• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تباين الفكر.. نشاط عقلي خلّاق

د. هاني عبدالرحمن مكروم

تباين الفكر.. نشاط عقلي خلّاق

◄التفكير:

التفكير هو نشاط عقلي بحت يقصد به تشغيل أو استثمار المعلومات بالعقل؛ للحصول على فوائد معنوية مطلوبة لذاتها؛ لأنها تنير العقل وتُمتع صاحبه، ويمكن أن تترجم إلى فوائد مادية تريح الجسد والنفس وتساعد في حسن عمارة الأرض. وكلاالنوعين – من الفوائد – يتصل بحياة الإنسان إيجاباً وسلباً؛ نظراً لوجود تفكير طيب وتفكير خبيث ومخاليط بين هذا وذاك. وتشغيل المعلومات يتضمن التقليب والفرز والتنقية والترتيب والتنظيم والتزاوج والتوليد (الاستنتاج) وإعادة التدوير... إلخ، وناتج هذا التفكير نسميه فكراً وهو مادة عقلية في جميع الأحوال.

التفكير نشاط عقلي خلّاق للفكر والمعاني. وتشغيل المعلومات – كعملية استثمارية هادفة – تحتاج لتخطيط وتنظيم وجهد يبذل ومراقبة وتقويم ومراجعة، أملاً في النجاح، وكلّ هذه الأنشطة ذات طبيعة عقلية معنوية. فوراء أي نهضة يجد المدقق نشاطاً عقلياً مكثفاً ومتطوراً يبتكر ثمّ يوجه الطاقات ويحث العضلات والجوارح لتعمل. والنشاط العقلي ككثير من الأنشطة البدنية يلزمه تحفيز واستثمارة، وهو لدى الغالبية يحتاج لتحديات ومحركات كي ينشط، وتلك مسؤولية الرواد، أن يوقظوا عقول الجماهير لتحفيزها. وفي المقابل يوجد قلة من العقول ذات الطبيعة النشطة التي تأخذ زمام المبادرة الفكرية في معظم الأحوال.

والمشاريع الاستثمارية عموماً لها اقتصاديات حجم، فكلما توفرت المعلومات – التي هي رأس مال ولوازم الإنتاج الفكري – الجيدة للعقل السليم كلما تهيأت فرص النجاح. وهنا تبدو أهمية المعلومات كيفاً ثمّ كماً.

ويلاحظ أنّ التفكير – كنشاط عقلي – يقف وراء كلّ العلوم البشرية، ويجب على الإنسان توظيف هذا النشاط لتحقيق أقصى درجات الفائدة؛ فالإنسان في حياته القصيرة لا يجوز أن يضيّع وقته في الترف والتكاسل ولذة التثاقل وفضول الأقوال والأفعال وعيشة "السبهللة". والتفكير ميسر للإنسان طول فترات اليقظة، فالحواس تلتقط والعقل جاهز للتفكير – بفضل الله. وإذا لم يتم بذل الجهد الذهني لاختيار موضوعات جادة وجيدة للتفكير فسوف يقوم إبليس بطرح العديد من موضوعات الفساد، ويستدرج العقل حتى يغرقه في الضلال، وعلى اللبيب أن يتأمل ويتعظ، فما أكثر الأمثلة.

وما أكثر القضايا المادية التي تشغل الناس ولا تتيح لهم فرصة أن يتأملوا التوجهات والأهداف التي يتحركون نحوها، أو يراجعوا ما يعتنقون من أفكار ومعتقدات وتقاليد وصلت لعقولهم بالاستطراق أو الارتشاح! وأكثر الناس يتشككون في النصح ولا يثقون في الجديد – خصوصاً كبار السن – ويفضلون الاستسلام والركون لما ألفوه ووجدوا آباءهم ومجتمعهم عليه. فكيف ننبه العقل؟

 

الفكر:

لا حضارة بدون معرفة، ولا معرفة بدون فكر؛ فالفكر هو سبيل المعرفة، ورسالة الفكر هي فهم الواقع؛ بغرض المساهمة في تعديله بالفكر الأفضل. ولكلِّ حضارة نوع من الفكر يناسبها. صحيح أنّه يمكن حشد القوى وتجييش الجيوش لأهداف مادية لكن لا تلبث أن تتفرق وتذوب دون أن يكون لها دولة أو حضارة، ومن أمثلة ذلك التتار والمغول. فبناء الدول والحضارات يلزمه فكر يجمع نسبة (حد أدنى) من القوم. والفكر لا يشترى ولا يباع وقد فشلت محاولات تصديره واستيراده بحالته، إذ لا مفر من أقلمته ليناسب العقول. وأنسب الفكر هو ما ينبع من البيئة والواقع. ولأنّ الفكر ليس ضرورياً لاحتياجات الجسد المباشرة والعاجلة، فنادراً ما يشعر العامة بأهميته، إلا أنّه حينما يفرض على بعضهم نتيجة نوع من المعاناة، حين يتعرض الإنسان لأزمة معنوية أو إعاقة حركية أو عجز بدني عندئذ يتنبه ذلك الإنسان، فيفتش فيما بقي له من إمكانات فيجد العقل. وأذكر ما قاله أحد المعارف، بعد أن تعرض لحادث سيارة أقعده في الفراش لمدة عامين: "لقد تعلمت من هذا الظرف ما لم أتعلمه طوال حياتي، لا في المدرسة ولا في الجامعة، ولا يوجد في الكتب، إنني أصبحت شخصاً آخر، بعد أن اكتشفت عقلي".

وفي المقابل يوجد قلة من البشر خلقهم الله مرهفي الحس فيشعرون دوماً بأهمية توظيف العقل، وأي وظيفة للعقل تكون أنسب من التفكر وتقويم الفكر؟! وإنتاج الفكر يحتاج إلى صبر؛ لأنّ نتائج الفكر ليست عاجلة وليست مربحة مادياً إلا عند المستغلين، وهذا الصنف غالباً ما يتعجل الماديات قبل الفكر، فلا يقبل على هذا النشاط إلا القليل من الناس.

مما سبق يتبين أنّ الفكر هو نتاج العقل النشط، فضلاً عما يُوحى به من قِبَل العليم الخبير وأهل الإصلاح، أو من قِبَل الأبالسة. وهذا الفكر يمكن أن تُلقن نسبة من العقول متواضعة النشاط لتوجيهها جهة معينة يقصدها واضع الفكر أو رائده. ومن نافلة القول، نذكر أنّ نوعية الخامات ولوازم الإنتاج تؤثر بشدة في نوعية المنتج، وهذا المعنى وارد في مجال الفكر أيضاً. فترى الفكر الكوني والفكر الدُوني وما بينهما. فعلى سبيل المثال، تجد الفكر الكوني يقول: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة/ 164). أما الفكر الدوني فيصرخ ويلطُم يقول: "ستضيق الأرض بأهلها، ومن أين سنطعم الأفواه التي ستولد في المستقبل"! هذا لأنّ صاحب هذا الفكر الدُوني يجهل أنّه جاء لهذه الدنيا دون أن يُخطِط لمجيئه هو ولا أجداده، ولسوف يغادرها – بعد طول عمر – دون أن يستهلك من مكونات الأرض ذرة واحدة، كما يجهل أنّ مكونات جسمه سبق أن دارت (بِقَدر) في ملايين الأحياء قبله دون أن تنقص شيئاً.

هذا الدوني البائس الذي يجهل مقدار ما يحتويه جوفه من ... و...، يحسب أنّ هذا الخلق المُعجز يحدث عبثاً كنتيجة عشوائية للاتصال الجنسي، وأنّ خالق هذه الأنفس قد نسى أن يخلق لها أقواتها – أستغفر الله العظيم. وهذا المسكين يجهل أنّ العلم أوسع كثيراً من المادة، وأنّ العلم يمكن أن يضاعف إنتاج المدخلات المحدودة إلى ما شاء الله لها أن تتضاعف.

والفكر السائد أياً كان نوعه هو الذي يقود حركة المجتمع في اتجاهه، وحينما يموج المجتمع بالعديد من الأفكار المتعارضة يكون المجتمع هو الضحية؛ فالتخبط والصراعات تستنفذ طاقة المجتمع وتشل حركته، ويفشل المجتمع في تحقيق أي تقدم أو بناء حضارة، بل يتساقط في تطور متتابع من سيء إلى أسوأ. والفكر المتفتح الجيد يوجه المجتمع للفلاح، بينما الفكر الفاسد يورد المجتمع موارد التهلكة.

