• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف نعالج التأخّر الدراسي للأبناء

كيف نعالج التأخّر الدراسي للأبناء
 صار كثير من الآباء يَشكُون في زماننا من تأخر أبنائهم في المدرسة، ويتساءلون عن السبب، ويطلبون بإلحاح معالجة هذه المشكلة وحلها، ويناشدون كل المسؤولين عن التربية وكل العاملين في ميدانها أن يتعاونوا من أجل ذلك، حتى ينجح أبنائهم في الدراسة ويحققوا التفوق المنشود. وقد كتب عن هذه الظاهرة الكثير (تشخيصاً وعلاجاً) وسندلي دلونا في هذه المشكلة، فنُعرِّف التأخر الدراسي عند التلاميذ، ونعدد أسبابه، ونذكر طرق العلاج والحل، عسى أن يكون ما نقدمه دليلاً للآباء والمعلمين وغيرهم من المربين ليعالجوا المتأخرين بالتي هي أحسن. -        تعريف التأخر الدراسي: يدخل الأطفال المدرسة لأول مرة، فيداومون في الصف الأول وأعمارهم واحدة أو متقاربة، وبعد سنة أو سنتين أو أكثر يبدو لنا التلاميذ في الصف الواحد قد انقسموا أقساماً ثلاثة من حيث التحصيل الدراسي: فئة متفوقة مجتهدة تستوعب كل ما في المنهاج وتبدع فيه، وفئة متوسطة قابلة للتحسن والتطوّر، وفئة دون الوسط أو ضعيفة. هذه الفئة الأخيرة هي المتأخرة دراسياً!! فالتلميذ المتأخر دراسياً: هو التلميذ يقصر تقصيراً كبيراً في حفظ المنهاج وفهمه وتمثّل ما فيه في حياته لأسباب عديدة – سنأتي على ذكرها –. والتأخر الدراسي قد يكون جزئياً في مادة أو مادتين كالتأخر في الرياضيات أو القراءة أو غيرهما، وقد يكون عاماً في أكثر المواد أو في جميعها. -        أسباب التأخر الدراسي: بعد مراقبة التلاميذ المتأخرين دراسياً تبيَّن أن أسباب التأخر الدراسي، إما أن تكون أسباباً عقلية أو جسمية أو نفسية انفعالية أو بيتية أو مدرسية. 1-الأسباب العقلية: قد ينجم التأخر الدراسي عن انخفاض في ذكاء التلميذ أو ضعف في إدراكه أو تذكره أو الملاحظة لديه، أو ضعف في القدرة اللغوية أو الحسابية، أو انخفاض القدرة على الانتباه، وكثرة الشرود عنده!! 2-الأسباب الجسمية: فالتلميذ الذي لا ينال حظه من التغذية الجيّدة أو المصاب بمرض دائم، يغدو نحيل الجسم، خائر القوى، هامد الذهن، وهذا كله يؤثر على قدراته فيتأخر دراسياً، كما أن الضعف في سمعه أو بصره يحجب عنه الكثير مما يقوله المعلم أو يعرضه، ولا تصل إليه المعلومات بشكل واضح ومفهوم، وهذا يؤثر على مستواه الدراسي. 3-الأسباب النفسية والانفعالية: ومن أسباب تقصير التلاميذ في التحصيل الدراسي الخمول داخل الصف وخارجه (الكسل) والخجل وفقدان أو ضعف الثقة بالنفس أو كره مادة من مواد المنهاج، أو كره المعلم أو المعلمة اللذين لا يحسنان التعامل معه داخل الصف. وقد يصرفه الشغب عن المعلم فيفوته الكثير مما يقدمه أثناء الدرس، كذلك التلهي بما بين يديه من أشياء يشغله عما يحدث حوله في الصف من قراءة وشرح وأسئلة وعرض مما يضيِّع عليه المعلومات. 4-أسباب بيتيَّة: إن خلافات الأبوين، أو انفصالهما، وفقدان الطفل للحب والحنان أو فقدان الجو المناسب للدراسة في المنزل، أو معاناة الأسرة من الفقر، وحرمان الطفل من حاجات كثيرة، فيتأخر الولد في دراسته، ويتخلف عن ركب الناجحين. وبالمقابل فإن الغنى قد يؤدي إلى دلال الطفل الزائد وتأمين كل ما يحتاجه فينشأ الطفل اتكالياً يحب الدعة والراحة ليس لديه طموح، فيميل إلى الراحة واللعب واللهو والعبث، ويكره الجد والاجتهاد والتعب والنصب في طلب العلم... 5-   أسباب مدرسية: مثل التغيب المتكرر عن المدرسة، أو الهروب من وقضاء وقته في الشوارع مع عصابات الشر. وقد يؤثّر على التلاميذ نقل المعلم الذي يحبه التلاميذ وينسجمون معه، أو كثرة غياب المعلم واستبداله بآخرين مؤقتين، أو فقدان عناصر التشويق في درس المعلم. أو التفافه حول رفاق السوء المتأخرين من قبله، أو كره الجو المدرسي، أو عدم تقبله للمنهاج، أو أنه يجد فيه صعوبة في فهمه والإجابة عن تدريباته ومسائله، فيميل للكسل والخمول مما يؤدي إلى تأخره. هذه الأسباب إذا اجتمع العديد منها لدى تلميذ تؤدي به إلى الرسوب، وإن تركت ولم تعالج ولم يقض عليها، عندها يتسرب التلميذ من المدرسة أو يهرب كلما سنحت له الفرصة، ويصبح نجاحه صعب المنال، نتيجة لفوات كثير من المواد الدراسية عليه وعدم حفظه وفهمه