• ٢٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الفطرة (Instinct)

مجموعة كتّاب

الفطرة (Instinct)
إنّ المعاجم اللغويّة لا تضع أيدينا على المعنى اللغويّ المراد بمفهومه الدقيق لتعريف "الفطرة"، وإنّما تكشف لنا عن الوجوه المتشعّبة لمعاني هذه الكلمة؛ لأنّ مهمّتها هي: ضبط الألفاظ، لا تحديد معانيها، فالذي يراجع معنى "الفِطرة" في قواميس ومعاجم أهل اللغة يجد لها معانٍ عديدة.

قال الأزهريّ: (قال ابن عبّاس: كنت ما أدري ما فَطْر السماوات والأرض، حتّى احتكم إليَّ أعرابيّان في بئرٍ، فقال أحدهما: أنا فَطَرتُها، أي: أنا ابتدأت حفرها)[1].

وأخبرني المُنذريّ، عن أبي العبّاس أنّه سمع ابن الأعرابيّ يقول: أنا أوّل من فَطَر هذا، أي: ابتدأه.

وقال صاحب اللسان في شرح قوله (ص): "كلّ مولودٍ يولد على الفِطرة"، قال: (الفَطر: الابتداء والاختراع)[2].

وقال الراغب[3]: (الفِطْرَة: الحالة: كـ"الجِلْسَة" و"الرِكْيَة").

وقال أيضاً: (وفَطَر اللهُ الخلقَ، وهو: إيجاده الشيء وإبداعه على هيئةٍ مترشّحةٍ لفعلٍ من الأفعال، فقوله: (فِطرَةَ اللهِ التي فَطَرَ الناسَ عَلَيْها) هي: ما ركّز فيه من قوّته على معرفة الإيمان المشار إليه بقوله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (الزخرف/ 87)، وقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) (فاطر/ 1).

ولابدّ لنا هنا أن نشير إلى أنّ "فِطْرَة" على وزن "فِعْلَة" وهي: "الصيغة" التي تدلّ على "الهيئة" أو "الحالة"، وهذا يعني: أنّ الله ابتدأ خلق الناس على هيئةٍ وحالةٍ، ولابدّ أن تكون هذه الهيئة والحالة لها صلة بالدِين، وذلك يُفهم من سياق الآية، حيث يقول عزّ من قائل: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ...).

فـ"الفطرة" إذن: حالة وهيئة دينيّة خُلِق عليها الناس ابتداءً، ولكن ماذا تعني هذه الحالة الدينيّة؟ فإذا رجعنا إلى النصوص فإنّ أوّل ما يتبادر إلى الذهن من الحديث المشهور: "كلّ مولودٍ يولد على الفطرة فأبواه يُهوّدانه، أو يُنصّرانه، أو يُمجّسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها جدعاء"[4].

الهوامش:

[1]- تهذيب اللغة للأزهريّ: "مادّة فطر".

[2]- لسان العرب لابن منظور "مادّة فطر".

[3]- مفردات الراغب للأصفهانيّ: 383.

[4]- صحيح البخاري 3: 197.

المصدر: مجلة رسالة التقريب/ العدد الثاني لسنة 1993م

ارسال التعليق

Top