• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

هكذا تتغلبين على الشكوك والهواجس على مشارف حُب جديد

هكذا تتغلبين على الشكوك والهواجس على مشارف حُب جديد

هل هذا الرجل مناسب لي حقاً؟ هل هو يحبّني بصدق؟ أسئلة كثيرة تشغل بال المرأة في بداية أي علاقة. تتنازعها مشاعر متناقضة، تتأرجح بين الأمل والإحباط، بين الاندفاع المتهور والابتعاد الحذر. هناك شيء ما يمنعها من الذوبان كلياً في هذا الحب الجديد الذي اقتحم حياتها. هناك حاجز خفي يقف بينها وبينه. إنما لا شيء يدعو حقاً إلى الذعر، فهذا القلق طبيعي ويترافق عادة مع حالة الوقوع في الحب. السبب هو في الواقع "عقدة أوديب": ففي طفولتنا، نواجه مشاعرنا التي نكنّها لوالدينا ونتعلّم أنّ الحب الذي نشعر به للأب أو الأُم هو حب محرّم، فتنبت في لاوعينا المعادلة التالية: إذا تجرّأنا وأحببنا، فإنّنا سنعاقب بشدّة.

تُفسِّر المحللة النفسية الفرنسية كاثرين بن سعيد ذلك بالإشارة إلى أنه "إضافة إلى (عقدة أوديب)، هناك درجات متفاوتة من القلق والشكوك التي لا مفرَّ منها"، وتقول: "نحن نتأثر بأحكامنا المسبقة، وخوفنا من المجهول ومن الفشل، أو من تكرار المعاناة. كلّ هذه العوامل تجتمع لتزعزع المعايير التي نقتدي بها في مجال الحب. ناهيك عن أنّ الحب أصلاً هو اضطراب في حد ذاته، من شأنه أن يزعزع كياننا ويقلب حياتنا رأساً على عقب".

إذن، في البداية نكون ميالات إلى تخريبه، فعيب صغير في الآخر، يصبح في نظرنا إشارة تستبق وقوع كارثة كبرى. لكن، يحذر خبراء علم النفس من أنه لا يجدر اعتبار الشك على أنه دليل على عدم الشعور بحب "حقيقي". ويؤكدون من ناحية أخرى، أنه في إمكان أي امرأة، وعلى الرغم من أنّ قوّة مشاعرها للحبيب الجديد، ملاحظة صفاته التي من المحتمل أن تؤذيها بعد تطور العلاقة. وهذا الصوت الصغير بداخلها أو الحدس إذا صحّ التعبير، هو ما يجدر بها الاستماع له وأخذه بعين الاعتبار. لكن كيف نُفرِّق بين شكوكنا غير المبررة وملاحظاتنا الواقعية؟

 

-        بعد عزوبية طويلة:

بحسب بن سعيد: "هناك نوعان من المغريات التي قد تطرأ في تلك الحالة: من جهة، تتملكنا الحاجة إلى الاستسلام الفوري لضغوط المجتمع، الذي يحثنا على الزواج ويخيفنا من فكرة العنوسة". فهل هذه هي الخطوة الصحيحة أم لا؟ تقول بن سعيد: "قاومي هذه الفكرة.. استمعي لرغباتك وليس لرغبات الآخرين". ثم من جهة أخرى، هناك الرغبة في رفض القيام بأي تنازلات، فحين نشعر بأنّ عاداتنا تنهار أمامنا بسبب دخول شخص جديد إلى حياتنا، يصعب علينا تقبُّل ذلك برحابة صدر أو تقبُّل الآخر، بقدر ما يصعب علينا التخلي عن أسلوب حياتنا المثالي الذي صقلناه، والهوايات التي نميناها خلال فترة عزوبيتنا الطويلة. من غير المستغرب، إذن، ألا يكون هذا الآخر على مستوى تطلُّعاتنا. إنها وسيلتنا اللاواعية لتبرير رفضنا له، وضمنياً رفضنا تغيير عاداتنا.

