• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الماء في الطبيعة.. هذا خلق الله

الماء في الطبيعة.. هذا خلق الله
  يلعب الماء في المحيط الحيوي دوراً مهمّاً وجوهرياً. فهو يمثِّل – كوزن – الجزء الأكثر أهمية من المادة الحيّة. انّه يشغل مساحةً أقلّ من تلك المساحة التي يشغلها الهواء بيد أن كتلته هي أكبر بكثير. ويُقدَّر احتياطي الماء في العالم بـ1.3615 كلم³، حيث تمثل البحار والمحيطات 97.2 بالمئة من مجموع الرقم المذكور. ولو وزّعنا الماء بالتساوي على سطح الأرض، لَشَكَّل طبقة يبلغ سمكها نحو 3000م؛ 2700م منها لكتلة مياه المحيطات، ومئة متر لكتلة الثلوج المتجمّدة، وأربعون متراً أخرى للمياه الجوفية، بينما لا يشكّل مجموع المياه العذبة – غير المالحة – في العالم سوى 40 سم. أما بخار الماء الموجود في الفضاء فلن يعطي – في حال تكاثفه بكلّيته – سوى طبقة سمكها 3 سم. وليس لهذه الأرقام سوى قيمة تقريبية، فالتقديرات الخاصة بالماء الموجود في أعماق الأرض أو الماء المتجمّد المتمثّل في قُنَن الثلج تختلف وتتراوح بنسبة واحد إلى اثنين. ورغم عدم دقة هذه الأرقام، فهي ترينا أنّ الماء الضروري للكائنات الحية لا يمثِّل سوى جزء بسيط من الكتلة السائلة للكرة الأرضية: 3% إذا أدخلنا في الحساب المياه الجوفية والجليد.. وأقل من 1% إذا أسقطنا الأخيرة من الحساب.   - الماء والنبات: تعود أهمية الماء – على صعيد الحياة الحيوانية والنباتية – إلى إمكاناته كوسط ناقل، وهي الإمكانات التي تُتيحها له قدرته الحلولية. كما تعود أيضاً إلى مكانته وموقعه في تركيبة وهندسة قسم كبير من الأنسجة الحية. والدور الأوّل يتطلب من الماء أكثر ما يتطلبه الدور الثاني. بالنسبة للنّبات، ثمة ماءٌ عابرُ سبيل، يُستقى من التربة ويؤول إلى التبخّر، وثمة ماء البُنية والتركيب (أي الماء الذي يشكِّل جزءاً من الأنسجة. الماء الأوّل يسمح للنبات بأن يسحب من التربية العناصر الغذائية الضرورية له. والماء العابر هذا يمثِّل بالنسبة لمحصول طازج وزنه 20 طناً، ثلاثة أرباع هذا الوزن، أي 15 طناً. في حين أن ماء البنية يشكِّل كتلة تساوي ثلاثة أطنان من أصل خمسة أطنان من المادة الجافة. وإذا أردنا أن نُقارن هذه الكميات بالكميات التي استهلكت للوصول إلى هذه النتيجة فإنّ النسبة بين الماء العابر والماء الخاص بالبنية ستكون أكبر: للحصول على 20 طناً من الجنى والغلال، كان لابدّ من 2000 طن من المياه تستقى من التربة وتنتهي إلى التبخّر وإلى النَتْح. إنّ كمية الطاقة المستخدمة لإيصال العناصر الضرورية للتركيب الضوئي إلى الأوراق هي أكبر بكثير من الطاقة المخزونة على شكل طاقة كيمياوية. فمن بين 100 سُعْرة حرارية مكتسبة من أشعة الشمسن 30 سعرة – في المتوسط – تنعكس بواسطة التربة، و30 أخرى تضيع بسبب الإشعاع ذي المدى البعيد. أما الأربعون سعرة الباقية فتستخدم من قِبل النبات. ولكن سُعرة واحدة فقط تتحول فعلياً ويتم خزنها؛ أما الباقي فمصيره التبخّر والنَتْح. عندما تُسقى النباتات بماء غزير، فإنّ النَتْح يتوقف على درجة الحرارة وعلى الحالة المرطابية للهواء (أي نسبة الرطوبة) وعلى قوة الريح. وهو يزيد عموماً من القطب إلى خط الاستواء. يبلغ معدله السنوي 20 سم عند خط عرض 65 درجة و50 سم عند خط عرض 50º، و80 إلى 120 عند خط عرض 35º. وهو يتراوح عند خط الاستواء بين 120 و150 سم. ويمكن أن يبلغ في المناطق الصحراوية نسباً أكثر ارتفاعاً وذلك بسبب جفاف الهواء. وبمجرد أن يتوقف تزويد الماء بغزارة، فإنّ الوظائف الحيوية للنبات تتباطأ: تتفاوت النباتات في مدى قدرتها على استقاء المياه الكامنة في التربة لكي تستطيع مكافحة الجفاف. كما تتفاوت في مدى قابليتها على تخفيض نسبة التبخّر وذلك بغلق مساماتها وبتخفيض أنشطتها الحيوية. والجفاف يأتي من غياب الماء أو شحّته أو من ملوحته. فماء البحر بشكل خاص لا يمكن أن يفي باحتياجات المزروعات، إذ أن قدرته التنافذية مرتفعة جدّاً بحيث تعجز الجذور عن الاستقاء منه. وعموماً، يكون الماءُ المستخدم من قِبل النبات نقياً إذا كانت الأمطار مصدره؛ فهو لا يحتوي عند نزوله على الأرض سوى غازات مُذابة. ولكن عندما تقوم الجذور بالاستقاء من طبقات المياه السطحية أو العميقة، فإنّها ستجد ماءً مليئاً بمواد