• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

نجاحُكِ ومحبوبيتكِ في العلاقة مع الوالدين

نجاحُكِ ومحبوبيتكِ في العلاقة مع الوالدين

1-  بر الوالدين يقرّب إلى الله:

أمرَ الإسلام ببرّ الوالدين وجعل برّهما أحبُّ الأعمال إلى الله تعالى بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام بعد الشهادتين.

قيل للإمام الصادق (ع): "أيّ الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها وبرّ الوالدين والجهاد في سبيل الله".

والإحسان إلى الوالدين من أفضل المقرّبات وأشرف السعادات، وإطاعتهما واجبة وطلب رضاهما حتم؛ ولذلك ورد الحث والترغيب إليه.

قال سبحانه وتعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء/ 23-24).

وقال سبحانه وتعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (النساء/ 36).

وقال رسول الله (ص): "برّ الوالدين أفضل من الصلاة والصوم والحج والعمرة والجهاد في سبيل الله".

وقال (ص): "من أصبح مُرضّياً لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى الجنّة".

وقال (ص): "من أصبح مُسخِطاً لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى النار".

وعن الإمام الرضا (ع): "برّ الوالدين واجب وإن كانا مشركين، ولا طاعة لهما في معصية الخالق".

وعن النبيّ (ص): "من أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين".

وورد في بعض الأخبار القدسية: "بعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني لو أنّ العاقّ لوالديه يعمل بأعمال الأنبياء جميعاً لم أقبلها منه".

وروي أيضاً أنّ أوّل ما كتب الله في اللوح المحفوظ: "إني أنا الله لا إله إلا أنا من رضي عنه والداه فأنا منه راض، ومن سخط عليه والداه فأنا عليه ساخط".

وعلى المرأة بالذات أن تكون شديدة الاهتمام بتكريمهما وتعظيمهما واحترامهما ولا تقصّر في خدمتهما وأن تُحْسن صبحتهما، وكلما بالغ الإنسان في التذليل والتخضع لهما كان أجره أزيد وثوابه أعظم عند الله تعالى.

والمرأة التي تريد النجاح في معاملة الوالدين يجب عليها اتّباع أمر الله ورسوله (ص) به من برّهما وتجنّب ارتكاب ما نهى الله ورسوله عن عقوقهما. لأنهما أحسن الناس بعد الخالق المنّان بالشكر والإحسان والتزام البرّ والطاعة له والإذعان ومن قَرَنَ الله الإحسان إليهما بعبادته وطاعته وشكره بشكرهما وهما الوالدان وقد أكد القرآن وجوب برّ الأُم بالخصوص ورعايتها لأنّ عليها الثقل الأكبر.

قال سبحانه وتعالى: (وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا) (الأحقاف/ 15).

هذا النص القرآني يستعرض مُقاساة الاُم بسبب حملها مشقة وتعباً من وهن وغثيان وثقل وكرب وأرق وتغيرات نفسية وبدنية إلى غير ذلك مما تعاني الحامل من التعب والمشقة ووضعتها بمشقة أيضاً من الطلق وشدته وآلام الولادة ومعاناتها ثمّ أرضعتها وهي في سن الرضاعة وقامت على خدمتها ورعايتها وتعبت وسهرت ليلها في ذلك.

ولعل جوهر الإحسان ألّا تتعرّض لسبّها ولا تعقّها فإنّ ذلك من الكبائر بلا خلاف وبذلك وردت السنة الشريفة أنّ عقوق الوالدين من أكبر الكبائر.

وقد أكدّ أهل البيت (عليهم السلام) ضرورة برّ الوالدين، وأنّ أدنى العقوق كلمة (أف).

روي عن الإمام الصادق (ع): "أدنى العقوق: (أف) ولو علم الله شيئاً أهون منه لنهى عنه".

فلا يجوز النظر إلى الأبوين إلّا برحمة ورقّة، ولا رفعُ الصوت فوق أصواتهما ولا اليد فوق أيديهما ولا التقدّم عليهما.

وهو معنى قوله سبحانه وتعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) (الإسراء/ 24).

فعليه يجب أن تجعل المرأة نفسها بحكم الآية مع أبويها في خير ذلة في أقوالها وسكناتها ونظرها ولا تُحِدَّ إليهما بصرها فإنّ تلك هي النظرة الغاضبة.

وإذا كان العكس من البر، فإنّ العقوق يُوجب سخط الله تعالى وعدم التوفيق في الدارين وله آثار سلبية ومن آثاره:

أنّ العاق مؤذٍ لله ولرسوله وللأئمة من أهل البيت واستحقاق لعذاب الله يوم القيامة وأنّ الله تعالى يمقت العاقّ ويبغضه ومن جملة آثار العقوق ما يظهر عند سكرة الموت من الأذى بسبب العقوق وبالأخص حقّ الأُم فإن لرضاها أثراً بالغاً.

