يرى بعض المثقفين العرب أنّ هناك أخطاراً محدقة بالهوية العربية، مبعثها النظام العالمي الجديد الذي انبثق إثر انتهاء الحرب الباردة وانفراد الولايات المتحدة الأميركية بالهيمنة على العالم، وسيطرتها عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً. يقول العالِم (1997) إنّ الولايات المتحدة تستخدم التقنيات الحديثة وثورة المعلومات كوسيلة لنشر لغتها وثقافتها وقيمها الاجتماعية، مما قد يؤدِّي إلى تهميش دور اللغات والثقافات القوميّة، ويضيف قائلاً: إنّ اللغة العربية ما زالت متخلّفة عن العصر لأنّها لم تفِ بالاحتياجات التنموية للمجتمع العربي ومتطلبات العصر.
وقد حظيت مخاوف المثقفين العرب من طغيان الثقافة الغربية على الهوية العربية بالاهتمام في الآونة الأخيرة، فقد عقد مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بجريدة الأهرام القاهرية ندوة دعا إليها عدداً من المثقفين العرب لمناقشة "مستقبل اللغة العربية في ظلّ العولمة"، كما عقدت الجامعة الأميركية بالقاهرة في آذار/ مارس 1998 ندوة بعنوان "العولمة: نعمة أم نقمة؟"، وتلتها ندوة أخرى تحت رعاية المجلس الأعلى للثقافة في مصر حول هذا الموضوع، وفي أيلول/ سبتمبر 1998 عقدت جامعة بنها ندوة حول "مستقبل الثقافة العربية في ظل العولمة" شارك فيها مفيد شهاب وزير التعليم العالي والدولة للبحث العلمي في مصر، وكذلك المفكر العربي السيد يسين، بالإضافة إلى عدد من أساتذة الجامعات المصرية.
وننطلق في هذا البحث من فكرة أنّنا لا يمكن أن نوقف العولمة، وكما أنّ العولمة تجعل ثقافتنا عرضة للتأثّر من قبل الثقافات الأخرى، فإنّها تفتح الباب على مصراعيه لثقافتنا لكي تكون مؤثّرة بدورها في الثقافات الأخرى، كما أنّنا نؤمن بصدق أنّ الثقافة العربية لديها قدرة كامنة لتسهم بشكل فعّال ومؤثّر في الثقافة العالمية الجديدة.
إنّ الثورة الإلكترونية التي بدأت في أوائل الثمانينيات (فرغلي 1988) هي التي مهّدت الطريق لثورة المعلومات وطريق المعلومات السريع (جيتس 1995)، وحوّلت العالم الكبير المتباعد الأطراف إلى قرية صغيرة لا يمكن لمن فيها أن يحجب تأثير الغير عليه ولا تأثيره على الغير، وتتلاشى الحدود وتنتشر المعلومات بسرعة البرق بلا رقيب ولا حسيب، وأصبح لدى كلّ إنسان فرصة مخالطة ثقافات شتّى وحضارات متباينة وأخلاقيات متفاوتة دون أن يغادر بلدته، نتيجة لهذا لابدّ أن تذوي وتتلاشى ثقافات وتقوى وتسيطر ثقافات أخرى. ومن أوّل دروس الاقتصاد – والاقتصاد محرك التاريخ – أنّ في السوق المفتوح الحرّ يسيطر الكبير على الصغير ويبتلع القوي الضعيف، فهل سيحدث هذا في صراع الثقافات العالمي؟
ينقسم هذا البحث إلى ثلاثة أقسام: في القسم الأوّل نتناول عصر المعلومات بالوصف والتحليل، وما يمثّله بالنسبة إلينا، وما يمثّله للمجتمع الأميركي، ثمّ نتناول في القسم الثاني دور اللغة العربية في الثقافة العربية، ونرى أنّها تمثل العمود الفقري للهوية العربية، ونناقش وضعها الحالي، ونجيب على بعض التصورات بأنّ الازدواجية اللغوية تشكّل خطراً على اللغة والشخصية العربية، وفي القسم الثالث والأخير نضع تصوّراً للمشروع الحضاري العربي للقرن الواحد والعشرين، والذي نأمل أن يتبنّاه المثقفون العرب بوصفهم طليعة هذه الأُمّة وضميرها بهدف تطويره وتدعيمه ودعوة كل مخلص لهذه الأُمّة أن يسعى لتطبيقه.
- القسم الأوّل: عصر المعلومات:
لماذا يُسمّى هذا العصر عصر المعلومات، ليست المعلومات شيئاً جديداً، وليس الاهتمام بها وبالمعرفة اكتشافاً حديثاً. إنّ ولع الإنسان منذ خلافته في الأرض بالمعرفة، وفهم الكون وتسهيل حياته مكّنه من اكتشاف النار والزراعة واختراع الآلات واختراع الكتابة.. إلخ. إن تسمية هذا العصر "عصر المعلومات" تعني أنّ هذا العصر يختلف اختلافاً كيفياً عمّا سبقه، وأنّ المعرفة والمعلومات تأخذ في هذا العصر بُعداً جديداً لم يكن لها من قبل. نهدف في هذا القسم إلى إلقاء الضوء على هذه التساؤلات.