مُذابة، الأمر الذي يمكن أن يجعله غير صالح لاستخدام النبات. وتلك هي الحال غالباً في المناطق المجدبة، ممّا يُعقِّد مهمة القائمين على تطوير الري. أما بخصوص التبخر فإنّ الكمية تبدو عموماً مُرضية إذ يُقدّر معدل التبخر الحاصل على وجه المحيطات بـ124 سم من المياه في العام. بينما يُقدّر معدل المياه المتساقطة سنوياً بـ114. والفرق بين الرقمين (10 سم) يمثِّل المياه التي تعود إلى البحر عن طريق الجريان. أما على اليابسة فيقدّر معدل التبخر بـ47 سم والأمطار بـ71. أمّا الجريان فيمثِّل الفرق بين الرقمين، أي 24سم. وبسبب عدم تساوي توزيع سقوط الأمطار – زمانياً ومكانياً – تتكرر شحة المياه بالنسبة للمزروعات التي لا تملك – حينئذ – إلا الاعتماد على مخزون التربة من المياه. والنباتات التي تستمد المياه التي تحتاجها معتمدة على المياه الجوفية، تكون في حالة جيِّدة. ولكن في أغلب الأحيان، لا يمكن سدّ النقص أو العجز في الإرواء الطبيعي (المطر مثلاً) إلا عن طريق الريّ الصناعي (أي السقي).   - حاجة الإنسان إلى الماء: حاجات الإنسان إلى الماء متنوعة.. فهي فيزيولوجية جسدية من جهة، وترتبط بزراعته وبالتقنيات العلمية والصناعية، من جهة أخرى.   - الحاجات الجسدية: الحاجات الجسدية المباشرة قليلة؛ ففي المناخ المعتدل يكفي لتر ونصف من الماء يومياً لسد حاجة ماء الشرب. أما في الصيف القائظ، فإنّ الحاجة تتضاعف، متجاوِزة 5 ليترات يومياً. وليس من النادر تناول 10 إلى 15 لتراً من الماء في اليوم خلال موسم الحرّ في الصحراء. هذه الحاجات المباشرة هي قليلة الحجم والكمية – حتى في الحالات الاستثنائية المذكورة –. غير أنّه ليس من الممكن سدّها إلا بواسطة ماء يَبعث على الرضى والطمأنينة بفضل مكوِّناته الكيمياوية وطبيعته البكتريولوجية. أمّا الحاجات الجسدية غير المباشرة فهي كثيرة وضرورية للحصول على المنتجات النباتية أو الحيوانية. ونحن نعرف الهدر الذي يُحدثه التبخّر والنتح لدى النباتات. ووجود مجموعة من الحيوانات الإضافية يزيد من حاجة الإنسان إلى الماء؛ لإنتاج كيلوغرام واحد من القمح، لابدّ من 150 كلغ من الماء، ولإنتاج كلغ من الرز وهو نبات ينمو في المستنقعات، شديد النهم إلى الماء – لابدّ من 4500 كلغ. أما للحصول على كلغ واحد من البَيْض، فلابدّ من 12000 كلغ من الماء!   إنّ الحاجات المتصلة بالزراعة وبالتكنولوجيا هي أكثر تنوعاً. فالإنسان يستخدم الماء كمذيب أو كمادّة مساعدة أو كوسيط ناقل؛ إنّه يستخدمه في التنظيف والغسل. وللعناصر الخاصة بتوليد الطاقة ويُستعمل للمطبخ وكذلك للاستعمالات الصناعية، كتبريد المفاعلات النووية وسقي المعادن. والتحولات التي تطرأ على التكنولوجيا، تضاعف الحاجت في هذا الصدد. فإلى عهد قريب، كان يكفي لسدّ الاحتياجات الشخصية كالشرب والطبخ والتنظيف 15 لتراً من الماء للشخص الواحد يومياً. وبالمقابل، يُعتبر طبيعياً في المدن الأمريكية الكبيرة استهلاك 500 إلى 600 لتر من الماء في اليوم. بل ويتجاوز الاستهلاك في بعض الحالات متراً مكعباً من الماء. وإلى التنظيف يُعزى القسم الأكبر من هذه الزيادة.   وهي حاجات كبيرة. فللحصول على طن واحد من الفولاذ لابدّ من 300 إلى 600 طن من الماء.. ولابدّ من 600 طن منه لإنتاج طن واحد من النترات، وما بين 250 و500 طن لصنع طن من الورق، ومئة لعاملة طن من الصوف. ولابدّ من 0.010م³ من الماء لتصفية لتر واحد من النفط، و2.7م³ لتقطير لتر من الكحول الطبي.   توصف الاستعمالات الصناعية غالباً كأكبر مستهلك ومبذّر وهذا خطأ لا سيما إذا عرقنا أن للزراعة احتياجاتٍ أكبر بكثير. فانتاج القمح في الولايات المتحدة يتطلب من الماء أكثر من انتاج الحديد والصلب، أما انتاج الذرة فيفوق ذلك بثلاثة أضعاف!. الرجل العصري لا يحتاج شخصياً أكثر من 0.5 إلى 0.6م³ من الماء يومياً. وإذا أردنا معرفة حجم جميع احتياجاته – بما فيها الحاجات الخاصة بالصناعة والزراعة – فما علينا إلا إحصاء الكميات الكلية التي يستهلكها كل شخص. ويتعين علينا إذن أن نحسب يومياً ما بين 1.5 و2م³ من الماء للرجل الأوروبي، وثلاثة أمثال ذلك للرجل الأمريكي. ويبلغ الاستهلاك العالمي اليوم 10³ كلم³ سنوياً..   المصدر: مجلة نور الإسلام/ العدد 13 و14 لسنة 1991م

ارسال التعليق

Top