• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حديث حول المرأة

محمد صالح الحسيني

حديث حول المرأة

 إن الدين الإسلامي لم يفضِّل الرجل على المرأة ولا المرأة على الرجل في تشريعاته المختلفة، سواء كان ذلك في مجال الحقوق أو مجال الواجبات.. بل أعطى كلاً منهما حقوقه الكاملة، وكلَّف كلاً منهما باداء واجباته حسب امكاناته وظروفه وطبيعته الخاصة.. وما التمييز الظاهري الذي نشاهده في اشكال التشريعات سواء كان في مجال الحقوق أو الواجبات سوى فهم المشرع الإسلامي لطبيعة دور كل منهما وإمكاناته الذاتية والاجتماعية.

ونتيجة جهل أعداء الدين الإسلامي لطبيعة ودور كل من الرجل والمرأة في الحياة، استغلوا هذا التمييز الظاهري في أشكال التشريعات ليقولوا: بأنَّ الدين الإسلامي ظلم المرأة وحرمها من حقوقها وحدّد مجالات نشاطاتها الحياتية.. إلى غير ذلك من أقوال زائفة وادعاءات باطلة. ونحاول هنا توضيح أسباب هذا التمييز الظاهري في اشكال التشريعات لدحض تقوّلات وادعاءات أعداء الدين الإسلامي واثبات عكس ذلك وهو حرص الدين على تحقيق منتهى العدالة الحقة وتحقيق أفضل وأسمى المجتمعات الإنسانية التي تسودها روح التعاون والتعاضد بين أفرادها ويخيّم عليها السلام الحق الدائم.   - أخذ العبرة من جز يئة الماء: جز يئة الماء، تتكون من اتحاد ذرتين من الهيدروجين وذرة واحدة من الاوكسجين، ولا يمكن أن تتكون جز يئة الماء إلاَّ بهذا الشكل: مقابل كل ذرة واحدة من الاوكسجين ذرتين من الهيدروجين... أيحق لنا أن نناديّ هنا بامساواة ونجعل كل ذرة من الهيدروجين تتحد مع ذرة من الاوكسجين؟ لو اتحدت ذرة واحدة من الهيدروجين مع ذرة واحدة من الاوكسجين لم يتكون ماء، بل يتكون كما يسمونه في الكيمياء "جذر قلق" أي أنه مركب غير طبيعي ولا مستقر... وسرعان ما يتحد هذا المركب مع أول ذرة من الهيدروجين تصادفه لكي يكون الماء... فمساواة الهيدروجين بالاوكسجين عند اتحادهما لا يكون سوى جذر قلق غير مستقر، بينما اتحاد ذرتين من الهيدروجين مع واحدة من الاكسجين يكوّن الماء الذي هو أساس كل شيء حي... بسم الله الرحمن الرحيم: (.. وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ...) (الأنبياء/ 30).(صدق الله العظيم). ما الذي يعنيه هذا المثال؟.. انه يعني ان الماء مركب مستقر قد تكوّن من مواد قد فازت بحالة الإستقرار... وبما ان طبيعة تركيب مادة الاوكسجين تجعله لا يستقر إلا بالحصول على الكترونين، وان الهيدروجين لا يملك في ذرته إلاَّ الكتروناً واحداً فقط. فلا بُدَّ اِذن أن تتحد ذرتان من مادة الهيدروجين مع ذرة واحدة من الاوكسجين ليفوز كل من الاثنين بحالة الاستقرار والثبات، وليتكون الماء، المركب المستقر. فقانون تركيب جز يئة الماء هذا لم يكن ظالماً ومجحفاً بحق الهيدروجين، ولا هو اعتباطي وعفوي، بل جاء مطابقاً تماماً لطبيعة تركيب كل من الهيدروجين والاوكسجين. من هذا المثل المبسَّط نستنتج بأن قوانين التركيب والاتحاد بين المواد المختلفة لا يمكن أًنْ تكون بعيدة عن معرفة طبيعة كل من المواد المتحدة، وكذلك القوانين التي تحكم التركيبات الاجتماعية يجب أن تراعي بدقة وموضوعية طبيعة كل من الأطراف الداخلة في التركيبة الاجتماعية، وإلاَّ فانّ المجتمعات ستكون مركبات شاذة وقلقة وغير طبيعية... والدين الإسلامي الحنيف كانت له هذه النظرة الموضوعية الفاحصة والعادلة حينما أراد تشريع قوانين تركيب الأسرة والمجتمع من الرجل والمرأة... والمشرّع لم يكن ذكراً ولا اُنثى حتى يحتمل تحيّزه إلى أحد الطرفين، بل هو خالق الاثنين وخالق كل شيء في سبيل الاثنين... المشرّع الإسلامي أراد أن يخلق من اتحاد المرأة بالرجل وعلاقاتهما معاً مجتمعاً سليماً ونامياً تسوده المحبة والمودة والتعاون الكلّي باخلاص وطيب خاطر... أراد أن يخلق مجتمعاً مستقراً مستنداً على العدل الكلي في اعطاء كل ذي حقٍ حقه... حسب امكانات وطبيعة كل فرد فيه.. إنَّ المشرّع لم يفضل جنساً على آخر بل اعتبر الجميع من نفس واحدة. قال الله في محكم كتابه: بسم الله الرحمن الرحيم: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم/ 21)... فنفس المرأة هي من نفس الرجل... فهي ليست غريبة عنه حتى يعاملها معاملة دنيا... المرأة مكمِّلة للرجل، حيث لا تكتمل الحياة بدون اتحادهما و تعاونهما معاً بمودة واخلاص... المرأة صنو الرجل في مجالات الحياة، تكافح وتجاهد وتعمل وتشاركه في جميع الميادين حسب امكاناتها وقدراتها الهائلة، ولعلّ دورها في كثير من المجالات أخطر وأدق وأهم من دور الرجل فيها، ولا يجوز اِذن التقليل من شأنها والاِستهانة بتأثيراتها الفعّالة بأي شكل من الأشكال... فلا يمكن أن تستمر الحياة بدون المرأة، كما أنها لا تستمر أيضاً بدون الرجل... فإذا كانت هذه هي نظرة الدين الإسلامي بالنسبة لعلاقات المرأة والرجل، فلماذا نرى الأعداء ينتقدون النظرية الإسلامية وتشريعاتها بخصوص نفس هذه العلاقات والنظرة؟ لماذا ينسبون إلى الدين عداوته للمرأة وظلمه لها واجحافه بحقها؟ ولأجل الإجابة على هذه التساؤلات لا بُدَّ من تقسيم الموضوع إلى بندين: أولاً- المفارقة الشديدة بين النظرية و الممارسة في المجتمع الإسلامي... هذه هي اُم المشاكل في مختلف الأزمات الفكرية في مجتمعنا الإسلامي... وهذه المشكلة تنقسم إلى قسمين: القسم الأول منها يتعلق بأفراد المجتمع المسلم، حيث ان هؤلاء الأفراد الذين سمّوا بالمسلمين وحسبوا من المنتسبين إلى الدين الإسلامي لا يطبقون نظرية الإسلام في واقعهم الحياتي بل ينحرفون عنه في معظم الحالات و يتأثرون في سلوكهم اليومي بمختلف العادات الاجتماعية والنزعات العشائرية الجاهلية والتيارات الاجنبية الغازية ومع ذلك يبقى مظهرهم السطحي الخارجي مظهراً مسلماً... لذلك فان الأخطاء وانحراف العادات والنزعات الجاهلية والتيارات الأجنبية تحسب على المجتمع المسلم ومن ثم على الدين الاسلامي الذي هو براء من كل هذه الأخطاء والانحرافات الشاذة عن تشريعاته العادلة. ففي المجتمع الإسلامي الشكلي ترى الكثير من الظلم والاجحاف بحق المرأة... فالمرأة فيه في كثير من الأحيان تعامل كشيء من الأشياء، تباع و تشترى ولا رأي لها في هذا البيع والشراء... والمرأة فيه في كثير من الأحيان تعزل عزلاً تاماً عن تأدية أي دور حياتي وليست هي فيه سوى امة مطيعة للرجل لا تملك الخيار في أي تصرف بل هي تدفع إليه من قبل الرجل المسيطر. ولكن هذه التصرفات الظالمة والمنحرفة في المجتمع الإسلامي الشكلي ليست من الدين الإسلامي بشيء، بل هي وليدة التأثرات الخارجية والغريبة، لذلك لا يمكن أن نحاسب على ضوئها ديننا الإسلامي الحنيف. هذا هو القسم الأول من المشكلة وهي حصول المفارقة الشديدة بين النظرية الإسلامية والممارسات العملية في مجتمعنا. واما القسم الثاني فهو عدم تمييز الناس بين النظرية الإسلامية وتشريعاتها الخالدة وبين سلوك المسلمين وتصرفاتهم المغايرة لهذه النظرية، بل اعتبروا "خطأً" الاثنين في منزلة واحدة، فكل أخطاء وانحرافات الأفراد المنتسبين إلى الدين الإسلامي حوسب بها ديننا الإسلامي. وعلى ضوء تلك الأخطاء والانحرافات حكم على الدين، فقالوا بأنّ الدين أجحف بحق المرأة لأن الفرد المنتسب شكلياً إلى الدين قد أجحف فعلاً بحق المرأة... وقالوا بأنّ الدين عزل المرأة عن ممارستها واجباتها وأخذ دورها الطبيعي في الحياة، لأنّ الفرد المنتسب شكلياً إلى الدين قد فعل ذلك مع المرأة... ولا شك بانّ هذا القياس باطل ومفضوح... وسببه عدم الأخذ بميزان الإمام علي (ع) الذي لا يخطىء أبداً، قال الإمام علي بن أبي طالب (ع): "لا يُعرف الحق بالرجال... ولكن أعرف الحق تعرف أهله..". فيجب أولاً دراسة الحق، دراسة الدين ومعرفته جيداً بعيداً عن منتسبيه ومعتنقيه، لكي يتسنى بعد ذلك معرفة المسلم الحقيقي، وهو الذي يطبق بإخلاص كل التشريعات الدينية. هذا هو السبب الأول الذي حدا بالبعض لأن يتهموا الدين خطأ باجحافه وظلمه للمرأة وإليكم السبب الثاني: ثانياً: جهل المعادين بقوانين الإسلام وتشريعاته.. وانّ هذا السبب له أثر كبير في توليد الخطأ الحاصل في القسم الثاني من السبب الأول، فإنّ المعادين لا يعرفون أي شيء عن الدين الإسلامي وتعاليمه ويرمون اتهاماتهم جزافاً من غير علم... وأسباب الجهل بالتعاليم الإسلامية معروفة فهي نتيجة جهود كبيرة بذلها الاستعمار العالمي والصهيونية الغادرة واتباعهما لطمس معالم الدين وإبعاد المسلمين عن جوهر تعاليمه القيمة... الاستعمار العالمي والصهيونية لعبا دوراً خطيراً وعلى مدى مراحل تاريخية من أجل تحقيق هذه النتيجة الضرورية بالنسبة لهما ولمصالحهما المختلفة في العالم... والناس – كما تعرفون – أعداء ما جهلوا... والعلاج الوحيد لهذه الناحية هو بث الوعي الإسلامي المركز بين صفوف جميع الناس وإظهار جوهر الدين على حقيقته الصافية وفضح أساليب ومؤامرات الاستعمار العالمي الغاشم والصهيونية الغادرة واطماعهما في عالمنا الإسلامي المهم.   - شبهات حول نظرة الإسلام للمرأة- في الارث: في كل المسائل التي وجه الأعداء فيها اتهاماتهم للدين الإسلامي، كان هناك قصورٌ وتقصيرٌ في فهمهم لحقيقة التشريع الفذّ، وعدم إلمامهم بجوانبه كافة... ومن جملة هذه المسائل مسألة الارث... فالشريعة الإسلامية اقرّت بأنه في الارث للذكر مثل حظ الانثيين، فثارت ثائرة الأعداء الجهلاء، وقالوا بأنّ في ذلك ظلماً وعسفاً صريحاً للمرأة، قالوا: لماذا يأخذ الرجل ضعف ما تأخذ المرأة؟... أليست المرأة إنسانة كاملة؟ ولماذا لا تُساوى مع الرجل؟ إلى آخر ذلك من مقولات باطلة وضيقة الأفق... ونحن نجيبهم على تساؤلاتهم واتهاماتهم... نقول لهم بانّ الشريعة الإسلامية في تشريعها هذا أعطت للمرأة أكثر مما أعطته للرجل... لا الرجل بإمكانه أن يعمل أكثر... لأنّ ظروفه الطبيعية الخاصة تساعده على ذلك ولأنّ الإسلام أراد ذلك للرجل، وأراد للمرأة أن تلتزم دورها الخاص الآخر الذي يناسب ويلائم طبيعتها... أعطى للمرأة أكثر مما أعطى للرجل لأنّ المرأة عند ما تأخذ حصتها في الارث فإنها تستخدم هذه الحصة لها وحدها ولزينتها ولأمورها الكمالية... لأنّ المرأة في الإسلام مكفولة العيش في جميع الأحوال... فإن كانت في بيت أبيها فالاب هو المسؤول عنها... وإن كانت متزوجة فالزوج هو المسؤول عنها، وإن لم تملك لا زوجاً ولا أباً فإنّ أخاها هو المسؤول عنها... وإن كانت لا تملك أخاً أيضاً فالإرث لها، ولا تحصل مسألة التفريق بين الرجل والمرأة حينئذ، بينما الرجل الذي يأخذ في الظاهر ضعف ما تأخذه المرأة لا يستفيد من حصته هذه وحده... فإن كانت أخته متزوجة فإنّه يصرف حصته على نفسه وعلى زوجته وأفراد عائلته... وإن كانت أخته غير متزوجة فإنّه يصرف حصته على أخته وعلى نفسه... فهي إذن تأخذ حصتها وتشارك الرجل في حصته... وبعملية بسيطة نرى بأنّ المرأة في حقيقة الموضوع تأخذ ضعف ما يأخذه الرجل، أي للاُنثى مثل حظ الذكرين... فالدين الإسلامي عند ما شرَّع قوانين الإرث كان يربط بينها وبين قوانينه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والاخلاقية، ولا يجوز أخذ أي قانون بمعزل عن بقية القوانين ومناقشته، فالإسلام نظام شامل مترابط الأجزاء ومتلاحم الأطراف... نظام خاص ومتميز كليّاً عن بقية الأنظمة الوضعية، ولا يجوز أيضاً أن نمزج قانوناً إسلامياً وسط قوانين وضعية، ثم تتم عملية النقد والمناقشة!! ومن هذه الزاوية المهمة وقع الأعداء بالاشتباه والخطأ حين اتهموا الإسلام وتشريعاته الارثية بانّه ظلم المرأة وأعطاها نصف ما أعطى للرجل... ومن زاوية التجزئ ثم النقد والمناقشة المبتورة وقع الأعداء في الإنحراف عن الحق والابتعاد عنه. فالإسلام لم يظلم المرأة إذن ولم ينقصها حقوقها في الارث ولم يعتبرها نصف إنسانة – أي نصف رجل – ولم يقلل من شأنها وكيانها الحياتي كما زعم أعداء الدين الإسلامي، بل على العكس كان ديننا الحنيف رمزاً للعدالة الحقة، عدالة السماء المطلقة، عدالة الله التي لم تتأثر بأي مؤثر مادي محدود، فالناس كلهم عيال الله وعباده... الناس كلهم، نساءً ورجالاً مخلوقات الله سبحانه وتعالى... فكيف يعقل أن يتحيّز الخالق لمخلوق على حساب آخر؟ والله قد تنزه عن الظلم والخطأ والتحيّز، وسبحان الله عما يصفون.   - في العمل الانتاجي: إنّ الدين الإسلامي فتح معظم مجالات العمل الانتاجي الاجتماعي لكل من الرجل والمرأة.. الدين الإسلامي لم يحرّم عمل المرأة في المجتمع اطلاقاً.. لم يمانع من أن تكون المرأة في قلب الانتاج بكافة صوره وأشكاله.. وانّ أعداء الدين يخطئون كثيراً حين يتهمون الدين بانّه حرّم على المرأة الخروج إلى المجتمع وممارسة النشاط الاجتماعي.. يخطئون كثيراً حين يقولون بأنّ المجتمع الإسلامي أعرج نتيجة شل المرأة عن الانتاج.. انّهم يتطلعون إلى ناحية واحدة من نواحي المجتمع ولا يرون ما في النواحي الأخرى.. إنّ الدين الإسلامي العظيم قسَّم المجتمع الى أسُر وعائلاتٍٍ، واعتبر الأُسرة وحدة اجتماعية متكاملة لها مسؤولية خاصة وإدارة مستقلة ودور خطير في الحياة الاجتماعية العامة.. وعلى هذا الأساس لا بُدَّ من تقسيم المسؤولية بين الرجل والمرأة.. فأما أن يلتزم الرجل مسؤولية