لها. ويمكن الكشف عن أسباب التأخر الدراسي بالملاحظة أو روائز الذكاء أو بالفحص الطبي أو متابعة حالة التلاميذ في المدرسة والبيت. وعندما يتم الكشف عن الأسباب لدى أحد التلاميذ أو لدى مجموعة، علينا أن نسارع إلى اتباع كل الطرق العلاجية لها، كي لا يستشري التأخّر الدراسي في صفوف أبنائنا التلاميذ. -        علاج المتأخّرين في الدراسة: إن العلاج لمرض من الأمراض أو لظاهرة من الظواهر، يكون بالقضاء على الأسباب التي أدت إلى المرض أو الظاهرة. ولإسعاف التلاميذ المتأخرين دراسياً، يجدر بنا أن نزيل الأسباب العقلية والجسمية والنفسية والبيتية والمدرسية التي أدت إلى التأخر الدراسي. ويتم ذلك بمعالجة كل تلميذ على حدة أو بشكل جماعي. فإذا عرفتُ أن ابني متأخر في الدراسة عن طريق علاماته في الامتحان الشهري أو من بطاقته المدرسية أو من معلمه، أبحث عن الأسباب مع معلمه، فإن كان السبب انخفاضاً في ذكائه وإدراكه وقدرته على الاستيعاب، أو ضعفه في مادة من المواد، أعمد إلى تدريسه في البيت بالإضافة إلى المدرسة، أو تخصيص معلم يفهم حالته، فيشرف على تدريسه، ويعيد له الشرح والتعليل ويناقشه في مسائل الدروس حتى يتجاوز التقصير. أو أتعاون مع معلم صفه ليعتني به أكثر، ويدعوه للمشاركة في الدرس، ويلفت انتباهه إن شرد، ويتابع واجباته المدرسية، مع تصميم على دفع التلميذ نحو الأمام بكل السبل المتاحة، والاستمرار في تلك المساعي. وإذا كان السبب صحياً كمرض أو ضعف في حاسة من حواسه، أعالج مرضه وضعفه وأقدم له الأغذية اللازمة لنمو جسمه ولتكسبه حيوية ونشاطاً. أو أطلب من معلمه وضعه في المقاعد الأمامية إن كان يعاني من ضعف في السمع أو البصر، مع وضع نظارات مناسبة لعينيه أو أجهزة لتقوية سمعه. أما إذا كانت الأسباب نفسية أو انفعالية: فإنني أقوي فيه الثقة بنفسه وأفهمه أن لديه قدرات وإمكانات لا يستهان بها، وأدربه على الجرأة الأدبية ومقابلة الآخرين والتحدث معهم، لأزيل الخجل والإحجام عنده. وأغرس في نفسه حب العلم، وأبيِّن له فوائده على مستوى الفرد والجماعة وإن كان السبب عدم انسجامه مع معلمه أو زملائه، أتعاون مع المدرسة لإزالة هذه الحواجز ولو كلفني الأمر إلى صف آخر أو مدرسة أخرى. وإذا كانت علته الشغب وحب اللعب واللهو الزائد داخل الصف، أترك له وقتاً كافياً للعب خارج المدرسة وفي داخلها أثناء الفرص ودروس الرياضة، لكي يأخذ حظه من اللعب، فلا يلعب ولا يشاغب داخل الصف أو يقل لعبله وشغبه، وأقنعه أن غرفة الصف جُعلت خصيصاً لتلقي العلم، وأطالب المعلم بتوجيهه، وتحذيره من الشرود عن الدرس. وعلى المدرسة والبيت أن يعالجا – متعاونين – قضايا الهروب والغياب والتسرب المدرسي، وتفقد أحوال التلميذ ومعرفة أصحابه داخل المدرسة وخارجها، وإبعاده عن رفاق السوء إن وجدوا. وعلى الإدارة المدرسية أن تحرص على استقرار تعيين المعلمين منذ بداية العام في الصفوف، وتسعى جاهدة لتأمين المعلمين لجميع الصفوف، وأن لا تنقل المعلمين من صف إلى صف إلا للضرورة والفائدة. وأن تعمد مدريرة التربية إلى إصدار تعيين المعلمين والمدرسين قبل افتتاح المدارس لكي لا يتأخروا عن صفوفهم. وقد تقوم المدرسة بإشراف مديرية التربية بجمع التلاميذ المتأخرين دراسياً في صف واحد، وتعيين معلم كفء لهم يمكنه أن يتعامل معهم بحكمة ودراية، ووضع منهاج خاصّ لهم... أو تترك التلاميذ المتأخّرين في صفوفهم، وتطالب المعلمين بالانتباه إليهم ومعالجة كل تلميذ منهم على حدة، بما يسمح به الوقت داخل الدوام المدرسي. ومما يساعد المعلم على مهمته هذه تقليل عدد التلاميذ داخل الصف الواحد ليتمكن المعلم من إعطاء كل تلميذ حقه من الرعاية والمشاركة الفعّالة في الدرس. ومن الضروري ونحن في زمن التخصص والتطوّر التربوي، أن نستعين بخبراء نفسيين وتربويين في علاج الحالات النفسية والانفعالية التي تؤثر على سير التلميذ في الدراسة. وأخيراً – وبعد أن عرفنا الكثير عن أسباب التأخّر الدراسي وطرق علاجه – ما علينا إلا أن نفكر بأطفالنا، ونهتم بهم، وأن لا ننساهم في زحمة الحياة، ونسارع إلى انتشالهم من مستنقع التأخر الدراسي، لكي تقرَّ بهم عيوننا ويكونوا من الناجحين المتقدّمين.   المصدر: كتاب تربية الطفل بين البيت والمدرسة

ارسال التعليق

Top