هذه شؤون خاصّة بالفتيات.. توافرنا على إلتقاطها من واقع حياتهنّ اليومية.. وهي شؤون تخصّ الصغيرات منهنّ، اللواتي هنّ في مطلع شبابهنّ.. كما تهمّ الشابات الأكبر سنّاً. ومن خلال الموضوع نحاول أن نقدِّم تصوّراً عملياً للرؤية الإسلامية لبعض هذه الشؤون والشجون، عسى أن تجد فتياتنا بعض ما يبتغينَ من مناقشة موضوعية للمسائل ذات الإهتمام المشترك بينهنّ. - الأُنثى كالذّكر: أنتِ أختُ أخيك.. لا فضل له عليك ولا فضل لكِ عليه.. بل الفضل فيما يحمله كلّ منكما من علم وعمل وأخلاق والتزام ديني. فالله الذي خلق الإنسان من ذكر ومن أنثى قد ساوى بينهما في المسـؤولية وإن فرّق بينهما في طبيعة الخـلق، حيث جعل كلّ جنس ميسّراً لما خلق به، وبالتالي فـ «قيمةُ كلّ إمرئ ما يُحسنه». وأمّا قوله تعالى: (وليسَ الذَّكرُ كالأُنثى)(آل عمران/ 36)، فليس تمييزاً جنسياً أو تفضيلاً خلقياً لأحد الجنسين على الآخر، بل وارد في خصوصية الخدمة في بيت المقدّس التي كانت للذكور دون الأناث. وأمّا قوله تعالى: (الرِّجال قوّامون على النِّساء بما فضّل اللهُ بَعضهم على بعض) (النساء/ 34)، فالقوامة هي مسؤولية الحماية والرعاية، وليست السيادة والتفوّق والهيمنة. أي أنّ الله سبحانه وتعالى حمّل كلّ جنس ما يحتمله من تكاليف ومهام بحسب القدرات التي منحه إيّاها. فالقوامة أيضاً ليست تفضيلاً، وإنّما هي وضع كلّ جنس في الموقع المناسب. وليس من الصحيح إجراء مقارنة بين الرجال والنساء في اللياقة البدنية والقوّة العضلية أو القيام بالأشغال الشاقّة، وإنّما تصحّ المقارنة في ذلك بين رجل ورجل وبين إمرأة وإمرأة، فالفعل (فضّل) يعني بما وهب كلاً منهما من امتيازات أو مواصفات تتناسب وطبيعة جنسه. وكذلك قوله عزّ وجلّ: (وللرِّجال عليهنَّ دَرجة) (البقرة/ 228)، فهو وارد في مجال الإنفاق والطلاق. وهي درجة محدودة من أجل النظام الأسري، وليس فرصة للتعالي والتطاول والتفاضل، وإلاّ فمعيار المفاضلة هو (التقوى): (إنّ أكرمَكُم عِندَ الله أتقاكُم)(الحجرات/ 13). وما عدا ذلك.. فأنتِ كفتاة مسؤولة كما أنّ أخاك الشاب مسؤول.. والعبادات مفروضة عليكِ كما هي مفروضة عليه.. والعقوبات على المخالفات الشرعية تقع عليه كما تقع عليك. وإذا كان الجهاد ـ أي القتال في ساحات الحرب ـ قد سقط عنكِ وتحمّله أخوك الشـاب، فإنّ لك ساحتك التي تجاهدين عليها، وهي رعاية شـؤون الأسرة زوجةً وأولاداً «جهادُ المرأة حسنُ التبـعّل» وهي ساحة جهاد أكبر وأطول. وفوق هذا وذاك، فالجنّـة للنساء وللرجال معاً.. والنار للرجال وللنساء معاً. فلا تصدّقي مَن يقول إنّك أقلّ من أخيك أو أصغر شأناً منه. أنت كما هو.. بل كم من الفتيات من يفقن أقرانهنّ من الشبان في وعي وفي خُلق وعمل وذكاء وإبداع وحسن تدبير. الذكورة ليست ميزة أو فضيلة حتى تتمنين لو كنتِ ذكراً. والأنوثة ليست مثلبة أو انتقاصاً حتى تتمنين لو لم تكوني أنثى. والله لا يحاسبنا يوم الحساب على الجنس، وإنّما بما كلّف كلاًّ منّا، وبما أحسن