جاء في خطبة الرضا (ع): "واعلم أنّ حقّ الأُم، ألزم الحقوق وأوجبها لأنّها حملت حيث لا يحمل أحدٌ أحداً ورقت بالسمع والبصر وجميع الجوارح مسرورة مستبشرة بذلك تحملته بما فيه من المكروه الذي لا يصبر عليه أحد ورضيت بأن تجوع ويشبع وتظمأ ويروى وتعرى ويكتسي وتظلم ويضحي فليكن الشكر لها البر والرفق بها على قدر ذلك وإن كنتم لا تطيقون بأدنى حقها إلّا بعون الله".

وعلى المرأة التي تريد النجاح والفوز في معاملة والديها وبالتالي النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة وكسبَ الأجر العظيم من الله تعالى أن تشفق عليها وتتذلل لهما كتذلل الإماء للسادة، وأن تترحم عليهما وتدعو لهما، وأن ترحمهما كما رحماها وترفق بهما كما رفقا بها. إذ ولياها صغيرةً جاهلة محتاجة فآثراها على أنفسهما وسهرا ليلهما وجاعا وأشبعاها وتعرّيا وكسَواها فلا تجزيهما حين يبلغان من الكبر الحدجّ الذي كانت في مثيله من الصغر، فتلي منهما ما وليا منها؛ ويكون لها حينئذ فضل التقدم، ولْتتذكر المرأة شفقة الأبوين وتعبهما في التربية ليزيدها ذلك إشفاقاً وحناناً عليهما.

 

2-  برُّ الوالدين والتعامل معهم بعد الموت:

عندما ينتقل الوالدان إلى الرفيق الأعلى ويكونان بجوار ربهما يحتاجان إلى من يبرّهما والبرّ بهما ليس مقصوراً على أيام حياتهما وإنما هو ممتد إلى ما بعد وفاتهما، فهما ينتظران من أبنائهما من يصلّي لهما ويحسن إليهما بصلاة أو دعاء أو استغفار أو صدقة أو ما شابه ذلك.

فقد وردت روايات كثيرة عن النبي (ص) وأهل بيته تحث على زيارة الموتى والبر بهم والوقوف على قبورهم وقراءة الزيارة المأثورة:

السلام عليكم يا أهل، لا إله إلا الله... وقراءة بعض السور القرآنية الشريفة كسورة الفاتحة والإخلاص ويس والقدر... إلخ.

فقد سأل رجل رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله هل بقي من برِّ أبوي شيء أبرّهما به بعد وفاتهما؟

قال: "نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهم من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما".

وينبغي للأبناء أن يتحرّوا مواطن البر لوالديهما بعد مماتهما ويحسنا إليها بأنواع صنوف الإحسان وللأم أكثر من الأب وإن كان حقّ الأب لا يستهان به لأنّ كليهما قد أوصى الله بهما سبحانه وتعالى وهذا البر والإحسان هوَ دَيْنٌ في رقبة الأبناء. ومَن أكرمَ أبويه يقضِ الله له مَن يكرمه عند سِنّه وكما تفعل تجازى وكما تدين تدان.

وإن من يَمدّ يد الإحسان إلى والديه في حياتهما ومماتهما يوفّق في الدنيا والآخرة وهذا ملموس لمس اليد في الحياة الدنيا بخلاف من يعقّ والديه فإنّه يُحْرَم من التوفيق ومدّ يد الإحسان إليه، وتُضربُ عليه الذلة والمسكنة وهذا هو الخسران المبين.

وقد ورد عن أبي جعفر (ع) قال: "إنّ العبد ليكون باراً بوالديه في حياتهما ثمّ يموتان فلا يقضي عنهما ديونهما ولا يستغفر لهما فيكتبه الله عاقّاً، وإنّه ليكون عاقّاً لهما في حياتهما غيرَ بارّ بهما فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما فيكتبه الله بارّاً".

وعلى المرأة أن تعلم أنّ الله تعالى يعلم ما في النفوس.

قال سبحانه وتعالى: (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا) (الإسراء/ 25).

فإنّ الله – عزّ وجلّ – يعلم ما في نفس البنت من اعتقاد الرحمة بالوالدين والحنوّ عليهما أو مِن غير ذلك من العقوق، أو من جعلت ظاهر برّهما رياء.

 

المصدر: كتاب كيف تكون المرأة ناجحة ومحبوبة

ارسال التعليق

Top