• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ثقافة الصمت

ثقافة الصمت

   غارقون نحن في الثرثرة.. ثرثرة في كلِّ نواحي الحياة: في العمل، في البيت، داخل الأسرة، بين الأصدقاء.. وفي وسائل الإعلام، وهنا حدّث ولا حرج.. ثرثرة لا تتوقّف، ليلاً نهاراً، عبر الفضائيّات، والإذاعات، والمحطّات كافة، وصولاً إلى الصحافة المكتوبة. عالم قائم على الكلمات الواهية، الفارغة، وعلى إشعال مستمرّ لكلِّ المَلَكَات الفكرية بالكلام المصفوف والمكدّس، والفاقد للعمق.

أيام كنّا في المدرسة، درّبتنا إحدى المعلّمات على الصمت. استغربنا، ولم نفهم ما تريد. لكنها، وعلى مدى فصل دراسي كامل، كانت في آخر حصتها، تنهي الدرس، بالطلب إلينا التزام الصمت، من دون أن يكون ذلك لحدادٍ أو لمناسبة حزينة. وتضيف: افعلوا ذلك في بيوتكم.

كانت تصرّ على ترسيخ فكرة واحدة في أذهاننا، مفادها أنّ كلَّ شخص فينا يحتاج على الأقل، إلى خمس عشرة دقيقة من الصمت، ليصغي إلى نفسه، وتلحّ علينا، أننا إذا لم نمرِّن أنفسنا على الصمت، فإننا لن نتمكّن من احترام صمت الآخرين.

الصمت ليس فراغاً، وليس افتقاراً إلى موضوعات للحديث أو النقاش، وإذا تعوّدنا أن نصمت، نمنح أنفسنا فرصة ثانية لمراجعة ما علينا قوله، قبل أن نتفوّه به ويصبح مِلكاً الآخرين، ودليلاً على مستوى تفكيرنا وطريقة فهمنا للأمور وتلقّينا لها، وفي بعض الأحيان قد يكون سبباً لحكم خاطئ، إذا تكلمنا بكلام يقلّ في معناه ومدلولاته عن المستوى الذي يتوقعه الآخرون منّا.

في كلِّ حفل اجتماعي، في معرض، أو في حفل استقبال، أتعجب كثيراً حين أرى أشخاصاً غارقين في الحديث، وأسأل نفسي دائماً: تُرى ماذا يقولون؟ فبعد الكلام والسؤال عن الصحة والعمل وحال الطقس، وزحمة السير، وسبب الحضور إلى الحفل... وبعد استنفاد الموضوعات العامة والسطحية ماذا يبقى للحديث عنه؟

... وتزداد "حشرتي" حين أشاهد الناس الذين التقوا للتوّ، ومن دون معرفة مسبقة، وهم غارقون في الأحاديث... وهنا أتذكر قولاً أجبرتنا المُدرّسة على حفظه، كما لو كان "صباح الخير"، وهو للشاعر الإغريقي يوروبيد الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، ويقول: "تكلم إذا كانت كلماتك أقوى من الصمت... وإلّا فخير لك أن تصمت".

 

أسرة لحواء: للأسف ما نلحظه في مجتمعنا وخاصة مجتمع النساء كثرة الكلام المؤدي لما توصلت إليه الكاتبة من مقالها وانتقينا هذا المقال لصفحة لحواء وذلك لأنّ هذه الصفة تنطبق على النساء أكثر من الرجال شئنا أم أبينا.

ارسال التعليق

Top