• ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

عقيدة المؤمن.. التحرر من هيمنة الذات

اسرة البلاغ

عقيدة المؤمن.. التحرر من هيمنة الذات

عقيدة المسلم: تحدد هدفه في الحياة، وترسم سلوكه في المجتمع، وتخطط مستقبله في الدنيا.. وفي الآخرة.
وحياة الإنسان بلا عقيدة الإسلام، حياة الأنعام..
والعقيدة الإسلامية السليمة ذات فاعلية مؤثرة، تجسد في ما قلب المسلم من إيمان، وتترجم ما في ذهنه من أفكار، في واقع تعامله مع الله تعالى، ومع الناس، فتنتظم حياته حسب منهج الإسلام. فإن لم تكن العقيدة كذلك، فهي لقلقة لسان يمقتها الله تعالى: (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف/ 3).
وكلما ترسخت العقيدة في قلب المسلم، سمت أهدافه، وارتقت قيمه وموازينه، واتقدت في روحه العزائم والهمم.. حتى إذا بلغت العقيدة درجة التحرر من "هيمنة الذات"، وصف من "اتباع الهوى"، صار يتحمل كل شيء.. ماله وأهله وحياته، ولا يرجو أي شيء.. جاهاً.. أو سمعة... أو ثناء، إلّا رضاء الله تعالى والجنة:
فهو يختار الحياة، حيث يعيش في ظل الإسلام..
أو يختار الجنة، حيث يحيا الإسلام بدم الشهادة..

- الشهادة فتح مبين:
أراد الله تعالى أن لا يكون الإسلام "أفكاراً" مطروحة، بل "واقعاً" إنسانياً مشهوداً، يجسده أصفياء الله تعالى، عقيدة تزخر بها النفوس..، وعبادة يتعطر بها المحراب..، وحكماً يسود به الحق في المجتمع..، وقضاء يستتب به العدل..، وشهادة في ميادين الصراع مع الجاهلية، تخلد بها الرسالة، وأنف الكافرين راغم..
والشهيد فاتح: لأنّه يقتحم الدرب المباشر إلى الله تعالى، ويختصر الطريق إلى النعيم: أوّل قطرة من دمه تغسل عنه كل الذنوب وتتلقفه الحور العين، تمسح التراب والدم عن نحره.. فيدخل الجنة بلا حساب.. يتبوأ منها حيث يشاء..
والشهيد فاتح: لأنّه "لا يرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما"، وعندئذ، يكون وحده القادر على تقويض الجاهلية إذا تحكمت..، ولوى الناس لها الرقاب..
والشهيد فاتح.. لأنّه يوقظ جيله، والأجيال من بعده، ويربطها بشهادته: عاطفياً وفكرياً، لتحمل الراية..، وتخوض المعركة..، وتبذل الدم..، وتحرز إحدى الحسنيين:
(قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا...) (التوبة/ 52).

- الشهادة بطولة:
والمتدبر لأحوال الأُمم المقهورة، ومواقف الصفوة المؤمنة من رجالها، يجد أنّ الاقزام الطغاة، في كل فترة من فترات الجاهلية، لا يكتفون بالتحكم بأرواح الناس، وأموالهم، وأعراضهم فحسب، بل يحاولون مصادرة حرياتهم في الاعتقاد بالله وحده، أو تشريدهم في الآفاق: (قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا...) (الأعراف/ 88).
أو التمثيل بأجسادهم (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ... * لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) (الأعراف/ 123-124).
أو قطع رؤوسهم، وحملها على الرماح من بلد إلى بلد!! كما فعل يزيد بن معاوية بأهل بيت رسول الله (ص).
فإذا استبدت الجاهلية بالناس، وبيعت الضمائر في أسواق النفاق، وعنت الجباه للظلم والطغيان، وتوسد الناس بساط الذل، أو ألهبت ظهورهم سياط الجور، إلا الذين أعطوا "البيعة" عن يد وهم صاغرون.. عندئذ تتطلع الرسالة إلى من يحطم جبروت الجاهلية بقبضة الإيمان.. فيخرج على السلطان الجائر لينصحه.. فيقتله السلطان.. فيكون أفضل الشهداء عند الله.. لأنّه، في ظل الارهاب الأحمر:
قال للجاهلية "لا.."، وأقدم على الشهادة..
وتلك أعظم ملاحم البطولات.

- يا أُمّة محمد (ص):
إنّ المجاهدين إذ "يرون الحق لا يعمل به، والباطل لا يتناهى عنه" فيستشهدون في سبيل الله تعالى، انّما يروون بدمائهم شجرة الإسلام.. وينحتون من أشلائهم منارة الجهاد.
وان سيد شباب أهل الجنة، ريحانة رسول الله (ص)، الامام الحسين بن علي (ع)، ضرب المثل الأعلى في الإيمان والآباء، والتضحية من أجل الحفاظ على الإسلام، واصلاح المجتمع الإسلامي المنهار: "... وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أُمّة جدي...".
وانّ الامام الحسين (ع) سيظل عبر التاريخ، يهز عروش الظالمين، ويرعب قلوب الجلادين، لما تثيره ذكراه الدامية الخالدة، "كل عام" من فكر جهادي في نفوس الجماهير المسلمة..
وان أصحاب الحسين (ع) ليسوا "سبعين" رجلاً وامرأة فحسب، بل وكل الأجيال المجاهدة والمضحية من أجل تطبيق الإسلام.
وان هؤلاء الشهداء.. حلت فيهم نفحة إلهية، فانتصرت إرادتهم على الحياة، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه، فجسدوا على ساحة "كربلاء" أروع قيم الشهادة: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا) (الأحزاب/ 23).
والسلام عليك يا أبا عبدالله.. الحسين الشهيد..
وعلى الشهداء المجاهدين بين يديك..

ارسال التعليق

Top