• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

علاجات طبيعية لتفادي قِصَر القامة

علاجات طبيعية لتفادي قِصَر القامة
◄هو كان أقصر طالب في المدرسة، وهو اليوم أقصر رجل أعمال بين أترابه، وهو أقصر بسنتيمترات من زوجته، وهو مَحَطّ أنظار في كلّ مرة يُطلق فيها شخص ما "مِزاحاً سَمِجاً" عن الطول والقصر.. فهل هو "حالة خاصة"؟ أم حالة كانت تحتاج إلى علاج لتنمو؟ وماذا عن العلاجات الطبيعية في مثل هذه الحالات"؟

قبل أن يُصبح الرجل قصيراً كان طفلاً يعاني نقصاً هُرمونيّاً، وقبل أن يُطلق عليه صفة "الرجل القصير" كان طفلاً يحتاج إلى مراقبة وعناية، وقبل أن يُقال "فات الأوان" فلنسأل: هل في الإمكان بعد إصلاح الخطأ الهرموني؟ وكيف يمكننا الإحاطة من خلل "هُرمون النمو"؟

سَرَى الكلام في الموضوع، في لقاء دعت إليه "الجمعية اللبنانية لطب الأطفال" و"نوفو نورديسك"، دار فيه الحديث عن جدوى تفعيل عملية مراقبة ومُعاينة النمو منذ يُطلق الطفل أولى صرخات الحياة، أي من المهد إلى... اللَّحْد. فماذا في التفاصيل؟

اختصاصي أمراض الغدد الصماء، الدكتور وسام فياض، يوصي بضرورة المراقبة الدولية للنمو مرّة في السنة على الأقل، على أن يجري تدوين الوزن والطول على رسم بَياني للنمو، بهدف الكشف عن أي انحراف، على أن يخضع الصغير لتقييم سريري، وفحوص دم وفحوص أخرى، خاصةً من أجل تحديد عمر العظام، والتشخيص الصحيح، والعلاج المناسب.

 

قبل فوات الأوان:

سبب قِصَر خَلل في النمو، أما مشكلة الأطفال المعرَّضين، فهي تكمن في أن مُعاينة النمو في انتظام تتوقف عادةً بعد عمر السنتين... والحلّ؟ إذا لاحظتم تأخراً في نمو صغاركم، اطلبوا إجراء فحص النمو وكرّروه، واسألوا عن العلاج بَدَل الاستسلام للقلق و"الحالة"، واسألوا الطبيب بوضوح: هل نمو الطفل الجسدي يقع ضمن الحدود الطبيعية في مخططات النمو أم لا؟

تسألون: ما هذه الحدود الطبيعية للنمو؟ هل لها مقياس عام، أم تخضع لبنيان الأهل الأساسي والوراثي؟ وهل هناك علاج فعّال لاضطرابات النمو؟ وما مقاييس النمو الطبيعية؟

العلاج مُمكن وفعّال إذا جرى تشخيص "الحالة" في مراحل النمو الأولى. وتختلف معدّلات نمو طول القامة، في الحالات الطبيعية، بحسب عمر الطفل. وهو ينمو عادةً، في الحالات الطبيعية، خلال عامه الأوّل بمعدّل 24 سنتمتراً. وفي عامه الثاني يتباطأ نموه ويتدنّى إلى أحد عشر سنتمتراً. أما في عامه الثالث فيبلغ معدل نموه نحو 8 سنتيمترات. ويُفترض ألّا يتدنّى معدل النمو بين سن الرابعة وحتى سن البلوغ عن 5 سنتيمترات. وطبيعي أن تؤدي التغييرات التي تحصل في سن البلوغ إلى نمو مُفاجئ بمعدل 9 سنتيمترات خلال سنة واحدة، ويحصل هذا النمو عند الفتيات في سن العاشرة تقريباً، أمّا عند الصبيان ففي سن الثانية عشرة. ويتوقف نمو الجنسين في الخامسة عشرة للفتيات، والسادسة عشرة للذكور، ويتوقف انصهار العظام، لكن نعود إلى الأساس: ماذا لو لاحظتم هذا التوقف في مرحلة مبكرة؟

الكشف المبكر، قبل انصهار العظام وتوقف النمو، مهم جدّاً من أجل علاج الولد مبكراً، والحصول على نتائج إيجابية، ويُصار عادةً إلى تشخيص سبب الإصابة عبر إجراء فحص قصور هُرمون النمو، من أجل استبعاد الأسباب الأخرى، التي يُحتمل أن تؤدي إلى قِصَر القامة، وفي حال ردّ السبب إلى قصور هُرموني، يُصار إلى تحفيز هرمون النمو لدى الطفل عبر وصف علاج هُرمون النمو البشري، غير أنّ الأطفال قد لا يتفاعلون معه بالطريقة نفسها. ويُعطَى هذا العلاج عادةً عبر حقن يومية، ويمكن أن يوخز المريض نفسه، بعد تدريبه على ذلك طبعاً، من دون حاجة في الأغلب إلى مساعدة أحد.

