• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف تجعل من بيتك قصراً؟

كيف تجعل من بيتك قصراً؟

تطل علينا من شرفات عصر النهضة، وزمن العشرينيات من القرن الماضي عناصر فنية، تجعلنا نمتلئ بالحنين إلى العيش في هذا الزمن، طلباً للراحة والهدوء، لما تميز به من إيقاع هادئ، وأفق رحب، وفنون تتبعثر في جميع الأنحاء.. أطلقنا عليها أنتيكات، وهي تعني كل ما هو قيم ونادر وتاريخي.
لكن وضعها في البيت يعني شكلاً آخر من أشكال الفنون، إن اقتناء القطع والأشياء القديمة أو التحف ليس صعباً بقدر ما يصعب وضعها في زمن ومكان يختلفان عن زمنها، فهي تم قطافها من بوتقتها وأرضها وزمانها وتاريخها، فكيف نعيد إليها مجدها دون إعتبارها مجرد قطعة تاريخية في البيت؟ هذا ما تجيبنا عنه الفنانة، خبيرة الأنتيكات إيمان حجازي.
ترى إيمان أنّ الأنتيك لمسات جزئية مهمة في تنسيق البيت، ومن خلال اقتناء الأنتيكات، وإعادة توظيفها في البيت بشكل فني يتناسب مع قدرها وقيمتها التاريخية، يصبح البيت قصراً تاريخياً محملاً بقيم وتحف تسر الناظرين وأصحاب البيت أيضاً.
وهذه العناصر القيمة تضفي على البيت راحة من نوع خاص إعتادها أجدادنا في بدايات القرن العشرين؛ حيث اعتبرت إيمان أنّ البيت تابلوه فني لابدّ من تجهيزه خطوة خطوة، حتى وإن طال وقت ترتيبه وتجميله وإعداده للسكنى.
تبدأ أوّل خطوة في ذلك مثل شد القماشة على الشاسيه، ثمّ التأمل والتفكير في عناصر البيت. وتخيل الطراز المختار، ونوعية الفرش، وألوان الأخشاب والجدران والأقمشة، ثمّ البحث عن قطع إكسسوارات تناسب هذا الطراز الذي غالباً ما يكون من إختراع صاحب البيت.
فإذا بحثت في مخزنك القديم ووجدت قطعة من النحاس تركتها الجدة، أو بقايا من بيت العائلة القديم الذي تهدم، يمكننا توظيف هذه القطع العتيقة لتؤدي وظيفة عملية وجمالية، لكنّها أيضاً تمنح المكان بُعداً تاريخياً.
هناك قطع الأنتيك المفردة مثل: التماثيل البرونز، وساعات الحائط، والكونصولات، والسجاد والفازات وقد يكون منها قطع كبيرة تحتاج إلى تجهيز ركن خاص بالبيت، وتنسيق المكان من حولها بما يتناسب مع تكوينها وحجمها وتاريخها.
هناك أيضاً القطع الصغيرة التي تضيف جمالاً إلى الفرش والأثاث لأي طراز وتُعتبر إكسسوارات ذات قيمة تناسب الطرز الكلاسيكية والحديثة أيضاً، ولكنها تتطلب تصميم المكان من حولها بنظرة فنية واعية، لأنّه لا يمكن أن ننشر قطع الأنتيك في كل مكان بلا حساب كونها تحتاج إلى تجهيز للفراغ بشكل خاص جدّاً يختلف عن أي إكسسوار آخر.
ولكن هناك مشكلة تواجهنا كما تقول إيمان عندما نعثر على الأنتيكات وهي أننا نشتريها لمجرد الإقتناء، لكن الصحيح والأجدى أننا يجب أن نشتري ما يناسب أجواء بيوتنا، ولابدّ من التأكد من قيمتها الحقيقية، فالأنتيكات حالياً يسهل تقليدها فإذا ما أردت اقتناء قطعة معمارية مثلاً باعتبارها "أنتيك" مثل؛ كابولي أو جدار أو برواز نافذة رومانية أو حتى أرابيسك، هنا نقوم بالخطوة الثانية التي على أساسها نؤسس البيت، فإذا لمسنا في هذه القطعة النادرة جزءاً من فن فريد من نوعه، نشرع في تنظيف الجدران وطلائها باللون المناسب للطراز المختار، سواء كان مغربياً، أو طراز أورينتال، أو ريف أوروبي أو شرقي، إنكليزي، معاصر أو مودرن، بحيث يتداخل مع أحد هذه الأنتيكات من دون تنافر أو تضارب لأنّها تصلح لكل زمان ومكان طالما نجحنا في توظيفها وإختيار مكان مناسب لها يبرز أهميتها ورونقها.