يتميّز عصر المعلومات بالتراكم الهائل للمعلومات بمعدلات فلكية لم تحدث من قبل، ممّا يؤكّد أننا نشهد تحوّلاً لا يقل إن لم يفق التحول الذي أحدثته الثورة الصناعية في نهاية القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر بانتقال العالم من النظام الإقطاعي إلى النظام الرأسمالي (Drucker 1998). ويذكّرنا Drucker أنّ الثورة الصناعية امتدت على مدى حوالى مائتي سنة؛ فقد بدأت بصناعات بسيطة تواجدت في ظل النظام الإقطاعي ثمّ ما لبثت أن تطوّرت. ويمثّل التغير الكيفي في إعادة تصميم الآلة البخارية لتصبح مصدراً آلياً للطاقة على يد جيمس وات في الفترة ما بين 1765-1776، رأى ماثيو بولتون أنّ هذه الآلة البخارية المعدَّلة يمكن استخدامها في جميع العمليات الصناعية وأمكن استخدامها في بناء السفن البخارية، وبعد ذلك بعشرين عاماً استخدمت في بناء القطار البخاري.
إنّنا نشهد الآن ثورة مماثلة، وقد بدأت التغيّرات الكميّة الملحوظة في الثمانينيات تحدث تغيرات كيفية في التسعينيات. ففي الثمانينيات شهدت الولايات المتحدة الأميركية صناعة جديدة هي صناعة البحث العلمي. فإلى جانب الإنفاق الضخم على البحث العلمي الذي تقوم به حكومة الولايات المتحدة الأميركية والشركات العملاقة التي تستثمر جزءاً كبيراً من أرباحها في أقسام البحث والتطوير، بدأت عديد من الشركات بتأسيس مراكز أبحاث مستقلة بتمويل من أكثر من شركة حتى يكون لهذه المراكز قدرات مالية خارقة تستطيع من خلالها تعيين النابغين من العلماء واستقدامهم من أي دولة في العالم ووضع أجهزة ومعامل متقدّمة للغاية تحت تصرفهم. وتصبح نتائج هذه الأبحاث ملكاً لكافة الشركات المساهمة فيها، كما يمكن لأي من الشركات المساهمة أن تطلب من مركز الأبحاث تقديم حلول لأي مشكلة تعاني منها أو تطوير تسعى لتحقيقه. وقد تميّزت صناعة الأبحاث الجديدة بالتعددية، فلم يعد الباحث يقوم بعمله منفرداً بل يقوم بكل مشروع بحث فريق عمل يضم متخصّصين من مجالات مختلفة، ففي أبحاث الحاسوب يقوم عالم الحاسب الآلي بالعمل مع عالم الرياضيات وعالم المنطق وعالم اللسانيات وعالم الفلسفة في إطار واحد للنظر في مشكلة ما من كافة الزوايا.
كان لهذا الإنفاق الضخم على البحث العلمي آثار هائلة تمثّلت في:
أوّلاً: ازدياد الإنتاج العلمي بحيث أصبح متابعة الجديد يمثّل تحدياً للعلماء، فقد زادت الدوريات العلمية والمؤتمرات وتحقّق تقدم هائل في أبحاث الفضاء، وحقّقت الولايات المتحدة تفوّقاً علمياً على دول العالم كافة، وانتصرت على الاتحاد السوفييتي انتصاراً حاسماً اقتصادياً وثقافياً، بل وعلى اليابان التي فشلت في برنامج الجيل الخامس للحاسوب الذي اعلنت عنه في أوائل الثمانينيات، وكان من المنتظر أن يجعل اليابان أكثر دول العالم تقدماً في صناعة الحاسوب نتيجة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ثانياً: تغيّرت مصادر القوة والنفوذ في العالم من ملكية المواد الاستراتيجية كالنفط والمعادن واليورانيوم أو الإنتاج الصناعي وأصبحت المعلومات مصدر القوة والثروة الأساسي مما أدّى إلى بزوغ عصر ما بعد الرأسمالية، وهو عصر المعلوماتية (دركر 1998). وتوضح الإحصائيات التالية ملامح العصر الجديد؛ فطبقاً لإحصائيات البنك الدولي أكثر من 64% من الثروة العالمية يتكوّن من رأسمال بشري، وفي دراسة أخيرة نشرت في دورية السياسة الدولية عام 1996 أنّه من المتوقع بحلول عام 2000 أن يصبح 80% من الوظائف في الولايات المتحدة الأميركية تتعلق بالحاسوب، ويؤدي هذا إلى تضاؤل الفرص أمام العمالة غير الماهرة، كما تضاعف الطلب أكثر من ثلاث مرات في السنوات الأخيرة على وظائف التقنية العالية، وخلقت وظائف جديدة لم تكن موجودة من قبل كمهندس المعلومات ومختصّين في الرأسمال المعرفي وتصميم صفحات شبكة المعلومات... إلخ.
ثالثاً: في تزاوج خطير بين أبحاث الفضاء وخصوصاً في مجال الأقمار الصناعية والحاسوب، ألغى طريق المعلومات السريع (جيتس 1995) الحدود بين الشعوب والأمم، وأصبح في إمكان الفرد أن يخالط ويشاهد بل ويتفاعل مع حضارات وشعوب أخرى دون أن يغادر مكانه ودون حسيب أو رقيب، ممّا أدّى إلى تضاؤل قدرة أجهزة الدولة على الرقابة ومصادرة الأفكار.
