• ١ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٢ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

منزلة عيسى (ع) عند الخالق

طراد كنج حمادة

منزلة عيسى (ع) عند الخالق
◄تضاء الشموع لابن مريم الراعي الصالح الذي مسح رأسه بالزيت. ويختلف الناس إلى احتفالاتهم: كل يرتب قراءاته على سنة كتبه: بعضهم يتضرع "للجزء اللاهوتي" والآخرون "للجزء الناسوتي" وغيرهم يسكب الدعاء للروح التي تكون كما تولد الكلمة من العقل، وحر النار من النار، وضياء الشمس من الشمس... وهو في ولادته الشريفة، يقدم الدليل على نبوته، وينبذ المغالاة في معجزة ميلاده الذي أراده الله سبحانه وتعالى على تلك الصورة المختلفة ليكون آية صارخة لقوم جفاة عتاة كانوا قد عصوا الأنبياء قبل "ولادة" المسيح فما بالك لا يعصونه، ويرمون أمه الطاهرة بأبشع الصفات، ثمّ لا يستجيبون للحق في رسالته، فينكرونه وينكروا دعوته، ويمكرون له ويحيكون المؤامرات لقتله، حتى يرفعه الله إليه كما غيره من الأنبياء مختتماً بذلك لليهود دورة أنبيائهم... وإذا كان الميلاد مناسبة شريفة لفتح حوار عميق بين الإسلام وأهل الكتاب، فإنّ الحديث عن عيسى بن مريم ووضع سيرته في سياق الأنبياء مسألة لا تكتمل إلا بمفهومها القرآني لأنّ القرآن الكريم هو الوثيقة الوحيدة التي تثبت وجود المسيح وتتحدث عنه بحقيقته النبوية الكاملة... حين جاء وفد من أهالي نجران إلى المدينة لمجادلة النبي (ص) في حقيقة المسيح. كان قد هالهم أن يدعى المسيح في القرآن الكريم بعبد من عبيد الله فأرادوا أن يقابلوا الرسول الذي بلغ هذا الوحي الإلهي المغاير لعقيدتهم في المسيح... استراح الركب في المدينة وفي نفوسهم قلق من مقابلة صاحب الدين الجديد الذي سارع إلى مناداتهم برفق ثمّ قام على خدمتهم في ضيافته يقدم لهم الطعام والماء... حتى اكلوا وشربوا واستكانوا خاطبهم أن لا يغالوا في دينهم والا يقولوا على الله غير الحق وأن لا يعبدوا إلا الله وحده... ثمّ قال لهم "انّ المسيح وأمه عبدان يأكلان الطعام". وحين استغرب نصارى نجران هذا الموضوع الذي يباعد في الرأي بين ما يعتقدون وما يعتقد من طبيعة المسيح بدأ نزاعهم الفكري يشتد، عند ذلك نزل الوحي بالآية الكريمة.. (قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (آل عمران/ 61). كان ذلك بياناً إلهياً لا يرتاب فيه. وهو يشتمل على البرهان الساطع لأنّ العلم الحاصل للرسول (ص) في حقيقة عيسى (ع) هو من النوع البرهاني ولذلك كان يشمل أثره رسول الله (ص) وغيره من كل سامع فلو تردد السامع المحاجج من جهة كون البيان وحياً إلهياً لم يجز الارتياب فيه من جهة كونه برهاناً يناله العقل السليم. في هضبة الحبشة، بدأ الجدال في حقيقة المسيح بين الإسلام والنصارى حول مسائل تتناول عقيدة كل منهما فيه. وينقل الشهرستاني موجزاً لمذهب اليعاقبة يقول: "أنّ المسيح جوهر واحد، واقنوم واحد، إلا انّه من جوهرين، أحدهما جوهر الإله القديم والآخر جوهر الإنسان. اتحدا فصارا جوهراً واحداً – اقنوماً واحداً وربما قالوا طبيعة واحدة من طبيعتين". ثمّ يقول: "انّ جوهر الإله القديم وجوهر الإنسان المحدث تركباً، كما تركبت النفس والبدن، وصارا جوهراً واحداً... وظهر اللاهوت بالناسوت، فصار ناسوت المسيح مظهر الحق لا على طريق حلول جزء فيه، ولا على سبيل اتحاد الكلمة.. ومعنى الكلمة هو المسيح الذي ظهر في الجسد الذي كان في الأرض". وقد اختلفت الفرق المسيحية كثيراً حول هذه المفاهيم. وقامت حروب عديدة من جراء ذلك. وقد تركزت الخلافات بين الفرق المسيحية كما يقول الشهرستاني حول ثلاثة أمور: 1- كيفية نزول المسيح واتصاله بأمه. 2- كيفية صعوده وتوحد الكلمة. 3- كيفية الاتحاد والتجسد. انّه لواضح جدّاً التأثيرات الفلسفية في هذه المفاهيم وابتعادها عن مفهوم التوحيد. والقرآن الكريم قد جادل النصارى كما ذكرنا في حقيقة المسيح. حتى ذهب بعض الباحثين للتحدث عن مسيحية قرآنية. فما هي حقيقة عيسى (ع) في القرآن الكريم. جاء في تفسير "الميزان" للمرحوم العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي في مبحث "منزلة عيسى عند الله وموقفه في نفسه" انّه "كان عليه السلام عبداً لله وكان نبياً. وكان رسولاً إلى بني اسرائيل. وكان واحداً من الخمسة أولي العزم صاحب شرع وكتاب وهو الانجيل. وكان سماه الله بالمسيح عيسى. وكان كلمة الله وروحاً منه. وكان إماماً. وكان من شهداء الأعمال وكان مبشراً برسول الله (ص). وكان وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين. وكان من المصطفين. وكان من المجتبين وكان من الصالحين. وكان مباركاً أينما كان، وكان زكياً وكان آية للناس ورحمة من الله وبراً بوالدته وكان مسلماً عليه. وكان ممن علمه الله الكتاب والحكمة". "هذه اثنتان وعشرون خصلة من مقامات الولاية هي أجمل ما وصف الله به هذا النبي المكرم ورفع بها قدره وهي على قسمين: اكتسابية كالعبودية والقرب والصلاح. واختصاصية...". "أما ما قاله الناس في عيسى وقد ذكرنا بعضه رغم انهم تشتتوا في مسالكهم وربما تجاوزوا السبعين فرقة من حيث كليات ما اختلفوا فيه وجزئيات المذاهب والآراء التي اتبعوها... فإنّ القرآن الكريم انما اهتم بما قالوا به في أمر عيسى نفسه وأمه لمساسه بأساس التوحيد الذي هو الغرض الوحيد فيما يدعو إليه القرآن الكريم والدين الفطري القويم...". المصدر: مجلة العالم/ العدد 151 لسنة 1987م

ارسال التعليق

Top