• ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مرحباً بشهر المنافسة في القربى من الله

صالح أحمد الترابي

مرحباً بشهر المنافسة في القربى من الله
 وقفة تربوية.. ارْونا.. يا رمضان ها أنت تعود يا أحب الشهور إلينا. ها أنت تعود يا رمضان بعد شوق أخذنا كل مأخذ. ها أنت تعود يا رمضان بعد أن قحطت العيون، وتصحرت النفوس، وجفت الأرواح، وتيبست القلوب.. وازداد الظمأ. ارونا يا رمضان بماء الإيمان، ونسمات السحر، ورحيق قيام الليل، وعطر قراءة القرآن، وشذى الصدقات والقربات، وروعة الاعتكاف في العشر الأواخر، وعظمة ليلة القدر. ارونا يا رمضان، فقد عصفت بنا عواصف المادة، اثني عشر شهراً، ودخلت ذرات غبار الغفلة في بصيرتنا قبل بصرنا طيلة هذه الشهور. ارونا يا رمضان، فقد لسعتنا شمس الدنيا، وزينتها، وابتعدنا وبعدت بنا عن روحانية المشاعر. حللت أهلاً، ووطئت سهلاً يا رمضان. فأنت الحبيب، وأنت الكريم، وأنت الطبيب يا رمضان. يا رب هذا الشهر العظيم: أعتقنا من النار، واجعلنا ممن يصومه إيماناً واحتساباً، وممن يُروى في يوم العطش الأكبر يوم القيامة، وممن ينادى عليه من باب الربان. ثبت عن رسول الله (ص) أنّه كان يبشر أصحابه بمجيء شهر رمضان ويخبرهم بأنّه شهر تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب النيران، وتُصفد فيه الشياطين. وعن أبي هريرة (رض) قال: قال رسول الله (ص): "مَن صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه" (رواه أحمد وأصحاب السنن)، وروى الجماعة عن أبي هريرة (رض) قال: كان رسول الله (ص) يُرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة، فيقول: "من قام رمضان إيماناً احتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه"، وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة (رض) قال: إنّ النبي (ص) قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه". وعن أبي هريرة (رض) قال: قال رسول الله (ص): "كُل عمل ابن آدم يُضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عزّ وجلّ إلا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلُوف فيه أطيبُ عند الله من ريح المسك". والأحاديث في فضل صيام رمضان وقيامه، وفضائل الصوم كثيرة، فينبغي للمؤمن أن ينتهز هذه الفرصة وهي ما منّ الله عليه من إدراك هذا الشهر الكريم، وأن يسارع إلى الطاعات، ويحذر من السيئات، ويجتهد في أداء ما فرض الله عليه ولا سيما الصلوات الخمس فإنّها عمود الإسلام، وأعظم الفرائض بعد الشهادتين. فالواجب على كل مسلم مسلة المحافظة عليها وأداؤها في أوقاتها بخشوع وطمأنينة، ومن أهم واجباتها في حق الرجال أداؤها في الجماعة في بيوت الله التي أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه، كما قال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)(البقرة/ 238)، وأهم الفرائض بعد الصلاة أداء الزكاة كما قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (النور/ 56). وقد دل كتاب الله وسنة رسوله على أن من لم يؤد زكاة ماله يُعذّب به يوم القيامة، وأهم الأمور بعد الصلاة والزكاة صيام رمضان، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة المذكورة في قول النبي (ص): "بُني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان" (رواه البخاري ومسلم). ويجب على المسلم أن يصون صيامه وقيامه عمّا حرم الله عليه من الأقوال والأعمال لأنّ المقصود من الصيام طاعة الله سبحانه، وتعظيم حرماته، وجهاد النفس على مخالفة هواها في طاعة مولاها، وتعويدها الصبرعمّا حرم الله وليس المقصود مجرد ترك الطعام والشراب وسائر المفطرات، ولهذا صحّ عن رسول الله (ص) أنّه قال: "الصيام جُنّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل، فإنّ شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم" (رواه أحمد ومسلم والنسائي)، وصحّ عنه (ص) أنّه قال: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" (رواه البخاري). فعُلم بهذه النصوص وغيرها أنّ الواجب على الصائم الحذر من كل ما حرّم الله عليه والمحافظة على كل ما أوجب الله عليه، وبذلك يُرجى له المغفرة والعتق من النار، وقبول الصيام والقيام. وهناك أمور قد تخفى على بعض الناس، منها: أنّ الواجب على المسلم أن يصوم إيماناً واحتساباً بلا رياء ولا سمعة ولا تقليد للناس أو متابعة لأهله أو أهل بلده، بل الواجب عليه أن يكون الدافع له على الصوم هو إيمانه بأنّ الله قد فرضه عليه، واحتسابه الأجر عند ربه في ذلك. ومن ذلك ما قد يعرض للصائم من تأخير غسل الجنابة إلى طلوع الفجر، وما يعرض لبعض النساء من تأثير غسل الحيض أو النفاس إلى طلوع الفجر إذا رأت الطهر قبل الفجر فإنّه يلزمها الصوم، ولا مانع من تأخيرها الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر ولكن ليس لها تأخيره إلى طلوع الشمس، بل يجب عليها أن تغتسل وتصلي الفجر قبل طلوع الشمس، وهكذا الجُنب ليس له تأثير الغسل إلى ما بعد طلوع الشمس، بل يجب عليه أن يغتسل ويصلي الفجر قبل طلوع الشمس ويجب على الرجل المبادرة بذلك حتى يدرك صلاة الفجر مع الجماعة. ومن الأمور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس ما قد يعرض للصائم من جراح أو رعاف أو قيء أو ذهاب الماء إلى حلقه بغير اختياره فكل هذه الأمور لا تفسد الصوم لكن من تعمّد القيء فسد صومه لقول النبي (ص): "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض" (رواه أحمد). وهكذا قيام رمضان يجب أن يفعله المسلم إيماناً واحتساباً لا لسبب آخر، وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "عمرة في رمضان تعدل حجة" (رواه أحمد وابن ماجه). ومن الأمور التي لا تفسد الصوم تحليل الدم، وضرب الإبر غير المغذية، لكن تأخير ذلك إلى الليل أولى وأحوط إذا تيسر ذلك لقول النبي (ص): "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" (رواه البخاري). المصدر: مجلة المجتمع/ العدد 1380 لسنة 1999م

ارسال التعليق

Top