رابعاً: أدّت عولمة الاقتصاد وسيطرة المؤسسات متعدّدة الجنسية إلى ضغوط هائلة على المؤسسات المالية لزيادة التأقلم والتواؤم والخلق والإبداع وسرعة العمل والتصرف، مما جعل هذه المؤسسات تدرك أهمية وقيمة المعرفة المتخصّصة لمواجهة الضغوط الناجمة عن العولمة، كما أنّها قد أدركت أنّ المعرفة هي عامل متميز في الإنتاج وفي زيادة قيمة المؤسسة أمام المؤسسات الأخرى، كما وفّرت شبكات الاتصال الحاسوبية فرص العمل مع الآخرين والتعلّم منهم وإن كانوا على مسافات بعيدة منها.
هناك شعور لدى البعض في العالم العربي بالضآلة أمام هذا التقدّم الكاسح علمياً والقادم من الغرب. فلفترة طويلة من الزمان ونحن نستورد الأجهزة والأدوات والأفكار العلمية من الغرب، وبالرغم من ذلك نظل نلهث وراء الغرب (حنفي 1997) دون أن تضيق الفجوة العلمية بيننا وبينه، بل إنّها تتسع يوماً بعد يوم، ويقول نبيل علي (1994) إننا "نحن العرب في مأزق حضاري شديد الحرج، فقد حلّت بنا هذه الموجة العارمة ونحن في أقصى درجات التشتّت والفرقة مهدّدين باضمحلال كياننا القومي تحت وقع ضغوط خارجية شديدة وقيود داخلية قاسية" بينما يلقي البعض الآخر باللائمة على اللغة العربية وازدواجيتها باعتبارها من العوامل التي ساعدت على تخلّف العقل العربي، فهزيمة 67 سمّيناها نكسة، ورفع الأسعار سمّيناه تحريك الأسعار، وحالة العجز العربي أمام التفوق الصهيوني أسميناه حالة اللاحرب واللاسلم، وبيع موارد الدولة الاقتصادية سمّيناه الخصخصة... إلخ (حافظ 1997)، وأطلقنا على الصراع العربي – الإسرائيلي عبارة صراع الشرق الأوسط، وشاعت تعبيرات هابطة في اللغة العامية المصرية مثل "إحنا اللّي خرقنا الأوزون" و"إحنا اللي دهنّا الهواء دوكو"، واستعمال كلمات مثل باكو واستيك وأرنب للتعبير عن مبالغ نقدية. وتتردّد شكوى هذه الأيام من جمود اللغة العربية وعدم قدرتها على الإبداع في الوقت الذي تزدهر فيه اللغة العبرية، بالرغم من أن كلاً من اللغتين ينتمي إلى اللغة السامية وتشترك اللغتان في كثير من الظواهر الصرفية والنحوية (الشربيني 1997)، كما راجت دعوات في بعض البلدان العربية مثل الجزائر لاستخدام بديل للغة العربية في مجالات الإعلام والإدارة والتعليم بحجّة أنّ اللغة العربية صعبة ومتأخّرة ولا تستطيع التعبير بدقة عن متطلبات العصر (بوخلخال 1997). ويرى العالِم (1997) أنّ اللغة العربية لم تفِ بالاحتياجات التنموية للمجتمع العربي ومقتضيات العصر، وعدّد سبع ضرورات كان من المفروض أن تلبّيها اللغة العربية، من بينها ترجمة التراث الإنساني في مختلف المجالات الأدبية والاجتماعية والعلمية إلى اللغة العربية، ليصبح الفكر الإنساني أيّاً كانت روافده متاحاً للقارئ العربي دون الحاجة لتعلم لغة أجنبية، وتحديد العلاقة بين الفصحى والعامية، كما يرى العالِم أنّ اللغة العربية تتعرّض لبعض المظاهر السلبية في مفرداتها وبنيتها وأنها تعاني من "تآكل وتهميش وتسطّح وافتقار ثقافي بل وابتذال، وزحف كلمات وصيغ أجنبية إلى ألسنتنا وكتاباتنا بما لا تمليه ضرورة ثقافية أو تعبيرية أو عملية".
- القسم الثاني: الازدواجية العربية والهوية القومية:
يتحدّث العرب بأسلوب يختلف كثيراً عن الأسلوب الذي يكتبون به، ولكل قطر عربي لهجته الخاصة التي يستعملها أفراده في التواصل اليومي بينهم، كما أنّ العربي يعرف بالسليقة أنّ لكل من هذين الأسلوبين وظائف محددة؛ فهو يستخدم العامية في حديثه اليومي مع أفراد أسرته ومع أي شخص في المواضيع العادية ولكن بمجرد أن يشرع في الكتابة أو الصلاة أو التحدّث من فوق منبر فإنّه لا شعورياً يستخدم الفصحى، وقد استرعت هذه الظاهرة انتباه عالم لغوي أميركي وسمّاها "الازدواجية" (فرجسون 1959)، وتناولها من بعده كثير من علماء اللغة الغربيين، واعتبروها مشكلة أو على الأقل مرحلة انتقالية – كما كان الوضع بالنسبة إلى اللغة اللاتينية التي كانت في وقت ما لغة العلم والدين في أوروبا ثمّ تطوّرت إلى لهجات مختلفة التي أصبحت بدورها لغات منفصلة – لابدّ أن تنتهي إما بسيادة العامية، وهذا هو الأرجح، من وجهة نظر الكثيرين منهم، أو بسيطرة الفصحى. تناول هذا الموضوع كثير من الباحثين في هذا الكتاب وتفاوتت نظرتهم بالنسبة إلى العلاقة بين الفصحى والعامية. (ولترز 1996).
