• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الأطفال.. بريئون من فتور العلاقة العاطفية

الأطفال.. بريئون من فتور العلاقة العاطفية
   آباء وأمهات يشهدون لمصلحتهم ويرفضون اتهامهم ثمّة نظرة شائعة تقول إن قدوم الأطفال إلى أسرة جديدة، غالباً يكون على حساب راحة الوالدين، وخصماً على علاقتهما العاطفية، وذلك لاستئثارهم بالرعاية والاهتمام، حيث يُفرز هذا الوضع طرفاً خاسراً وطرفاً يعاني، ولكن هل هذا الاتهام في محله؟ سوء إدارة الوقت وقلة الخبرة ومحدوديتها وعدم الإفادة من تجارب الآخرين الإيجابية ونصائحهم، إضافة إلى بعض المفاهيم والعادات الخاطئة التي ارتبطت بتربية وتنشئة الأطفال، بعض من الأمور المتهمة بأنها تقف وراء الفتور، الذي يطرأ بدرجات متفاوتة على العلاقة بين الأب والأُم، وتطمس وهجها وتألقها في مرحلة بعد الإنجاب. وهكذا، يتبين لنا من خلال هذا التحقيق أن هناك ميلاً عاماً إلى تبرئة الأطفال من هذه التهمة التي أُلصقت بهم على الدوام، وذلك من خلال مجموعة من الآراء والتجارب التي استخلصناها من الآباء والأُمّهات، وبعض المختصين الذين التقيناهم.   - ارتباك: قدوم طفل إلى أسرة مي (ربة منزل، متزوجة منذ عامين) بعد عام واحد من زواجها، وعلى الرغم من السعادة التي أضفاها على حياتها وزوجها، ألا أنّه جعلها مرتبكة من هذا الوضع الجديد: "أشعر بالفوضى تمم حياتي، ولا أستطيع الراحة إلا بعد أن ينام صغيري، إضافة إلى ليالٍ كثيرة بتُّ لا أعرف فيها طعم النوم، وأقضي نهاري في تغيير الحفاضات وتجهيز الرضعات والحمام لصغيري". الجانب الذي يُشعر مي بالضيق، هو إحساسها بأن علاقتها مع زوجها قد بدأت تتغير. وتقول: "لم أعد قادرة على الاهتمام بشكلي وأناقتي، كما كان في أيام زواجي الأولى، فملابس الرضاعة أصبحت تملأ دولابي، وشعري بات دائماً ملفوفاً إلى الوراء على شكل كعكة". تضيف بيأس: "لا أجد أي وقت للاهتمام بمظهري". تتابع متحدثة عن رد فعل زوجها: "وجدت أن زوجي، الذي بدا أنّه غير راضٍ عن هذا الوضع، يهرب تدريجياً لينام في الصالة، متحججاً بأن صراخ الطفل يمنعه النوم، وبالتالي يؤدي إلى عدم قدرته على الاستيقاظ في مواعيد العمل". وهكذا، يبدو أنّ الفتور الذي اعترى علاقة مي بزوجها بعد إنجابها لم يعد خافياً عليها أبداً، ولكنها تشعر بالعجز عن التوفيق بين مسؤوليتها تجاه الطفل، واستعادة مظهرها وتلبية احتياجات ورغبات زوجها. لذا، هي تختم بعبارة فيها شيء من الحيرة: "لم أتخيل يوماً أن رعاية طفل تتطلب بذل هذا الكم الهائل من الجهد وتُحدث ذلك الفارق الكبير في حياة الأهل".   - سرقوا الأضواء: "في الفترة الأولى من زواجي عشت مع زوجتي أجمل لحظات حياتي، ولكن بعد مجيء الأطفال واحداً تلو الآخر، اختلف الأمر"، هذا ما يقوله جمال (مهندس مدني، متزوج منذ 8 أعوام وأب لأربعة أطفال). يضيف: "لا أقصد أنني لست سعيداً بكوني أباً، فأطفالي هم أغلى نعمة في الوجود.. لكن، على الرغم من ذلك فأنا لا أستطيع منع نفسي من الربط بين مجيء الأطفال والفتور الذي يصيب العلاقة بين الوالدين". ويشير إلى أنّه "مع قدوم كل طفل من أطفالي، يخفت ضوء اهتمام زوجتي بي، حتى صرت