كلٌّ منّا (ليبلوكم أيّكم أحسنُ عَملا)(هود/ 7). وهذا هو تأريخ المرأة قبل الإسلام وبعده نقّلي بصرك فيه وسترين كيف أنّه يثبت أنّك أخت الرجل وقرينته وقد فُقتهِ في بعض المجالات. فعقلكِ مثلُ عقله.. وإرادتك مثل إرادته.. ووعيك مثل وعيه، وإنّما هي الظروف المحيطة قد ترفع هذا وتضع تلك. وأيّ صورة مغايرة لهذه الصورة هي إمّا ليست إسلامية، أو عدوانية متجنّية.. أو مفروضة تفرزها طبيعة الواقع الذكوري. ومن المشهود به، أنّ المرأة ومن خلال كفاحها الطويل، بدّدت النظرة السلبية عنها في العديد من الإبداعات والإنجازات التي تُذكر فتُشكر. - نظرات خاطئة: تقرأين في الحِكَم والأمثال والأقوال الكثير من التصوّرات الخاطئة عن المرأة، والتي جاء بعضها كنتيجة طبيعية للتعامل السلبي الطويل مع المرأة. وقد تركت هذه التصورات آثارها النفسية والاجتماعية السيِّئة على الكثير من الفتيات والنِّساء، وقد جرى التعامل معها ـ من قبلهنّ ـ على أساس أنّها أقوال مقدّسة لا تقبل النقض أو التأويل. والغريـب في الأمر، أنّ المرأة هي حلم الرجل وأنسه ومودّته ورحمته التي رحمه الله بها، وقد يصل الأمر به إلى أن يقتل نفسه أو يقتل غيره إن لم يفز بالمرأة التي يحبّ. فمن أين جاء هذا التناقض بين (حبّ) الرجل للمرأة وبين (عداوته) لها؟ إنّ للتربية الأسرية والخلفية الثقافية، والجوّ الاجتماعي ـ أعرافاً وتقاليد ـ والأفكار التي ينشأ عليها الفتى أو الشاب منذ طفولته هي التي تشترك في تكوين نظرته عن الجنس الآخر. ومن تلك النظرات، قولهم «النساء حبائل الشيطان» و «المرأة باب الجحيم». وهو تبرير ذكوري لحالة الإسترسال مع الشهوات وضعف الإرادة، وتعليق لكلّ حالة انحراف يقوم بها الشاب أو الرجل على شماعة النساء. وإلاّ فالرجال أيضاً حبائل الشيطان بما يفعلون من ألوان الإغواء والإغراء والإستدراج لإيقاع الفتيات والنساء في شباكهم، ذلك أنّ دور الرجل ليس دور المتلقّي السلبي حتى يلقي تبعة انحرافاته على كاهل المرأة، بل هو مشارك فاعل، بل ودافع لها أحياناً على الإنحراف. إنّ الله زين حبّ الشهوات من النساء، وقد أحلّ للشبان والرجال اتباع غرائزهم بالحلال عن طريق الزواج. وإذا ما تزوّج المرء فقد أحرز نصف دينه ـ حسب الحديث المروي ـ وهذا يعني أنّ المرأة عاصمة للرجل وواقية له من الانحراف ومن تسويلات الشيطان في الفحشاء والمنكر. وكما ابتلى الله الرجال والنساء معاً بالامتناع عن الخمر ولحم الخنزير والميتة والقمار، فمن شرب الخمر وأكل لحم الخنزير فقد وقع في حبائل الشيطان، لأنّه عطّل إرادته وتقواه، فكذلك الزنا.. حتى ليمكن القول إنّ حبائل الشيطان هي من صناعة المرأة والرجل معاً، فلم تتحمّل المرأة فقط مسؤولية نسج خيوط هذه الشبكة ويعفى منها الرجل؟! ومن ذلك قولهم: «مَن كانت له إمرأة كان له عدوّ» كما كانت امرأة نوح عدوّة لزوجها. ولكن في الرجال أيضاً مَن هم أعداء لأزواجهم، ألم يكن فرعون عدوّاً لزوجته المؤمنة آسية بنت مزاحم؟ وإذا كانت الأحاديث الشريفة تتحدّث عن أنّ المرأة الصالحة درع حصينة من النار، فإنّها الصديق الصدوق والمخلص الوفي إن هي حظيت بثقة الرجل وتقديره وإحترامه، وإذا كان الخالق سبحانه وتعالى قد أودع في المرأة والرجل المودّة والرّحمة (ومِن آياتهِ أن خلقَ لكُم مِن أنفُسكم أزواجاً لِتَسكنوا إليها وجَعلَ بَينكُم مودّة ورَحمة )(الروم/ 21)، فمن أين جاءت العداوة والله هو الذي جعل العلاقة بين الزوجين تقوم على ركائز الكبيرة (السكن) و(المودّة) و(الرّحمة)؟ ما ذاك إلاّ نتاج التربية السيِّئة والمحيط الفاسد، والأعراف العقيمة، فإذا كانت بعض النِّساء عدوّات لأزواجهنّ فليس معنى ذلك أنّ كلّ امرأة هي عـدوّ لزوجها وإلاّ لما استقامت الحياة الزوجية، ولما عمّر بعضها عمراً طويلاً! ومن ذلك قولهم: «مَن يثق بالنساء يكتب على الثلج». وهذا دليل آخر على بعض التجارب الفاشلة مع المرأة، والتي للمرأة تجارب مثلها مع الرجال، حتى قيل إنّ التي تثق برجل تكون كمن يضع الماء في الغربال. فالثقة ـ أيّة ثقة ـ لا تبنى إلاّ على طرفين، فحتى أثق بكِ لابدّ أن تثقي بي، وإذا وثق كلٌّ منّا بالآخر توطّدت العلاقة المبنية على الثقة وتعذّر تقوّضها. ومن هذا القول نشمّ رائحة تخوين المرأة على الدوام، وأ نّها ليست أهلاً للأمانة والثقة، والحال أنّ الكثير من النساء العفيفات الشريفات المؤمنات كنّ على مستوى من الثقة ما لا تقاس به ثقة بعض الرجال. فالثقة، وغيرها من الأخلاق والصفات، لا جنسيّة لها، أي أنّها ليست حكراً على الشاب دون الفتاة أو الرجل دون المرأة. ومن ذلك قولهم: «ذلّ قوم أسندوا أمرهم إلى إمرأة» وهذا يتناقض تناقضاً صريحاً مع ما جاء في القرآن الكريم من تقييم صورة (بلقيس) ملكة سبأ على أنّها المرأة القائدة القديرة والواعية البصيرة التي تحكم برجاحة عقل حتى أنّ الرجال الذين استشارتهم أوكلوا الأمر إليها في البت في الموضوع الذي استشارتهم فيه، وقد عزّوا بموقفها ولم يذلّوا. وكم نلاحظ اليـوم في مخـتلف مواقع وحقول العمـل من النساء المديرات القديرات والقائدات الزعيمات ذوات الحنكة في تسيير أمور العمل وشؤون السلطة وتولِّي المناصب الحسّاسة، فـ (بلقيس) ليست مثالاً نادراً أو أوحداً، لكنّها المثال الذي يدحض ما يذهب إليه بعض الرجال. ومن ذلك قولهم: «للنساء فساتين طويلة وأفكار قصيرة»، أو «المرأة شعرها طويل وفكرها قصير». فهؤلاء يتحدّثون عن نقصان في عقل المرأة، وذلك في عملية تمييز جنسي مقيتة بين عقل ذكوري راجح وعقل أنثوي قاصر. وقد أثبت العلم أنّ عقل المرأة لا يختلف عن عقل الرجل في شيء، كما أثبتت التجارب أنّ عقول بعض النساء أرجح من عقول بعض الرجال، عندما تمنح للفتيات أو النساء الفرص المتكافئة في التعليم والتربية والعمل. فالمرأة التي تعيش في أجواء الإهمال والتهميش والانتقاص والكبت والحرمان والشعور بالدونيّة، كما هو الرجل الذي يعيش في هذه الأجواء المثبطة، لا يكونان إلاّ عنصرين خاملين سلبيين لا يأتي منهما أيّ خير.. والعكس صحيح. إنّ هذه الأقوال، وغيرها