ويصف حسن حنفي الموقف اللّغوي الراهن بقوله: "وبدأت ازدواجية اللغة بين الفصحى والعامية، وانشغلت المجامع بالدفاع عن الفصحى، وانبرى الزجّالون للدفاع عن العامية"، بينما ترى جيلدا منصور أن يكون هدفنا النهائي هو "الوصف الكامل للغة الحديثة العربية في أنحاء العالم العربي كافة مع التشديد على أساسها البنيوي المشترك". ويرى خليل كلفت أنّ العامية فصحى أيضاً لأن لها قواعدها ونظمها الصوتي والصرفي والنحوي، وهي سليمة بمعاييرها الخاصة. كما يرى أنّه لا توجد اختلافات كبيرة بين العاميات العربية وهي بالتالي لهجات متنوعة للغة عربية واحدة.
يتناول خليل كلفت (1997) في دراسته الممتعة المعنونة "ظاهرة الازدواج اللغوي في العالم العربي" قضية العلاقة بين اللغة العربية الفصحى واللهجات الإقليمية بإسهاب، فالفصحى واحدة في الدول العربي كافة، وهي بالتالي عنصر توحيدي مهم يساعد على مزج وتكوين الثقافة العربية من روافد مختلفة، أمّا اللهجات العامية فتختلف باختلاف الأقطار، وبالتالي ففي كل بلد عربي ازدواج ثقافي نتيجة للازدواج اللغوي، ويؤدي هذا الوضع إلى وجود أنصار للفصحى وأنصار للعامية، كما أنّ هناك من يرى أنّ لكل من الفصحى والعامية مجالها الطبيعي الخاص بها.
يعترض خليل كلفت على استخدام كلمة "الفصحى" للتعبير عن لغة الكتابة، ويقول إنّ الفصاحة هي شأن كل لغة، فالعامية فصيحة لأنّها تحكمها قوانين لغوية ولأنّها لغة حية ومفهومة وواضحة، ونسقها وقوانينها مفهومة عفوياً من قبل المتكلمين بها كافة، كما أنّ اللغة العربية "الفصحى" لا تستخدم في الاتصال اليومي العادي، بالرغم من كونها لغة الثقافة والفكر والتراث والمناسبات الرسمية، فهي تقتصر على مناسبات وظروف معيّنة.
ثمّ يتتبّع خليل كلفت إسقاط حركات الإعراب تاريخياً إلى عصر ما قبل الإسلام، حينما كان الشعراء يتبارون في الفصاحة واستخدام هذه الحركات في قصائدهم، بينما من المعروف أنّ القبائل العربية كانت تتكلّم في ذلك الوقت بلهجات مختلفة لم يستخدم بعضها حركات الإعراب، وقد تحدث ابن خلدون عن اللّهجات العربية التي كانت سائدة في عصره واختلفت عن الفصحى بإسقاط الإعراب هو أحد الفروق الأساسية بين اللغة العربية الفصحى والعاميات العربية، فالأولى مرنة بالنسبة إلى ترتيب عناصر الجملة كالفعل والفاعل والمفعول لاعتمادها على حركات الإعراب التي تميّز الفاعل من المفعول والمضاف من المضاف إليه.. وهكذا، بينما تعتمد العاميات على ترتيب هذه العناصر في الجملة ولهذا لا تحتاج إلى حركات الإعراب. ويشير خليل كلفت إلى أن اتّجاه إسقاط حركات الإعراب لا يقتصر على اللغة العربية بل هو اتجاه عام يحكم تطور اللغات، فمعظم اللغات تتطوّر من نسق الترتيب الحرّ لعناصر الجملة وبالتالي الاعتماد الأكبر على حركات الإعراب للتميّز بين الوظائف النحوية المختلفة، كالفاعل والمفعول، إلى نسق تقييد ترتيب عناصر الجملة والاستغناء عن حركات الإعراب. ويضيف خليل كلفت أن اشتراك اللهجات العربية كافة في إسقاط حركات الإعراب إنما يمثّل تطوراً طبيعياً في تاريخ اللغة العربية، وهذا التطور ليس وليد اليوم بل يرجع إلى القرون الوسطى، وهو يمثّل مسار التطوّر اللغوي الطبيعي الذي سلكته لغات أخرى عديدة من قبل. ولهذا يرى اعتبار أنّ اللغة العربية التي يتكلّمها العرب اليوم بلهجاتها المختلفة هم في مجملها اللغة العربية التي يجب وصفها، كما يرى أنّ الازدواج اللغوي القائم له عواقب وخيمة على الجماعة القومية لما يحدثه من ازدواج وانشطار وتشوّه. ويشير خليل كلفت إلى إدراك ابن جنّي مسار تطور اللغة العربية من الإعراب إلى إسقاطه، فقد أشار ابن جني إلى أنّ "كلام أهل الحضر مضاه لكلام، فصحاء العرب في حروفهم، وتأليفهم، إلا أنهم أخلّوا بأشياء من إعراب الكلام الفصيح، وهذا رأي أبو الحسن، وهو الصواب". وهكذا تعود ظاهرة الإخلال بالإعراب وإسقاطه إلى القرن الثاني الهجري.
ويطرح خليل كلفت سؤالاً مهماً وهو: هل يرجع إسقاط الإعراب إلى تأثير اللّغات الأخرى على العربية أم يرجع إلى عوامل التطور الخاصة باللغة العربية شأنها في ذلك شأن باقي اللغات؟ ويرى أن إسقاط الإعراب إنما يمثّل مساراً طويلاً من التطور الداخلي للغة العربية.