تعتبر بن سعيد أنه "على الرغم من عدم تطابق الحلم مع الواقع في الكثير من الأحيان، إلا أنه لا يجدر بك أن تخفضي من توقعاتك كثيراً بحجة أنك انتظرت طويلاً، أو أنك ترغبين في إنجاب طفل، أو أنّ محيطك ينصحك بإعطاء أحدهم فرصة مع أنه لا يعجبك. ذلك أنّ الحب هو الذي يجب أن يكون قوياً بما يكفي لتهدئة مخاوفك وإقناعك بخوض العلاقة، وليس المنطق وحده".

نصيحتها: "عدم التركيز على العقبات المحتملة التي قد تكون عابرة في نهاية المطاف، ولا تؤثر فعلاً في نجاح العلاقة أو فشلها. مثلاً: إنه يعيش بعيداً، أو أنّ مراهقته كانت مضطربة، أو أنّ ذوقه في الملابس سيِّئ. في المقابل، يجدر أن تلجئي إلى شعورك الداخلي، فإذا كنت تشعرين بأنّ كرامتك تمس أو بأنك تفقدين قيمتك، انتبهي. فقد يكون حبيبك الجديد بارعاً في التلاعب. حتى إن كان الشغف عنوان هذه العلاقة.. ابقي على حذرك، فهذا النوع من الرجال ماكر وخبير في فن الإغواء والتضليل.. عليك الهرب أبعد ما أمكنك عنه".

 

-        عدم التخلص نهائياً من رواسب حُب سابق:

"من دون شك إنّ المشكلة هنا تكمن في المقارنة". توضِّح بن سعيد قائلة: "إننا نميل حتماً إلى الحكم على الحب الجديد على ضوء الذي سبقه. أحياناً، تعمد المرأة إلى رمي نفسها في ذراعي رجل كالغريقة، لنسيان رجل سابق. إمّا لتخدير ألمها الذي تشعر به لتخليه عنها، وإمّا للتحلي بما يكفي من القوّة لترك مَن لم تعد تحبّه، أو ببساطة بسبب عدم قدرتها على تحمل الشعور بالوحدة".

"إنّ عدم اختبارنا للحداد الذي نشعر به عادةً بعد فقداننا علاقة سابقة، يولد خللاً في توازننا العاطفي، فيضلل أحكامنا ويزيف مشاعرنا". ما الذي يجب علينا فعله إذن؟ تجيب بن سعيد قائلة: إنه "يجب علينا أولاً تبديد أحكامنا المسبقة التي هي وليدة حيرتنا (على سبيل المثال: إنه أشبه بقزم، أنا أُفضِّل طوال القامة"، أو "إنه يافع جداً أو طاعن في السن.. مستحيل"). وتضيف: "ثانياً، يجدر بنا عدم المقارنة إطلاقاً ("حبيبي السابق كانت لديه وظيفة ممتازة")، وأخيراً "أن نضع في بالنا فكرة أنّ الحب يأتي دائماً مصحوباً أو محملاً بالمفاجآت، التي في إمكانها أن تصيبنا بالحيرة والشكوك. لذلك، ولكي لا نجازف بتضييع حب كبير، من الضروري في البداية أن نحاول استيعاب جوانبه الجديدة هذه من دون الحكم عليها، أي من دون أن نكون دفاعيات".

 

-        الخوف من خيانة ذكرى حبيب متوفى:

"المرأة تود أن تبقى وفيّة لزوجها المتوفى.. لحبّها الكبير.. إنه أمر لا مفرَّ منه". تقول كاثرين بن سعيد: "ثمّ يأتي وقت تولد فيه الرغبة في العيش مجدداً. العديد من النساء يمنحن أنفسهنّ فرصة مع رجال يشعرن نحوهم بالقليل من الإعجاب، من دون أن يكون هناك شغف وحب عميق بالضرورة، أملاً في أن يتطوّر الإعجاب ليصبح حبّاً مع الوقت. عموماً هذه العلاقات لا تنجح، فتتملك هؤلاء النساء الشكوك حول العلاقة، التي يقطعنها في نهاية المطاف، الأمر الذي يقود حكماً إلى تثبيط عزائمهنّ؟.