في ثقافتنا الشعبية الكثير، تشكّل ثقافة مريضة، ولا يصحّ إطلاقاً أن نعمِّم التجارب الفاشلة لتصبح هي القاعدة التي نقيس بها وعليها كلّ إمرأة. إنّ من مسؤولية كلّ فتاة واعية ومثقفة أن تكافح هذه النظرات السلبية على المستويين النظري والعملي، وأن تربِّي بناتها في المستقبل على الإحساس بكرامتهنّ ورفضهنّ لكلّ ما يسيء إلى هذه الكرامة أو ينتقص منها. غير أنّ الفتاة لا تعدم في قبال هذه النظرات الجائرة، نظرات إنسانية منصفة، لابدّ لها أن تتربّى عليها، وأن تربِّي بناتها عليها أيضاً. فمن ذلك قولهم: «النساء شقائق الرجال». ومن ذلك قولهم: «إنّ وراء كلّ عظيم إمرأة». ومن ذلك قولهم: «إنّ المرأة الفاضلة التي تهزّ المهد بيد وتهزّ العالم باليد الأخرى». ومن ذلك قولهم: «كنوز العالم بأسرها لا توازي المرأة الفاضلة». ومن ذلك قولهم: «المهر الحقيقي هو في الفتاة نفسها». ومن ذلك قولهم: «المرأة الشريفة والجميلة، هي شريفة مرّتين». ومن ذلك قولهم: «مَن كانت له إمراة صالحة رزق خير الدنيا والآخرة». ومنه: «ما أكرم المرأة إلاّ كريم وما أهانها إلاّ لئيم». ومنه: «المرأة الصالحة درع حصينة من النار». ومنه: «البنات حسنات». وغيره كثير. - الحياء والخجل: حباكِ اللهُ حليةً لا أحلى ولا أجمل.. تلك هي (الحياء). فمهما كنتِ تمتلكين من صفات الجمال فإنّ ما يزين هذا الجمال ويزيد في تألّقه هو هذا الحياء الذي يرفع من شأنك بين قريناتكِ من الفتيات، وبين الشبّان الذين يقدّرون قيمة الحياء. فـ «الحياء من الإيمان» لأنّه يميِّز بين الفتاة الملتزمة بدينها، وتلك التي لا تكترث للقيم الدينية والفضائل الخلقية. وإذا ما سقط برقع الحياء أو تمزّق أو ضعف، تحولت الفتاة من إنسانة محترمة إلى (دمية) وعرضة لتلاعب المتلاعبين وغرضاً لسهام الطامعين. إنّ الحياء أجمل الزينة.. وهو جلباب لا يبلى.. وحسنٌ لا يتغيّر.. «ومَن كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه». وهو الذي يغذِّي نبتة العفاف في نفس الفتاة لتؤتي أكلها كلّ حين. والحياء ـ على عكس الخجل ـ لايناقض الحزم والإرادة، فهو قوّة أخلاقية لها هيبتها، وجاذبية لا تعرف قدرها المتبرّجات. غير إنّك لابدّ أن تميِّزي بين ما هو (حياء) وما هو (خجل). كوني حيّية.. ولكن لا تكوني خجولة . إنّ الكثير من الفتيات يخلطن بين الأمرين.. وقد يعتبرن الحياء مذموماً، أو عقدة تثير الشعور بالنقص، وهنّ في حقيقة الأمر يعانين من وطأة الشعور بالخجل، الذي هو شعور يدفع إلى التواري والإنعزال والإنطوائية، بل ويعتبر في مجال الصحّة النفسية مرضاً يعاني منه حتى بعض الشبّان، ولكنّ انتشاره بين الفتيات أكثر، لا سيما اللواتي نشأن تنشئة صارمة. فالخجل راجع في العديد من حالاته إلى التربية الأولى للفتاة، ولكنّ التخلّص منه ممكن إذا قاومته الفتاة بمزيد من طلب العلم والعمل وزرع الثقة بالنفس من خلال نقاط القوّة التي تمتلكها أيّة فتاة. أدرسي أسباب خجلك لتعالجيه من خلالها، فعلماء النفس يقولون