وعندما أشار علماء اللغة الأوائل مثل ابن جنّي وغيره إلى اللحن في العربية، فربما كانوا يقصدون اللهجات التي اختلفت عن الفصحى، وكل اختلاف لديهم أسموه اللحن، مما يؤكّد أنّ الازدواجية بين الفصحى والعامية كانت موجودة منذ مئات السنين، ولم تمنع الازدواجية العرب من التقدّم والازدهار، ولم تسيطر العامية على الفصحى. وفي الحقيقة إذا نظرنا إلى الازدواجية كظاهرة في تطوّرها، وتتبعنا تاريخها لوجدنا أننا نعيش كما قال فتحي أمبابي (1997) "لم تشهد اللغة العربية عصراً مزدهراً، كما هي عليه هي الآن" للأسباب التالية:
1- سيطرت اللغة التركية على العالم العربي خلال فترة الهيمنة العثمانية السياسية والعسكرية، وفي هذه الفترة تقهقر وضع اللغة العربية لدرجة أن بعض حكّام الأقاليم العربية (أمثال محمد علي وغيره) لم يجدوا داعياً لتعلّم العربية لتصريف شؤون الحكم والاتصال اليومي بمحكوميهم العرب. يدل هذا على أن هؤلاء المحكومين هم الذين تعلّموا التركية لكي يتواصلوا مع أولي الأمر. والآن اختلف الوضع تماماً فصارت العربية – بأشكالها المختلفة – هي السائدة في الأقطار العربية كافة، من المحيط إلى الخليج.
2- فلننظر إلى المواطن العربي الأمّي – أي رجل الشارع – في القرن السابع عشر أو الثامن عشر، ماذا كانت فرصته لسماع اللغة العربية الفصحى. والإجابة ربما في خطبة الجمعة وتلاوة القرآن الكريم فقط. فلنقارن هذا بالمواطن العربي الأمّي اليوم؟ هو يسمع الفصحى في المناسبات الدينية، وفي نشرات الأخبار، وفي أحاديث وخطب المسؤولين... إلخ.
3- في القرن الماضية: كم كانت نسبة المتعلّمين العرب الذين تعلّموا القراءة والكتابة وقواعد اللغة؟ وكم هي نسبتهم الآن؟ الإجابة طبعاً أن نسبة المتعلمين الآن أكبر بكثير من نسبتهم في الماضي. ألا يعني هذا أنّ اللغة الفصحى تزداد رسخاً مع الأيام. وتقول لنا مديحة دوس إن عبدالله النديم لم يرَ بدّا من أن يكتب بالفصحى لمخاطبة المتعلمين ثمّ إعادة ما كتبه بالعامية المصرية لكي يصل بفكره إلى عامة الناس في مصر. ويعني ذلك أن عامة الناس في ذلك الوقت لم يكونوا قادرين على فهم الفصحى عند سماعها، ولا شك في أنّ هذا الوضع مختلف تماماً الآن، فالأمّيون في هذا العصر لا يجدون صعوبة كبرى في فهم نشرات الأخبار والأحاديث باللغة الفصحى.
4- إذا ألقينا نظرة مستقبلية على العالم العربي، ألن نجد محو الأمية هدفاً ممكن التحقيق متى توافرت الإرادة الجادّة؟ وإذا نجحنا في تحقيق هذا الهدف ألا يعني هذا أن يصبح لكل عربي دراية وإلمام – إن لم نقل إجادة – للغة الفصحى. ألن ينعكس ذلك على العاميّات، وتضيق الفجوة بين العاميات والفصحى لصالح الفصحى.
5- تركز الأبحاث اللسانية الغربية على الفروق بين الفصحى والعامية، بينما وجدت أنّ الفصحى والعاميات تتشابهان في كثير جدّاً من الخصائص اللغوية، نورد التالي على سبيل المثال لا الحصر:
أ- خاصية الاشتقاق من الجذر موجودة في العاميات العربية كافة.
ب- وجود الأصوات المفخّمة ونظائرها غير المفخّمة مثل الدال والضاد، والسين والصاد، واستخدام هذا التمايز الصوتي في التفرقة بين معاني الكلمات.
ج- الاعتماد الأكبر على الصوامت للتعبير الدلالي، فمثلاً يقول المصريون "هِنا"، واللبنانيون "هون" والكويتيون "هني" والفصحى "هنا". وهذه الكلمات تشترك في الصوامت وتختلف في الحركات فقط.
ح- تشترك الفصحى والعاميات العربية في إمكانية حذف ضمير الفاعل فيمكن أن نقول إحنا رحنا الجنينة، أو رحنا الجنينة، كما أن نقول ذهبنا نحن إلى الحديقة أو ذهبنا إلى الحديقة (فرغلي 1982).
د- جميع اللّهجات تستخدم الإضافة شأنها شأن الفصحى.
ك- الضمائر وحروف الجر واحدة في كل من الفصحى ومعظم العاميات.
ل- اشتراك الفصحى والعاميّات في كثير من الجذور والكلمات.
و- تشترك الفصحى والعاميّات في صيغة اسم الفاعل واسم المفعول، ففي الفصحى نقول نائم، والعامية "نايم"، على وزن فاعل، وتقول مكسور على وزن مفعول.
ي- تشترك الفصحى ومعظم العاميات في استخدام الضمير العائد في الجمل الموصولة وعند تقديم المركبات الاسمية.
