• ١٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المؤمن مرآة أخيه

عبدالله العلوي

المؤمن مرآة أخيه

جاء في بحار الأنوار المجلد الثاني ص 184 باب 36: "إن حديثهم صعب مستصعب وإن كلامهم ذو وجوه كثيرة، وفضل التدبر في أخبارهم عليهم السلام وفيه 116 حديثاً".
"عن أبي عبدالله مولانا الصادق (ع) أنّه قال: حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه، ولا يكون الرجل منكم فقيهاً حتى يعرف معاريض كلامنا، وإنّ الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجهاً لنا من جميعها المخرج، فكلام الرسول الأعظم (ص) وأهل بيته الأطفال (ع) كالقرآن الكريم يُحمل على وجوه كثيرة ولـ بطون عديدة ولكل بطن بطون أخرى فينفتح من كل باب ألف باب، لا يعلمها إلا الراسخون في العلم ولا يُلمّاها إلا ذو حظٍّ عظيم.
وإليك أيها المطالع الكريم هذه الرواية الشريفة وبعض الوجوه التي تباردت إلى ذهني بعد تفكّر ساعة. ويا حبذا لو يكون هذا مفتاحاً لك في تلقيك الآيات الكريمة والروايات الشريفة، ويكون هذا المتاع المختصر المجمل الخطوة الأولى لمسيرة ألف ميل، فتنفع الناس في رشحات أفكارك ونتائج تأملاتك وفوق كل ذي علم عليم، وما أوتيتُ من العلم إلا قليلا، فأعتذر من زلّة القدم وهفوة القلم والعذر عند كرام الناس مقبول.
قال رسول الله (ص): "المؤمن مرآة المؤمن".
1- المرآة لابدّ من صفائها وجلائها وطهارتها من الدّرن والأوساخ أوّلاً، حتى يشاهد الإنسان نفسه من خلالها، فعلى المؤمن أن ينظف نفسه ويهذب قلبه ويجلّي روحه حتى يكون مرآة أخيه المؤمن.
2- المرآة تُبدي المعايب كما تحكي المحاسن، وكذلك المؤمن كما يُذكّر أخاه المؤمن عيوبه فإنه يذكر محاسنه ومكارمه أيضاً، فإنّ المرآة كما تذكر وتظهر النقطة القذرة السوداء فإنها تبين وتعكس العين الجميلة.
3- المرآة لا تكبّر ولا تُصغّر العيب بل تذكره كما هو، وكذلك المؤمن إنما يذكر العيب لأخيه بنفس المقدار، فلا يزيد حتى ييأس ويصعب عليه الأمر، ولا يُنقص حتى لا يهتم. ويستصغر الأمر فلا يبالي، بل بنفس الحجم والمقدار.
4- المرآة لا تأخذ العيب بقلبها، فلا ينطبع في صدرها شيء، بل بمجرد ذهاب الشخص يذهب ما عكسته من العيب وكذلك المؤمن فليس بحقود ولا بمبغض ولا يحمل عيب أخيه في قلبه، بل بمجرد التذكر ثمّ الافتراق ينتهي كل شيء، وكأنّه لم يكن شيئاً مذكوراً، فالمؤمن في سلوكه يجسد لأخيه المؤمن الصفاء والإخلاص والمودّة.
5- المرأة في كل حال وفي كل زمان ومكان تقول كلمتها، وكذلك المؤمن لأخيه المؤمن، فإنّه مرآته في كل حال وزمان ومكان ولا تأخذه في الله لومة لائم، فهو يقول كلمته كلمة الحق.
6- المرآة لو تكسرت وتحطمت فإنها تقول كلمتها وكل قطعة منها تذكّر وتعكس، وكذلك المؤمن فإنّه لو تحطّم في المجتمع وجعلوه قطعة قطعة فإنّه لا يزال يقول كلمته الإصلاحية ليزيل العيوب عن الفرد والمجتمع.
7- المرآة كما هي مرآة للفرد فهي مرآة للمجتمع، وكذلك المؤمن فهو مرآة لأخيه المؤمن ولمجتمعه المؤمن فيذكر العيوب والمحاسن لكلٍّ على حسب شأنه.
8- المرآة لو قالت العيب فكسرُها وتحطيمها لأنّها كشفت العيوب هو من الخطأ والجهل، وكذلك المؤمن لا يُكسر عندما يذكر العيوب بل يشكر على ذلك فهو بفضل إيمانه يريد الاصلاح في الاُمّة.
9- المرآة دوماً معتمدة على كلامها فلا تتراجع إلا عند إزالة العيب وكذلك المؤمن عندما يشاهد العيب يذكر ذلك ولا يتراجع قيد أنملة فهو كالجبل الراسخ لا تحركه العواصف وهو صبور ووقور عند الهزاهز ثابت القول والعقيدة كالمرآة.