إنّ النحول والهزال الزائد ينزعان بصاحبهما إلى نوع من الخجل، والحسّاسية الزائدة وسرعة الإنفعال والهروب من النقد، وعدم القدرة على مواجهة الواقـع، بل حتى المراهقة نفسها تعدّ أسـباباً للتردّد والجمود والخجل، وكلّها أسباب قابلة للعلاج. تذكّري أنّ عزيمتك تقوى مع الأيام، وحاولي أن تتجاوزي بسرعة حالات الإرتباك والإحراج.. كوني على سجيّتك.. إعتبري الخطأ أو الإشتباه أمراً طبيعياً فصدوره محتمل حتى من أقوى الشخصيات.. واطرحي رأيك حتى ولو كان ضعيفاً أو غير مقبول وقولي: هذا هو رأيي.. أو لكلّ شخص رأيه.. أشكركم على ملاحظاتكم.. وعدي بأن تتحسّني.. اختاري من الكلمات أبسطها وأوضحها.. شاركي في الدعابات.. كوني مستمعة جيِّدة.. ومبادرة جيِّدة، ومشاركة في الأعمال الإجتماعية بلا تردد واطرحي رداء الخجل.. وإذا هبتِ أمراً فقعي فيه فإنّ شدّة توقّيه أعظم مما تخافين منه. - العاطفة رأسمال حقيقي: تمتازين بعاطفة جيّاشة.. وهذه هبة من الله لكلّ فتاة منذ طفولتها، ففي قلبك دفء مكنون.. يحتاجه أمّك وأبوك لتضفي على حياتهما أنساً مشعّاً معطّراً، ويحتاجه إخوانك في تعاملك الرفيق والرقيق معهم.. ويحتاجه زوجك في المستقبل لتسبغي جوّاً من الحبّ والسعادة على حياتكما المشتركة.. ويحتاجه أولادك في حنان فيّاض يفيئون إليه كلّما أصابهم مكروه أو وقعوا في مأزق أو مشكلة أو فشل. العاطفة عندكِ إذاً نعمة، وليست عيباً فـ «مَن لان عوده كثفت أغصانه». قد يقولون عنكِ إنّك فتاة عاطفية.. لا بأس . إنّ العاطفة لطف وخير وبركة. وإنّ جفافها بما يظهر من قسوة وجفاء وتكبّر وتعال وظلم.. بؤسٌ وشقاء. إنّك بما تحملين من رهافة الوجدان ورقّة المشاعر ومرونة التعامل وحرارة العاطفة تحيلين الحياة من حولك إلى جنّة وارفة الظلال. وللعاطفة بعد ذلك مجالات استثمار أخرى، منها: - إنّ العاطفة تنفعك في بناء شخصيتك الإيمانية، فللعاطفة تأثير كبير في الجانب الروحي لدى الإنسان، وكلّما رقّت المشاعر ورهفت الأحاسيس وصفا الوجدان نبتت أشجار الإيمان وتكاثفت أغصانها وأوراقها. - وهي كذلك تفيد في الحبّ الذي تغمرين به بيت الزوجية. - وفي التأثير التربوي على أولادك وبناتك في مستقبل الأيام حيث يجدون فيك ما يمتصّ أحزانهم، والصدر الذي يحنو عليهم، والحاجة الدائمة إلى دعائك لهم بالتوفيق والنجاح. - وفي ممارسة أعمال البرّ والخير والإحسان والشعور بمشاعر الآخرين والمشاركة الوجدانية. - بل وفي توظيف ما تتمتعين به من خيال خصب وعاطفة رقيقة دافئة في مجال الإبداع الأدبي والفني شعراً ونثراً ورسماً وفنوناً جميلة أخرى. فالكتابة علاوة على أنّها تعبير عن الإبداع، تجنّب الذات حالات التسمّم والإختناق والتشنّج مما يعتريها من حزن أو كآبة أو تأزّم أو إضطراب، فيأتي سكب الخواطر والذكريات والقصص والإنطباعات على الورق بمثابة المهدِّئ والمنفِّس عن ذلك كلّه. تقول إحدى الفتيات عن دفتر مذكراتها: "إنّني ألجا إلى الأوتوجراف لأبوح عمّا أفكِّر فيه وأتمنّاه.. لأجد ذاتي.. فأنا لا أستطيع الإنفتاح مع أهلي أو البوح لهم بأحلامي وأمانيّ.. والبديل أوتوجرافي وكلمات صديقاتي"! ومع أنّنا لا نريد لدفتر الذكريات أن يكون بديلاً عن الإنفتاح على الأهل لأنّهم أقرب الناس إلينا.. يفرحهم ما يفرحنا.. ويحزنهم ما يحزننا، لكنّ هذه الكلمات تعبِّر عن أنّ دفتر المذكرات وأمثاله من دفاتر الأشعار والخواطر والوصف والمقالات يمثِّل بعض عالم الفتيات الخاص، وهو بالتأكيد أفضل من أن تدفن الفتاة رأسها في رمال الكآبة، والإستغراق في الخيالات المريضة والتي تصل أحياناً إلى درجة الرغبة في التخلّص من الحياة. إنّ الجمع بين الرهافة والنعومة وقوّة الإرادة ممكن، فليس إعتبارك من الجنس اللطيف أو الناعم يتعارض أو يتنافس مع إمتلاكك للإرادة الصلبة، بل هو مطلوب في الكثير من مواقف حياتك الحاضرة والمستقبلة، فكم من أمّ مدّت إبنها أو إبنتها – وهما في حالة إنهيار – بالثبات والتماسك، ولم لم تكن ذات إرادة قويّة لما تمكنت من ذلك، فـ "فاقد الشيء لا يعطيه". - تجربةُ أُمّي: لا شكّ أنّ تأثّر الفتاة بأمّها كبير لدرجة أن تصبح بعض الفتيات نسخة طبق الأصل من أمّهاتهنّ. إنّ تأثّرك بأمّك له جانبان: إيجابي، فأنتِ تعيشين معها تجربة حيّة يومية في كيفية إدارة المنزل وإسعاد الزوج وتربية الأولاد، ومواجهة متطلبات ومشاكل الحياة. وإذا كنتِ تحظين بأمّ مؤمنة صالحة ومثقّفة رشيدة وصاحبة تجربة غنيّة في الحياة، فذلك مما سيدرّ عليك ربحاً كثيراً في إغناء شخصيتك، مما يجعلها نموذجك الذي تحتذين به، ويبقى عليك تطويره وتفادي نقاط ضعفه وثغراته. فالعلاقة التي تربط الفتاة بأمّها متينة جدّاً، وهي في الغالب حافظة أسرارها، وهذه العلاقة مرشحة إلى النموّ باستمرار خاصّة إذا نشأت الثقة بينك وبين أمّك في أجواء التفاهم والحوار، فلا تكتمين عنها ما يعترض حياتك من مواقف صعبة، أو مشكلات نفسية وإجتماعية وعائلية وعاطفية، وتقبّلي بصدر رحب ما تقدِّم لك من نصائح ومواعظ، فليس هناك في صديقاتك مَن هي أحرص من أمّك عليك، وليس فيهنّ مَن هي أوفى وأخلص لك منها. وإذا كانت أمّك لم تتلقّ تربية وتعليماً كافيين، فلربّما كانت لديها تجربتها الحياتية الغنيّة التي يمكن أن تستفيدي منها، فكم من النساء القليلات الثقافة قد أوتين حسّاً اجتماعياً مرهفاً بحيث تتمكّن من إعداد جيل من البنين والبنات فاقوا في مجال الدراسة والعمل أقرانهم. وأمّا الجانب السلبي، فأن تكوني ضعيفة الشخصية متّكلة على أمّك في كلّ شيء حتى في مسائلك الشخصية الصغيرة، فإذا أردت كيّ الملابس فهي التي تفعل لكِ ذلك، وإذا أردت تنظيف غرفتك وترتيبها فهي التي تقوم ذلك بالنيابة عنك.. وإذا أردتِ إصلاح فستان أو جورب فهي التي تتولّ ذلك.. وما إلى ذلك هناك من شؤون يمكن أن تقومي بها بنفسك، فتثري تجربتك، باعتبار أنّك ستكونين مثلها مسؤولة عن بيت وزوج وأولاد، فما أجدرك أن تكوني رفيقتها ومعاونتها في الشؤون المنزلية منذ الآن. لا تفرحي بكونك فتاة مدلّلة.. فالدلال مفسد في كثير من