• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

نحو فهم ضروري للدين والتدين

سيِّد يوسف

نحو فهم ضروري للدين والتدين

◄إنّ منابع الدين ونصوصه لا تنضب (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر/ 9). وما تزال السُّنة الصحيحة منبع تفسيري للنبع الأوّل "أوتيت القرآن ومثله معه"  وقد كان (ص) خلقه القرآن أي تطبيق بشري لنصوص الوحي وفهمها وتفسيرها بل إنّ تفسير تلك النصوص واستكشاف أسرارها لهو معين آخر لا ينضب... لكن كثيراً من هذه التفاسير غير النبويّة إن ناسبت زمناً فهي لا تناسب زمناً آخر ومن ثم فإنّ التمسك بها لدرجة التقديس وأن تصير هي الدين لون من ألوان التعصب.

ويدرك الفاقهون أنّنا في حاجة إلى أداة جيِّدة لتيسير التعاطي مع هذه التفاسير وغربلتها واصطفاء ما يناسبنا منها وليس في هذا تنكّر لماضينا وتراثنا بل هي الحكمة أن ننشد ضالتنا دون تقديس لتفاسير بشرية يعتريها ما يعتري أي جهد بشري من خطأ. كما أنّنا في حاجة إلى تحبيب الناس في التدين بمعناه الشامل والواسع الذي يستوعب الحياة فهماً وتعميراً والطاعات أداءً وخشوعاً بل الممات أيضاً تقوى وتركاً لصدقات جارية ينتفع بها المرء بعد مماته. ولا يمكن أن تنفك وسيلة لتحبيب الناس في التدين عن منابع الدين الصافي ووحيه أي التلقي عن الوحى بهدايات الفطرة النقية والعقل اليقظ والقلب النقي، ولسائل أن يقول: وأنى لنا بالفطرة النقية والعقل اليقظ والقلب النقى؟ ولآخر أن يقول: وكيف يتحصّل الناس تلك المعاني دون فهم للنصوص بل كيف نفهم النصوص إلّا عبر شرحها للذين نرى فيهم الأمانة والحفظ؟!! ولآخر أن يقول: أإنّك لتدعونا إلى أن يتخذ كلّ منّا إلهه هواه؟! الحقّ أنّ هذه أسئلة مشروعة، ونريد أوّلاً أن نحدد عدداً من المعاني حتى لا تضل بوصلتنا وذلك كما يلي:

1- حبّ الدين فطرة، واحترام التدين أمر واقع، والرغبة فيه متزايدة.

2- أينما وُجد الإنسان العاقل وُجدت معه عوامل الفهم، وأينما استقرت عوامل الفهم فهي في حاجة إلى تهذيب وغذاء روحي يهتدي بهدايات الوحي.

3- أُمّتنا في حاجة إلى تدين صحيح غير مغشوش يعتمد تحبيب الناس في ربّهم ووسائل ذلك فى اتباع هدايات الوحي وسُنن النبيّ (ص) يقول تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِين)  (آل عمران/ 31-32).

4- ولعلّ الخطأ يكمن في فقه الدعوة (إن إرسالاً أو استقبالاً أو وسيلة وخُطاباً أو بيئة غير جيِّدة)  فكثيراً ما رأينا دُعاة أصابهم عطب عقلي يهونون العظائم ويعظمون التوافه ويربطون الناس بربّهم عبر سلسلة من الترهيب فقط وخير ما نستأنس به ههنا قوله تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (الأنبياء/ 90). ورأينا دُعاة جهلوا خصائص الإنسان فأضروا من حيث أرادوا أن ينفعوا، والنية الحسنة ليست مبرراً للوقوع فى الأخطاء.

5- ولا ينكر منصف أنّ هناك جهوداً إسلامية ودعوية غاية في الدقة والإتقان والأمانة والحفظ وذلك من أجل فهم الدين وتسهيل طُرق التعبّد لله دون الالتفات إلى طُرق تحبيب الناس في التدين والتعبّد بل دون تقديم معنى شامل للتعبّد (اللهم إلّا فرع التصوّف الصحيح بيد أنّ ما شابهه من بُدع صرف عنه قلوب الحذرين).