10- المرآة معلّمة فتعلمنا كيف نرفع عيوب الآخرين.
11- المرآة تفرح لفرحك فتضحك لضحكك وتحزن لحزنك وتبكي لبكائك وكذلك المؤمن يفرح لفرح أخيه المؤمن ويحزن لحزنه.
12- المرآة آلفة مألوفة فإنها تأخذ أطباع وألوان من يشاهدها وكذلك المؤمن يحسن المجالسة فهو هشّ بشّ آلف مألوف.
13- المرآة عند تذكر معايبنا ومحاسننا نعتزّ بها ونحافظ عليها فكذلك المؤمن لابدّ ان نشكره ونعتزّ بصداقته ونحتفظ بأخوّته.
14- المرآة لابدّ من مرافقتها ومصاحبتها لنشاهد فيها جمالنا ونزيل عيوبنا ونتزين أمامها وكذلك المؤمن فلابدّ من مصادقته ومعاشرته ليكون في حياتنا مرآة عيوبنا ومحاسننا لنزيل نقاط الضعف فينا ونقوي نقاط القوة، فنسعد بصديق صالح وأخ مؤمن ورفيق فالح.
15- المرآة متى ما شاهدتها فإنّها تحدّثك عن نفسك ولا تذكر الآخرين بسوء فكذا المؤمن انما يذكّرك بنفسك ولا يمسّ الآخرين بسوء أو غيبة.
16- المرآة الوسخة والقذرة عاقبتها المفارقة والمقاطعة فلابدّ إذن للمؤمن أن يكون جميلاً نظيفاً حتى يرتاح إليه أخوه المؤمن ويُحبّ معاشرته. والمرآة السيئة مبغوضة عند الجميع ومآل أمرها الإعراض والهجران فكذلك المؤمن لوساء وأساء فإنّ المجتمع يبغضه ويقاطعه ولا يودّ معاشرته إلا فيما لو أصلح نفسه وتحلّى بالمكارم.
17- المرآة الحسنة والنظيفة عزيزة لدى الجميع ومكانها مرموق ومحترم وكذلك المؤمن الحسن الخلق يحبّه الجميع، ويُعزّز ويُكرّم بين الناس.
18- لابدّ من المحافظة على المرآة كي لا تتوسخ ولا يكون عليها الغبار، فكذلك المؤمن لابدّ من مراعاة حقوق الأخوة والمحافظة عليها من غبار الأذى وانكسار الخاطر، ليبقى الترابط وعرى الأخوة والإيمان بين المؤمنين مستحكماً وقوياً.
19- المرآة صبورة فلا تملّ من مجالسة الآخرين وتراعي شؤونهم وحقوق المصاحبة وتتحمل أياً كان، وكذلك المؤمن لا يتضجر من الآخرين ولا يملّ منهم بل يحاول بكل جهوده أن يصلح أمرهم ويهديهم إلى ما هو الصحيح والصواب.
20- المرآة لا تعبدك ولا تجعل منك صنماً فكذلك المؤمن لا يجعل من الآخرين له صنماً يعبده دون الله سبحانه وتعالى فلا تعصّب عنده ولا تحزّب ولا قبيّة ولا ما شابه، ذلك مما ينافي روح الإيمان ويلزمه الشرك الجلي أو الخفي "فلا صنميّة بين المؤمنين".
21- المرآة لا تدعو إلى نفسها بل تدعو إلى الله سبحانه وتذكر الإنسان بخالقه ومصوّره ومن هذا المنطلق يستحب للإنسان أن يدعو بهذا الدعاء عند ما ينظر في المرآة: "الحمد لله الذي خلقني فأحسن خَلقتي وصوّرني فأحسن صورتي وزان مني ما شان به غيري وأكرمني بالإسلام، اللّهمّ حسّن خُلقي كما أحسنت خلقتي" فالمرأة تذكّر الإنسان بربه وكذلك المؤمن يذكّر أخاه المؤمن بربه.
22- المرآة متواضعة فإنها تصوّر الآخرين وتجالس الغني والفقير والشريف والوضيع فكذلك المؤمن يتواضع للجميع كما قال الرسول الأعظم "أنا مسكين وأحبّ المساكين" ومن تواضع لله رفعه الله.
23- المرآة مخلصة في بيان العيوب والمحاسن والمؤمن كذلك يتعامل مع أخيه المؤمن بكل إخلاص من دون غش ومكر وحيلة، لأنّ المؤمن مرآة المؤمن والمرآة مخلصة في عملها فكذلك المؤمن مخلص في عمله وإيمانه.
24- المرآة في علها لا تمنّ على الآخرين ولا تجرح مشاعرهم، والمؤمن كذلك لا يمنّ على أخيه المؤمن بوجه من الوجوه ولا يجرح مشاعره وأحاسيسه ولا يبطل أعماله بالمن والأذى.
