• ٢٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

صفات الخالق في القرآن الكريم

صفات الخالق في القرآن الكريم

◄أقسام الصفات:

يمكننا أن نقسم صفات الله سبحانه بالنسبة إلى ما يجب أو يصح أن نصفه به، وإلى ما لا يصح أن نصفه به إلى قسمين:

1- صفات الجمال والكمال (الصفات الثبوتية): وهي الصفات التي يجب، أو يصح أن نصفه بها.

2- صفات الجلال (الصفات السلبية): وهي الصفات التي تثبت التنزيه لله عما لا يصح وصفه به كتنزيهه عن الجسمية والحركة فنقول مثلاً إنّه ليس بجسم.

 

الصفات الثبوتية:

وهي صفات الله المقدسة الواجب ثبوتها له، كالعلم والقدرة والإرادة والحياة والبقاء... إلخ. إنّ علماء التوحيد ذكروا ثماني صفات اعتبرت هي الكلّ الجامع لصفات الغِنى والكمال التي يمكننا أن ندرك ونشخص آثارها واضحة ظاهرة في الخلق. ونحن نذكرها كالآتي:

1- القدرة: كلّ ما في هذا الوجود من طاقة ومادة وصورة وقانون وحياة وعقل وتنظيم واستمرار بقاء ليدل دلالة واضحة على قدرة الخالق العظيم، فهذا الكون صورة فنية رائعة الإبداع والجمال والتنظيم، وآلة متقنة السير والانضباط، وهذه الأصناف التي لا حصر لها من المخلوقات في أعماق البحار وآفاق الكون وعلى سطح الأرض من الإنسان والحيوان والنبات واختلاف الأشكال والألوان والطعوم ليدل دلالة واضحة عميقة على قدر الصانع وعظمته..

(اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ * وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الرّعد/ 2-4).

فببساطة يمكن للعاقل المفكر أن يعرف عظمة الله سبحانه وهو يتأمل هذه الصورة الفنية الرائعة لعالم الطبيعة والإنسان والحيوان، أو يحاول أن يتأمل في طعامه وشرابه:

(فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ) (عبس/ 24-32).

(وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الرّعد/ 4).

فإنّ نظرة فاحصة إلى مائدة الطعام وهي تحوي مثلاً اللحم والتفاح والرز والتمر والخبز والبصل والبرتقال والحليب والبقول.. إلخ.

والتأمل في ألوانها وطعومها وروائحها ومنافعها الغذائية المختلفة كافٍ لأن يوصلنا إلى معرفة عظمة هذا الخالق العظيم الذي أبدع وصور هذه الصورة الجميلة الرائعة، وأخرج كلّ هذه التشكيلة الجمالية البديعة من مادة التراب المتواضع، فإنّ في كلّ هذه الحقائق دلالة عميقة وآية ناطقة بعظمة الله وقدرته، كيف لا وهي التراب الذي يتحول بطرق عجيبة إلى مواد سكرية ونشوية وبروتينية ودهنية وفيتامينات وألوان وعطور وروائح... إلخ، ثم يستقبله الجسم البشري هذا المصنع المعقد الفريد فيهضمه ويحوّله بفعل مواد وإفرازات خاصة يفرزها ثم يمتص ما هو صالح ومفيد منه ويطرد الفضلات ويفرغ النفايات بطريقة تعجز عنها أرقى العقول وأعقد المصانع والمختبرات العلمية، ثم يحوّل الجسم هذه المواد الممتصة إلى مواد مختلفة حسب حاجة الجسم إليها، ومنها يصنع الجسم الطاقة ومادة اللحم والشحم والعظم والشعر والأظافر والعصارات الهضمية وإفرازات الغدد المختلفة... إلخ، فسبحان الله. وتبارك الله أحسن الخالقين.

وقبل أن ننهي هذه الإشارة الخاطفة إلى مظاهر القدرة الربّانية يجب أن نعرف أنّ قدرته سبحانه لا حدّ لها، فهو القادر على أن يفعل ما نتصوره وما لا نستطيع أن نتصوّر، كما انّ قدرته متساوية بالنسبة إلى جميع الممكنات فقدرته على خلق الكون وإفنائه كقدرته على خلق الذرة وإفنائها، لأنّ قدرته مطلقة وغير محدودة، ولا تختلف نسبة الأشياء إليها.