في رأي المحللة النفسية الفرنسية يفضل ألا تخوض المرأة غمار علاقة، إلا تلك التي تفرض نفسها بقوّة منذ اللحظة الأُولى، والتي تظهر علامات الإنجذاب والشغف الشديد "لأنه وحده الحب الأكثر عظمةً، قادر على تعويض حب عظيم".

كذلك، غالباً ما يكون خوف المرأة من خسارة نفسها باستسلامها لمشاعر حب جديد، السبب الذي يجعلها تتراجع عن خوضها غمار علاقة جديدة. تُفسِّر كاثرين بن سعيد ذلك بقولها: "نحن كنساء تشربنا في لاوعينا مدى معاناة أُمّهاتنا أو جدّاتنا في مجال العلاقات، هذه التأملات تلعب دوراً في حمايتنا من تكرار السيناريو المؤلم الذي عشنه قبلنا، وتجنب ارتكابه بأنفسنا". ولحسن الحظ أنه يكفي أن نكون على بينة من هذه المخاوف غير المنطقية التي ورثناها، لكي لا ندعها تسيطر علينا.

 

-        عندما ينبغي التخلي عن شخص مازال يحبّنا:

"عندما نغرم بشخص آخر، من المتوقع أن يتأكلنا ذنب عظيم لتركنا الشخص الذي مازال يحبّنا" على حد قول كاثرين بن سعيد، التي تضيف قائلة: "تفكر المرأة في كلِّ أنواع التسويات والحلول الوسطية لكي لا تضطر إلى إتخاذ قرار: تترك الشخص وتبقى مخلصة له في أفكارها، تنتقل مراراً وتكراراً مابين الشخصين، أو على الأرجح، تلتفت فقط إلى (نقاط ضعف) الحبيب الجديد، وتركز عليها في محاولة منها للتخفيف من حدة الشعور بالذنب. في حين أنّ هذا الأخير يضيق ذرعاً بتعلقها بالحبيب السابق، فينتهي به الأمر إلى أن يصبح أكثر عدوانية وعصبية أو يحتج ويبتعد، الأمر الذي يعزز (شكوكها) بشأنه".

تقول بن سعيد: "إنّ العلاقة الجسدية هي التي تساعد المرأة على اتخاذ قرارها، فإن كانت على الصعيد العاطفي قادرة على توزيع مشاعرها بين شخصين، فهي على الصعيد الجنسي نادراً ما تكون قادرة على ذلك. إذا كانت تشعر بحب شديد وجاذبية جسدية قوية مع الشخص الجديد، فعلى الأرجح أن تنجح هذه المشاعر في التغلب على شعورها بالذنب".

 

-        الشكوك في البداية طبيعية ولكن..

من جهتها، تقول المحللة النفسية والفيلسوفة الفرنسية آن دوفورمانتيل: "إنّ الشكوك التي تشغل بال المرأة في بداية حب جديد، هي أمر طبيعي، لا بل صحي"، لافتة إلى "أنّ المشكلة هي أنّ التنبُّه إلى هذه الشكوك لا يعني أننا سوف نعالجها بعدل". وتشير إلى أنه "في بعض الأحيان إنّ مجرد التفكير فيها والبوح بها إلى إحدى صديقاتنا يكفي لإراحة ضمائرنا.. بعد ذلك نتجاهلها ونكمل حياتنا". وتضيف: "هذا مؤسف لأنه في معظم الأحيان، وعلى الرغم من الحيرة التي نشعر بها، في إمكاننا أن نستشعر حقاً كلّ ما هو ملتبس أو خاطئ في الشخص الجديد، أو نلاحظ الصفات التي ستسبب لنا المشاكل في المستقبل (أو لا)".

وتقول دوفورمانتيل: "إنّ الرغبة التي تلازمنا دائماً في محاولة (عقلنة) كلّ شيء، هي التي تخرب حكمنا العادل على الأُمور، ثمّ نبدأ في تفحص أخطاء الآخر، إنما من خلال عدسة توقعاتنا الصبيانية، وولاءاتنا للوالدين وما ينتظرانه منّا، أو من خلال عدسة تجاربنا السابقة التي من شأنها تشويه المشهد، وتشويه أحكامنا".

 

ارسال التعليق

Top