25- المرآة تحب الجميع وحديثها حديث الحب والمودّة والصفاء والمؤمن لأخيه المؤمن كذلك.
26- المرآة أمينة لا تخون صاحبها فلا تفشي له سراً ولا تهرّج في معايبه، وكذلك المؤمن أمين فلا يغتاب أخاه المؤمن، ولا يُشهّر به ولا يفضح أسراره لأنّه لا يحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا. وإنّ للمؤمن ثلاث علامات: "إذا حدّث لم يكذب وإذا ائتمن لم يخن وإذا وعد لم يخلف"، وللمنافق ثلاث علامات وإن صلّى وصام كما جاء في الاخبار الشريفة: "إذا حدّث كذب وإذا ائتمن خان وإذا وعد أخلف".
27- المرآة تعكس الخيرات وكذلك المؤمن فإنّه منبع لكل خير و أصل لكل إحسان فهو مأمول مأمون ومنه يرتجى الفضل والمحاسن.
28- المرآة لا تذكر العيوب المستورة فهي ستارة العيوب المخفية فلا تحدّث بالبواطن والخفايا وكذلك المؤمن ستار ما ستره الله على أخيه المؤمن.
29- المرآة صافية وتروي الصفاء والمؤمن كلّه صفاء ويتحدث عن الصفاء ويجسد لنا الصفاء في سلوكه وأقواله وأحواله.
30- المرآة كما تذكر عيوب ومحاسن الغني فكذلك تذكر عيوب ومحاسن الفقير والمؤمن كذلك فإنّه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الاصلاح وسلامة المجتمع فيذكّر الغني والفقير والقريب والبعيد ولا يميّز بين الناس.
31- المرآة لا يُتوقع ولا يُنتظر أكثر من حجمها فلا تتوقع ولا تأمل من أخيك المؤمن أكثر ممّا عنده.
32- زينة المرآة إطارها ولابدّ فيها من الإطار كي لا تجرح يد قابضها، والمؤمن يؤطر بالأخلاق الحسنة والمبادىء السامية ويتزين بالسنن والآداب ولا يجرح شعور الآخرين وإنّه مؤطر بإطار إلهي وعليه صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة.
33- المرآة الكبيرة تصور تمام وجودك بوعائها الأكبر، وكذلك المؤمن الكبير في همته الغزير في علمه المتبوع في فضائله، المخلص في عمله، قلبه واسع وصدره بحر، والقلوب أوعية خيرُها أوعاها.
34- المرآة السوداء تُرى الأشياء فيها بلون أسود وإن كانت بيضاء وكذلك المؤمن لو اسودّ قلبه بالذنوب والمعاصي فإنّه يرى الأشياء كلّها سوداء فيسيء الظن بأخيه المؤمن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (الحجرات/ 12).
35- فقدانك للمرآة يوجب إيلامك وتأثّرك وأنت تفرح لو وجدتها وتسرّ وتشغف برؤيتها، فكن لأخيك المؤمن كذلك تتأثر وتحزن لفقدانه. وتفرح بلقائه وتناول السرور برؤية محيّاه الباسم فإنّ المؤمن بِشرُه في وجهه وحزنه في قلبه.
وأخيراً وليس آخراً، ربّما يكون المراد من المؤمن الأوّل في قوله (ص): "المؤمن مرآة المؤمن"، هو الإنسان والمؤمن الثاني هو الله سبحانه وتعالى فإن من أسمائه الحسنى كما في كتابه الكريم المؤمن فالإنسان المؤمن مرآة الله المؤمن يتجلّى سبحانه وتتجلى صفاته وأسماؤه في الإنسان الكامل المؤمن.
وهو النبي والوصين والأمثل فالأمثل من الصالحين. فإن قلبَ المؤمن حَرَمُ الله وعرش الرحمن. وجاء في الخبر الشريف عن الله سبحانه وتعالى: "يتقرب إليّ عبدي المؤمن بالنوافل حتى أُحبّه فإذا أحببته أكون سَمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها".
ويصل الإنسان إلى الكمال المطلق إلى قاب قوسين أو أدنى، فيكون في سلوكه وحركاته وسكناته مرآة ربه واجب الوجود لذاته المستجمع لجميع الصفات الكمالية والجمالية.

المصدر: مجلة نور الإسلام/ العدد 11 و12 لسنة 1989م

ارسال التعليق

Top