فبعد ثبوت القدرة التامة له سبحانه، يثبت لدينا نفي الاضطرار عنه، فهو منزه عن صفة الاضطرار والإلجاء، ويتبيّن ذلك بوضوح من قدرته على اختيار الزمان والكيفية والصورة التي أبدع فيها هذا العالم، فهو الذي اختار لهذا العالم ولكلّ جزء من أجزائه، الأرض، والشمس، والقمر، والإنسان والحيوان والنبات... إلخ. زماناً خاصاً للتكوّن والظهور، وهو الذي اختار له الصورة والوضع والصفة المناسبة، فسبحانه، له وحده القدرة والاختيار كيف يشاء، (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) (القصص/ 68).

فهو سبحانه قادر على الفعل والترك.

وإذا شئنا أن نعرف الحصيلة الفلسفية لإيماننا بهذه الحقيقة العقائدية ومدى علاقتها بتفسير وجود هذا العالم وصدوره فعلينا أن نضع صيغة السؤال التالي ثم نجيب عليه:

"هل العالم يجب أن يوجد وليس بوسع الخالق إلّا أن يوجده، فوجوده قضية حتمية لا يستطيع الخالق التصرف فيها كما يقول المنحرفون. أم إنّ قضية وجود العالم وعدمه هي قضية يختارها ويقرها الخالق سبحانه فهو قادر أن يخلق العالم وقادر أن لا يخلقه... ومعنى ذلك فبالإمكان أن لا يكون هذا العالم مطلقاً، كما كان بالإمكان خلقه وإيجاده على هذه الشاكلة"؟... والجواب الحقّ:

إنّ العالم بما فيه من مادة وصورة وقوانين وحوادث وأشياء بمختلف أشكالها وصور ظهورها وأزمنة وجودها هي حقائق قد وقعت وفقاً للاختيار والمشيئة الربانية.

أي أنّ آماداً قد مرت وهذا العالم غير موجود.

وهذا الكون له عمر محدد لم يكن وجوده حتمياً، إذ لو كان وجوده حتماً لما تأخر وجوده آماداً لا يعلمها إلّا الله... إذن وجوده اختياري اختاره خالق الوجود فحدد زمنه وكيفيته... من ذلك نعرف أنّ الخالق مختار يصرّف الأمر كيف يشاء.. ومن ذلك نستنتج انّ كلّ واحد منا مدين لهذا الاختيار الرباني، فقد اختار الله له الوجود، ولولا هذا الفضل الرباني لما كان الموجود منا موجوداً الآن، لذلك وجب علينا الشكر والثناء على الله سبحانه، الذي أوجدنا ولم يتركنا عدماً، وجعلنا نتنعم بنعم الحياة.. ووعدنا بنعيم الآخرة إذا نحن سرنا على منهج شريعته واتبعنا النور الذي أنزل على نبيه.

2- العلم: أمّا الصفة الأخرى من صفات الذات الإلهية المقدسة فهي العلم، ومن ضرورات التوحيد أن نعرف أنّ علمه سبحانه هو غير ما نفهم من علم الإنسان.

فالفرق بين العلمين هو:

أ) علم الله سبحانه هو علم لدني (علم ذاتي).

أما علم الإنسان فهو علم كسبي تحصيلي.

ب) يمر علم الإنسان بمرحلتين: التصور والتصديق، وعلمه عبارة عما في ذهنه من صور الأشياء وحكمه عليها.

أما الله سبحانه فمنزه عن ذلك، فعلمه عبارة عن حضور الأشياء لديه وإحاطته بها.

ج) الإنسان ينتقل في معارفه من المعلوم إلى المجهول.

أي يتوصل إلى معرفة الأشياء المجهولة عن طريق الأشياء المعلومة.

أما الخالق سبحانه فهو منزه عن ذلك، فعلمه لا يحتاج إلى تفكير ولا يجهل شيئاً حتى يتعلمه أو يكتشفه بواسطة مقدمات علمية أولية كما هي حال المعرفة عند الإنسان.

فكلّ تلك الخصائص هي من قوانين المنطق والتفكير البشري... أما معنى علم الله سبحانه فهو (حضور الأشياء لديه) فعلمه حضوري في حين يكون علم البشر بتوسط الأشياء من دون حضور ذات الأشياء لدى النفس.

