• ٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أتمنى لو أصفعه

أتمنى لو أصفعه

هو:

كنت أعرف أنّ لي ميولاً شريرة، لكنني اكتشفت أنني وغد في اليوم الذي جاءت فيه تهاني للعمل في قسم العلاقات العامّة. إنّها موظفة مبتدئة صغيرة وجذابة، وأنا رئيس القسم الذي شاء له الحظ أن يكون مشرفاً على تدريب العصفورة وتعليمها أصول الطيران والرفرفة بالجناحين. ما الغريب في أن تستثير عندي تهاني أحاسيس ذات طابع بدائي؟ أليست هذه هي الطبيعة البشرية منذ أيام الخليقة الأولى؟ أنا رجل ترك مستقبله وراءه، وهي امرأة تتطلع إلى المستقبل الذي أمامها، ومن حقها عليّ أن أمنحها شيئاً من خبراتي، ومن حقي عليها أن أنال مكافآت نظرية وعينية.

تحاول تهاني أن تتحاشى نظراتي السافرة، وأن تتفادى الدخول إلى مكتبي حين أكون وحيداً. لكنني أتلذذ بأن ألعب معها لعبة القط والفأر، فأطلبها إلى غرفتي وألاعبها بالكلام والإشارات وأنتفخ من الزهو وأنا أراها قلقة ومنكمشة، تتلعثم في ردودها وتخشى النظر في عيني لئلا أفترسها. أنا لست بوحش مفترس، لكنني مجرد أفعوان صغير يحب أن يتسلى بالحشرات والزواحف الأصغر منه في الحجم والخطورة. إنّ واحدة مثلها لا تهددني في شيء. لكن مديراً مثلي قادر على أن يدفعها قدماً في السلّم الوظيفي وفي جداول المكافآت والامتيازات، أو أن يتركها تراوح مكانها، أسفل السلّم.

وطبعاً، فإنني لست مطلق اليدين في تصرفاتي، ولا أملك كامل الحرية في التحرش بموظفة في القسم الذي أديره. إنّ هناك مديرين أعلى مني وجهاز رقابة يمكن أن يردعني لو تجاوزت. لهذا، أحرص على خطواتي وأحسبها بحيث لا يمكن لتهاني أن تمسك دليلاً ضدي، لا بالقول لا بالفعل. إنها الفأرة المذعورة التي يثيرني جمالها ويفتتني شبابها، أكتفي بالتهامها بعينيّ والتقرب منها وتنشق عبير عطرها الفواح وتخيل هفهفة شعرها الحريري على وجهي. ما الشكوى التي يمكن أن تقدمها ضدي؟ هل تقول إنني شممت عطرها؟ سيقولون لها: ولماذا تتعطرين إذن؟ لقد حرصت على أن أحرق كلّ آثاري وراثي ولا أطمح سوى إلى رؤية تهاني ترفع الراية البيضاء وتسايرني وتتجاوب مع أحاسيسي. عصفورة تصادق أفعى.

هي:

طوال عمري وأنا أحلم باليوم الذي أنهي فيه دراستي وأحصل على عمل في دائرة محترمة. وقد تحقق حلمي، أخيراً، غير أنّه جاء على غير ما تمنيت واشتهيت. إنّ الدائرة محترمة، لكن المدير ذو عين فارغة، يستدعيني إلى مكتبه بحجة إرشادي إلى تفاصيل العمل وإعطائي بعض التوجيهات، لكنه يغلق الباب ويدور حولي وكأنه يتأمل وليمة بعد أيام من الجوع. كيف يمكن لرجل في سن والدي أن يفترسني بهذه الطريقة المهينة؟ لقد حاولت أن أرسم علامات الغضب والاستنكار على وجهي. لكن غضبي يزيده انفعالاً بل واستخفافاً. إنّه يستهين بي ويدور حولي وكأنني فأرة في مختبر للتجارب، بيني وبينه زجاج شفاف غير مرئي، أخشى أن يتجاوزه ذات يوم فأضطر إلى أن أرفع كفي وأصفع حضرة المدير.

ماذا سأجني غير الفضيحة والطرد من العمل؟ من سيقف معي ويصدق كلامي أمام سطووة رجل دخل هذه الدائرة قبلي بعشرين سنة؟ هل يفرطون فيه وفي خبرته ويتمسكون بسواد عينيّ؟ لقد حاولت أن أكشف الأمر لأهلي، لكنني أخاف من رد فعلهم ومن احتمال أن يدخل شقيقي الأوسط المتهور على المدير ويشبعه لكماً أمام أنظار الموظفين والموظفات. إنّ أخي قد يدخل السجن بسببي، عدا تداعيات الفضيحة. لذلك، فإنّ الحل يبقى بيدي وحدي وعليّ أن أواجه هذا البعبع الأحمق بنفسي. لكن كلّ الكلام، الذي أكون قد تمرنت عليه لكي أقول له، يتبخر حين يقفل باب المكتب ورائي، فإذا بي أرتجف من القلق، وتهرب شجاعتي وأتحول إلى ريشة في مهب رجل مريض.

فكرت أن أستقيل من العمل. لكنني لن أضمن حصولي على موقع جيد مثل الذي أشغله في هذه الدائرة المرموقة. وخطر في بالي أن أطلب نقلي إلى قسم آخر. لكنني لا أفهم في الحسبات ولا في الأرشيف أو أي تخصص غير تخصصي. لهذا، فإنني أذهب إلى عملي، كلّ يوم، وكأنني ذاهبة إلى سجن أو مشنقة. وقد كرهت نفسي وفقدت شهيتي للطعام ونقص وزني، بحيث خافت أمي عليّ من المرض. إنّ والدتي امرأة بسيطة وليس في مقدورها أن تساعدني، وليس أمامي سوى أن استجمع شجاعتي وأدوس على رأس الثعبان قبل أن يلدغني. سأطلب من زملائي المساعدة وسأهدده بأشقائي، ولن أسمح له بأن يقفل باب المكتب بعد الآن.

ارسال التعليق

Top