مؤسسات. إذا ما تم ذلك يكون الإعلام العربي قد سار إلى طريق المصداقية المطلوبة في الإعلام، ويصبح الإعلام العربي يتمتع بالمصداقية المطلوبة مثلما يتمتع به الإعلام الدولي. رغم أنّ هناك بعض وسائل وأنماط الإعلام الدولي كثيراً ما تخرج عن المصداقية خصوصاً إذا وقعت تحت تأثير العولمة والشركات المتعددة الجنسيات العملاقة. وسيطرت عليها أحزاب مؤيدة لدول قوية تروج لسياسة تلك الدول في الغزو الفكري والثقافي العسكري. فلابدّ من جهود في هذا المضمار من أجل تحسين مصداقية الإعلام العربي بالمقارنة مع الإعلام الدولي. الهامش:

[1]- مصداقية الإعلام العربي: د. عزة عبدالعزيز، العربي للنشر والتوزيع.، القاهرة، ص17.

 المصدر: كتاب الإعلام الدولي والعولمة الجديدة

تعليقات

  • 2020-11-21

    ايمن محمد عبد اللطيف اسماعيل

    جميل بالتوفيق ان شاء الله

ارسال التعليق

Top