وفي دراستين رائدتين منفصلتين توصّل كل من القحطاني (1997) في بحث أجراه على اتجاهات 40 عربياً يدرسون في جامعات الولايات المتحدة الأميركية وينتمون إلى 14 دولة عربية عمّا إذا كانوا يجدون مشكلة في ازدواجية اللغة العربية يتطلب معالجتها توحيد الاستخدام اللغوي في العالم العربي إما بتبنّي لهجة عربية واحدة أو بالاقتصار على استخدام اللغة العربية الفصحى، جاءت نتائج الاستبيان بأنّهم لا يجدون أي مشكلة في استخدام الفصحى والعامية معاً، وأنّهم يستخدمون كلاً منهما بشكل تلقائي في المناسبات الخاصة بكل منهم، كما توصل دويك (1997) في بحث أجراه على 25 طالباً عربياً في جامعة نيويورك حول اتجاهات المثقفين العرب بالنسبة إلى كلّ من الفصحى والعامية، توصل فيه إلى أنّ المشاركين في البحث لا يفضلون استعمال نوع على آخر بل يحبّون أن يستعملوا كلتيهما.
وإذا نظرنا إلى اللّغة العربية في تطوّرها لوجدنا أننا نسير إلى الأمام، ولا يعني هذا أنّه لا توجد أوجه قصور، فلا شكّ أن عبده الراجحي على حقّ في انتقاده أساليب تعليم العربية، كما أنّ اقتراح أحمد درويش بالبدء بما هو مشترك بين العامية والفصحى سيجعل استيعاب الطفل للفصحى أسرع وأسهل.
يخشى البعض تطور اللّغة العربية لأنّه قد يؤدي إلى أن تختلف اللغة المعاصرة عن لغة التراث، وعندئذ يصبح التراث غير مفهوم للأجيال الحديثة، ممّا يقطع صلة الإنسان العربي بماضيه وتراثه وربّما بدينه. والحل هو تجميد اللغة العربية حتى يصبح التراث مقبولاً ومفهوماً ومستساغاً بدون صعوبة للأجيال الصاعدة، ويتمثّل الحرص على تجميد اللغة العربية في رفض أي تطوير للنحو العربي، فيقتصر دور الباحثين في اللسانيات العربية التقليدية على تحقيق أعمال النحاة السابقين، والتحقيق يعني الدراسة والفهم والاستيعاب ثمّ العرض والشرح، ولكنه لا يشمل النقد والشجب وتقديم التحليل البديل الأفضل أو الأشمال باعتبار أنّ النحاة الأولين قد أبدعوا ولم يعد هناك مجال للإضافة أو التجديد، وفي مواجهة هذا كانت هناك محاولات رائعة وأعمال جادّة لتطوير وتجديد النحو العربي والاستفادة من علم اللسانيات الحديثة في فهم وتطوير نحو اللغة العربية، وننوّه هنا بأعمال شوقي ضيف، ومختار عمر وعبدالرحمن أيوب وفاسي فهري وسالم الغزالي وغيرهم.
وهناك فرق جوهري بين اللغة والنحو، فاللّغة ظاهرة طبيعية لها وظيفتها وتحكمها قوانينها الخاصة، بينما يمثّل نحو النحاة تصوّرهم الخاص للقوانين التي تحكم اللغة. نحو النحاة إذاً ليس ظاهرة طبيعية بل هو تصوّر قد يخطىء وقد يصيب لظاهرة اللغة الإنسانية.
والمألوف أنّ الطفل يكتسب لغة قومه بشكل طبيعي، وبدون مجهود واعٍ وبدون تعلم النحو، وهذا بالفعل ما يحدث عندما يكتسب الطفل العربي لغته العامية. أمّا بالنسبة للفصحى، فإنّ الطفل يتعلّمها في المدرسة بشكل واعٍ، ويتعلم قواعد النحو لكي يستخدم الفصحى استخداماً صحيحاً، سواء في الكتابة أو القراءة، ولكن الفصحى ليست اللغة الأُم للإنسان العربي، ولهذا يعتبرها البعض لغة غير طبيعية بمعنى أنّ اكتسابها لا يتمّ بشكل طبيعي، ولهذا يستبعدونها من مجال البحث في اللّسانيات التوليدية (الجبالي 1996). ونظراً لأن اكتساب الفصحى يتمّ بشكل واعٍ عن طريق تعلم المفردات والنحو، يظنّ البعض أنّه يمكن التحكّم في تطوّر اللغة عن طريق تجميد قواعد النحو، فإذا لم نغير منه أو نضيف إليه ظلت اللغة العربية الفصحى كما هي دون تغيير. ولكن الحقيقة أكثر تعقيداً من ذلك؛ فبالرغم من أنّ الطفل العربي لا يكتسب الفصحى بالطريقة نفسها التي يكتسب بها لهجته العامية إلا أنّه يمارس الفصحى في سنوات طفولته الأولى عن طريق الاستماع وترديد الآيات القرآنية ونشرات الأخبار وأحاديث الكبار أحياناً كما أن هناك بنية مشتركة بين الفصحى والعامية كما أشرنا سابقاً. وفي تعامله مع الفصحى يستخدم الطفل العربي معرفته بالعامية في فهم الفصحى. وبالتالي فإنّ الطفل يتعرّض بشكل طبيعي للّغة العربية المعاصرة، ويكوِّن بالضرورة تصوراً ونحواً للفصحى قد يختلف مع النحو الذي يدرسه بشكل واعٍ في المدرسة. وهنا يصبح من المهم أن تكون قواعد النحو التي يدرسها الطالب العربي في المدرسة واضحة وافية متماشية مع اللغة التي يسمعها الطالب في حياته العامة. ولا شك في أن نحو اللغة العربية الذي كتب منذ أكثر من ألف عام يتطلّب نظرة جديدة مستفيدة من التقدم المذهل الذي حققته اللّسانيات الحديثة. ويتّفق عدد من الباحثين في هذا الكتاب حول ضرورة تطوير النحو العربي. فلم يتحدث النحاة الأولون عن لماذا لا يعود الضمير في الفعل الثاني في (1) إلا على "كوم من الزبالة" بينما في (2) لا يمكن أن يعود إلا على "أحمد".