أمّا الخطوة الثالثة فتتمثل في إختيار خلفية ناجحة للتابلوه ولون يناسب تلك الحقبة الزمنية لقطعة الأنتيك، وبالفعل تعددت أنواع الطلاء وطرقه حالياً لتناسب معظم الطرق أو تلمس كيانها من بعيد دون الإلتزام بشكل قديم منفر أو معتم، فاللون النبيذي والزيتي والأزرق من أكثر الألوان تناغماً مع قطع الأنتيك.
وبعد ذلك نقوم بالخطوة الرابعة، لابدّ من إيجاد نقطة مركزية في البيت تخطف الأنظار، وإذا كنت تمتلك قطعة أنتيك فلا تضعها جانباً أو تخفها في الأركان خوفاً عليها، لأنّها تستطيع بقيمتها وفنيتها أن تمثل نقطة محورية في البيت، شأن الشمعدان الكريستال أو البرونز الذي يُزَيّن المائدة أو البوفيه، فيخطف الأنظار ويُضفي رونقاً على المكان بأسره.
وقد تكون القطعة القديمة عبارة عن صينية نحاس أو فضة، أو سجادة مصنوعة يدوياً بخيوط الحرير الإيرانية، تتزين بها غرفة المعيشة مثل تابلوه على الجدار أو على الأرض في مكان لا يبعد عن حركة الأقدام؛ فيبدو مثل متحف لها كأنّها مغلفة ومحاطة بحدود الجلسة للمشاهدة والإستمتاع بفنها فقط، إلى جانب أنها توزع بهجتها وإشراقها على المحيط بأكمله.
أمّا خامسة الخطوات، فهي إذا كنا قد صنعنا خلفية هادئة، أو داكنة بعض الشيء لإظهار جماليات قطع الأنتيك، فلابدّ أن يطل من جنباتها بصيص من شعاع النور الذي ينطق بالأمل والتفاؤل والدفء والإنسجام أيضاً لصاحب البيت الذي يسترخي معها ويسترجع زمناً جميلاً، ما يحقق مقولة "بيوتنا تمثل نفوسنا وأرواحنا"، نبحث فيها عن أي عنصر يدفعنا للراحة، والبهجة والتطلع إلى مستقبل مشرق.
من هنا يميل البعض إلى تأسيس ركنه خاصة الذي يستكين إليه عندما يريد الإنفراد بنفسه، والتأمّل، وشحن طاقته ليتواصل بعد ذلك مع أيام العمل والجهد التي لا ترحم، هنا يمكن توظيف قطع الأنتيك الكبيرة في الأركان كالفوتيهات، والمناضد، والتابلوهات، والمرايا، والكونصول. يبقى أن تعرف وتميز الأنتيك الفرنسي عن الإنكليزي والهندي وغيره ونتعايش مع طبيعته قليلاً لكي نتمكن من تجهيز مكان مناسب له في البيت أو بمساعدة مهندس ديكور.
إذا انتقلنا إلى الخطوة السادسة، فهنا لا نفضل تزاحم المكان بأنتيكات مختلفة تشير كل منها إلى زمن بعينه، بل يجب أن تنفرد كل قطعة بمكانها المميّز ويمكن وضع أكثر من عنصر يتناغم مع غيره في التشكيل الفني والخامة واللون، ولا يمثل صخباً وتزاحماً مثيراً للقلق والتشتت لمجرد إستعراض كم كبير من المقتنيات تشتت الإنتباه ولا تُركز الأنظار على قطعة بعينها، فقطعة واحدة تكفي لجذب الأنظار لتمثل مركز الجلسة أو محور المكان ويتم توزيعها في الأنحاء ومنحها وظيفة جديدة تناسب طبيعة العصر والبيت وشخصية صاحب البيت.
وتُنبه إيمان حجازي إلى أنّها لا تدعو لإقتناء قطعة واحدة في كل غرفة، لكنها تشير إلى ضرورة توظيفها ومنحها بُعداً فنياً حتى لو تعددت القطع في المكان الواحد، فالأنتيكات بطبيعة الحال تجعل البيت يبدو قصراً، لأنّها تمثل الصرحية والشموخ والرقي، ووجود كل قطعة بمفردها يبرز جمالها وقيمتها التاريخية، لقيامها بدور العنصر البارز واللافت في المكان بحيث إن أي إكسسوار إلى جوارها يصبح مكملاً لها، وليس العكس.
ولمزيد من الرفاهية تدعو الفنانة إيمان إلى ضرورة إيجاد رابط قوي بين كل قطعة وأخرى في المحيط الواحد. ولا يتطلب الأمر خبيراً، فمن يعشق إقتناء الأنتيك لديه بالفطرة عين فنية تستطيع فرز فنون كل قطعة وإيجاد رابط فني بمجرد النظر أو من خلال الإستشعار الفني، لتظل البيوت مُريحة ومبهجة بها بعد فني وتاريخي يبعدنا عن الإرهاق والملل والتعب، ويعود بنا إلى زمن الفن الجميل.

ارسال التعليق

Top