أعيش في ظلام إهمالها لي، وبدأت أشعر بأن اهتمامها ومشاعرها كلها يتجهان نحو أبنائها، وهذا أثّر في علاقتي بها كثيراً، حيث بتُّ أشعر بالملل والفتور في حياتي". ويقول جمال إنّه يعود إلى البيت ليجد زوجته، التي زاد وزنها كثيراً مقارنة بالفتاة الرشيقة التي تزوجها، تصرخ على أحد من أبنائه وتطارد آخر بالطعام، وتشكو من شقاوة ثالث. يتابع: "بمجرد أن ينتهي فاصل الشكوى والتذمر من الأبناء ومطاردتهم، تُعد لي زوجتي الطعام على عجل، فأتناوله وحدي، لأنّها تكون قد أكلت مع أطفالها، وعندما يحين موعد النوم تتحجج بالإرهاق وعدم قدرتها على الحديث معي. بعدها، أجدها قد غطت في نوم عميق كالميتة تماماً".   - تنظيم: للوهلة الأولى، وبعد الاطلاع على تجربتي مي وجمال، قد يبدو أنّ الأطفال هم السبب الرئيسي في الفتور الذي يعتري علاقتهما الزوجية. ولكن عندما طرحنا القضية على عدد من الأزواج، الذين سألناهم عن مدى تأثر حياتهم الزوجية سلبياً بقدوم الأطفال، لمسنا رأياً مختلفاً، إذ ينفي كايد محمد (طبيب أسنان، متزوج منذ 40 عاماً وأب لشابين) "أن تكون مسألة الانخراط في رعاية الأطفال هي التي تغير العلاقة بين الزوجين". ويقول: "لم تتأثر علاقتي سلباً بزوجتي أبداً بعد قدوم أطفالي، واستمرت جذوة الحب والاهتمام بيننا إلى اليوم، وأظن أن ذلك يعود إلى مدى قدرة زوجتي على الإمساك بزمام الأمور، وإلى أنها لم تدع للأمومة الفرصة لتأخذها مني أو تشغلها عن منزلها وتبعدها عن الاهتمام بنفسها، إذ نجحت في تقسيم وقتها بمهارة بين الاهتمام بأطفالها ورعايتهم وواجباتها الزوجية، ولم تقصر في أحدهما على حساب الآخر". ويؤكد د. كايد أن "قدرة المرأة على إبعاد شبح الفتور والملل، الذي قد يجلبه الأطفال إلى علاقة والديهما، تعتمد على مستواها الثقافي والاجتماعي"، لافتاً إلى أنّه "لكما حظيت المرأة بدرجة أعلى من التعليم، استطاعت أن تنظم وقتها وتقسمه بين أطفالها وزوجها، فلا يشعر أيٌّ من الطرفين بالإهمال".   - مجرد مرحلة عابرة: لا تنفي العنود العمر (ربة منزل، متزوجة منذ 3 أعوام وأم لطفلة) أن تكون الفترة التي تلي الإنجاب مباشرة (الأربعة أشهر الأولى) "من أصعب الفترات في حياة الأُم، حيث يحتاج فيها الطفل إلى رعاية خاصة، بسبب نومه المضطرب في هذه الأشهر، وهذا ما يجعلها تلبي احتياجات طفلها على حساب علاقتها بزوجها". لكن، بعد ذلك تواصل العنود كلامها قائلة: "إنها مجرد مرحلة عابرة، بعدها تستطيع المرأة أن تدير حياتها وتوزع اهتمامها بين نفسها وطفلها وزوجها بالتساوي، إذ ليس للأطفال أي ذنب في ما يعتري حياة والديهما من تغيُّر، بل تأثيرهم دائماً يكون لمصلحة العلاقة بينهما".   - براءة الأطفال: من جهتها، تقول هدى نشأت (أم لطفلين) التي تبرئ بدورها الأطفال من التسبب في إطفاء جذوة العلاقة بين والديهما: "إنّ السبب يعود إلى أنانية الزوج ورغبته في أن يكون أهم شخص في البيت طوال الوقت". وترى هدى أن "موقف الزوج غير المتعاون أمام مسؤوليات الإنجاب، وغير المتفهم طبيعة الوضع الجديد، هو الذي يقود العلاقة إلى الفتور". تضيف: "بقدوم الطفل الأوّل تتغير الظروف، وعلى الزوج أن يكون معيناً للزوجة في هذه المرحلة، وأن يبذل كل جهده لتفهُّم وضعها ومسؤولياتها الجديدة، كما أن مشاركته إياها في رعاية الطفل، تقرِّب بينهما أكثر وأكثر، وبالتالي تمنع العلاقة بينهما من الانزلاق في هاوية الفتور".   - حب وتفاهُم: مع عدم ميلها إلى تحميل الأطفال ورعايتهم مسؤولية إهمال الزوجة نفسها وزوجها، إلا أن هدى زعزع (متزوجة منذ 22 عاماً، لديها 5 أبناء) تقول: "لا نستطيع أن نتغاضى عن حقيقة أن رعاية الأطفال تستحوذ على جزء كبير من جهد الزوجة ووقتها، فيتوزع يومها بين رعايتهم وتدريسهم، والعناية بهم وفض مشاكلهم الطفولية، وحين تلتفت آخر اليوم، تجد أن طاقتها قد نفدت ولم يتبقَّ لنفسها ولا لزوجها شيء. ولكن مسألة الفتور العاطفي بين الزوجين، لا علاقة لها بهذه الظروف من قريب أو من بعيد". تجد هدى أنّه "إذا كان صادقاً الحب والتفاهم بين الزوجين، فلابدّ أن تبقى جذوة العلاقة مشتعلة بينهما في كل الأحوال، وبذلك يقبل الزوجان بكل التغيرات الطبيعية التي تطرأ على حياتهما، من إنجاب ورعاية للأطفال من دون أن يؤثر ذلك في حياتهما ودفء العلاقة بينهما".   - مسؤولية مشتركة: وفي موقف مؤيد لما قالته هدى، تؤكد جمانة شنطاوي (متزوجة منذ 6 أعوام وأم لطفلتين) أنها تحبذ ألا تُلقي بالفتور والملل اللذين يصيبان حياة أي زوجين على شماعة الأطفال. وتقول: "صحيح أن قدوم الأ"فال يفرض أعباءً على الأسرة الجديدة، لكن لابدّ أن تكون المسؤولية مشتركة بين الزوجين". تضيف: "من الضروري أن تحافظ المرأة على زوجها، من خلال اهتمامها بنفسها وبشكلها الخارجي، وألا تستسلم لتلك الظروف التي ترهقها. وعلى زوجها بدوره أن يُشعرها بأن رعاية هذا الطفل مشتركة بينهما، ويساعد في كل المهام، سواء أكانت متعلقة بالبيت أم بالطفل، خاصة إذا لم يكن هناك مُعين لها سواه". وتكشف جمانة أنها تؤمن بأنّ "الزوجة ستقدّر هذه المساعدة، وتحاول قدر الإمكان الاهتمام بزوجها، وتُخرج طاقاتها الكامنة لتذيب الفتور في حال أصاب حياتهما".   - السبب الزوجة: من جهته، يشير مالك مراد (متزوج منذ 4 أعوام وأب لطفل وطفلة) إلى أن "نسبة مسؤولية الأطفال عن الفتور الذي يصيب العلاقة بين الأهل في بعض الحالات تبلغ 30 في المئة". ويقول: "هم ليسوا سبباً رئيسياً في برود العلاقة الزوجية، لكن قدومهم يجعل الزوجة تنشغل بتربيتهم ورعايتهم، ما قد يبعدها عن الاهتمام بزوجها ويحد من وقتها المخصص له، بسبب عدم وجود الخبرة الكافية لتنظيم وقتها، واهتمامها بصغيرها وزوجها في وقت واحد". يضيف: "في الحقيقة إن من النساء من يترهل جسمها وتفقد جمال قوامها ورشاقتها بعد الإنجاب، وكلها عوامل متعلقة بالأطفال، تجعل بعض الأزواج ينفرون منها ومن البيت". لكن مالك يرى أن "حل هذه المشكلة بيد الزوجة وحدها، حيث إن عليها إيجاد توازن بين تأديتها مختلف واجباتها، كي تتفادى إحساس زوجها بعدم الاهتمام به وإهماله، وتكريس كل حياتها لأطفالها".   - دور الرجل: ويبدو أن وجهة النظر السابقة لا تمثل صاحبها فقط، إذ يتفق معها عامر على (موظف، متزوج منذ 6 أعوام تبعد أن أطفالها تهمة التسبب في فتور العلاقة بينها وبين زوجها، وأن تعوّد نفسها على الحياة الجديدة، وهي العلاقة الثلاثية بينها وبين زوجها ووليدها، وأن تؤقلم نفسها على أنها أصبحت مسؤولة عن شخصين، فعليها أن توزع الاهتمام بينهما، ولقد منحها الله طاقة وقدرة على العطاء تؤهلانها لذلك". لكن عامر لا يغفل أبداً "دور الرجل في المحافظة على دفء العلاقة بين الطرفين بعد قدوم الأطفال"، قائلاً: على الزوج كذلك أن يراعى طبيعة العلاقة بينه وبين زوجته، قبل وبعد قدوم طفل إلى العائلة".   - تغيُّرات حقيقية: لكن، ماذا يقول المختصون حول هذه القضية؟ وهل الأطفال بريئون بالفعل من تهمة خلق الفتور بين الزوجين؟ تؤكد أخصائية علم النفس، الدكتورة مها عبدالحليم أن "قدوم الأطفال إلى حياة الزوجين، يمثل مصدراً للترابط وحماية لهما ضد المشاكل العاطفية والخلافات الزوجية، إذ يشكل الأطفال وحدة اهتمام مشترك تجمع آمال وطموحات الأبوين المستقبلية". ولا تنفي د. عبدالحليم "حدوث الكثير من التغيرات التي قد تصاحب قدوم طفل جديد إلى الأسرة". وتقول: "على المستوى النفسي، نجد أنّ الأُم تشعر ببعض الأعباء الجديدة، لكونها المسؤول الوحيد عن رعاية وإطعام ونظافة المولود الجديد، وتحدث لها بعض التغيرات الفسيولوجية، حيث يمكن أن تتعرض لزيادة الوزن، إذ إنّ إنجاب الأطفال يؤثر في قوام المرأة ورشاقتها، وهذا من العوامل التي قد تكوت ذات تأثير في إنجذاب الزوج إلى زوجته، إضافة إلى بعض التقلبات المزاجية، حيث إن تغير الهرمونات في جسد المرأة بعد الولادة، يؤدي لدى بعض النساء إلى ميول اكتئابية، إضافة إلى الإرهاق الزائد بسبب عدم انتظام مواعيد نوم الطفل، وعدم تمكن الأن من الحصول على ساعات نوم كافية خلال اليوم، ما قد يؤدي في بعض الأحيان إلى قلة العطاء النفسي والجسدي لشريك الحياة". هذا في ما يتعلق بالمرأة. أما في ما يخص الرجل، فتوضح د. عبدالحليم، أن "أول ما يشعر به هو تحول اهتمام زوجته إلى الطفل بدلاً منه، ويبدأ الصراع داخله بين رغبته في الحصول على الاهتمام نفسه، وتفهُّمه هذه التغيرات، وقد يقود عدم تقدير بعض الأزواج هذه المسؤولية الجديدة والتغيرات التي طرأت على حياتهم، إلى الفتور والبرود بين الواحد وزوجته". وتشدد د. عبدالحليم على "ضرورة أن يبذل الزوجان جُلّ جهودهما في هذه المرحلة الحساسة، في سبيل حفظ التوازن والاستقرار الأسري. وذلك عن طريق الحوار والمصارحة بكل ما يعتريهما من مشاعر غير مريحة، وعدم بناء المواقف على التصوّرات الفردية، كأن يشعر الرجل بأنّ زوجته تحب أطفاله أكثر منه، أو تحس الزوجة بأنّ زوجها لا يشاركها متاعبها في رعاية الطفل. فمن المهم ألا يشعر الزوجان بأن قدوم الطفل له أثر سلبي في سعادتهما، أو بأنّه كان سبباً في الفتور أو اختلال الانسجام بينهما. كما أنّ من المفيد، من وجهة نظرها، أن يتزود الطرفان بالمهارات اللازمة لتخطي هذه المرحلة بسلام، والانخراط في إنشاء العائلة الجديدة، كي يتحول الطفل إلى مصدر سعادة بين الأبوين وليس سبباً للتنافر والفتور".   - موروث اجتماعي: من ناحيته، ينفي أستاذ علم الاجتماع، المشارك في "جامعة الشارقة" الدكتور أسامة عبدالباري "إمكان أن يشكل قدوم الأطفال إلى الأسرة أياً من أنواع الفتور بين الأبوين"، وهو يعزو إلى عوامل أساسية أخرى التسبب في ذلك. ويقول: "هناك ظلم وتجنٍّ كبيران على الأطفال، حينما نقول إنهم يسهمون في برود العلاقة بين والديهما، لأنّهم هدف سامٍ من أهداف الزواج". ويستطرد متابعاً: "يُكمن الإشكال في أنّ الأطفال يمثلون نمطاً جديداً من الحياة، لم يستعد له الأبوان بشكل كافٍ، ومن ثمّ يحدث الصدام مع تعدد المسؤوليات الملقاة على عاتق الأبوين، والأم على وجه الخصوص، ما يؤدي إلى عجزها عن مواجهة هذا النمط الجديد من الحياة، حيث تضطر إلى توجيه الجانب الأكبر من اهتمامها نحو أطفالها، خاصة أنهم في بدايات عمرهم ولديهم احتياجات عديدة، والأُم هي المسؤول الأول عن تلبيتها". يضيف د. عبدالباري: "من جانب آخر، فإن تعدد هذه المسؤوليات، إضافة إلى ما يُعرف باكتئاب ما بعد الولادة، ينعكسان سلباً على رشاقة الأُم واهتمامها بمظهرها. وبدلاً من أن تعتمد على شكلها وأناقتها، كعامل أساسي في جذب انتباه زوجها والاحتفاظ به، فإنّها تعتمد على الإنجاب والذرية كعامل بديل، يمنحها الشعور بالأمان والاطمئنان إلى ولاء الزوج لها وإخلاصه، خاصة أن من ضمن موروثاتها الثقافية والاجتماعية، يمثل الأطفال إحدى أهم نقاط القوة بالنسبة إلى الأُم، حيث يدعم ذلك مركزها الاجتماعي، ووضعها العائلي، الذي لم يعد في حاجة إلى أن تُفرط المرأة في التجمل لتعزيز هذه المكانة". ويلفت الدكتور عبدالباري إلى دور المجتمع في تكريس هذه النظرة، ويقول: "إنّ العادات والتقاليد تلعب دوراً في انصراف الزوجة عن الاهتمام برشاقتها بعد الإنجاب، والتي تنادي بأن تتناول الأُم أكبر قدر من الغذاء المفيد، حتى يساعدها ذلك على مسألة الرضاعة الطبيعية التي تهتم بها المنطقة العربية بشكل كبير، والتي أثبت العلم الحديث مدى أهميتها بالنسبة إلى صحة الأُم والطفل على السواء، فلا تجد الأُم حرجاً في أن يزيد وزنها، إذ إن الكل يجد لها العذر في مظهرها هذا باعتبارها أماً ومرضعاً". وفي سياق متصل يقول الدكتور عبدالباري: "نستنتج من ذلك أنّ الأطفال، على الرغم من المسؤولية الكبيرة التي تترتب على إنجابهم، إلا أنّ هذه المسؤولية محببة إلى نفوس الوالدين، ولا تمثل على الإطلاق أي مصدر من مصادر الفتور بينهما، وأنّ المسؤول بشكل أساسي عن هذا الفتور، في حال حدوثه، وهو قلة خبرة الزوجين في التعامل مع مستجدات الأحداث، التي تتمثل في الإنجاب، وتنوُّع الأدوار الجديدة الملقاة على عاتق الوالدين". ويجد الدكتور عبدالباري أن "هناك إشكالاً آخر، يتمثل في سيطرة العقلية الذكورية على الكثير من الآباء، الذين ينفضون عن كاهلهم عبء المشالكة في تحمل جزء من مسؤوليات الأطفال، باعتبار أنّ الموروث الثقافي والاجتماعي، يؤكد أنّ هذه مسؤولية ودور الأم". ويقول: "كل هذه العوامل تتضافر لتؤدي إلى إهمال نسبي ف احتياجاتها تجاه نفسها وتؤثر في شكلها ومظهرها". ويختم بالإشارة إلى أن "هذا لا يعني أن تهمل الأم أطفالها أو نفسها، ولكن عليها القيام بعملية المواءمة بين تلك الأدوار المختلفة، ولعل العديد من البرامج التلفزيونية والإعلامية والمقالات، تمثل خير معين للأُم في مواجهة هذه المرحلة".

ارسال التعليق

Top