1- وجد أحمد [كوماً من الزبالة] فنقله إلى مكان آخر.
2- وجد [أحمد] كوماً من الزبالة فنقله المدير إلى وظيفة أخرى.
3- علي اعتقد أنّه نجح.
4- علي اعتقد نجح.
لم يفسر لنا النحاة لماذا يمكن أن يعود الضمير في (3) على "علي" أو أي شخص آخر بينما لا يمكن أن يعود على "علي" في (4).
كما لم يفسّر لنا النحاة الأولون لماذا يكون المضاف دائماً نكرة بينما يجوز أن يكون المضاف إليه نكرة أو معرفة، وهم أيضاً لم يفسّروا سبب حتمية أن تبدأ الجملة بعد "أنَّ" باسم. وهذه القضايا كلها لها تفسير في اللّسانيات الحديثة، وبالتالي يجب على النحاة العرب أن لا يغلقوا الباب على الإبداع في النحو، فكما أبدع أسلافنا، علينا أن نستوعب وننقد ونضيف ونبدع.
هل هناك هوية عربية؟ أم أنّ هناك هويات مختلفة كالهوية المصرية والهوية المغربية والهوية الكويتية؟ وربما تواجدت الهويات الإقليمية والهوية العربية العامة أيضاً. أعتقد أنّه من المهم البحث في الهوية العربية بشكل علمي موضوعي. ومن المهم أيضاً أن ندرك أننا في ظل العولمة الحالية يمكن أن نؤثّر ونتأثّر، والواقع أنّنا حتى الآن نتأثّر أكثر مما نؤثّر لأنّ الغرب لديه مشروع حضاري تكنولوجي متقدّم، ونحن مضطرون لاستخدامه، فنحن نستورد الحاسوب والتلفزيون والهاتف المحمول... إلخ. فماذا نقدم نحن؟ إذا أردنا أن نؤثر في العالم اليوم لابدّ أن يكون لنا مشروع حضاري يحتاج إليه العالم. إنّ المهمة الملحّة على مثقفي هذه الأُمّة هي بلورة هذا المشروع الحضاري الذي يحتاج إليه العالم بشدة والذي ينبع من تاريخنا وديننا وعاداتنا وتقاليدنا ويؤكّد هويتنا العربية الخاصة.
- المشروع الحضاري العربي للقرن الواحد والعشرين:
أوّلاً، يجب أن نحدّد هدف المشروع الحضاري العربي. فليس الهدف هو مجرّد اللّحاق بالغرب المتقدم، وليس تضييق الفجوة بيننا وبينه، وإنما هو دخول عصر المعلومات والعولمة كأصحاب حضارة وثقافة متميزة تتمتذع باستيعاب واستخدام أفضل للمنجزات العلمية والتكنولوجية للإنسان، وقيم إنسانية رفيعة تحقق للإنسان صفاء نفسياً وعلاقات إنسانية صحيحة بين الأفراد والأمم. تنبع هذه القيم من طبيعة الإنسان الشرقي وحضاراته وتراثه والشرائع السماوية. وتعالج هذه القيم الخواء السائد بين مواطني الأُمم المتقدمة المتمتعين برخاء اقتصادي كبير وتقدّم تكنولوجي عظيم وقدر أعظم من التعاسة نتيجة لأسلوب الحياة الفردية التي يفرضها النظام الرأسمالي المتقدّم، ولانعدام المعايير الأخلاقية في معالجة المسائل الدولية والمحلية.