في كل حضارة يمكن تمييز شق فكري وآخر علمي رغم التداخلات الوثيقة بينهما وتغذية كلّ منهما للآخر. ووراء كلّ حضارة تجد مفكراً أو مجموعة متكاملة من المفكرين المخلصين لقضية أو أكثر، وقد جرت العادة على تسميتهم "رواد النهضة". ولا يشترط أن تكون كلّ الحضارات نظيفة، ولا يشترط في روادها السمو ولا الطهارة، ولكن كلّ يقود على شاكلته. وللقارئ أن يتأمل بعض علامات الطهارة لدى بناة الحضارة المصرية القديمة، فكلّ رسوماتها وتماثيلها مستورة العورة رغم حرارة الجو المصري، مما يدل على روح الفكر الإيماني. أما إنتاج الفن الأوروبي – القديم والحديث – فقد تمرغ في الوقاحة حتى صار رمزاً وخادماً لها، رغم شدة برودة الجو هناك! ولمحة واحدة للتماثيل الإغريقية أو ما تبثه وسائل الإعلام الغربية كافية لإيذاء الحس الزكي!

ومفتاح النجاح أن يكون المفكر قادراً على عرض فكره بإقناع وسط مناخ يسمح بذلك. وكما تنشأ الحضارات على أيدي أصحاب الفكر، تذبل الحضارات على أيدي قصار النظر من أهل الطغيان، وهكذا ترحل الحضارة من موضع إلى آخر، فهي ليست حكراً على جنس ولا وطن، لكن هي لمن يستحقها. فالفكر يُوجِه ويضع أسساً، ويحدد نوعية وأخلاقيات التقدم الحضاري المنتظر.

فالحضارة نتاج تفاعل العقول النشطة – والمُنشطة – مع قضايا ومشاكل الحياة، ويتحقق النجاح بقدر ما يُبذل من جهود منظمة. واليقظة الفكرية تمهد وتحفز وتدفع الأنشطة العلمية والثقافية المتعاونة لتحقيق التقدم. فالتقدم العلمي لا يقوم على العقول العلمية المتميزة وحدها، بل يلزمه نظام فكري متكامل يهيء المناخ ويجمع العقول ويصهرها في بوتقة جماعية لتخليصها من أكبر قدر ممكن من شوائب الأنانية والتعصبات والصراعات البينية والنظرات الضيقة. الفكر يدعم العقول ويحافظ عليها من أجل بحث علمي يتعامل مع قضايا المجتمع والواقع، وذلك يحتاج لتنظيم يضع كلّ عقل في مكانه المناسب بحياد وتجرد.

وكثيراً ما نرى عقولاً متميزة تهجر وطنها – والمجتمع الذي نشأت فيه – بحثا عن مناخ أفضل للعطاء، أو طمعاً في فرص أشد إغراء لتحقيق نجاحات مادية، وفي كلتا الحالتين يكون العيب كلّ العيب في المناخ الفكري الذي نشأ فيه هذا العقل؛ فهو إما مناخ طارد وإما غير جاذب، وفي الغالب نرى أنّ معظم العقول المتميزة لا تستريح مع هذا الطرد أو ذاك الإهمال.

نحن فعلاً في عصر العلم، ويلزم له مجموعات – متوافقة فكرياً – تتخصص وتتكاتف وتوزع الأدوار وتتعمق، أما التشرذم فيفرض التسطح والجهل. التعمق العلمي يحقق المزيد من الفهم وإنارة العقل ويُسهل الإقناع ويحسم الكثير من المجادلات والخلافات؛ والجهل هو مرتع كلّ الخلافات، وفي مقدمتها الخلافات الفكرية.

إنّ الجهود الفردية لم تعد تستطيع تحقيق إنجاز يذكر في عصر التكتلات والأجهزة المنظمة، والإنجازات البارزة تأتي نتيجة جهود فرق وجماعات منظمة ومتعاونة. والفكر السامي يقول: إننا لا نقصد مزاحمة أحد؛ فتلك نظرة ضيقة، ولكن هدفنا هو السيطرة على أنفسنا وتقويمها وبذلك تستقيم أحوالنا ونصبح تلقائياً فوق أي منافسة.

 

تباين الفكر:

الفكر هو أساس الحضارة، فلا حضارة بدون فكر. فالفكر شق جوهري حاكم في الكيان البشري. وعلى حسب نوعية الفكر تكون نوعية الحضارة، فالفكر المادي تبنى عليه حضارة مادية، والفكر السامي تبنى عليه نهضة سامية، وهكذا نجد حين نتأمل الحضارات أو نصنفها. وبعد التسليم بأنّ الاختلاف سنة كونية قدرها (بحكمة) العليم الخبير – تبارك اسمه وجل شأنه – يستطيع المتأمل أن يدرك أنّه بدون التباين يتعذر تصور وجود حركة أو حياة أو أي نوع من النشاط. في مناخ الجهل يؤدي التباين إلى الصدام. لكن بحسن الفهم يمكن توظيف التبايين لتحقيق التناغم المتسق المتكامل.