إذن، يُعدّ هرمون النمو أساسياً في بناء الجسم وتعزيز وظائفه، وهو، إلى إسهامه في إطالة القامة، يضمَن قوّة وصحّة العظام وتنظيم عملية الأيض في جسم الإنسان، لاسيّما التوازن بين العضل والدهون، كما يُعزز مستويات الطاقة، ويحث الجسم على إفراز هرمونات مختلفة وعوامل النمو.

 

حين تتعدّد الأسباب:

تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة: إنسان قصير القامة... فهل نفهم من هذا أنّ هرمون النمو قد لا يكون وحده مسؤولاً عن هذه النتيجة؟

يكون والد أو والدة الولد القصير، في أحيان كثيرة، قد عانَى قِصر القامة، أو مَن تأخّر في البلوغ وبطء في النمو، وفي التغييرات الخاصّة بسن البلوغ. في كلّ حال يتراوح الطول الطبيعي والنهائي الذي يُفترض أن يبلغه الأطفال عادةً، حين يصبحون راشدين، مُعدّل طول الوالدين، وتحديداً طول الوالد بالنسبة إلى الصبيان، وطول الوالدة بالنسبة إلى الفتيات.

ثمّة أسباب خلقيّة قد تُسهم بدورها في قصور في النمو، وتتسبب ببطء عملية النمو داخل الرحم، وبخلّل في الهيكل العظمي، وبتغيّرات الصبغيات نتيجة عدوى تكون قد التقطتها المرأة الحامل، أو بسبب كثرة التدخين وشرب الكحول، أو تعاطي المخدرات خلال مرحلة تكون الجنين.

وقد تُعيق الحالات المرضية المزمنة بدورها، النمو بسبب تأثيرها في قدرة الجسم على استخدام المواد المغذية بشكل صحيح، ومن هذه الحالات: الأمراض الكلوية، أمراض الجهاز الهضمي، أمراض القلب والرئتين، واستخدام بعض الأدوية بجرعات مفرطة ولفترات طويلة، قد يؤثر أيضاً في النمو.

يتوقف كثيرون عند تأثير الغذاء في النمو، وينهمكون في تقديم الوجبات الدسمة إلى أطفالهم، ظنّاً منهم أنّها ستكفل لهم بنياناً جسدياً سليماً ونموّاً صحيحاً.. فهل هذا صحيح؟

علمياً، تؤثر مشاكل التغذية في النمو بطريقتين مختلفتين: تتأتّى الطريقة الأولى، وهي الأكثر انتشاراً في عالمنا، عن انتشار الأنظمة الغذائية غير المناسبة، وذات السعرات الحرارية القليلة، أو اختيار تناول المجموعات الغذائية الخاطئة. أمّا الطريقة الثانية، فتتسبب فيها أمراض موجودة، تحول دون امتصاص الغذاء من الأمعاء، ما يمنع الجسم من استخدام هذه المواد المغذية المحفّزة للنمو، ولعلّ اكتشاف مثل هذه الحالات تكون بمرور المصاب بأعراض غثيان متكررة، وتقيّؤ وغازات مفرطة، وإسهال أو إمساك متكررين، وهَزالة الطفل مُقارنةً إلى طوله.

 

عودوا إلى "الطبيعة":

ما دمنا نتحدث عن الغذاء، دعونا نسأل: هل يُمكننا الوقاية من "قِصر القامة" ببعض السلوكيات الطبيعية؟

أوّلاً، النوم ثمّ النوم ثمّ النوم، فالأبحاث دلّت على أنّ النوم ليلاً، لمدة 7 ساعات متواصلة، يُعزّز إفراز الهرمون الطبيعي.

ثانياً، يُفترض تناول آخر وجبة طعام قبل النوم بنحو ساعتين على الأقل، لأنّ الجسم سيضطر خلال الليل، في حال تناولتم عشاء متأخراً إلى إنتاج الأنسولين، وهذا ما يؤدي إلى ضعف إنتاج هُرمون النمو.

ثالثاً، مارسوا الرياضة، مارسوها في استمرار، لأنّ النشاط البدني يساعد على تمدّد الأوتار والعضلات، ما يسمح بسريان الهرمون الطبيعي في الجسم، ناهيك عن أنّ الرياضة في حدّ ذاتها، خصوصاً في الصباح، تُحفز إفراز الهرمون.

رابعاً، اضحكوا من قلوبكم، من أعماقكم، لأنّ الضحك الحقيقي يُعزز إفراز هرمون النمو، ويحد من إفراز هرمون التوتر الذي يؤثر سلباً في معدلات النمو. في كلّ حال، هل تتصورون أنّ مجرد مشاهدة فيلم كوميدي جميل يزيد من نسبة تدفُّق الهرمون في أجسادكم بمعدّل يُلامس 90 في المئة؟

خامساً، عزّزوا أطباقكم بالمأكولات المفعمة بالكالسيوم والمغنيسيوم والفوسفور والحديد واليود والمنغنيز، وابتعدوا عن تناول المشروبات الغازية، وعن السكر والدهون، وخفّفوا من القهوة، وتذكروا دائماً أنّ التدخين المبكر خصوصاً، يُعيق من معدّلات النمو.

 

"اللّي ضَرب ضرَب"...

هناك سؤال قد يلحّ في بالكم الآن بالذات: هل ينفع العلاج الهرموني والعلاجات الطبيعية في عمر مُتقدّم، بعد سن العشرين مثلاً؟

ليس خفيّاً على أحد، أنّ إفراز هرمون النمو يتضاءل "طبيعياً" بعد سن البلوغ. لكن، هناك من يُصرّ على الجزم بأنّ إمكانية إطالة القامة تظل ممكنة دائماً من 5 سنتيمترات إلى 20 سنتيمتراً. أتتخيلون؟ هل تتخيلون أنّكم قد تزيدون طولاً عشرين سنتيمتراً؟ هو طبعاً شعور رائع. لكن، هل هو ممكن حقاً؟

لا، ليست الحقن الهرمونية حلّاً في هكذا حالات، لأنّه قد يكون لها تأثيرات سلبية. والحل الطبيعي يكون دائماً أفضل، بمعنى الإصرار على تناول الطعام الصحّي والنوم والقيام بتمارين التمدّد، مثل محاولة ملامسة أطراف أصابع القدمين بأصابع اليدين، خلال الاستلقاء على السرير، مع الإبقاء على هذه الحالة بضع ثوانٍ، ثم تكرار هذا التمرين 5 مرات على الأقل صباحاً ومساءً، وهذا يجعل الظهر ليّناً ومستقيماً. اليوغا أيضاً تُفيد. السباحة مثلها، والركض أيضاً وأيضاً. واحرص بالتالي على ممارسة كلّ التمارين التي تركّز على العمود الفقري والعنق والساقين.

هل هذه التمارين تكفي كي تطول القامة سنتيمترات إضافية؟

لا، لن تطول القامة بعد سن البلوغ. لكنها ستظهر أكثر طولاً من قبل، وستتمتع بليونة هائلة، وهذا يجعلها مطّاطة وجذابة.

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قصير القامة، وهو ينتعل دائماً حذاء بكعبٍ عالٍ. دييغو مارادونا قصير القامة. جوزف ستالين كان أيضاً قصير القامة، ومثله نابليون بونابرت، وأدولف هتلر، وعبد العزيز بو تفليقه.. الذي أجاب ذات يوم، يوم سُئل عن قِصر قامته: يكفيني أن أكون أطول من نابليون بونابرت بـ3 سنتيمترات.

إذن، الطول ليس عائقاً أمام التطور الفكري والجسدي. لكن، إذا كان ممكناً ببعض العناية الطبّية البسيطة التنبُّه إلى "القامة" فلِمَ؟

 

لماذا لا؟

لأنّ هناك مَن يقول: لو كان نابليون بونابرت أطول بقليل لكنا ربما في عالم آخر! فالقامة الفارغة تمنح مزيداً من الثقة بالنفس، وقصر القامة الناتج عن خلل في هُرمون النمو، يَرْتَد أكيد مشاكل صحّية.. والحل؟ يبدأ في عناية أكثر واستخفاف أقل!►

ارسال التعليق

Top