بين طموح الإنسان وقدرته على تحقيق ما يطمح إليه تقف منظومة من العوامل النفسية، والبيئية، والاجتماعية لتيسر تحقيق هذا الطموح أو تعسره.
ومن المهم أن يكون الطموح شرعياً ومرناً يتوافق مع الظروف والإمكانات، ولا يتجاوزها ليتحول إلى "جموح".
وحتى لا يصاب الفرد بإحباطات نفسية، وانتكاسات شعورية لفشله في الوصول إلى ما يطمح إليه يقدم لنا د. سيد صبحي – أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس – نصائح وإرشادات تكفل للفرد منذ طفولته مناخاً وبيئة يعاونانه على تحقيق طموحاته، ويجنبانه الشعور بالهزيمة والإحباط.
في البداية يرى د. سيد صبحي أن هناك فرقاً بين التطلع والطموح، فيقول: التطلع هو شعور الابن بأنّه فخور بما يعمل، ويحظى بتقدير جميع من يحيطون به ويلتفون حوله، أما الطموح فهو النتيجة النهائية للتطلع، وقد يكون الترجمة الحقيقية لما يريد المرء أن يكون عليه من إنجاز ورفعة، وعندما يهدف التطلع أو الطموح إلى تحقيق هدف معين ومحدود، فإنّ الفرد يسعى به إلى أن يرضى الناس عنه ويباركوه، وعلى سبيل المثال يكون الابن في غاية الرضا عندما يمدحه والده على رسم من الرسوم عبّر فيه بتلقائية عن موضوع أثار إعجاب والده، فهنا يزداد شوق الفرد ويشتعل حماسه فيدفعه ذلك إلى التطلع والإنجاز. ويضيف د. سيد: لابدّ من متابعة المرء في تطلعاته حتى لا يخرج بها عن السائد والمألوف، فيصطدم بالقدرة المحدودة التي لا توافق هذا التطلع، ولا تحقق له ما يريد من إنجاز، مما قد يؤدي به إلى سوء التوافق النفسي الذي ينعكس بدوره على سلوكه، ويؤثر على وضعه النفسي والاجتماعي.
كيفية الإنجاز:
والعوامل التي قد تؤثر بدرجة ما على مستوى التطلع، وما قد يتبعه من إنجازات، يحددها د. سيد في النقاط التالية:
- تعرف رغبات الأبناء التي يريدون تحقيقها.
- توفير الخبرة السابقة التي سوف تتعهد هذه الرغبات مثل الآباء، والأُمّهات، والمربيين.
- القيم الشخصية والاجتماعية التي تعلمها الشخص أثناء عملية التطبيع الاجتماعي.
- المستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة.
- المستوى الثقافي مدى توافر أدوات الثقافة داخل المنزل، وتوظيفها على النحو الأكمل.
- الظروف البيئية المحيطة.
- تأثير الأقران وعقد المنافسات بينهم.
- وجود الجماعة المشجعة.
- رفض الجماعة للإنتاج الفاشل، خاصة إذا لم تتوافر فيه عناصر الجدة والأصالة، وتتجلى من خلاله المهارة، ويحظى بقبول الجماعة.
ويرى أستاذ الصحة النفسية أن هناك بعض العوامل التي قد تؤدي إلى عدم تحقيق تطلعات أبنائنا، ومن هذه العوامل ما يلي:
الظروف الاجتماعية غير الملائمة للمرء التي قد تأخذ شكلين رئيسين:
1- إحاطة الابن بظروف اجتماعية غير ملائمة لظهور تطلعاته.
2- عدم تقدير المجتمع المحيط به لأعماله وإنجازاته.
وبالنظر إلى هذين الشكلين نجد أنّه من الصعب علينا دراسة الأفكار التي قد تسبب إهانات للابن أو تقلل من طموحه وتطلعاته، ولكن الذي يمثل خطورة أنّ الابن قد يجد المدرسة تشجع الفكر التقليدي الذي يعتمد على الاستظهار، مما قد يجعله يرى التفوق من خلال التفكير المقيد المحدود الذي يرتبط بالخبرات والمعلومات التي يقدمها المنهج الدراسي، وما على المتفوق – في نظر المجتمع المدرسي – إلا أنّ يحفظها ويستظهرها ويقدمها – إذا أراد لنفسه التفوق – كاملة غير منقوصة، ومن هنا ربما لا نجد للتفكير المنطلق ثوابه، وتقديره.
الوالدان.. والمنزل:
ويقول د. سيد صبحي: إنّ المنزل – بالنسبة إلى أي شخص – يمر بالكثير من الأحوال التي قد تؤثر عليه انفعالياً وعقلياً، والتي بدورها قد تؤدي إلى إضعاف جذوة التطلع عند الابن، وتعمل على الحد من ظهوره إلى حيز التحقيق، خاصة إذا كانت هذه الظروف المنزلية – غير الملائمة – يغلب عليها طابع التسلط، وتتسم بالقسوة في المعاملة، أو التذبذب، أو التفرقة أو ما شابه ذلك من اتجاهات والديَّة مسرفة في الشدة وبعيدة عن الأصول التربوية والنفسية السليمة.
وينبه إلى أن أحوال المدرسة غير الملائمة تؤثر في تطلعات المرء وتحد من قدراته، فكثيراً ما نجد أنّ المدرسة كمؤسسة تربوية تجافي هذه الحقائق التربوية التي تعد من أهم أدوارها الاجتماعية، وخاصة أننا نلاحظ أنّ المدرسة لم تعد تقدم إلا ما هو متاح من خبرات محدودة في شكل المناهج والمقررات الدراسية، وقد يصل الأمر بهذا النوع من المدارس إلى ترسيخ تلك القاعدة في ذهن الأبناء، والتي ترى أنّ النجاح لا يتم إلا على أساس الحظ والاستظهار لهذه المقررات.. واعتماداً على هذا التصور الخاطئ يصبح الطفل صاحب التطلع الابتكاري في صراع داخل قفص المقررات، مما يحدونا إلى إعادة النظر في أمر المقررات باعتبارها المحك الوحيد للتفوق، وإعادة النظر في أمر الأنشطة المدرسية، وتصحيح النظرة الخاطئة إليها باعتبارها مضيعة للوقت، ثمّ الاهتمام بإعداد الأفراد المؤهلين للتعامل التربوي السليم مع الطموحين منطلقي الفكر.
المصدر: مجلة المجتمع/ العدد 1373 لسنة 1999م
ارسال التعليق