ويمكن القول بأنّه لا يوجد في الكون شيئان متماثلان تماماً؛ لأنّ قدرة الخلّاق وعظمة صنعه أبدع وأوسع من أن تلجأ للتكرار الرتيب والصُنع النمطي، إنما يوجد تشابه ويتعذر على محدود القدرة أن يدرك الفروق الدقيقة بين المفردات التي تشترك نوعياً ونسبياً في بعض الأطوار والصفات والخصائص والمقادير الظاهرة. فبالرغم من محدودية عدد أعضاء وجه الإنسان – مثلاً – فلا نجد بين ملايين البشر وجهين متماثلين تماماً، وفي الوجه الواحد لا توجد عينان متماثلتان تماماً. وينطبق هذا الأمر على الأنامل والبصمات وحتى الخلية وما هو أدق منها. ولكن حين تعمى البصائر، ويتدنى الفكر في ظلمات العقول، تجد من لسان حاله يقول: (.. إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنا...) (البقرة/ 70). هذا في مجال المادة الواضح والجامد نسبيا!!

أما في مجال الفكر، فيجد اللبيب أنّ التباين بالغ الوضوح؛ نظراً للمرونة الفائقة للعقل البشري المتفتح، فلا نجد شخصين لهما نفس الفكر بالضبط حتى ولو كانا توأمين وتربيا في نفس البيئة والأسرة والبيت والمدرسة... إلخ، ولو اشتركا في بعض الأعضاء كما في حالة التوأمين الملتصقين المشتركين في معظم الأعضاء، كالنصف السفلى من الجسم وبعض الأجهزة الحيوية. وانطباق وجهتي نظر أمر مستحيل، لكن توجد مساحات اتفاق مرنة تزيد وتنقص، ممثلة بالمساحة البيضاء، وهذه المساحات "معلوماتية" نوعية رمزية وليست مطلقة. وحينما تزيد مساحة الاتفاق تزيد الألفة، وفي محيط الجهل عندما تزيد مساحة التباين تزيد الجفوة. فكل من الاتفاق والاختلاف حقيقة مرنة موجودة دوماً، وأيهما تطغى فهي التي تبرز على حساب الأخرى. ولدى العقلاء هذا التباين مفهوم وواضح ومطلوب بل ضروري – للثراء الفكري – ويمكن أن يوظف إيجابياً. لكن تبرز المشاكل حين تعجز العقول عن استيعاب ذلك. ويوجد كثير من العوامل التي تؤثر في مساحات الاتفاق والاختلاف، كالمصالح والأهداف والإقناع والفقه والأهواء والخلفيات والأخطار والشهوات... إلخ. ويمكن تغيير كلّ من مساحات الاتفاق والاختلاف بمخططات إقناع حسب الطلب، وما أكثر ذلك في التاريخ لمن يتدبر.

ومما يؤيد قابليتي الاتفاق والاختلاف – في النفس البشرية – أنّ الإنسان في لحظة الرضا النفسي يكون متفقاً مع نفسه بناءً على استقرار النوعية المعلوماتية حول الموضوع الحاضر في الذهن بغض النظر عن الاختلافات التي يمكن أن تثور حول موضوع آخر معلوماته كامنة في الذاكرة. وكثيراً ما يختلف الإنسان مع نفسه! ويتأكد ذلك حين يقول الإنسان لنفسه: "يا ليتني فعلت كذا ولم أفعل كذا". هذا اختلاف مع النفس هو اعتراف – غير مباشر – بقصور أو محدودية العلم البشري وتقلبه بين الأمس واليوم، بل بين لحظة وأخرى. وتعليل ذلك موضح في سياق الحديث عن العقل. وما دام الاختلاف مع النفس قائماً ومشهوداً فالاختلاف مع الآخر يجب أن يكون مفهوماً لأولي الألباب.

وللزوم التحليل – فقط – نقسم الفكر إلى نوعين: نوع يغلب عليه الطابع المادي المظلم، وآخر يتميز بالطابع المعنوي المنير. فالطابع المادي قريب من صفات العمى والصمم، أما الطابع المعنوي فيمكن أن يوصف بأنّ له سمعاً وبصراً. هذا ولا يوجد في الحياة فكر خالص المادية ولا فكر خالص المعنوية؛ لأنّ طبيعة الإنسان في هذه الدنيا مزدوجة، إنما يوجد فكر مزيج متنوع منهما، كطبيعة الحياة وطبيعة الإنسان.

 

المصدر: كتاب العقل تنظيمه وإدارته

ارسال التعليق

Top