وتحقيق هذا المشروع ليس سهلاً؛ فإذا أردنا مثلاً أن نحقّق الهدف الخاص باستيعاب المنجزات العلمية والتكنولوجية، فإنّ ذلك يتطلّب تغيير نظام التعليم الحالي في البلاد العربية كافة ووضع ما لا يقل عن 10% من ميزانيات الدول العربية للبحث العلمي. ويذكرنا الغرب دائماً أنّ البحث العلمي ترف لا نقدر عليه، وأن توفير الغذاء للمواطن أهم بكثير من الإنفاق على البحث العلمي. وهذا هراء. فلن نتمكّن من التقدّم إلا إذا حافظنا على أثمن ثروة لدينا وهي عقول علمائنا.. هذه الثروة التي تسعى أكثر بلاد العالم تقدّماً لحيازتها وجذبها والتي تمتلىء معاملها ومراكز أبحاثها بهذه العقول الواردة من بلاد العالم كافة مع تقديم الإغراءات والتيسيرات لها. وكلّنا نذكر حرب أكتوبر 1973 التي نجحنا فيها باستخدام عقول علمائنا في التعامل مع خط بارليف الشهير. إنّ العقول قادرة على تقديم حلول تعالج مشاكل التخلف العربي، وفي عهد محمد علي في مصر تمكّنت العقول المصرية التي تسلّحت بالتعليم الحيث أن تنقل الدولة المصرية الضعيفة إلى دولة قوية كادت أن تلتهم الباب العالي لولا جيوش التدخل الأوروبي. لدى الأُمّة العربية اليوم الإمكانيات المادية، ولديها العقول فلم لا نصبو بالأمّة العربية إلى الاستيعاب الكامل للعلوم والتكنولوجيا والمساهمة الإيجابية في الفكر والتقدّم الإنساني؟
ويلاحظ الكثيرون أنّ المجتمع الأميركي مريض بالرغم من التقدم الاقتصادي والعلمي، وقد تفيد هنا بعض الأرقام: 90% من الوفاة نتيجة حوادث السيارات هي بسبب الخمر، 60% من الطالبات في المدارس الثانوية يمارسن الجنس قبل سن السادسة عشرة، ويحمل منهنّ الكثير مما يدمر حياتهنّ تدميراً كاملاً، 50% من الزيجات التي تتمّ كل عام تنتهي بطلاق في السنة الأولى من الزواج. السؤال: ماذا يحتاج مثل هذا المجتمع؟ إنّه يحتاج إلى قيم الأسرة، إلى قيمة التضحية في سبيل الزوج أو الزوجة أو الأبناء، يحتاج إلى الشعور بأهمية التكافل، التراحم، الإخاء، المساواة، يحتاج الإنسان فيه إلى الشعور بالأمان، ليس عجيباً إذاً أن يزداد عدد من يعتنق الإسلام. إنّ الإسلام يمنح الإنسان الطمأنينة ويحض على كل ما يحتاجه المجتمع بشدة. إذن صياغة عصرية للفكر الإسلامي، وهو دين لكل العصور، هو أهم ما يحتاجه الإنسان في القرن الواحد والعشرين. إنّ لنا دوراً وعلينا رسالة في هذا كي نحقق المعادلة بين التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل والرقي الإنساني الرفيع.
المراجع:
1- العالم، محمود أمين: محرر، لغتناالعربية في معركة الحضارة. سلسلة قضايا فكرية للنشر والتوزيع، القاهرة، 1997.
2- الجبالي، علاء: محرر Understanding Arabic. الجامعة الأميركية بالقاهرة، 1996.
3- الشربيني، ليليز: "اللغة العربية وأدوات العصر" في لغتنا العربية في معركة الحضارة، تحرير محمود أمين العالم، سلسلة قضايا فكرية للنشر والتوزيع، القاهرة، 1997.
4- القحطاني، عبدالله: The Problem of Diglossia in the Arab World. في العربية، المجلد 30، صفحة 1-30، 1997.
5- امبابي، فتحي: "تحرير اللغة: تحرير للعقل وإعادة منهجيته" في لغتنا في معركة الحضارة، تحرير محمود أمين العالم، سلسلة قضايا فكرية للنشر والتوزيع، القاهرة، 1997، ص 139-144.
6- بوخلخال، عبدالله: "وضع اللّغة العربية في الجزائر" في لغتنا العربية في معركة الحضارة، تحرير محمود أمين العالم، سلسلة قضايا فكرية للنشر والتوزيع، القاهرة، 1997.
7- جيتس، بيلز: طريق المعلومات السريع، ترجمة عبدالسلام رضوان، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1995.
8- حافظ، سعد: "الحول اللغوي: تأمّلات في ظاهرة انحراف وانحطاط اللغة" في لغتنا العربية في معركة الحضارة، تحرير محمود أمين العالم، سلسلة قضايا فكرية للنشر والتوزيع، القاهرة، 1997، ص 131-134.
9- حنفي، حسن: "من اللغة إلى الفكر" في لغتنا العربية في معركة الحضارة، سلسلة قضايا فكرية للنشر والتوزيع، القاهرة، 1997، ص 15-20.
10- دركر، بيتر: From capitalism to Knowledge Society، في اقتصاديات المعرفة، تحرير ديل نيف، بتر وورث، بوسطن، 1998.
11- دوس، مديحة: "العامية المصرية عند عبدالله النديم" في لغتنا العربية في معركة الحضارة، سلسلة قضايا فكرية للنشر والتوزيع، القاهرة، 1997، ص 145-150.
12- دويك، بدرز: "آراء واتجاهات حول الفصحى والعامية" في العربية، المجلد الثلاثون، 1997، ص 31-48.
13- علي، نبيل: العرب وعصر المعلومات، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1994.
14- فرغلي، علي: "قاعدة حذف ضمير الفاعل"، في وثائق الندوة القومية الثانية لتدريس اللغة الإنكليزية في مصر، القاهرة، 1982.
15- فرغلي، علي: "الحاسب الآلي والعلوم الإنسانية" في مناهج البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية، تحرير جابر عصفور، مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع، الكويت، 1988، ص 101-133.
16- فرجسون، تشارلز، الازدواجية، World، 1959، ص 325-340.
17- كلفت، خليل: "ظاهرة الازدواج اللّغوي في العالم العربي" في لغتنا العربية في معركة الحضارة، سلسلة قضايا فكرية للنشر والتوزيع، القاهرة، 1997، ص 113-130.
18- ولتز، كيث: "Diglossia Linguistic variation and language change". في Perspectives on Arabic Linguistics III تحرير مشيرة عيد، بنجامين، 1996، ص 157-200.
كلمة أسرة البلاغ: ونحن الآن نعيش في عصر المعلومات اللامحدود في القرن الواحد والعشرين الذي يُوجب التوخي والحذر ومن الله التوفيق
المصدر: مجلة الفكر العربي/ العدد 96 لسنة 1999م
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق