• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

اكتشفت أنّ زوجتي ثرية

اكتشفت أنّ زوجتي ثرية

"مَنْ يحب لا يحسب" حكمة سمعتها من السيِّدة والدتي، التي عاشت نصف قرن مع أبي وهي تمدّ يدها في جيبه وتأخذ مصروف البيت وترسم ميزانية العائلة، من دون شحّ ولا تبذير.
ولأنّها كانت متّزنة في كلّ شيء، فإنّني لم أسمع والدي يوماً يحاسبها على ما تنفق، ولا يسألها كم أخذت وكم تحتاج. إنّها الزوجة التي تعرف قدرات زوجها وتضبط المصاريف بناءً على قدراته تلك. وقد مررنا في فترات الطفولة بظروف مادية صعبة، وكانت تجارة والدي تتهدد، بسبب غرق سفينة شحن أو اندلاع نزاع في المنطقة، لكننا لم نشعر بالضيق، لأنّ الوالدة كانت تعرف كيف تضبط الموقف، وكيف تنمِّق بيديها ثيابنا ومناماتنا، وتملأ حقائبنا المدرسية بكل ما نحتاج إليه من ضروريات، وأحياناً كماليات.
أين زوجتي من أُمّي؟ إنّ مَن يحب لا يحسب، وأنا أحبّ ليلى. لذا، لم يخطر على بالي أن أحسابها على ما تنفق من حسابنا المصرفي المشترك. أليست شريكة حياتي ووالدة أطفالي وسندي أمام الشدائد؟ لقد حرصت منذ زواجنا، على ألا أمدّ يدي إلى مرتبها من وظيفتها، وألا أسألها عمّا تفعل به. وقد أشركتها في حسابي مادام واردي جيداً، والحمد لله، والخير عميم. لكن، حدث قبل أيام أن وقعت بين يدي ورقة، واردة من المصرف الذي تتعامل معه ليلى، وقد دهشت حين رأيت رصيدها في التوفير قد بلغ مستوى كبيراً لا يخطر على البال.
إنّ زوجتي أغنى منِّي بمرّات عديدة، وهذا الأمر اقلقني، بدل أن يريحني ويجعلني أشعر بالزهو أو الإطمئنان. لماذا أنا حانق ومقهور؟ أ لأنّها توفِّر كل قرش تحصل عليه، بينما تنفق بمنتهى الأريحيّة من مرتبي وعرق جبيني؟ اليس من مسؤولية الزوج الإنفاق على الزوجة والبيت والأولاد؟ نعم، أعرف كل ذلك. لكنني لم أتمكّن من ضبط تساؤلاتي، وقد صارحت ليلى بما أُفكِّر فيه، لأنّني تعوّدت على أن أقول لها كل ما يخطر على بالي.
الغريب، أنّها فوجئت، وحصلت بيننا جفوة بعد أن قالت لي غاضبةً إنّ مالها هو مالي ولا داعي إلى أن "أتلصّص" على كشف حسابها. أنا أتلصّص على نقود زوجتي؟!

- كأنّه لا يعرف راتبي
لم أفهم سبب دهشة حمدان حين وقعت بين يديه ورقة كشف حسابي المصرفي. لقد فوجئ بالرقم الوارد في دفتر التوفير وخاف منه، بل أن يبتهج لأنّني مدبِّرة وحريصة ولا أُبذِّر مالي في التفاهات. إنّه مثل الطفل الذي ظلّ يأكل من علبة حلوى إلى أن اكتشف على حين غرّة، أنّها باتت فارغة، فبدأ في الصراخ والبكاء، ونسي أنّه التهم كل ما فياه. ماذا يغضب حمدان في أنّني جمعت كل هذا المبلغ من عملي؟ هل سرقته منه أو كسبته من دون وجه حق وعن طريق الحرام، لا سمح الله؟ إنّه تاجر شاطر في الحسابات، إلى درجة أنّه في إمكانه أن يجمع ويضرب ويتوصّل إلى الرقم المتراكم من مرتّبي، شهراً بعد شهر، وسنةً بعد سنة، منذ أن بدأت في عملي، وقبل زواجنا، وحتى اليوم. لابدّ أنّ النتيجة ستتطابق مع الرقم الوارد في الكشف، لأنّني اعتدت ألا أمدّ يدي إلى حسابي، وألا أنفق منه على نفسي أو بيتي. لقد جرت الأمور على هذا الشكل، من دون إتفاق مسبق بيني وبين زوجي. وهو الذي أشركني في حسابه وطلب منِّي أن أتصرّف في السحب والمصروف اللازم من دون الرجوع إليه. لذا، أنا أتحدّى أيّاً كان أن يتهمني بأنّني بذّرت أموال حمدان أو نقلت مبالغ منه إلى حسابي. لقد عشنا في بحبوحة تناسب الواردات التي يجنيها زوجي، ولم أبخل على بيتي وأولادي ونفسي بأي شيء. لكنني، في الوقت ذاته لم أكن سفيهةً في النفقات.
لم يحدث، طوال سنوات حياتنا المشتركة، أن عاتبني زوجي على تصرّف مادي أو سألني عن مرتبي. الغريب، أنّه كان يُقدِّم لي هديّة عندما أخبره بأنّني حصلت على ترقية، بدل أن يقول لي مثل كثير من الأزواج أو الآباء: "يجب أن تعزيمنا على مطعم بهذه المناسبة". إنّ زوجي هو الذي يعزم، دائماً، ويدفع الحساب حتى لو كان الداعي أحد أقاربي أو أشقائي. لهذا، غضبت من جفوله وهو يقرأ رقم مدّخراتي. أليس مالي هذا، هو في النهاية ماله ومال أولاده؟ ثمّ مَن سمح له بأن يتلصّص على أوراقي وكشف حسابي؟

ارسال التعليق

Top