د) وعلمه سبحانه واحد غير قابل للتفاوت (متساوٍ بالنسبة لكلّ الموجودات) فعلمه بالأحياء المجهرية في أعماق المحيطات كعلمه بالكواكب والمجرات الكبيرة وفي آفاق السماوات.. أما علم الإنسان فهو درجات متفاوتة، لذا نجد علمه بقضية أيسر أو أوسع من علمه بقضية أخرى، لأنّ علمه كسبي ومحدود ومتدرج:

(وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (يونس/ 61).

وهذه المعرفة تجعلنا نؤمن بأنّ ما جاءنا من شرائع وقوانين وأحكام هي قوانين علمية تعبر عن علم الله المحيط بكلّ صغيرة وكبيرة ترتبط بعقل الإنسان ونفسه وجسمه ومجتمعه، فهو العالم بما يصلحه من قوانين وأنظمة، وإنّ ما شرع الإنسان من شرائع وقوانين وضعية هي تخرصات وهمية لا تعبر عن الحقيقة العلمية، ولا تحقق مصلحة لإنسان لذلك نجد القرآن الحكيم ينبهنا على هذه الحقيقة ويقول.

(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الجاثية/ 18).

ومازلنا نتحدث عن علم الله فعلينا أن نعرف أنّه سبحانه هو وحده مختص بعلم الغيب الذي هو علم الذات المستأثر به لنفسه.

(عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا) (الجن/ 26).

فهو وحده يعلم الغيب سبحانه. أما ما نجد من علم عند النبيّ (ص) وأخبار بقضايا وأحداث غيبية فهو تعليم وإخبار إلهي للرسول الكريم (ص) وكذلك ما نجده عند أهل البيت (عليهم السلام) فإنّه من هذا القبيل فهو عن طريق الرسول (ص). وعلينا أن نفهم أنّ ما نرى ونسمع من تنبآت علميةً تزودنا بها المراصد والآلات فهي ليست يقينية من جهة ثم ليست علماً غيبياً بل هو عمل استنتاجي عن طريق مقدمات ومعلومات علمية أولوية تنبؤنا بأحداث ومعلومات مستقبلية.

3- مريد كاره: ومن صفاته الكمالية سبحانه إنّه مريد كاره.. ومعنى الإرادة بالنسبة إليه سبحانه هو: "الداعي لا يجاد الفعل لعلمه سبحانه بما في هذا الفعل من مصلحة للخلق".

فأفعاله سبحانه التي صدرت عنه انما صدرت بإرادة واختيار.. أي لعلمه أنّ فيها خيراً ومصلحة فأراد تحقيقها واختار وجودها.

فخلق هذا الكون والإنسان والحياة والخلائق الأخرى، وأجرى الحوادث وأرسل الرسل وأنزل الشرائع وأراد بعض الأفعال، فأمر بها، كما إنّه كره بعض الأفعال فنهى عنها لعلمه إنّ فيها مفسدة وضرر.

وتقسم الإرادة الإلهية حسب الآثار الصادرة عنها إلى قسمين:

أ) إرادة تكوينية: وهي إرادته الخلق والإنشاء كإرادته لخلق السماوات والأرض والموت والحياة واختلاف أنواع الخلائق وما يجري في الوجود من أحداث طبيعية ومن قضاء وقدر... إلخ وهذه الإرادة، حتمية الحدوث والوقوع ولا راد لها إلّا هو.

ب) الإرادة التشريعية: وهي إرادته لكلّ الأفعال وصيغ الحياة والعلاقات الإنسانية التي علم أنّ فيها مصلحة للخلق فأمر بها، وأبلغ هذه الأوامر المعبرة عن إرادته سبحانه إلينا عن طريق الوحي والرسل مشخصة في الشرائع والقوانين والأنظمة والتعاليم التي تنظم حياة البشرية وترسم لها طريق الخير والسعادة في الدنيا والآخرة وبذا تكون الشرائع والأديان؛ هي:

"مجموعة القوانين والأحكام والمفاهيم الكاشفة عن إرادة الله في خلقة سبحانه، والمعبرة عن علمه بمصلحة الخلق وإصلاح حياتهم".. ولذا كان الانحراف عنها انحرافاً عن العلم والمصلحة، وسقوطاً في الفساد والجهل التشريعي وتجرى الإرادتان التكوينية والتشريعية بتوافق تام، لأنّ التنسيق والتوافق بين التكوين والتشريع أمر يرتبط بعدل الله وحكمته، فمثلاً خلق الله للإنسان غرائز وميولاً وعواطف وحاجات مادّية ومعنوية مختلفة فردية واجتماعية، ولذا كان من الضروري أن يكون التشريع مستوعباً ومنظماً وملبياً لكلّ هذه الحاجات والميول والاتجاهات الغريزية والعقلية والنفسية، ولولا هذا التنسيق والتجاوب بين التكوين والتشريع لانتفت الحكمة والعدل الإلهي، ولتناقض التكوين والفطرة الإنسانية مع القانون والتشريع، ولكن الخالق والمشرع عادل حكيم، لذا فإنّ القانون والتشريع الإلهي متوافق تماماً مع الطبيعة والتكوين الإنساني.

4- حي: والصفة الرابعة من صفاته سبحانه أنّه حي:

(اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ...) (البقرة/ 255).

فمثل هذه الصفة لا تحتاج إلى إثبات، فبعد ثبوت صفة العلم والقدرة والإرادة له سبحانه فأنّه لَشيء حتمي أن نعرف أنّه حي.. إذ كيف يتصف بالعلم والقدرة والإرادة ولا يتصف بالحياة، كما لابدّ من أن نعرف أيضاً أنّه حي لا بحياة كما هي حال الكائنات الحية، بل إنّ ذاته المقدسة كما هي متصفة بالعلم والقدرة فهي متصفة بالحياة أيضاً اتصافاً ذاتياً، وليست صفة إضافية زائدة.

5- سميع بصير وهو سبحانه متصف بهذه الصفة، ومعنى قولنا إنّه سميع بصير هو: "إنّه محيط وعالم بالأصوات والمرئيات".

قال سبحانه واصفاً ذاته المقدسة:

(قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طه/ 46).

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى/ 11).

إذن فهو يسمع من غير أداة سمع ويرى من غير أداة رؤية.

6- ومن صفاته سبحانه أنّه متكلم، والشرايع وتكليم الأنبياء والأحاديث القدسية هي دليل قاطع على ذلك.. وقد وصف نفسه سبحانه بهذه الصفة فقال:

(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ...) (البقرة/ 253).

(.. وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) (النساء/ 164).

وكما عرفنا فإنّ كلّ صفة من صفاته سبحانه هي غير صفاتنا فاتصافه بهذه الصفة هو غير اتصافنا بها... فكلامنا خاضع للقوانين الطبيعية المعروفة، من التفكير وأداة النطق والوسط الطبيعي الناقل للصوت... إلخ. أمّا كلامه سبحانه فليس كذلك... بل هو خَلْقُ الحروفِ والكلماتِ والأصواتِ والمعاني التي يريد سبحانه إبلاغها إلى الأنبياء.

7- الصدق: ومن صفاته التي وصف نفسه بها هي الصدق، فهو صادق بما أخبر، وما وعد وما توعد، فإنّه وعد المحسن بالجنّة والنعيم، ووعد المسيء بالعقاب والعذاب، ووعد المجاهد بالنصر... إلخ، ولابدّ من تحقق ذلك والوفاء به.

8- قديم أزلي سرمدي: أي ليس لوجوده بداية ولا نهاية، فهو الأوّل بلا بداية والآخرة بلا نهاية.

(هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ...) (الحديد/ 3).

ذلك بأنّ كلّ ماله بداية فهو معلول يحتاج إلى علة، ولو احتاج إلى علة لما كان خالقاً ولكان مخلوقاً.

وقد اثبتنا فيما سبق من البحث أنّ العالم حادث، وعلته قديمة، فهو سبحانه لا بداية لوجوده، مستمر الوجود والبقاء ولا نهاية لوجوده.

وإذن فكلّ صفاته المقدسة يمكن أن تجمع بصفة واحدة وهي الغنى ووجوب الوجود...

ثانياً: الصفات السلبية: وهي الصفات التي تثبت التنزيه لله وتنزهه عن الصفات التي لا يجوز وصفه سبحانه بها، ويجب نفيها عنه، لأنّها من صفات المخلوقين، كالانفعال، والحلول، والاتحاد والتجسيم والحركة والسكون... وغيرها من الصفات التي لا تتفق وصفات الغنى والكمال ووجوب الوجود. فنقول إنّ الله ليس بجسم ولا يحل في غيره ولا ينفعل... إلخ.

وهذا هو معنى قولنا (سبحان الله) أي تنزه عن كلّ نقص وصفة لا تليق بألوهيته سبحانه.►

ارسال التعليق

Top