البيت وإدارته، أو تلتزم المرأة بذلك. وانّ العمل خارج البيت وفي قلب المجتمع الواسع ليس أخطر وأهم من العمل داخل البيت.. بل انّ العمل داخل الأُسرة هو الأساس والرئيسي والعمل خارج الأسرة ما هو إلاّ تهيئة وتمهيد وتحضير.. فالذي يعمل في المجتمع فإنما يعمل من أجل إسعاد البيت وتهيئة المناخ المساعد لنجاح العمل داخل البيت والأُسرة.. الذي يعمل في المجتمع انما يعمل لجلب المال واللوازم الحياتية الضرورية ليستخدمها، والذي يعمل داخل الأسرة لبناء أفضل حياة واسماها.. لذلك كانت إدارة البيت والأسرة أساسية ورئيسية والعمل الخارجي عاملاً مساعداً ضرورياً. ونحن الآن أمام مسألة محدودة، فاما أن يلتزم الرجل داخل البيت مسؤولياته لتخرج المرأة تكافح وتجاهد في المجتمع، واما العكس.. واختيار أحدى الحالتين ليست شهوة ورغبة عمياء، بل لا بدّ من وضع الأمر في نصابه الصحيح.. لا بُدَّ من اختيار الموضوع الملائم والمنسجم مع الامكانات والقدرات الخاصة، لا بُدَّ من اختيار ما هو كثير النفع والانتاج وقليل الخسارة والضرر، مع العلم بأنّ إدارة البيت هي الأساس وانها تحتاج إلى عطف وحنان شديدين، تحتاج إلى لطف ومحبة وصبر وشدة احتمال، وانّ العمل خارج البيت عامل مساعد ومكمّل لإدارة البيت ويحتاج إلى مقدرة خشنة واختلاط واسع مع عدد كبير من الناس وتحمل ظروف العمل القاسية في كثير من الأحيان.. والذي ينظر بعينين فاحصتين إلى هذه المسألة، فلا بُدَّ أن يرى مارآه الدين الإسلامي، ويعطي إدارة البيت الأساسية إلى المرأة التي تحمل في طبيعتها التكوينية كل عوامل النجاح الملائمة والمنسجمة مع هذه الإدارة، ويعطي الرجل الدور المكمّل وهو العمل الخارجي القاسي والذي يلائم طبيعته وإمكاناته وقدراته الخاصة. فالرجل والمرأة يعملان بقوة متعاونين ومتعاضدين داخل المجتمع الإسلامي من أجل إدارة الأُسرة التي هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع.. فلا فضل للرجل على المرأة في عمله الخارجي ولا فضل للمرأة على الرجل في عملها الداخلي، وانّه لا مانع للرجل الذي ينهي واجباته الخاصة من مشاركة المرأة في أعمالها البيتية، ولا مانع للمرأة أيضاً التي تنهي واجباتها الخاصة من مشاركتها للرجل في أعماله الخارجية. فالمسألة ليست تفضيل أحد على آخر، بل خطة تعاونية مشتركة وتوزيع للمسوؤليات حسب الإمكانات الذاتية، ولا يجوز العمل خارج البيت وترك الأسرة بلا مسؤولية جديّة ومخلصة، وكذلك لا يجوز العمل داخل الأسرة وترك العمل الخارجي لأنه المموِّن والمورد الضروري لسعادة البيت.. فهل هذا عرج في المجتمع الإسلامي، أم هو عور في العدو؟.. انّ بعض الأسر يشتغل فيها الرجل والمرأة خارج الاسرة، ولكنهم يستخدمون آخرين، وأخريات داخل الأسرة. وهذا هو عين الاشتباه والخطأ، لأنّ مسؤولية البيت لا يتقن أداءها إلاّ أهلها.. هذا من جهة ومن الجهة الأخرى فاننا لم نزد انتاجية المجتمع لأنّ بعض اعضائه استخدموا أيضاً داخل البيت سواء كان ذلك من الرجال أو النساء.. وبعض المجتمعات رفضت تكوّن الأسر، وبذلك قضت على روعة الحياة وسعادتها وإنسانيتها وحوّلت الإنسان الى آلة منتجة فقط.. هذا هو باختصار الرد على الاتهام الثاني وتوضيح الشبهة فيه.   - في القضاء: في التشريع الإسلامي، وفي باب القضاء منه، هناك مسائل ولَّدت في ذهن البسطاء شبهات روّجها الاعداء وتحتاج إلى إيضاح، وسبّبت في توجيه بعض الاتهامات إلى التشريع، وتلك المسائل هي: عدم إمكان عمل المرأة كحاكم وقاضٍ، وانّ شهادتها تعتبر في المحاكم بمنزلة نصف شهادة الرجل.. وهنا يبرز التساؤل الكبير.. لماذا لم تكن منزلة المرأة كمنزلة الرجل في جميع المواضع؟ لماذا كانت شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، أليس ذلك تقليلاً من قيمة رأي المرأة، وبالتالي تقليلاً من شأنها الحياتي؟؟ ونفس السؤال يرد حول سبب عدم صلاحها لمنزلة الحاكم والقاضي!!.. وقبل الإجابة على هذه التساؤلات، لا بُدَّ من ذكر ملاحظة مهمة، وهي: انّ تشريع الأحكام والقوانين يأتي في النظر إلى المواضيع والمسائل بصورتها العامة ولا يحسب حساب الشواذ.. التشريع أو القانون يلائم ويناسب وينسجم مع القاعدة العامة عادة ولا يجوز أن يصدر التشريع أو القانون إستناداً إلى الشواذ في المواضيع.. بيّنّا قبل قليل صلاحية المرأة وقدرتها الكبيرة على إدارة شؤون العائلة في البيت أكثر من الرجل.. وكان ذلك نتيجة لوجود بعض الفروق الضرورية، المرأة تختلف عن الرجل بشدّة وقوة العاطفة لديها، وهذه الميزة هي التي فضّلتها على الرجل في إدارة البيت وتربية الطفل، وقوة العاطفة هي ذاتها التي فضّلت شهادة الرجل على شهادة المرأة في مجالس القضاء... ونحن عندما نقول بأنّ المرأة تحمل من العاطفة أكثر مما يحمل الرجل منها، فانما نقر حقيقة وواقعاً ولا نريد أن نقلل من شأن المرأة في الحياة.. وهل انّ ضعف العاطفة عند الرجل مكرمة؟ وهل انّ زيادة العاطفة والحنان عند المرأة نقص؟ انّ زيادة العاطفة عند المرأة لا تعني سوى صلاحها أكثر من الرجل في كل الأمور التي تحتاج إلى تلك العاطفة، ولذلك فانّ التشريع الإسلامي في مجالس قضائه يفضّل شهادة الرجل على شهادة المرأة ويعتبر شهادة المرأة بمنزلة نصف شهادة الرجل نتيجة لامتزاج شهادة المرأة بالعاطفة ورقتها والحنان والعطف.. وانّ القضاء أو الحكم لا يحتاج إلى العاطفة والحنان ورقتهما بقدر حاجته إلى الحزم والتصميم الحاسم.. وفي كثير من الأحيان فانّ القضاء من أجل أن يحقق العدل والحق يستعمل أقسى وأشد العقوبات، ولا تأخذه بالمحكوم عليه رأفة وعاطفة ورحمة.. لذلك كان الرجل أصلح من المرأة الشديدة العاطفة لهذه العملية.. إنّ مسألة المساواة تختلف في معظم الأحيان عن موضوع العدالة.. فالمساواة بين الرجل العامل والآخر الكسلان في الأجور منافٍ للعدالة.. والمساواة بين العالم والجاهل في المنزلة الاجتماعية مناف للعدالة، فليست كل مساواة تحقيقاً للعدالة. وانّ الذي ننشده في الحياة هو تحقيق العدالة بين الناس، أي إعطاء كل ذي حق حقه الكامل.. ومساواة المرأة بالرجل في القضاء منافٍ للعدالة وانّ ذلك لا يعني بأنّ الرجل مفضل على المرأة في كل مجالات الحياة بل يعني بأنّ شهادة الرجل أفضل من شهادة المرأة في مسائل القضاء فقط، وانّه يعني بأنّ الرجل هو الذي يصلح لأن يكون حاكماً وقاضياً، وانّ المرأة لا تصلح لمثل هذا المنصب، واما في بقية الأمور الحياتية فالرجل والمرأة متعاونان وهما يسيران جنباً إلى جنب لتحقيق أفضل وأسمى حياة اجتماعية.   المصدر: مجلة التوحيد/ العدد 6 لسنة 1404هـ

ارسال التعليق

Top