6- ومع الزمن وقسوة الحياة وغلبة الماديات انحسر مجال التصوّف الصحيح وعلم التذوّق والسلوك السليم وربط الناس بحبّ بمفهوم التعبّد ليحل محله جفاف التفاسير وجدل الفقه وثرثرة أتباع المذاهب فابتعدت تلك العلوم عن الوحي الصافي واهتم الناس بالشروحات بل حلت تلك الشروحات محل النص الديني وكاد باب الاجتهاد أن يُغلق ووصد الباب أمام تقديم حلول لقضايا الأُمّة تتبع مسارات الدين اللهم إلّا أقوال عامّة ومرسلة ونصائح طيّبة لكنّها بعيدة عن جذور المشكلة ومن ثم حلها حلاً حقيقياً، ونتيجة ذلك أن صار القرآن للترتيل وللسماع رغم أنّه روح تسري لتحيي الأُمّة، وصار الحديث للحفظ وللأذكار التي تستدعي وقت النوازل رغم أنّ السُّنة الصحيحة جعلت لفهم القرآن ومن ثم تكون للأخلاق نصيب منها أرأيتم كيف كان خلقه (ص)؟ كان قرآنا يمشي على الأرض.

7- يرى د. عمر عبيد حسنة أن توقف العلوم الاجتماعية والإنسانية لدى علماء المسلمين خطر بالغ ذلك أنّه حرّم المفكّر والمجتهد من التعرّف إلى ساحة عمله، وأضاع عليه خارطة الطريق، التي يحاول أن يسلكها، لتنزيل المراد الإلهي على واقع الناس، وتحقيق تقويم سلوكهم بدين الله، وامتلاك شروط التغيير السليمة ويرى د. حسنة أنّ العقل المسلم توقف عن السير في الأرض، والتعرّف على تاريخ الأُمم في النهوض والسقوط، واكتشاف آيات الله في الأنفس والآفاق، وآليات التغيير الاجتماعي، التي وردت في القرآن بشكل لافت للنظر، وهي أشبه ما تكون بالمعادلات الرياضية بعد أن أصبح القرآن مجرد تراتيل للتبرك... فظن كثير من المجتهدين، أنّ العملية الاجتهادية، تكفي لها الرؤية النصفية، وهي الوصول إلى معرفة الحكم الشرعي، أمّا دراسة محل الحكم، والكيفية التي يتم بها بسطه على الواقع، وطبيعة هذا الواقع، بتركيبه المعقد، وأسبابه القريبة والبعيدة، فلم تأخذ الاهتمام المطلوب، فانفصل الدين عن الحياة، وانتهى الفقه إلى تجريدات ذهنية وأراجيز حفظية لا نصيب لها من الواقع... ثم يقول د. حسنة: التغيير لابدّ له من إدراك المراد الإلهي أوّلاً ومن ثم آليات فهم المجتمع بالمستوى نفسه، حتى يتم الإنجاز، وقد تكون مشكلة الحضارة اليوم أنّ الذين أدركوا آليات فهم الواقع لم يؤمنوا بالخطاب الإلهي، وكثير من الذين آمنوا بالخطاب الإلهي لم يدركوا آليات فهم الواقع.

8- وبناءً على ما سبق فإنّنا في حاجة إلى فهم النصوص فهماً معاصراً ولا يتأتى ذلك إلّا إذا أوجدنا الفاهم المعاصر إذ ما قيمة الدواء إذا افتقد الطبيب؟! وما فائدة الوحي إذا افتقدنا الفاقهين والتربويين الذين يحسنون تحبيب الناس في ربّهم بقلب نقي وعقل يقظ ... أُمّتنا في حاجة إلى فهم صحيح لنصوص الدين ومن ثم طريقة مبتكرة لتحبيب الناس في الدين والتدين وابتكار طرائق لحلول قضايا الأُمّة... هكذا هو الدين ما أنزل ليشقى الناس بل ليحيوا حياة كريمة، وليس الذي يجعل نصوص الدين للتلاوة والتبرك دون حركة نحو البناء والتعمير ليس بالذى يُبنى أُمّة بل يصرف الناس عن هذا الدين إذ يرون الحل لمشكلاتهم لدى غيرهم... وما هكذا يراد للإسلام إنّما يراد له ليكون مهيمنا وليكون دستور حياة البشر وليجد الناس في تعاليمه حين تطبيقها سعادتهم...

في النهاية:

يحتاج الناس إلى حبّ الدين والتدين ويتحقق ذلك إذا وجد الناس في الدين خلاصاً ومنقذاً وسعادة لحياتهم والفاقهون والتربويون تقع عليهم تلك المسئولية ويرجى أن يكون ذلك عبر مؤسسات تفيد الدين باجتهادات معاصرة لقضايا الأُمّة.►

ارسال التعليق

Top