حالاته.. وقد ترى الأم الحكيمة التي تنظر بعيداً أن توزِّع أعمال البيت بينها وبين إبنتها أو بناتها لإدخالهنّ في دورة تدريبية مجانية. وحتى لو لم تفعل أمّك ذلك أطلبي أنتِ منها ذلك.. شاركيها في أعمال البيت وخدماته بل حتى في معالجة مشاكله.. كوني علامة الوصل التي تربط بينها وبين أبيك إذا اختلفا.. خفِّفي عنها بعض أثقالها في تربية وتعليم ورعاية إخوانك وأخواتك الصغار، ذلك أنّ عاطفة الأمومة لا تنمو غريزياً فقط بل تكتسب إكتساباً أيضاً، فحسب إحدى الإحصائيات أنّ (30) ألف طفل تقتلهم أمّهاتهم في أميركا سنوياً، وثبت أنّ السيِّدات اللواتي يرتكبن مثل هذه الجرائم لم ينلن القسط الوافي من التربية على أيدي أمّهاتهنّ. تعلّمي من الآن فنّ إدارة الحياة الأسرية من خير معلّمة.. وهي أمّك.. والحياة الزوجية من أوفى زوجة.. وهي أمّك.. والحياة التربوية من أفضل مربية.. وهي أمّك.. واضيفي عليه ما تقدِّمه لك الحياة العصرية من تعليم وثقافة وتجربة. ـ وفي التأثير التربوي على أولادك وبناتك في مستقبل الأيام حيث يجدون فيك ما يمتصّ أحزانه، والصدر الذي يحنو عليهم، والحاجة الدائمة إلى دعائك لهم بالتوفيق والنجاح. ـ وفي ممارسة أعمال البرّ والخير والإحسان التي تحتاج فيما تحتاج إليه العطف والشفقة والشعور بمشاعر الآخرين والمشاركة الوجدانية. ـ بل وفي توظيف ما تتمتعين به من خيال خصب وعاطفة رقيقة دافئة في مجال الإبداع الأدبي والفني شعراً ونثراً ورسماً وفنوناً جميلة أخرى. فالكتابة علاوة على أنّها تعبير عن الإبداع، تجنّب الذات حالات التسمّم والإختناق والتشنّج مما يعتريها من حزن أو كآبة أو تأزّم أو اضطراب، فيأتي سكب الخواطر والذكريات والقصص والانطباعات على الورق بمثابة المهدِّئ والمنفِّس عن ذلك كلّه. تقول إحدى الفتـيات عن دفتر مذكراتها: «إنّني ألجـأ إلى الأوتوجراف لأبوح عمّا أفكِّر فيه وأتمنّاه.. لأجد ذاتي.. فأنا لا أستطيع الإنفتاح مع أهلي أو البوح لهم بأحلامي وأمانيّ.. والبديل أوتوجرافي وكلمات صديقاتي»! ومع أنّنا لا نريد لدفتر الذكريات أن يكون بديلاً عن الانفتاح على الأهل لأ نّهم أقرب الناس إليـنا.. يفرحهم ما يفرحـنا.. ويحزنهم ما يحزننا، لكنّ هذه الكلمات تعبِّر عن أنّ دفتر المذكرات وأمثاله من دفاتر الأشعار والخواطر والوصف والمقالات يمثِّل بعض عالم الفتيات الخاص، وهو بالتأكيد أفضل من أن تدفن الفتاة رأسها في رمال الكآبة، والإستغراق في الخيالات المريضة والتي تصل أحياناً إلى درجة الرغبة في التخلّص من الحياة. إنّ الجمع بين الرهافة والنعومة وقوّة الإرادة ممكن، فليس اعتبارك من الجنس اللطيف أو الناعم يتعارض أو يتنافس مع امتلاكك للإرادة الصلبة، بل هو مطلوب في الكثير من مواقف حياتك الحاضرة والمستقبلة، فكم من أمّ مدّت إبنها أو بنتها ـ وهما في حالة إنهيار ـ بالثبات والتماسك، ولو لم تكن ذات إرادة قويّة لما تمكنت من ذلك، فـ «فاقد الشيء لا يعطيه».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق