• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الطفل المتلقي

عبدالله محمّد الدرويش

الطفل المتلقي

◄تطرح تساؤلات كثيرة حول فهم واستيعاب الأطفال لكثير من الأعمال التي تقدّم، إذ إنّ مسألة فهم العمل، أو ما يُسمّى بتحقيق مهمّة الفن الإيصالية، هي مسألة أساسية ورئيسة وشرط لتحقيق وظائف الفن الأخرى، وخاصّة إذا توجّه العمل للمشاهد الصغير الذي لا يتمتع بقدرة عالية على التفكير، ولا بالتجربة الحياتية الكبيرة التي تُمكِّنه من استيعاب المصطلحات التجريدية، طالما كانت غير مرتبطة بشخصيات ملموسة أو بحوادث وتفصيلات على جانب من الفن، أو يعكس تناقضات الشخصيات الحادة - الأبيض والأسود - .

وهذا يستدعي الانتباه لجملة قضايا، منها:

1- صعوبة تصنيف جمهور الصغار حسب نوع الاهتمامات مثل جمهور الكبار.

2- لا يتمتّع الطفل بصبر الكبار، هذا الصبر الذي يدفع الكبير لمتابعة مسلسل طويل، إذا لم يكنف فيه ما يشدُّ من البداية.

3- لا نستطيع تقييد الطفل بالأعراف التي تجعله يجلس بهدوء واحترام حتى عندما يشعر بالملل الحقيقي، ويعوّض ذلك بنوعية تلقيه للعمل والتي تتميز بتلقائية نشيطة وفعّالة يفتقدها المشاهد الكبير.

4- يتمتّع الطفل بالتطابق الكلّي مع البطل، ومع الصدى الداخلي للعمل.

5- ولا تخلو تقسيمات العمر عند الطفل المتلقي من مشاكل وصعوبات، وخاصّة فيما تحمله من اختلافات في صعوبة التلقي، وبالتالي: تحبيذ نوع فنّي معيّن عند الأطفال.

6- ويجب الانتباه إلى كون الطفل متلقياً يشبه الكبير، من حيث إنّه يتصوّر ويشعر ويُفكِّر؛ ولكن بطريقة مختلفة.. وإذا ركّز في العمل الفني على ضرورة سهولة الفهم عند الطفل المتلقي، فقلص دور التصور والتخيل، وألغيت مشاركته الذهنية الفعّالة، فإنّ هذا يؤدي به إلى التلقي الاستهلاكي، فلا يتكوّن عندنا المتفرج والمستمع والقارئ، وإنّما المستهلك، وبذلك يُحرّم من دخول عوالم الفن الحقيقي والتي تفترض متلقياً متطوّر الحس.

7- والعملية الاتصالية تفترض وجود المتعة والكشف.. علماً أنّ الطفل في درجات العمر المنخفضة يتملك الواقع بشكل غير كامل، وغير مترابط، وهذا الواقع يفتح أبوابه أمام الطفل بشكل جزئيات أو تفصيلات غير مترابطة، وانتباه الطفل ينتقل من واقعة إلى أخرى، دون أن يتمكّن من الاستقرار في مكان واحد، وهذه الحركة المستمرة تصبغ تلقيهم المضطرب الذي يقود بدوره إلى عدم التركيز على العام وإنّما على الجزء. وهذا ينعكس في نفسه، ومنه يحكم على العمل، فمسألة الكلّ غير مطروحة لدى الأطفال في مرحلة عمرهم الأولى نتيجة لالتصاقهم بالجزء أو بالتفصيل، لأنّهم في هذه المرحلة ليسوا بحاجة لفهم مطلق لكلّ شيء.

8- ويعطي الطفل الأولوية للحكاية التي تغلب على لغتها القوّة الشعرية، والصورة الفنية على الرغم من عدم فهمهم لكلِّ شيء.

9- ويركّز على الحكاية المكتوبة بأسلوب مبسط جدّاً، دون تزيينات أدبية.

10- وهذه المهمّة الاتصالية لا تعني أنّ الطفل يجب أن يفهم كلَّ شيء، لأنّ شخصية الطفل وشكل تلقيه لا يتطلبان هذا، كما أنّ عدم فهم جزء معيّن من العمل، ليس دليلاً على عدم تقبّل الطفل العام له، ولا يعدُّ طعناً في قيمته الفنية.

11- والملاحظ: أنّ الطفل ينخرط في أدبه حالما يرى سبيله إلى تلقيهِ، وليس سبيل التلقي سياق النص وحده، بل اندفاعه في السياق التربوي أوّلاً وأخيراً، وإنّ عنصر التقنية وشروطها، مكمن الأسلوب الذي لا ينفصل عن البيان والخيال بوصفهما محرّضات ترسم فضاء المنتج الفني.

12- ولا يعني البيان هنا الألفاظ والتراكيب، بل مجمل العلاقات الناظمة لوحدة المنتج.. أمّا الخيال، فهو مناخ لاستطاعة المدى الإبداعي الذي يرى فيه الطفل نفسه أمام سياق العمل أو ضمنه.

13- وبما أنّ التلقي الذي يشدُّ الطفل، لا ينفصل عن البيئة التي يخرج منها وخاصّة والديه، فيُركَّز على المحبّة التي يكنُّها لوالديه، ووضع علماء التربية عشر علامات لمعرفة ما إذا كان ابنك يحبّك:

* إذا كنت مثله الأعلى.

* إذا كنت صديقه الحميم.

* ويهمّه رأيك في أعماله وسلوكه.

* ويفرح لقدومك ويتلهف لغيابك.

* إذا ساءه ما يسوؤك.

* وكان حرصه أن يكون دوماً بجانبك.

* إذا استشعر أنّك أكثر مَن يحبُّه.

* يسعد باللعب معك ومداعبتك.

* يحرص أن يُكلِّمك ويعطيك رأيه.

* يفرح بعناقك.

فاعرف أنّه يحبّك، ويعرف أنّك تحبّه.

وكذلك مَن يشاهد شيئاً، فإمّا أن يفرح به، وإمّا أن يسوؤه، وكلّما سعد بوجوده وهشَّ له، كان من أقرب الأشياء لقلبه.►

 

المصدر: كتاب الأطفال (الطريق إلى المستقبل)

ارسال التعليق

Top