• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ثمار الحب

ثمار الحب
إننا لا نلمح الحُب بأعيننا ولا نلمسه بأناملنا، لكننا نبصره ببصيرتنا، ونستشعره بأرواحنا، إنّه من أكثر ما يمنح الحياة معنى ويضيف إليها آفاقاً رحبة، إنّه يمحق بنوره كل الألوان السوداء المترسبة في أعماق القلب، ويشيع البهجة والسعادة في الحياة، إنّه يصنع المعجزات التي لا تقدر على صناعتها كل قوى العالم المادي بآلاته الصّماء وأجهزته الخالية من أي روح، والحب يفتح لروح الإنسان أبواباً لم يرها من قبل، فتطلّ على واحات رائعة الجمال، واحات مهما أسهبنا في وصفها لن نتمكن من إعطائها حقّها، لن يتحسّسها إلا من دخلها من أبوابها بسلام، فتشعره بأمان وطمأنينة، حينها يرى روعة الحياة من خلال منظار الحُب السوي. أمّا مَن يحاول التسوّر والدخول غير المشروع من النوافذ، فإنّه قد يرى شيئاً من تلك الواحات لكنه سيظل متلبّساً بلباس الخوف والإضطراب، فتعميه حالته المتذبذبة عن رؤية حقيقة الحب والحياة، كأولئك الذين ينغمسون في وحل الرذيلة عبر العلاقات المحرّمة، مصورين أفعالهم بأنّها ممارسة للحب المشروع. إنّ حقيقة هذا الحب الكبير تتمثّل في العلاقات الزوجية بين الرجل والمرأة في مشروعيتها وإستقرارها وهدوئها، ولا يتحقق الحب من خلال علاقات البغاء والصداقات وجميع أشكال العلاقات غير المشروعة بين الرجل والمرأة، لأنّ العلاقة الزوجية مرتع لسكن الروح، وهي لباسها، وطمأنينتها، وقطعاً سيكون الحب هو المكمّل الأمثل لذلك المشهد.. وقد يدخل الكثير من الشباب في تجربة الزواج، فيستنكرون وضعهم الودّي، ولا يرضون عن علاقاتهم الزوجية، فيفضّلون حياة العزوبة وأيام الصّبا على الحياة الزوجية والإرتباط، ويتسلل هنا تساؤل: إذا كانت الحياة الزوجية سكناً وسعادة كما جاء في القرآن الكريم: (لِتَسْكُنُوا إلَيْهَا)، فلماذا لا يشعر الكثير من الناس بذلك الشعور والسكينة، فيفضّلون حياة العزوبة على الزواج؟ والجواب واضح جدّاً، ذلك لأن نسمات الحب لم تطرق أبوابهم يوماً.. ولم يتبينوا سمات ومعاني الإحساس به.. قد يظن البعض أنّ الحياة الزوجية تقوم على إبرام العقود والمواثيق بين الطرفين، لتحدّد دور كل منهما ومسؤوليته تجاه الآخر، طلباً للسعادة، لكنهم لم يبرحون ساعتهم حتى تباغتهم حالات السأم والإكتئاب، ويصطدموا بخواء المعيشة، والروتين القاتل، فتذهب جهودهم أدراج الرياح. علينا أن نعي أنّ الحياة الزوجية ليست مصنعاً للمواد الخام أو شركة إستثمار، يزيد في إنتاجها كثرة إبرام العقود والصفقات بين الأطراف المتعاملة في السوق.. إنّما هي علاقة إنسانية حميمية تحتاج إلى مزيد من الحب، لكي تثمر ثمارها الطيبة، وتبث أريجها الباعث على تسلّق المجد.. يقول مؤلف جامع السعادات: "لو استحكمت رابطة المحبة وعلاقة المودة بين الناس لم يحتاجوا إلى سلسلة العدالة – التي تقوم على توزيع الحقوق والواجبات بين الطرفين – فإنّ أهل الوداد والمحبة في مقام الإيثار ولو كان بهم خصاصة، فكيف يجور بعضهم على بعض، والسِّرُّ أن رابطة المحبة أتمّ وأقوى من رابطة العدالة، لأنّ المحبة وحدة طبيعية جبلية، والعدالة وحدة قهرية قسرية، على أنّها تنتظم بدون المحبة". وللمحبة آثار خلاّقة وأساسية في الحياة الإنسانية تسهم في دفعها للأمام، وتؤثِّر في أعماق النفس لتشعرها بحقيقتها وبالأشياء من حولها، وسنبدأ الآن بالمرور على تلك الآثار والثمار ونلتقطها الواحدة تلو الأخرى.. المصدر: كتاب الحُب في العلاقات الزوجية

ارسال التعليق

Top